الشخصية القانونية للمنظمة الدولية
فرع بنغازي

يقصد بالشخصية القانونية للمنظمة الدولية، قدرة المنظمة على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعاوي أمام القضاء. 

حيث ان  الشخصية القانونية الدولية لا تثبت إلا للدول. لان الدولة وحدها هي شخص القانون الدولي المخاطبة بأحكامه، والتي يكون لها أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية واللجوء إلى القضاء. ولما كانت المنظمات الدولية، مع تطور العلاقات الدولية وتشعبها، أصبحت تؤدى دوراً هاماً ورئيسيا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتباشر العديد من التصرفات القانونية التي تقوم بها الدول – كإبرام المعاهدات، والتقدم بمطالبات دولية، والدخول في علاقات مع الدول والمنظمات الدولية الأخرى و مساهمتها في إنشاء قواعد قانونية دولية جديدة، وجميعها مظاهر للتمتع بشخصية القانون الدولي على صعيد العلاقات الدولية، وإن التمتع بالشخصية القانونية من الخصائص الرئيسية لكل منظمة والتي تجد مصدرها في الوثيقة المنشئة في جملتها، دون حاجة إلى نص يقررها صراحة.

فقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الشهير الصادر في 11 ابريل 1949 على الاعتراف بالشخصية الدولية للمنظمات الدولية ، بإشارتها إلى إن الأمر يقتضى أن تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية في كل من النظام القانوني الدولي والنظم القانونية الوطنية وذلك لضمان ممارسة حقوقها واحترام القانون الدولي.

المنظمات الدولية 

المنظمات الدولية كالأشخاص الاعتبارية تتمتع بحد أدنى من الشخصية بغرض تمكينها من أداء وظائفها، ولذلك فهي توصف بالشخصية الوظيفية. وإذا كان الثابت في النظم القانونية الداخلية أن الأشخاص الاعتبارية تتمتع داخل الدولة التي توجد على إقليمها بشخصية قانونية داخلية فيكون لها حق التعاقد، والحق في اكتساب وبيع الأموال المنقولة والعقارية، وكذلك  الحق في رفع الدعاوي، فإنه من الضروري أيضا التسليم للمنظمات الدولية بشخصية قانونية داخلية لاسيما وهى لا تملك – شأن الأشخاص الاعتبارية – إقليم خاص بها ولا تستطيع أن تمارس وظائفها إلا على إقليم الدول.

فيكون لها أن تبرم اتفاقا بمقتضاه تنشئ مقراً لها على إقليم دولة عضو وهى ما تسمى بدولة المقر، وتكون لها أهلية التعاقد مع الأفراد بالنسبة للأعمال القانونية المتعلقة بالحياة العادية، وكذلك تتعاقد مع الأشخاص الطبيعية والاعتبارية لتأمين أداء خدماتها، ومع منظمات أخرى أو مع حكومات أو إدارات وطنية من أجل عمليات المساعدة الفنية التي تقدمها المنظمة، وبصفة خاصة تتمتع بأهلية اكتساب وبيع الأموال المنقولة والعقارية وبأهلية المثول أمام القضاء.

وإذا كانت جميع هذه الحقوق والصلاحيات تمارسها المنظمات الدولية في أقاليم الدول الأعضاء دون معارضة أو منازعة منها، فإن هذا يعنى التسليم والاعتراف للمنظمات الدولية بشخصية قانونية داخلية. وتطبيقا لذلك جرت العادة على تضمين المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية نصوصا تضفى عليها الشخصية القانونية الداخلية. هذا وتلتزم الدول الأعضاء في المنظمات الدولية بسن القوانين وإصدار اللوائح التي تكفل تيسير ممارسة المنظمات الدولية لشخصيتها القانونية الداخلية في أقاليمها.

وترى الدول أن الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية الدولية يمنحها استقلالا في مواجهتها، الأمر الذي يبدو لها بالغ الخطورة. لأن هذا الاستقلال يعنى أن الصلاحيات القانونية التي تمارسها المنظمات تستند فحسب – على القانون الدولي. وترى الدول أن تمتع المنظمة الدولية بالشخصية الدولية ينبئ بتحول المنظمة إلى حكومة عالمية تنتظم تحت رايتها دول المجتمع الدولي، وفى ذلك مساس بسيادتها واستقلالها الأمر الذي تخشاه حقا. هذا الأمر جعلها تتردد كثيرا في تضمين المواثيق المنشئة للمنظمات نصوصا صريحة تضفى عليها هذه الشخصية.

الآراء الفقهية 

أما عن مدى تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. فيمكن تلخيص الآراء الفقهية التي عرضت بشأن هذه المسألة في رأيين:

_ الرأي الأول: ينكر تماما على المنظمات الدولية تمتعها بالشخصية القانونية الدولية، والحجة التي استند إليها أنصار هذا الرأي مستمدة من معيار السيادة الذي يعتبرونه المعيار الوحيد للتمتع بالشخصية القانونية الدولية، ويرون أن الدولة وحدها هي التي تملك مقومات السيادة من شعب وإقليم وسلطة حاكمة. أما المنظمات الدولية فلا تملك هذه المقومات ومن ثم فهي لا تتمتع بالسيادة، وبالتبعية لا يمكن اعتبارها من أشخاص القانون الدولي. كما أنكر البعض الآخر هذه الصفة بحجة مقتضاها أنه يستحيل إنشاء شخص قانوني بموجب اتفاق دولي إذ يرى هؤلاء الفقهاء أن المنظمات الدولية قد وجدت لتحقيق مصالح الرأسمالية، الأمر الذي جعلهم ينكرون الشخصية القانونية عليها كمحاولة للحد من الآثار السياسية للقرارات الصادرة عن تلك المنظمات.

_ الرأي الثاني: يؤيد فكرة الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، ويرى أنصار هذا الرأي أن التمتع بالشخصية القانونية الدولية يثبت لكل من الدول والمنظمات الدولية على حد سواء. وهى تثبت للدول طبقا لأحكام القانون الدولي التقليدي، أما المنظمات الدولية فقد انتشرت وتنوعت اختصاصاتها الأمر الذي يقتضى خضوعها لنظام قانوني، كما اتسع نطاق تطبيق أحكام القانون الدولي ولم يعد قاصراً على حكم العلاقات بين الدول فقط بل امتد ليحكم ويشمل بالتنظيم علاقات للدول مع المنظمات وعلاقات المنظمات فيما بينها. معنى ذلك أن المنظمات الدولية أصبحت من المخاطبين بأحكام القانون الدولي، وانطلاقا من هذا يتعين الاعتراف لها بالشخصية القانونية.

وقد استمر جدل فقهاء القانون الدولي العام في خلافهم حول إمكانية تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية من عدمها. وانقسم الفقهاء إلى ثلاث فرق.

_ الفريق الاول:  وهم أصحاب النظرية التقليدية ينكرون إطلاق هذه الصفة على غير الدول، على أساس إنها الكيان الوحيد الذي يملك إرادة ذاتية تمكنها من التصرف المستقل على النطاق الدولي. ورأيهم هذا نابع من اعتبارهم إن السيادة هي معيار الشخصية القانونية الدولية.

_ الفريق الثاني:  أنكر الشخصية القانونية المعنوية في الأساس، بحيث إنهم أنكروا تمتع المنظمات الدولية والدول بالشخصية القانونية، ورأيهم نابع من أن الفرد هو الشخص القانوني الوحيد وإنه لا توجد شخصية قانونية معنوية وهم أصحاب المدرسة الموضوعية.

_ الفريق الثالث:  وهم أصحاب النظرية الحديثة، فقد أقروا تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، وأقروا لها أهلية قانونية تكسبها حقوقاً وترتب عليها التزامات في ظل النظام القانوني الدولي.

وعلى الرغم من إن غالبية الفقهاء اعترفوا بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية، إلا إن بعضهم قصرها على بعض هذه المنظمات. فالبعض يقرر إن هذه الصفة لا تكون إلا للمنظمات الدولية التي تملك القدرة على إنشاء القاعدة الدولية أو التي تصدر قراراتها بالأغلبية وليس بالإجماع. وهناك من يؤيد هذا الرأي، لكونه ممن يشترطون القدرة على إنشاء القاعدة القانونية، حتى تثبت صفة الشخصية القانونية للشخص القانوني، ورأيه هذا ينسجم مع المعيار الذي يؤيده.

وإذا كانت الغالبية العظمى من فقهاء القانون الدولي تسلم بأن المنظمات الدولية تتمتع بالشخصية القانونية الدولية – إلا أن هؤلاء المعترفين قد اختلفوا في أساس تمتع المنظمات بتلك الشخصية. فمنهم من اشترط أن ينص عليها صراحة سواء في الوثيقة المنشئة للمنظمة، أو في الاتفاقات التي تعقد في إطارها. ومنهم من اكتفى بأن تستخلص هذه الشخصية من الاختصاصات الضمنية للمنظمة الدولية. ومن الفقهاء من حاول التقليل من آثار هذه الشخصية فيرى أن المنظمات الدولية تتمتع بالأهلية القانونية دون الشخصية القانونية.

كما حاول آخرون من الفقه قصر ثبوت الشخصية القانونية الدولية على بعض المنظمات الدولية دون البعض الآخر. فهي لا تثبت إلا للمنظمات التي تكون لديها القدرة على إنتاج قواعد القانون الدولي كما ذكرنا سابقا .

وهناك من يقيد إضفاء وصف الشخصية القانونية الدولية على المنظمة الدولية بعدد من الشروط، حيث جاء القضاء الدولي وحسم هذا الجدل الفقهي ليعترف بوضوح بتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الشهير الصادر في 11 ابريل1949؛ بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 ديسمبر 1948، في القضية المعروفة بقضية التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الخدمة في الأمم المتحدة.




 

المراجع

_ لينا الصمادي، 25 اكتوبر 2020، ما هي الشخصية القانونية الدولية لأشخاص القانون الدولي، اي عربي.

_ د. وسام نعمت، 16 يونيو 2022، الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، عربية.

 

المقالات الأخيرة