الصــراع الـدولـي
فرع بنغازي

تمثل ظاهرة الصراع واحدة من أبرز ظواهر عالم السياسة الدولي ،وبالتالي فقد ظلت دوما تستقطب اهتمام المعنيين بدراسة العلاقات الدولية ،وتحتل مكانا مرموقا في مؤلفاتهم بل وراحوا يفردون لها عشرات من الدراسات البحثية بغية استجلاء طبيعتها ،والإحاطة بشتى جوانبها وتداعياتها . ثم ما برح فريق من الباحثين أن راح يصب اهتمامه على مسألة إدارة الصراع الدولي فظهر بذلك حقل معرفي جديد في هذا الصدد .

إن ظاهرة الصراع ظاهرة ذات أبعاد متناهية التعقيد، بالغة التشابك، يمثل وجودها أحد معالم الواقع الإنساني الثابتة، حيث تعود الخبرة البشرية بالصراع إلى نشأة الإنسان الأولى، حيث عرفتها علاقاته في مستوياتها المختلفة: فردية كانت أم جماعية، وأيضاً في أبعادها المتنوعة: نفسية أو ثقافية، سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو تاريخية، عند النظر للمسار التاريخي للحياة البشرية، نجد أن الصراع يمثل أحد أهم الحقائق الثبوتية في واقع الإنسان والجماعة على مختلف المستويات والأطر. إذ نجد في إطاره البيولوجي الصراع بين الأجناس والأفراد، والنفسي بما يعانيه الإنسان من صراع مع ذاته، والأنثروبولوجي في الصراع الثقافي، ناهيك عن الصراع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره من أنماط الصراع المختلفة.

مفهوم الصراع الدولي 

بالعودة لبعض محطات التاريخ نلاحظ ورود مصطلح الصراع في الحضارات القديمة كالحضارة الإغريقية والرومانية، حيث استخدم مصطلح “صراع الآلهة” للتعبير عن الصراع بين القوى الخارقة في الأساطير الإغريقية كصراع أخيل وهكتور  في ملحمة طروادة الأسطورية. وما نجده من صياغة نظرية في أدبيات الإغريق تعكس رؤيتهم للصراع، نجده أيضا في وما بين الحضارات الأخرى، وصولاً للأديان الوضعية ثم الإبراهيمية وما تبع ذلك من تحولات فكرية غيرت من بنية العلاقات الإنسانية وقادت لبناء الدولة الحديثة، الأمر الذي أدى بدوره لبروز مستوى جديد من الصراع تمثل في الصراع الدولي.

وفى إطار استعراض بعض التعريفات اللغوية التي تقدمها دوائر المعارف والقواميس اللغوية لمفهوم الصراع، فإن دائرة المعارف الأمريكية تعرف الصراع بأنه عادة ما يشير إلى حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته. أما دائرة معارف العلوم الاجتماعية فإن اهتمامها ينصرف إلى إبراز الطبيعة المعقدة لمفهوم الصراع، والتعريف بالمعاني والدلالات المختلفة للمفهوم في أبعاده المتنوعة.

من المنظور النفسي

يشير مفهوم الصراع إلى موقف يكون لدى الفرد فيه دافعُ للتورط أو الدخول في نشاطين أو أكثر، لهما طبيعة متضادة تماما”، وهنا يؤكد موارى على أهمية مفهوم الصراع في فهم الموضوعات المتعلقة بقدرة الفرد على التكيف الإنساني وعمليات الاختلال العقلي

أما في بعده السياسي

فإن الصراع يشير إلى موقف تنافسي خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق في المواقف المستقبلية المحتملة، والتي يكون كل منهما أو منهم، مضطراً فيها إلى تبنى أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى.

ومن ثم فإن الصراع في بعده الاجتماعي إنما يمثل نضالاً حول قيم، أو مطالب، أو أوضاع معينة، أو قوة، أو حول موارد محدودة أو نادرة”، ويكون الهدف هنا متمثلاً “ليس فقط في كسب القيم المرغوبة، بل أيضاً في تحييد، أو إلحاق الضرر، أو إزالة المنافسين أو التخلص منهم.

الصراع في مثل هذه المواقف، وكما يحدد كوزر، يمكن أن يحدث بين الأفراد، أو بين الجماعات، أو بين الأفراد والجماعات، أو بين الجماعات وبعضها البعض، أو داخل الجماعة أو الجماعات ذاتها. تفسير ذلك يرجعه كوزر إلى حقيقة أن الصراع في حد ذاته أحد السمات الأساسية لجوانب الحياة الاجتماعية.

البعد الأنثروبولوجي للصراع

إن الصراع ينشأ أو يحدث نتيجة للتنافس بين طرفين على الأقل. وهنا قد يكون هذا الطرف متمثلاً في فرد، أو أسرة، أو ذرية أو نسل بشرى معين، أو مجتمع كامل. إضافة إلى ذلك، قد يكون طرف الصراع طبقة اجتماعية، أو أفكاراً، أو منظمة سياسية، أو قبيلة، أو ديناً. وهنا فإن الصراع يرتبط بالرغبات أو الأهداف غير المتوافقة، والتي تتميز بقدر من الاستمرارية والديمومة يجعلها تتميز عن المنازعات الناتجة عن الشطط، أو الغضب، أو التي تنشأ نتيجة لمسببات وقتية أو لحظية. في هذا الاتجاه، يذهب قاموس لونجمان إلى تعريف مفهوم الصراع بأنه حالة من الاختلاف أو عدم الاتفاق بين جماعات، أو مبادئ، أو أفكار متعارضة، أو متناقضة ، أما متغير “الإرادة” عند أطراف الصراع، فإنه يمثل أساساً محورياً في تعريف الصراع لدى اتجاه آخر من كتاب الأدبيات السياسية. ومن ثم يتم النظر إلى مفهوم الصراع باعتبار أنه في جوهره “تنازع للإرادات”، ينتج عن اختلاف في دوافع أطرافه، وفى تصوراتهم، وأهدافهم وتطلعاتهم، ومواردهم وإمكاناتهم، مما يؤدى بهم إلى اتخاذ قرارات، أو انتهاج سياسات تختلف فيما بينها أكثر من اتفاقها“، ومع ذلك، يظل الصراع دون نقطة الحرب المسلحة[.

وبالتالي فإن هناك رأياً ثالثاً يفضل الاهتمام ببنية الموقف الصراعى والمصالح المتضمنة فيه. في هذا الاتجاه، يذهب كل من لوبز وستول إلى أن مفهوم الصراع يمثل أو يعكس “موقفاً يكون لطرفين فيه أو أكثر أهداف أو قيم أو مصالح غير متوافقة بدرجة تجعل قرار أحد الأطراف بصدد هذا الموقف سيئاً للغاية”، ومن هنا يمكن النظر إلى مفهوم الصراع باعتباره “نتيجة لعدم التوافق في البنيات والمصالح، مما يؤدى إلى استجابات بديلة للمشكلات السياسية الرئيسية. وعلى ذلك يخلص الكاتبان إلى “أن الصراع بهذه الكيفية، يعد سمة مشتركة لكل النظم السياسية الداخلية والدولية.

أما الصراع في مفهوم كوزر فإنه يتبلور في ضوء القيم والأهداف التي تمثل الإطار المرجعي لأطراف الموقف الصراعى. وعلى ذلك يرى كوزر أن الصراع يتحدد في “النضال المرتبط بالقيم والمطالبة بتحقيق الوضعيات النادرة والمميزة، القوة والموارد، حيث تكون أهداف الفرقاء هي تحييد أو إيذاء أو القضاء على الخصوم

أهم مسببات الصراع الدولي

1- الصراع على الموارد الطبيعية:

تعود فكرة لعنة الموارد الطبيعية إلى أن وفرة الوقود الحفرى و المعادن النفيسة في البلدان النامية لم ينتج عنها تقدما اقتصاديا و رفاهة اجتماعية حقيقة لشعوب الدول الممتلكة لهذه الموارد بل على العكس كانت هذه الموارد الطبيعية سببا في اشتعال الحروب و تفاقم الصراعات الأهلية التي انتهت بمقتل الآلاف من الأبرياء. يتوقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مالا يقل عن 40% من الصراعات داخل الدول في السنوات ال 60 الماضية، لها صلة بالموارد الطبيعية ، وأن هذا الارتباط يضاعف من خطر تدهور الصراع في السنوات الخمس الأولى له. فمنذ عام 1990، كان استغلال الموارد الطبيعية سببًا في تغذية 18 صراعًا على الأقل، سواء كانت الموارد ‘عالية القيمة’ مثل الأخشاب، والماس، والذهب، والمعادن، والنفط، أو الموارد النادرة مثل الأراضي الخصبة والمياه. فمثلا في أنجولا مولت الجماعات المتمردة حربا أهلية طاحنة لسنوات طويلة من1972 حتى عام 2002 مات خلالها ما يقرب من 1,5 مليون انسان – عن طريق الاستيلاء على الألماس و بيعه في السوق السوداء العالمية .

2 - الصراعات العرقية والإثنية:

الصراع الاثني هو نزاع مسلح بين مجموعات إثنية مختلفة، وتكون غالبا بين دول متعددة الاثنيات كالحرب اليوغسلافية والحرب الأهلية الرواندية والحرب في إقليم دارفور.

أما الصراع العرقي هو عبارة عن تصادم بين الجماعات العرقية حول قضية أو مجموعة من القضايا تسعى فيها كل طائفة عرقية إلى تغيير الوضع القائم  لصالحها. والصراع العرقي عادة ما يكون من أجل قضايا تتعلق بتوزيع الثروات و المشاركة في السلطة، بحيث تهدف الجماعات من خلالها الحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد يتطور الامر الى رغبة الجماعة في الانفصال والحصول على حكم ذاتي لإقليم معين تعيش فيه

3 - التطور التكنولوجي وسباق التسلح بين الدول   

يمكن تفسير ظاهرة الصراع الدولي على سباق التسلح الذي يؤدي لخلق فجوة بين الدول المتقدمة التي لها القدرة على استثمار الثورة التكنولوجية في تطوير القدرات العسكرية، وبين الدول التي لا تتوفر لديها هذه القدرات؛ وهو ما يحفز الدول المتقدمة على افتعال الحروب استغلالا لهذا الفارق. وعلى الجانب الآخر يعمل سباق التسلح على تهيئة البيئة الصراعية من خلال ما يثيره من شكوك في خضم عمله السري؛ إن استمرار التطور التكنولوجى في مجالات ونظم التسلح يدفع بدوره مجموعات المصالح المرتبطة به نحو مواصلة ضغوطها على دوائر صنع القرار للإبقاء على كل أو بعض بؤر التوتر والصراعات ساخنة وملتهبة بما يضمن مصالح هذه الجماعات بأقصى درجة ممكنة

4– الصراع على الحدود البرية والبحرية

أيا كان تعقد مسألة الحدود في الوقت الراهن فإن مشكلة الحدود البرية والبحرية قد أثارت وما زالت تثير كافة المشكلات المتضمنة في جوهر العلاقات السياسية بين الدول، كما أنها راسخة في أذهان كافة المتخصصين وغير المتخصصين؛ لأنها تمثل الإطار الذي تُمارس فيه الدولة سيادتها الفعلية، وتتفرق فيها المصالح الاقتصادية , ومن أمثلة هذه الصراعات : الصراع الهندي الباكستاني حول إقليم كشمير، والصراع اليوناني التركي حول جزر بحر إيجة.

5– الصراع الأيديولوجي وتناقض الافكار والتوجهات.

حيث أن التناقض في الرؤى الأيديولوجية والنتائج المرتبطة به، والتي تجعل من غير الممكن تسوية أو حل هذه الصراعات من خلال عملية المساومة. بل إن الأمر يصبح أكثر صعوبة عندما يتعلق الموقف بصراعات المصالح المرتبطة بتشعب الاختلافات الأيديولوجية بين طرفي أو أطراف الصراع، حيث يضيف البعد الأيديولوجي وضعا خاصا على الصراع يزيد من تعقيده فيصعب بالتالي على طرفيها وأطرافه التوصل إلى حلول مرضية لكليهما

6-صراع البحث عن الدور أو المكانة الدولية

وهي الدول التي لا ترضى عن مكانتها وسط النسق الدولي وتبحث عن دور يناسب مكانتها بما يتفق مع مصالحها، انطلاقا من مدى رغبة الدول فى الابقاء على صورة توزيع القوة فى فترة معينه أو رغبتها فى تعديلها.

مراحل  ومستويات الصراع الدولي :

1- التوتر: يعود التوتر إلي مجموعة من المواقف والميول نتيجة الشك وعدم الثقة. والتوتر بحسب ما ذهب ميرل هو” مواقف صراعية لا تؤدي محلياً علي الأقل إلي اللجوء إلي القوات المسلحة”. “فالتوتر ليس كالنزاع، لأن هذا الأخير يشير إلي تعارض فعلي وصريح وجهود متبادلة بين الأطراف للتأثير علي بعضهم البعض، في حين لا يعدو التوتر أن يكون حالة عداء وتخوف وشكوك وتصور بتباين المصالح، وعلي هذا يعد التوتر مرحلة سابقة علي النزاع.

2- الأزمة: تعني مجموعة الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي علي تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، وهي النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدد عندها مصير تطور ما، أما إلي الأفضل، أو إلي الأسوأ مثل الحياة أو الموت، الحرب أو السلم وذلك لإيجاد حل لمشكلة ما أو انفجارها..

ويشير روبرت نورث إلي أن الأزمة الدولية عبارة عن تصعيد حاد للفعل ورد الفعل، أي هي عملية انشقاق تحدث تغييرات في مستوي الفعالية بين الدول، وتؤدي إلي إذكاء درجة التهديد والإكراه. ولكن لا تؤدي كلها إلي الحروب إذ تسوّى سلمياً أو تجمد أو تهدأ. وتزداد خصوصية مفهوم الأزمة صعوبة إذا أخذ في الاعتبار حقيقة أن المفهوم يكثر استخدامه من العديد من المتخصصين في علوم النفس والاجتماع والسياسية والتاريخ، وفي غيرها من مجالات العلوم الاجتماعية وعلي ما سبق يرى روبنسون أن هناك اتجاها عاما نحو استخدام المفهوم للتدليل علي نقطة تحول تميز ناتج حدث ما بشكل مرغوب أو غير مرغوب فيه، بين الحياة والموت، العنف أو اللاعنف، الحل أو الصراع الممتد

وعادة ما تتم مواجهة الأزمة بإدارتها، أو التلاعب بعناصرها المكونة لها، وبأطرافها بهدف تعظيم الاستفادة من ورائها لصالح الأمن القومي .

3النزاع : جاء في المنازعات الدولية مقدمة للنظرية والتاريخ لجوزيف ناي أن المنازعات الدولية ينبغي أن تكون جزء أساسي يدرس سبب تعقيد النزاعات الدولية ضمن تعقيدات السياسة الدولية حتي يمكن الوقوف وفهم الظاهرة التنازعية. هذا ويري ريمون أرون بأن النزاع الدولي ” ليس وليد الوقت الحالي بل هو موجود منذ العصور القديمة وهو نتيجة لتضاد المصالح ” والمقصود بالنزاع الدولي أنه “خلاف بين دولتين علي مسألة قانونية أو حادث معين أو يسبب تعارض وجهات نظرهما القانونية أو مصالحهما




 

المراجع:  

تدمري عبدالوهاب ،24.2.2020،الصراع الدولي :قراءة في الأسباب وفى تمظهراته المناطقية ، موقع ميادين .

أحمد محمود وهبان ،تحليل إدارة الصراع الدولي ،كلية الحقوق ،جامعة الملك سعود ، 2014

المقالات الأخيرة