القمة العربية الإسلامية “الدوحة” 2025
فرع القاهرة

انعقدتْ القمةُ العربية الإسلامية الطارئة على مُستوى القادة ووزراء الخارجية في العاصمة القطرية “الدوحة”، على مدار يومي 14 و15 سبتمبر 2025، في سياقٍ إقليميٍ شديد الحساسية مثّل مُنعطفًا في مسار التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة، حيث جاءت القمة كردِّ فعلٍ مُباشرٍ على الهجوم الإسرائيلي غير المُسبوق الذي استهدف في 9 سبتمبر الجاري وفد حركة حماس المُفاوض وقياداتها من الصف الأول خلال اجتماع في الدوحة، وهو اعتداءٌ غير مسبوق في طبيعته كونه أولَ هجومٍ إسرائيلي على دولةٍ خليجيةٍ تؤدي دور الوسيط الدبلوماسي وتبحث مُقترحًا مُقدمًا من الإدارة الأمريكية لوقْف إطلاق النار في غزة، لم يكنْ هذا التطورُ مُجرد انتهاكٍ صارخٍ لسيادة دولة عربية فحسب، بل مثّل تحوّلًا نوعيًا في قواعد الاشتباك الإقليمي، وفتح الباب أمام إعادة تقييم شاملة لمُعادلات الردع والأمن الجماعي في المنطقة.

سياق انعقاد القمة

جاء انعقادُ القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وما رافقها من اجتماعاتٍ خليجيةٍ أميركية -- قطرية رفيعة المستوى، في سياق استثنائي فرضته الضربة الإسرائيلية، حيث تمثل ذلك فيما يلي:

الضربة الإسرائيلية للعاصمة القطرية وتداعياتها غير المسبوقة: جاء انعقاد قمة الدوحة الاستثنائية على خلفية الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت قادة من حركة “حماس” داخل العاصمة القطرية، وقد أسفر الهجوم عن مقتل خمسة من عناصر الحركة وأحد أفراد قوات الأمن القطرية، ليكون بذلك أول اعتداء مباشر على دولة خليجية تضطلع بدور الوساطة الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في غزة، هذا التطور نقل التهديد الإسرائيلي من نطاق جغرافي محدود إلى مُستوى إقليمي شامل، الأمر الذي دفع الدول العربية والإسلامية إلى مُراجعة مواقفها والبحث عن آليات ردع جماعي.

اللقاء القطري - الأميركي في نيويورك: حيث التقى الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، الجمعة الموافق 12 سبتمبر الجاري، برئيس الوزراء القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن” في نيويورك، وقد ناقش الجانبان، مُستقبل الدور القطري كوسيط دبلوماسي في النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى أبعاد التعاون الدفاعي بين البلدين، في ضوء الغارات الإسرائيلية على الدوحة، هذا اللقاء حمل رسائل مزدوجة: فمن جهة أبدى حرص واشنطن على استمرار الدوحة في أداء دورها كوسيط باعتبارها أحد الحلفاء الإقليميين لها، ومن جهة أخرى عكس إدراك الولايات المتحدة أن الهجوم الإسرائيلي قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيداً من الصراع، تتجاوز غزة لتطال دولاً تُحسب على مُعسكر التهدئة.

لقاءات رفيعة المستوى مع الإدارة الأمريكية : لم يقتصر الحراك الدبلوماسي على ترامب وحده، إذ التقى رئيس الوزراء القطري كذلك بنائب الرئيس الأميركي “جي دي فانس” ووزير الخارجية “ماركو روبيو” يوم السبت 13 سبتمبر الجاري، وأصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا أوضحت فيه أن فانس أكد تضامنه مع قطر، مُشيرًا إلى أن الحلول الدبلوماسية هي الكفيلة بمُعالجة الأزمات الإقليمية، كما أشاد بالجهود التي تبذلها الدوحة في إحلال السلام واعتبرها “حليفًا استراتيجيًا مُوثوقًا للولايات المتحدة”. 

اجتماع مجلس التعاون لدول الخليج العربية: بالتوازي مع القمة العربية الإسلامية، عقد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دورة استثنائية لمناقشة الهجوم، وكان لافتًا أن القادة وجّهوا مجلس الدفاع المُشترك بعقد اجتماع عاجل في الدوحة، يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا لتقييم الوضع الدفاعي لدول المجلس ومصادر التهديد، كما تم تكليف القيادة العسكرية الموحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك وتعزيز القدرات الردعية. هذه الخطوة تشير إلى أن دول الخليج باتت ترى فيما حدث تهديدًا مُباشرًا لأمنها الجماعي، يتطلب استعدادًا عمليًا وليس مُجرد مواقف سياسية.

البيان الختامي للقمة

جاء البيانُ الختاميُ لقمة الدوحة الطارئة مُعبّرًا عن توافقٍ عربيٍ وإسلامي واسع في مُواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير، مُتجاوزًا حدود الإدانة إلى رسْم مسار للتحرك الجماعي، ويُمكن تقسيم مُخرجات القمة في سبعة محاور رئيسية، وذلك على النحو التالي:

المحور الأول: إدانة العدوان الإسرائيلي على قطر والدفاع عن السيادة: أكد القادة العرب والمسلمون أن الضربةَ الإسرائيليةَ التي استهدفت العاصمة القطرية الدوحة تمثّل تطورًا خطيرًا وغير مسبوق في سجل الاعتداءات الإسرائيلية، إذ تجاوزت حدود الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لتصلَ إلى استهداف دولةٍ ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، تُعرف بدورها المحوري في جهود الوساطة والسلام. 

المحور الثاني: التضامن العربي والإسلامي والرد الجماعي: لم يقتصرْ الموقف على الإدانة فقط، بل تمحور حول إظهار تضامنٍ عمليٍ مع قطر، حيث أعلن القادة دعمهم الكامل لحقها في اتخاذ ما تراه من إجراءاتٍ لحماية سيادتها وأمنها. 

المحور الثالث: مركزية القضية الفلسطينية ورفض الممارسات الإسرائيلية: رغم الطابع الطارئ للقمة بسبب الاعتداء على قطر، ظلّت القضيةُ الفلسطينية في قلب البيان الختامي. فقد شدّد القادةُ على أن مأساة غزة المستمرة من حصار وتجويع وتهجير قسْريٍ ليست قضيةً إنسانيةً فحسب، بل جريمة إبادة جماعية موصوفة. 

المحور الرابع: جهود الوساطة والسلام ومكانة المبادرة العربية: أولى البيانُ أهميةً كبيرةً لجهود الوساطة التي تقودها كلٌ من مصر وقطر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، مشددًا على أن استهداف إسرائيل للدوحة يهدف إلى نسْفِ أي فرصةٍ للتوصل إلى اتفاق. 

المحور الخامس: المساءلة الدولية ووقف الدعم لإسرائيل: لم يغفلْ القادة الجانب العملي للمواجهة، حيث طالبوا بتحركاتٍ عاجلةٍ داخل مجلس الأمن والجمعية العامة لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد قطر وفلسطين. وأكدوا ضرورة فرض عقوبات دولية، بما في ذلك حظر تصدير السلاح إليها وتعليق التعاون العسكري والسياسي معها. 

المحور السادس: الأمن الجماعي العربي والإسلامي وبناء منظومة إقليمية: أكدت القمة أن التهديدات الإسرائيلية المتكررة تكشف الحاجة الماسّة إلى تفعيل مفهوم الأمن الجماعي العربي والإسلامي، على أساس أن أمن الأمة لا يتجزأ وشدد البيان على ضرورة وضع رؤيةٍ مشتركةٍ تضمن الدفاعَ عن السيادة الوطنية لكل دولة، وتمنع محاولات التدخل الخارجي أو فرض الهيمنة بالقوة. 

المحور السابع: الجهود الدولية والتعاون متعدد الأطراف: أشاد القادة بالمواقف الدولية التي دعمت فلسطين وقطر في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي، وخصّوا بالذكر الدول العربية والإسلامية الأعضاء في مجلس الأمن مثل الجزائر والصومال وباكستان، لدورها في الدفاع عن الموقف العربي. كما رحبوا بإعلان نيويورك حول حل الدولتين، وبالمؤتمر الدولي الذي نظمته السعودية وفرنسا لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية. 

بدائل وخيارات ما بعد القمة

أول ما يطرح نفسه بعد قمة الدوحة هو ضرورةُ الانتقال من مرحلةِ البيانات إلى مرحلة الأفعال حيث لم يعدْ الاكتفاءُ بالتنديد أو المطالبة كافيًا في مواجهة التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق. ومن هنا فإن الدول العربية والإسلامية أمام مجموعة من البدائل التي يمكن أن تتحولَ إلى أدواتٍ ضغط فاعلةٍ على الساحة الإقليمية والدولية، والتي يُمكن إجمالها فيما يلي:

التهديد بسلاح الطاقة: يبقى النفط والغاز من أهم الأوراق الاستراتيجية التي تملكها الدول العربية ويمثلان أداة ضغطٍ فعّالةٍ في المعادلات الدولية. لقد أثبت التاريخ، مُنذ تجربة حظر النفط عام 1973 أن استخدام الطاقة كسلاحٍ قادرٍ على تغيير الموازين وإجبار القوى الكبرى على مراجعة مواقفها. وفي السياق الحالي، يُمكن التفكير في خيارات مرحلية تبدأ بترشيد الإمدادات، مرورًا بفرْض شروطٍ سياسيةٍ مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وصولًا إلى إجراءات أكثر صرامةً إذا استمر التصعيد الإسرائيلي.

تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية: يُمثّل تقليص العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل خيارًا واقعيًا ومباشرًا، يوجّه رسالة واضحة بأن العدوان له ثمنٌ باهظٌ. قد يبدأْ الأمرُ بتجميد بعض الاتفاقيات الثنائية، أو تعليق أشكال التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، مع دعوة الدول التي نسجت علاقات مع إسرائيل إلى مراجعة مكاسبها الاستراتيجية مقارنة بالخسائر السياسية والشعبية. فالعزلةُ الاقتصادية يمكن أن تكونَ أداةَ ضغط تضاهي في فعاليتها الردع العسكري.

المزيد من الجهود نحو تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك: تطرح القمة فرصة لإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي ظلت حبرًا على ورق لعقود. إن الاعتداءَ على قطر، دولة عضو في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يمثّل سابقةً خطيرةً تستوجب تفعيل هذه الاتفاقية، ولو بشكلٍ تدريجيٍ، لتشكيلِ مظلة ردْعٍ حقيقيةٍ. إن مجرد تحريك آلياتها وتأسيس لجان دائمة لمتابعة تنفيذها سيعيد لإسرائيل حساباتها ويمنح العمل العربي المشترك مصداقية طال انتظارها.

التعاون العسكري العربي - العربي: حيث تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الدول العربية يمثّل خطوةً ضروريةً لمأسسة الثقة وبناء منظومة ردع إقليمية. هذا التعاونُ قد يأخذ شكلَ تدريباتٍ مشتركةً، تبادل معلومات استخباراتية، أو إنشاء مراكز عمليات إقليمية، وكلها خطواتٌ كفيلةٌ بإيصال رسالة بأن الاعتداءَ على أي دولة عربية لن يمرَّ دون تكلفة جماعية.

بناء نظام إقليمي للردع: ما بعد القمة يفتح الباب أمام التفكير في بناء نظامٍ إقليميٍ جديد قائم على الأمن الجماعي والمصير المشترك مثل هذا النظام يتجاوز ردود الفعل اللحظية ليؤسسَ لعقيدة ردْعٍ متكاملةٍ، تستند إلى أدواتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وعسكرية وقانونية، قادرةٍ على حماية سيادة الدول العربية والإسلامية وردع أي عدوان خارجي.

ختامًا: تُبرز قمةُ الدوحة بوضوح أن التحدياتِ الأمنية الراهنة لم تعدْ قابلةً للاحتواء بالوسائل التقليدية، وأن استدامة الاستقرار الإقليمي باتت مرهونةً بقدرة الدول العربية والإسلامية على بناء منظومات مؤسسية تتجاوز ردود الفعل الظرفية نحو صياغة استراتيجيات ردعٍ شاملةٍ. إن القيمة العلمية والسياسية لهذه اللحظة تكمن في أنها أعادت تعريف مفهوم الأمن الجماعي وربطته مباشرةً بمسألة السيادة والشرعية الدولية، بما يحتّم الانتقال من منطق التضامن الخطابي إلى بلورة آليات عملية قادرةٍ على موازنةِ القوة في النظام الإقليمي والدولي. ومن ثمَّ، فإن اختبار المرحلة المقبلة لا يُقاس بحدّة المواقف المعلنة، بل بمدى قدرة الفاعلين على تحويل الإجماع السياسي إلى ترتيباتٍ واقعيةٍ تؤسس لبنيةٍ أمنيةٍ عربية-إسلامية أكثر صلابةً وفاعلية.

 

المصدر : مركز شاف 

الكاتب : دينا دومه

التاريخ : 17/9/2025

---------------------------------------------------------------------------------

المصدر: مجلة السياسة الدولية

الكاتب : د. محمد إبراهيم حسن فرج

التاريخ : 16/9/2025

المقالات الأخيرة