تركيا تؤسس في سوريا لنظام إقليمي جديد
فرع القاهرة

يُعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر 2024 أحد أكثر الأحداث تأثيراً في الشرق الأوسط الحديث. فقد شكّل فرصة للسوريين بعد نصف قرن من التسلط، كما أن الدول المجاورة أيضاً معنية بهذا التطور كونها تأثرت بالحرب التي اندلعت منذ 2011.  

لقد خلق انخراط العديد من الأطراف المتنازعة مشهداً معقَّداً بالنسبة لتركيا، إحدى أكثر الدول المعنية مباشرة بالحرب السورية، كونها جارة مباشرة واستضافت 3 ملايين لاجئ سوري، وهي تحاول ضمان أن تؤدي المرحلة الانتقالية ما بعد الأسد إلى نتيجة مستقرة وآمنة.  

سياسة تركيا أثناء الحرب في سوريا

انهارت سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" التركية بسبب ثورات "الربيع العربي" في 2010-2011 وجهود رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان لتهدئة الأزمة السورية تم تقويضها بعناد الأسد الذي تورط بجرائم وحشية، كما أن الدعم الإيراني المتواصل للأسد وضع طهران وأنقرة في مواجهة، أما في العالم العربي، فلم تَجِد سياسة تركيا المتساهلة تجاه التغيرات دعماً إلا من قطر.  

ومع ذلك، فإن نزعة "صفر مشاكل" بقيت ضِمن السياسة التركية، وقد علمتها تجربة الربيع العربي، خصوصاً في مصر، كيف تنفذ هذه السياسة بفعالية أكبر.  

في مصر، بدا أن النصر السياسي الظاهري للحكومة المنتخَبة بقيادة محمد مرسي، المنحازة إلى محور تركيا-قطر"، مجرد سراب، نظراً لعزلة مرسي داخلياً وإقليمياً، وتمكُّن خصومه من التكاتف للإطاحة به بعد 13 شهراً فقط، وكان هذا درساً لتركيا.  

في سوريا، تستخدم تركيا نفوذها لتشجيع عملية شاملة لترتيب الخلافات العِرْقية والطائفية، والتي تُعَدّ التحدي الرئيسي طويل الأمد للمرحلة الانتقالية، وتسعى تركيا للحصول على أكبر قدر ممكن من التأييد الخارجي، متواصلة مع الحلفاء والدول المختلفة معها على حد سواء.  

تُعَدّ إيران بلا شك الطرف الأكثر صعوبة بالنسبة لتركيا في سوريا، دور إيران الدقيق في العنف الطائفي الذي شهدته السواحل السورية في مارس 2025 لا يزال غير واضح، لكن التمرد الذي أطلقته شخصيات مرتبطة بإيران، يؤكد قدرتها على إفساد المشهد.  

خلال الحرب، استطاعت تركيا أن تجمع "مسار أستانا" الذي أدار الخلافات مع إيران بشأن سوريا، ويبقى أن نرى ما إذا كانت صيغة دبلوماسية مماثلة ستنجح في مرحلة ما بعد الحرب لتقليل أثر نيات إيران الخبيثة.  

إسرائيل لاعب صعب آخر بالنسبة لتركيا، وكانت تركيا من أوائل من قبلوا بحقيقة ضرورة التعامل مع "هيئة تحرير الشام"، وهذا ما منح تركيا موقعاً سياسياً قوياً مع الحكومة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، أما الإسرائيليون، فهم لا يثقون بالشرع، واتخذوا عدة خُطوات لإضعاف حكومته، من الضربات الجوية بعد سقوط الأسد لتدمير الأسلحة الثقيلة، إلى تأجيج الانقسامات الطائفية.  

العلاقات التركية الإسرائيلية

في ظل حرب غزة، لم يتبقَّ الكثير من الثقة في العلاقات التركية الإسرائيلية. ومع ذلك، يشترك البَلدان في مصالح كبيرة. فقد أزال سقوط الأسد الحجر الأساسي في "محور المقاومة" الإيراني، وهو المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة. وسوريا مستقرة وموحدة ومتعايشة داخلياً ومع جيرانها، ستكون مكسباً كبيراً للطرفين.  

الولايات المتحدة، اختارت التحالف مع "حزب العمال الكردستاني" في محاربة تنظيم الدولة، ثم دعمت الحزب في حكم ثلث الأراضي السورية، بما في ذلك مناطق شاسعة على الحدود التركية.  

ونظراً لأن الحزب يُعَدّ التهديد الإرهابي الداخلي الرئيسي لتركيا منذ أربعة عقود، فقد تسبب هذا في توتُّر مع أنقرة.  

لكن انخراط تركيا في سوريا بدأ يُؤتِي ثماره. ومع اقتراب الولايات المتحدة من الخروج من سوريا فقد توسطت في اتفاق يقضي بتفكيك منطقة الحزب وإعادة دمج المناطق تحت سلطة حكومة الشرع المركزية. كانت علاقات أردوغان الودية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاملاً حاسماً في رفع العقوبات التي كانت تعيق تعافي سوريا، كما ساعدت الولايات المتحدة في مفاوضات تركيا المستمرة مع حزب العمال بعد أن دعا زعيمه الروحي المسجون عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح في فبراير 2025.  

أما علاقات تركيا مع السعودية، والتي كانت قد أُصلحت إلى حد كبير قبل سقوط الأسد، فقد تعززت مع تعاونهما في عملية الانتقال السورية، كما ساعد إنهاء الخلاف الخليجي في تسهيل المشروع.  

وإن كانت إعادة تشغيل الاقتصاد لن تحل جميع المشكلات، إلا أنها الشرط الأساسي لإعادة بناء المدن السورية المنكوبة ونسيجها الاجتماعي. وقد أدّت تركيا دورها من خلال المساهمة في إقناع ترامب برفع العقوبات، وتقديم استثمارات وخبرات واسعة لدمشق.  

كما قامت السعودية وقطر معاً بسداد ديون سوريا والموافقة على دفع رواتب موظفي الحكومة بينما وضعت الإمارات جانباً موقفها العدائي تجاه الإسلاميين لتنخرط في العملية.  

ومع علاقات إدارة ترامب الجيدة مع حكومات الخليج كافة، وعودة التناغم بين واشنطن وأنقرة فإن هذا التحالف القوي لديه فرصة جيدة للنجاح، حتى وإنْ لم تستطع إسرائيل وإيران التكيُّف مع سوريا الجديدة".

 

تركيا تتمسك بخطوطها الحمر في سوريا

أعادت تركيا رسم خطوطها الحمر في سوريا، خصوصاً ما يتعلق بعدم منح أي تنظيمات إرهابية أو كيانات مرتبطة بها أي شرعية، مؤكدة بالمقابل دعمها لكل ما من شأنه تأمين مستقبل مزدهر لسوريا، بما في ذلك طلب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، انضمامها إلى «اتفاقيات إبراهيم» مع إسرائيل.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إن بلاده لن تسمح بأي خطط تهدف إلى منح شرعية للتنظيمات الإرهابية أو امتداداتها.

وشدّد إردوغان، خلال تصريحات لصحافيين أتراك، رافقوه في طريق عودته من أذربيجان، السبت، بعد مشاركته في القمة الـ17 لمنظمة التعاون الاقتصادي، على أهمية وحدة الأراضي السورية بالنسبة لتركيا.

وردّاً على سؤال بشأن تنفيذ اتفاقية دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري، قال إردوغان: «وحدة أراضي سوريا بالغة الأهمية بالنسبة لنا، وقد اتخذنا موقفاً فاعلاً ميدانياً بعمليات عسكرية مثل (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام) لضمان أمن حدودنا وإنهاء حالة عدم الاستقرار في سوريا».

وأضاف: «نقدم كل الدعم الممكن للقضاء التام على الإرهاب في الأراضي السورية، والقضاء على جميع العناصر المسلحة، وأن يكون الجيش السوري وحده المسيطر على جميع الأراضي السورية. السلام والاستقرار الدائمان في سوريا من مصلحتنا أيضاً، ومن يسعى لعرقلة ذلك فسيجد تركيا حاضرة أمامه».

وسبق أن اتهم إردوغان «قسد» بالمماطلة في تنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري، الذي وقّعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مع قائد «قسد» مظلوم عبدي في دمشق في مارس (آذار) الماضي.

ولا تزال الولايات المتحدة، رغم تأييدها تنفيذ الاتفاق بين دمشق و«قسد»، تؤكد أنها ستواصل دعمها «وحدات حماية الشعب الكردية»، التي تقود قوات «قسد»، التي تعدّها تركيا «تنظيماً إرهابياً» يشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا، بينما تعدّها واشنطن حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

ومن أجل إقناع أميركا بوقف دعمها لـ«قسد - الوحدات الكردية» اقترحت أنقرة على واشنطن، التي يشكل دعمها للوحدات الكردية ملفاً خلافياً معها، أن تدعم تركيا الإدارة السورية في مواجهة «داعش»، وفي نقل السيطرة على سجون ومخيمات عناصره وعائلاتهم إلى سيطرة دمشق.

ولم تحرز هذه الصيغة تقدماً، بعد الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية ودفاع ورؤساء مخابرات الدول الخمس في عمان في 9 مارس الماضي، بحسب ما أوضح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في تصريحات الأسبوع الماضي، حيث لفت إلى أن تركيا اتخذت خطوات لإقامة مركز التنسيق، لكن جميع الأطراف لا تتحرك بالسرعة ذاتها.

وفي هذا الصدد، طرحت تركيا صيغة تعاون إقليمي لمكافحة «داعش» في سوريا، تقوم على تحالف مع العراق والأردن ولبنان وسوريا، بحيث يتم إقامة مركز تنسيق مشترك للعمليات ضد «داعش» في دمشق.

التعاون التجاري التركي مع سوريا

وعن التعاون التجاري مع سوريا، قال إردوغان: «يمكننا تطبيق نماذج مثل مناطق التجارة الحرة والقواعد اللوجستية والأسواق الحدودية في شمال سوريا، سندعم التنمية الاقتصادية ونقيّم الفرص. وفي هذه العملية، سنعزز مكاسبنا على الأرض من خلال مراعاة مصالحنا العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية».

ولفت إلى أن السوري الانتقالي أحمد الشرع ليس لديه رأي سلبي تجاه القضايا التي تتمحور حول رفع العقوبات والتواصل مع الولايات المتحدة.

وذكر إردوغان أنه بحث خلال وجوده في أذربيجان التطورات في سوريا مع الرئيس إلهام علييف، وأنه أكّد استعداده لتقديم جميع أنواع الدعم لسوريا، عادّاً أنه من المهم للغاية أن يتبنى علييف هذا النهج.

وفي إشارة إلى أن أهم مشكلة تواجه سوريا حالياً هي الغاز الطبيعي، قال إردوغان إن علييف أبلغه أنه وافق على إمداد سوريا بالغاز، وسيتم نقل هذا الأمر إلى وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي وكذلك إبلاغ الشرع به، ونريد دمج الخطوات التي اتخذناها مع الدعم الذي ستقدمه أذربيجان.

 

المصدر: مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية

الكاتب : جيران كينار

التاريخ : 4/7/2025

---------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: نيوز رووم

التاريخ : 5/7/2025

----------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

الكاتب : سعيد عبد الرازق

التاريخ : 5/7/2025


المقالات الأخيرة