نظرية العقد الاجتماعي


العقد الاجتماعي في الفلسفة الأخلاقية والسياسية هو نظرية أو نموذج تبلور في عصر التنوير، ويهتم عادة بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد. تنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بأن الأفراد يقبلون بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم (أو لقرار الأغلبية) مقابل حماية بقية حقوقهم. ومن ثم فإن العلاقة بين الحقوق الطبيعية والشرعية هي في العادة مبحث من مباحث نظرية العقد الاجتماعي. وقد أخذ المصطلح اسمه من كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو الذي ناقش فيه هذا المفهوم

  رغم أن أفكارا مماثلة لنظرية العقد الاجتماعي ظهرت قديما في الفلسفة الإغريقية والرواقية والقانون الروماني والكنسي، إلا أن النظرية بلغت أوج أهميتها منذ منتصف القرن السابع عشر وحتى بداية القرن التاسع العشر، حيث كانت الفلسفة السياسية السائدة آن ذاك. تشترك معظم نظريات العقد الاجتماعي في نقطة انطلاقها، وهي فحص حالة الإنسان في غياب أي نظام سياسي، وأطلق توماس هوبز على ذلك «الحالة الطبيعية». في هذه الحالة، تكون أفعال الأفراد مرتبطة فقط بقوتهم ووعيهم الشخصي.


 وانطلاقا من هذا المفهوم المشترك، يسعى منظرو العقد الاجتماعي إلى البرهنة بشتى الطرق على السبب الذي يجعل الفرد العقلاني يتخلى طواعية عن حريته الطبيعية من أجل الحصول على منافع النظام السياسي يتناول هذا المقال قراءة موجزة لأساس نظرية العقد الاجتماعي وأبرز مفكريها ومنتقديها


 اساس نظرية العقد الاجتماعي

 تقوم نظريات العقد الاجتماعي على أسس عدة أبرزها، أن ظهور الأفراد يسبق ظهور الدولة، والأفراد في الحالة الطبيعية متساوون، وهم في علاقة تنافسية فيما بينهم، ولكن يجمعهم شيء واحد وهو الميل للحصول على الأمان وهم منطقيون وعقلانيون وبالتالي يستطيعون المقارنة بين مزايا الحالة الطبيعية التي يعيشون فيها ومزايا حالة الدولة وبالتالي يفضلون الدولة على الحالة الطبيعية


 انواع العقد الاجتماعي عند أبرز مفكري النظرية

 تقسم نظرية العقد الاجتماعي إلى ثلاثة أنواع تبعاً للمفكرين الذين نظروا لها، واعتقدوا بوجود عقد اجتماعي يبرر ظهور المجتمع المنظم، نوجزها هنا


العقد الاجتماعي عند توماس هوبز 1588-1679 

 قدم توماس هوبز (وهو فيلسوف بريطاني) رؤيته في العقد الاجتماعي في كتابة اللفيتان (الطاغوت) الذي نشره في عام 1651م، حيث يعتقد أن الإنسان أناني وشرير بطبعه. وتكون الحالة الطبيعية وفق هوبز "حالة حرب الكل ضد الكل" والهدف الحفاظ على الذات، وبعد وقوع العديد من الضحايا والخسائر البشري يتوصل العقلاء من الناس إلى ضرورة وجود عقد اجتماعي هدفه ضمان الأمن، وذلك بإنهاء الحالة الطبيعية، والتي تعني التخلي عن كل الحقوق الطبيعية للأفراد لصالح الدولة.التي يحق لها استخدام كل ما يلزم لضبط المجتمع بما فيه الاستبداد، وبذلك يبرر هوبز الملكية المطلقة كنظام للحكم


العقد الاجتماعي عند جون لوك 1704- 1632 

 صاغ جون لوك (وهو فيلسوف بريطاني) نظريته في العقد الاجتماعي في الرسالة الثانية من الحكومة المدنية التي نشرت في عام 1690، ويعتقد لوك أن الإنسان خيّر بطبعه وطيب. وتتميز حالة الطبيعة بوجود الحرية الفردية والملكية الخاصة، وللحفاظ على حياة الأفراد، وتجنباً لحصول نزاعات بينهم، يتفقون على عقد اجتماعي ،يتخلون بموجبه عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح الدولة (مثل حق معاقبة من يتهدد حياتهم أو ممتلكاتهم)، وبالمقابل لا يحق للسلطة الاستبداد بالأفراد.. وإلا فسيتمردون ضد الدولة ويستبدلون الحاكم بحاكم آخر يلبي طموحاتهم وهنا يعد لوك مدافعاً عن الليبرالية كنظام حكم يقوم على وجود الحكومة الشرعية ومنعاً لإساءة استخدام السلطة التي تم تقسيمها إلى سلطتين تشريعية تضع القوانين، وتنفيذية تنفذ القوانين، وقضائية تراقب عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وفقا لمنظوره، ويختلف العقد الاجتماعي عند لوك عن العقد الاجتماعي عند هوبز، فالغاية من العقد الاجتماعي عند لوك الحد من الصراع وتجنبه، أما عند هوبز فالغاية من العقد الاجتماعي إحلال السلام


 1712-1778 العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو

 صاغ جان جاك روسو (وهو فيلسوف فرنسي) نظريته في كتابه العقد الاجتماعي الذي نشر في عام 1762، حيث يعتقد المفكر الفرنسي جان جاك روسو أن الإنسان في الحالة الطبيعية ليست خيراً وليس سيئا ولكن. المجتمع يفسده بسرعة، حيث يعمل الجميع على تحقيق مصالحهم الشخصية، ويهدف العقد الاجتماعي إلى جعل الشعب صاحب السيادة. حيث يتخلى الشعب عن اهتمامه بالمصالح الشخصية والتفرغ للمصلحة العامة، وبموجب العقد يتخلى الأفراد عن كل حقوقهم للدولة ولكن دون أن يخسروها. في المقابل يجب أن تكون الدولة عادلة، وفي حال إخلال الدولة بعدالتها يحق للأفراد تغيير الحاكم فيها بموجب الحقوق ذاتها التي تنازلوا عنها. تلاحظ أن العقد الاجتماعي عند روسو أقرب إلى العقد الاجتماعي عند هوبز، فكلاهما يقول: أن الغاية من العقد الاجتماعي كسر الحالة الطبيعية وإحلال السلام. ويختلف العقد الاجتماعي عند روسو عن العقد الاجتماعي عند هوبز ولوك، بأن المسؤولية الاحتياطية في الحفاظ على الحقوق تقع على عاتق الشعب الذي يتمتع بالسيادة، وتعد هذه النظرية أساس للثورة الفرنسية، والديمقراطية


 أبرز منتقدي نظرية العقد الاجتماعي

 وجه العديد من المفكرين انتقادات لهذه النظرية وفقا لاعتبارات عدة، وقد كان أبرزهم


بنيامين ثابت 1830-1767 وهو عالم دين مصري، حيث اعتبر في كتابه مبادئ السياسة ، أن نظام العقد الاجتماعي كرس الكثير من الأخطاء كالعبودية

 برتراند راسل 1970- 1872 ،وهو فيلسوف بريطاني، يقول: لا وجود للعقد الاجتماعي لأنه لا يوجد للفرد الخيار بين الحالة الطبيعية والدولة 

 مورايروثبارد 1926-1995  وهو مؤرخ نمساوي، يقول لم تنشأ الدولة من خلال العقد الاجتماعي بل من خلال الغزو والاستغلال


 ختاما... من دون شك، أن وجود الدولة كان مادةً أثارت فضول المفكرين، ودفعتهم للبحث عن أسبابها، وابتداع هوبز ولوك وروسو العقد الاجتماعي لم يكن سوى لتبرير ظهور الدولة ولكن هذه النظرية أدت إلى تكريس مفاهيم أساسية كالحقوق، والولاء للدولة، وفي ذات الوقت شكلت سبباً إضافياً للسعي نحو التغيير فكانت نظرية العقد الاجتماعي لدى روسو وراء الثورة الفرنسية ،التي غيرت وجه فرنسا الملكية المطلقة وغيرت معها العالم، وتبقى الانتقادات الموجهة للنظرية صحيحة فلا يوجد ما يثبت تاريخياً وجود عقد اجتماعي على النمط الذي ساقته النظرية

المقالات الأخيرة