هل تنجح الخطة الأوروبية الجديدة في التخلي عن الغاز الروسي بحلول 2027؟
فرع بنغازي

أعلنت المفوضية الأوروبية، في 6 مايو 2025، خطة شاملة للتخلي عن الغاز الروسي بحلول عام 2027،وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ضرورة قطع جميع روابط الطاقة مع مورد غير موثوق، مؤكدةً أن الطاقة التي تصل إلى القارة الأوروبية "يجب ألا تساهم في تمويل الحرب العدوانية على أوكرانيا". من جهته، أوضح المفوض الأوروبي للطاقة "دان يورجنسن" أن الاتحاد الأوروبي سيكون متحرراً تماماً من الغاز الروسي بحلول نهاية 2027؛ وذلك ضمن سلسلة إجراءات جديدة كُشِف عنها في البرلمان الأوروبي بستراسبورج. وتأتي هذه الخطة الجديدة ضمن إطار استكمال جهود سابقة انطلقت مع خطة RePowerEU في عام 2022 عقب اندلاع الحرب الأوكرانية.

دلالات جوهرية

على الرغم من انخفاض معدلات الوقود الأحفوري الروسي المَبيع إلى أوروبا منذ 2022، فإنها شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2024، ولا سيما من الغاز المسال؛ الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى بلورة خطة أوروبية جديدة قائمة على التخلص من التبعية الطاقوية التاريخية لروسيا بحلول 2027؛ وذلك عبر حظر العقود الجديدة، وإنهاء العقود القديمة، مع تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع موردين بديلين؛ لضمان استقرار الإمدادات. ويمكن الدلالة على أبعاد هذه الخطة بالآتي:

1– الاقتراب من تحقيق هدف الاستقلال الأوروبي في مجال الطاقة: تعتبر الخطة الأوروبية الجديدة للتخلي عن الغاز الروسي بحلول 2027 خطوة إستراتيجية بالغة الأهمية في تعزيز السيادة للاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة؛ فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أدركت الدول الأوروبية أن الاعتماد على الغاز الروسي يشكل تهديداً للأمن القومي واستقرار الأسواق الداخلية. ولتحقيق استقلالية الطاقة، تسعى المفوضية الأوروبية إلى تنويع مصادر الغاز، والابتعاد عن الموردين غير الموثوقين. وبذلك انخفضت نسبة الغاز الروسي في واردات الاتحاد الأوروبي من 45% في عام 2021 إلى نحو 19% في عام 2024. وتعتمد الخطة الأوروبية على مرحلتين رئيسيتين: حظر العقود الجديدة بحلول نهاية 2025، ووقف جميع الاستيرادات الطويلة الأجل بحلول 2027. هذا التحول يعد ضرورة ملحة لضمان استقرار إمدادات الطاقة بعيداً عن النفوذ الروسي، خاصةً بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال (GNL) بنسبة 20% من وارداته في عام 2024.

2– توجيه رسالة سياسية قوية إلى موسكو: يشكل قرار وقف العقود مع روسيا تحذيراً صريحاً بأن أوروبا لن تسمح بعد الآن باستخدام الغاز كورقة ضغط جيوسياسية. علاوةً على ذلك، يهدف هذا القرار إلى تقويض قدرة موسكو على تمويل حربها ضد أوكرانيا من خلال عائدات الطاقة. ورغم هذه الجهود، لا تزال المفارقة السياسية قائمة؛ حيث أظهرت التقديرات الأوروبية أن الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنفقت منذ فبراير 2022 ما يقارب 200 مليار يورو على واردات الوقود الأحفوري الروسي، وهو ما يزيد بشكل كبير عن حجم المساعدات المقدمة لأوكرانيا التي بلغت 135 مليار يورو فقط. وقد أشار المفوض الأوروبي للطاقة دان يورجنسن، إلى أن هذه المبالغ تعادل قيمة شراء نحو 2400 طائرة مقاتلة من طراز F–35.

3– تعزيز التعاون الأوروبي الداخلي: تعكس الخطة أيضاً رغبة الدول الأعضاء في تعزيز التكامل الأوروبي في مجال الطاقة؛ ما يتطلب تنسيقاً غير مسبوق بين الدول الأعضاء والمؤسسات الأوروبية. أحد أبرز الأبعاد الإيجابية لهذه الخطة، يتمثل في دفع الدول الأوروبية نحو بناء شبكات نقل وتوزيع غاز متكاملة تربط بين دول الاتحاد. على سبيل المثال، تعمل دول مثل ألمانيا وهولندا على تطوير قدراتها في تخزين الغاز الطبيعي المسال؛ حيث بدأت بإنشاء محطات إعادة تغويز جديدة في موانئ بحر الشمال؛ لتسهيل استقبال الشحنات من الولايات المتحدة والنرويج، كما تشمل الجهود الجماعية تسريع مشاريع خطوط الأنابيب الجديدة التي تربط شرق البحر المتوسط بأوروبا الوسطى والغربية؛ ما يسهم في تعزيز صمود أوروبا أمام الأزمات الطاقوية، وتخفيف الأعباء على الدول الأكثر تضرراً.

4– تنويع مصادر الإمدادات: تسعى أوروبا من خلال هذه الخطة إلى تعزيز علاقاتها الطاقوية مع شركاء إستراتيجيين خارج روسيا. وأصبحت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا؛ حيث بلغت حصتها 45% من واردات الاتحاد الأوروبي في عام 2024، كما يجري تعزيز التعاون مع النرويج والجزائر وقطر؛ لضمان مصادر توريد متنوعة، مع توقيع عقود طويلة الأجل لدعم استقرار الإمدادات. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تقليص الاعتماد على روسيا عبر بناء شبكات جديدة لتخزين الغاز المسال، خاصةً في موانئ فرنسا وإسبانيا.

5– مواجهة أي ضغوط اقتصادية مستقبلية من روسيا: من أبرز أهداف الخطة الأوروبية الحد من قدرة موسكو على استخدام الغاز وسيلةً للابتزاز الاقتصادي؛ فخلال أزمة الطاقة الأخيرة، اتضح أن الدول الأكثر اعتماداً على الغاز الروسي كانت الأكثر تأثراً بالتقلبات في الإمدادات والأسعار؛ لذا يأتي التوجه نحو تقليص الاعتماد على الغاز الروسي كإجراء وقائي ضد أي محاولات مستقبلية للتلاعب بالسوق الأوروبية. تهدف الخطة إلى تعزيز المرونة الطاقوية من خلال تطوير محطات التخزين، وزيادة الاعتماد على الغاز المسال الذي يمكن توريده من مصادر متعددة.

عقبات حاضرة

سيواجه تنفيذ الخطة الأوروبية الجديدة عقبات متعددة تتعلق بالانقسامات الداخلية، والتحديات التقنية، والتوترات الجيوسياسية:

1– الانقسام الداخلي الأوروبي: تشكل الانقسامات الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي إحدى أكبر العقبات أمام تنفيذ الخطة الأوروبية للتخلي عن الغاز الروسي بحلول عام 2027. وتُعارِض دول مثل المجر وسلوفاكيا هذه الخطوة؛ حيث تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي لتلبية احتياجاتها الطاقوية. وتستورد المجر أكثر من 80% من غازها من روسيا؛ ما يجعلها في حالة اعتماد شبه كامل على هذه الإمدادات. في المقابل، تدعم دول أخرى، مثل بولندا ودول البلطيق، الخطة بقوة، معتبرةً أن التخلص من الاعتماد على روسيا يعزز الأمن الطاقوي الأوروبي. هذا التباين في المواقف يُضعِف قدرة الاتحاد على تبني استراتيجية موحدة، خاصةً أن القرارات المتعلقة بالطاقة تتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء.

مع ذلك، تشير القواعد الأوروبية إلى أن الإجراءات الطاقوية يمكن إقرارها بأغلبية مؤهلة، على عكس العقوبات التي تتطلب إجماعاً تاماً. ويوضح المفوض الأوروبي للطاقة دان يورجنسن، أن هذه التدابير لا تحتاج إلى تجديد دوري مثل العقوبات؛ ما يعني أن المجر لن تتمكن من عرقلة العملية. رغم ذلك، يشير البند 194–2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي إلى أن الدول الأعضاء تحتفظ بحق تحديد مصادرها الطاقوية؛ ما قد يُضعِف سلطة المفوضية الأوروبية في فرض استراتيجية موحدة.

2– ارتفاع التكلفة الاقتصادية: يتطلب تنفيذ الخطة الأوروبية استثمارات ضخمة في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب الجديدة. تقدر تكلفة إنشاء محطات جديدة لتخزين وإعادة تغويز الغاز بمليارات اليورو هات، فضلاً عن تكاليف تحديث الشبكات القديمة لتتناسب مع الأنواع الجديدة من الغاز. ولقد أنفقت فرنسا وحدها نحو 2.68 مليار يورو على استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بين 2023 و2024؛ ما يوضح حجم النفقات التي قد تواجهها الدول الأخرى إذا تبنت استراتيجيات بديلة، كما أن الغاز الأمريكي، رغم أهميته في تنويع المصادر، يعد مرتفع التكلفة مقارنةً بالغاز الروسي. هذه النفقات تثير تساؤلات حول مدى الجدوى الاقتصادية للخطة على المدى الطويل، خاصةً في ظل الضغوط الأمريكية لزيادة مشتريات الغاز لتعويض النقص الروسي.

3– محدودية الخيارات البديلة للغاز الروسي: رغم سعي الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادره الطاقوية، فإن الخيارات المتاحة ما زالت محدودة. وأصبحت أوروبا تعتمد بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، الذي يمثل نحو 45% من وارداتها، كما أن البدائل الأخرى، مثل الغاز النرويجي أو الجزائري، لا تستطيع تلبية كافة احتياجات القارة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الغاز الطبيعي المسال تحديات تقنية تتعلق بعمليات النقل والتخزين، خاصةً في الدول التي تفتقر إلى بنية تحتية مناسبة. ورغم الانخفاض التدريجي في نسبة الغاز الروسي ضمن إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من 45% في عام 2021 إلى نحو 13% في عام 2024، فإن بعض الدول الأوروبية لا تزال تعتمد عليه بدرجة كبيرة؛ فقد ارتفعت واردات فرنسا من الغاز الطبيعي المسال الروسي بنسبة 80% في عام 2024 مقارنةً بالعام السابق، لتصبح بذلك أكبر مستورد أوروبي للغاز المسال الروسي؛ حيث تشكل هذه الواردات نحو ثلث إجمالي مشترياتها من الغاز.

4– التحديات التقنية واللوجستية: إن عملية نقل الغاز من الولايات المتحدة إلى أوروبا تحتاج إلى استثمارات في أساطيل الشحن المتخصصة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء خطوط أنابيب جديدة تربط محطات الغاز المسال بشبكات التوزيع المحلية يتطلب تنسيقاً على مستوى الاتحاد الأوروبي بأكمله. في بعض الدول الأعضاء، لا تزال البنية التحتية غير مكتملة؛ ما يعوق تحقيق أهداف الخطة ضمن الإطار الزمني الموضوع. علاوةً على ذلك، تبرز العقبات القانونية المتعلقة بالعقود الطويلة الأجل المبرمة مع روسيا. وحسب الخطة الجديدة، يمكن للشركات الأوروبية المرتبطة بعقود استيراد الغاز الروسي لما بعد 2027، أن تتحجج بحالة القوة القاهرة Force Majeure من أجل فسخ هذه العقود ولتجنب تنفيذ هذه العقود دون تكبد غرامات أو عقوبات أوروبية.

5– استمرار التوترات الجيوسياسية بين أوروبا والولايات المتحدة: تتداخل التوترات الجيوسياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مسألة استيراد الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير؛ ففي بداية أبريل 2025، ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الدول الأوروبية من أجل زيادة مشترياتها من الطاقة من الولايات المتحدة لتصل إلى 350 مليار دولار، في محاولة لاستغلال التخلي الأوروبي عن الغاز الروسي لصالح الصادرات الأمريكية.

بدوره، أكد المفوض الأوروبي للتجارة ماروش شيفتشوفيتش، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز في الأول من مايو 2025، ضرورة حل الخلاف مع إدارة ترامب بسرعة عبر زيادة مشتريات الغاز الأمريكي. هذه الضغوط تعكس تحدياً جديداً أمام الاتحاد الأوروبي في كيفية إدارة علاقاته الطاقوية في ظل المنافسة الدولية. ومن التحديات الجيوسياسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي أيضاً، في سعيه إلى التخلي عن الغاز والنفط الروسيَّين، تبرز قضية السفن الوهمية Ghost Ships التي تستخدمها روسيا للتحايل على العقوبات الأوروبية. وتعمل هذه السفن على نقل النفط الروسي دون الكشف عن هويتها؛ ما يتيح لموسكو مواصلة تصدير الوقود الأحفوري رغم القيود المفروضة. وستسعى المفوضية الأوروبية إلى تعزيز الرقابة على هذه الأنشطة غير القانونية في إطار جهودها الرامية إلى إحباط محاولات الالتفاف على العقوبات.

ختاماً، تواجه الخطة الأوروبية الجديدة تحدياً كبيراً يتمثل في إمكانية استبدال تبعية بأخرى؛ حيث قد يثير الاعتماد المتزايد على الغاز الأمريكي المسال قلقاً من بلورة نوع جديد من التبعية الطاقوية الأوروبية. وبينما تواصل الولايات المتحدة تعزيز حصتها في سوق الغاز الأوروبية، تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة الاتحاد الأوروبي على تنويع مصادره بشكل متوازن، من دون الانزلاق في الاعتماد المفرط على شريك واحد مرة أخرى.




المراجع:

نوار الصمد، 13.5.2025، هل تنجح الخطة الأوروبية الجديدة في التخلي عن الغاز الروسي بحلول 2027؟، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

طارق القيزاني،21.5.2025، هل تنجح "خارطة الطريق" الأوروبية في فك الارتباط بإمدادات الطاقة الروسية؟، الجزيرة نت.

المقالات الأخيرة