ما هي حسابات “ترامب” لإعادة تسليح كييف؟
فرع بنغازي

كشفت العديد من التقارير عن خطة إستراتيجية للرئيس ترامب لدعم أوكرانيا عسكرياً، وذلك من خلال آلية غير مباشرة تتيح بيع الأسلحة الأمريكية لحلفاء أوروبيين يقومون بدورهم بنقلها إلى كييف. وتشمل هذه الأسلحة صواريخ "باتريوت" الاعتراضية التي تشتد الحاجة إليها بالنسبة لأوكرانيا، وتأتي هذه الخطة في أعقاب قمة جمعت ترامب بالأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، في البيت الأبيض، يوم 14 يوليو 2025، كما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منح موسكو مهلة 50 يوماً لإنهاء الحرب أو مواجهة عقوبات قاسية.

دوافع "ترامب"

هناك العديد من الدوافع التي يمكن الارتكاز عليها في تحديد توجهات ترامب نحو خطة تسليح كييف المفاجئة، يتمثل أبرزها في:

1- تحويل الأعباء الأمنية إلى فرص اقتصادية: يشكل المسار الذي اختاره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسليح أوكرانيا عبر بيع الأسلحة الأمريكية لحلفاء أوروبيين، نموذجاً مغايراً للدعم العسكري التقليدي في حقبة الرئيس بايدن، يقوم على تحويل الأعباء الأمنية إلى فرص اقتصادية. فمن خلال مطالبة دول أوروبية، مثل ألمانيا والنرويج والدنمارك وهولندا والسويد والمملكة المتحدة وكندا وفنلندا، بتقديم أنظمتها الدفاعية المتقدمة لأوكرانيا، يحقق ترامب عدداً من المصالح الاقتصادية؛ إذ تُدرّ هذه الصفقات أرباحاً مباشرة للصناعات الدفاعية الأمريكية، وتعزز من نفوذ واشنطن في عقود التسليح داخل الناتو. وبهذا، تُصبح الحرب في أوكرانيا، بالنسبة للإدارة الأمريكية، ليست فقط اختباراً جيوسياسياً أمام روسيا، بل فرصة اقتصادية تتيح تجديد ترسانة أوكرانيا على نفقة أوروبا، وتوسيع دائرة الاعتماد الاستراتيجي على المنظومات الأمريكية.

2- الرهان الأمريكي على التفاوض من خلال القوة: شهدت المفاوضات الأمريكية الروسية بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، في مراحلها الأولى، حالة من التفاؤل الحذر، تمثلت في سعي الجانبين لتقريب وجهات النظر وتقليص هوامش الخلاف. غير أن هذا التقارب لم يلبث أن تبدد سريعاً، مع طرح موسكو خلال أولى جولات المباحثات المباشرة مع أوكرانيا التي انعقدت في إسطنبول في 16 مايو 2025، بمشاركة المستشار الرئاسي الروسي فلاديمير ميدينسكي، مطالب وُصفت بـ"غير المقبولة"، وفي مقدمتها مطالبة كييف بالتخلي عن مزيد من أراضيها، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول أوكراني.

وقد كشفت المفاوضات الأمريكية الروسية حول أوكرانيا أن منطق "التفاوض من موقع قوة" يهيمن على مسار التسوية، حيث لم تُحقق المحادثات تقدماً حقيقياً بسبب طرح موسكو شروطاً اعتبرتها واشنطن وكييف غير مقبولة. وأدركت إدارة ترامب أن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لدفع روسيا نحو المرونة السياسية، ما عزز قناعة بأن الحل السياسي لن يتحقق دون موازنة الكلفة التي تتحملها موسكو على الأرض.

3- طمأنة الحلفاء داخل حلف الناتو: رغم انتقاده المتكرر للناتو واتهامه الدول الأوروبية بالتقاعس عن الإنفاق الدفاعي، يوظف ترامب تسليح أوكرانيا كرسالة طمأنة لحلفائه الأوروبيين تثبت التزام واشنطن بحماية أمن القارة الأوروبية. غير أن هذا الالتزام جاء مشروطاً بتحقيق مكاسب أمريكية، أبرزها في الإعلان الختامي لقمة الناتو في لاهاي بشهر يونيو 2025، بتعهد الدول الأعضاء الـ32 في الحلف باستثمار 5% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي في مجال الدفاع بحلول عام 2035. بهذا، يُعيد ترامب تعريف العلاقة داخل الناتو وفق مبدأ تقاسم الأعباء بصرامة. كما تكرس مقاربته البراجماتية طمأنة الحلفاء داخل حلف الناتو.

4- التماهي مع التوجهات الداخلية في الولايات المتحدة: يعكس موقف ترامب تماهياً واضحاً مع التوجهات السائدة في الولايات المتحدة إزاء روسيا في الوقت الحالي، حيث يحظى مشروعُ قانونٍ يمنحه سلطةَ فرض رسوم جمركية تصل إلى 500% على الدول الداعمة لموسكو تجارياً بتأييد 85 من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ، لكن قادة الجمهوريين في المجلس كانوا ينتظرون موافقة ترامب للتصويت.

ورغم ترحيب السيناتور جين شاهين، كبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بإعلان ترامب، فقد اعتبرته "إيجابياً لكنه متأخر"، مؤكدة أن فاعليته مرهونة بالتزام طويل الأمد بتدفق المساعدات الأمنية لأوكرانيا، كشرط أساسي لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو التفاوض. وتعكس هذه الاستراتيجية توظيفها داخلياً لتعزيز الدعم السياسي لترامب، وخارجياً لفرض وقائع جديدة في معادلة الردع مع روسيا.

5- محاولة منع الانهيار العسكري لكييف: قد تواجه أوكرانيا تراجعاً ميدانياً كبيراً خلال الشهور المتبقية من عام 2025، إثر اشتداد الهجمات الروسية مع اقتراب انتهاء الهجوم الصيفي، بدون دعم تسليحي مستدام، مما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات خطرة، كدخول مباشر لقوات غربية أو توسع الحرب خارج حدود أوكرانيا. من هذا المنطلق، يوفّر تسليح كييف وسيلة أمنية وقائية (preventive containment) تجنب واشنطن ارتدادات التراجع العسكري الكبير لأوكرانيا.

تداعيات محتملة

تستدعي خطةُ ترامب بشأن نقل دول الناتو المعدات العسكرية إلى كييف عدداً من التداعيات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- شن المزيد من الهجمات الروسية على أوكرانيا: قد تعمل موسكو من خلال ضربات نوعية، باستخدام صواريخ روسية متقدمة مثل "كينجال" الفرط صوتية (Kh-47M2 Kinzhal) أو صواريخ كروز "كاليبر" (Kalibr-NK/PL)، على استهداف أنظمة "باتريوت" الأمريكية، كما تم سابقاً، بهدف توجيه رسائل مزدوجة: أولاً، إبراز قدراتها الاستخبارية والعملياتية في تعقب شحنات السلاح. وثانياً، رفع تكلفة الدعم العسكري لتقويض القرار السياسي في واشنطن، واختبار حدود التزام إدارة ترامب تجاه كييف.

2- احتمالية تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وشركاء روسيا الاقتصاديين: تشير الرسوم التي تريد واشنطن فرضها وهي 100%، على شركاء روسيا التجاريين، إلى تصعيد اقتصادي قد يُعقّد علاقة واشنطن مع شركاء عالميين مثل الصين والهند، لما لهم من مصالح مع موسكو. فاستهداف الكيانات المتعاملة مع روسيا قد يخلق صداماً دبلوماسياً واسع النطاق. وبالنسبة للكرملين، تبقى الحرب في أوكرانيا قضية أمن قومي تتجاوز التأثيرات الاقتصادية أو العقوبات الغربية.

3- تعزيز الاستهداف الأوكراني للداخل الروسي: بالرغم من إعلان الرئيس الأمريكي، يوم 15 يوليو الجاري، أنه لا ينوي تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف داخل العمق الروسي؛ بيد أن خطته لدعم أوكرانيا بالأسلحة ستعطي لكييف المزيد من الزخم، ومن المؤكد أنها ستدفع نحو تكثيف هجماتها على روسيا، وخاصة عبر استخدام المسيرات، وذلك لتعزيز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية مع روسيا.

4- إمكانية تلويح روسيا بورقة تسليح إيران: في حال مضت دول الناتو وفقاً لاستراتيجية ترامب في تسليح مستدام لأوكرانيا، قد تستخدم روسيا ورقة تسليح إيران كأداة ردع مضاد لخلق توازن ضغط استراتيجي ضد واشنطن. ويأتي ذلك في إطار سياسة "الرد المتناظر"، من خلال دعم خصوم واشنطن الإقليميين، وقد تؤدي خطوة كهذه إلى تصعيد في ملفات أمنية أخرى، مما يوسّع نطاق المواجهة غير المباشرة، ويضغط على واشنطن لوقف خطة تسليح كييف.

5- تعميق الطابع الدولي للحرب: تزيد احتمالات إرسال كوريا الشمالية المزيد من القوات العسكرية لدعم روسيا في أوكرانيا، لا سيما بعد تأكيد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، مجدداً دعمه "غير المشروط" لجميع الإجراءات الروسية خلال حربها في أوكرانيا، وذلك خلال استقباله وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في مدينة وونسان الكورية الشمالية، في 13 يوليو 2025، ومن شأن هذا الدعم الكوري أن يعكس تحول الصراع إلى ساحة مواجهة متعددة الجنسيات، تتخطى الأطر الأوروبية، كما قد يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم خياراتها التسليحية لأوكرانيا في ضوء تحولات ميزان القوى ميدانياً، خاصة إذا تزامن هذا الانخراط مع دعم صيني لوجستي غير مباشر أو سياسي يغطي التحركات الجديدة لحلفاء موسكو.

إجمالاً، يمكن القول إنه على الرغم من التحول في نهج إدارة ترامب إزاء الحرب الأوكرانية، فإن تصريح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بشأن انتظار مقترحات أوكرانية لجولة ثالثة من المفاوضات، وتصريح وزارة الخارجية الأمريكية بأن إنهاء الصراع لا يزال أولوية للرئيس ترامب، إلى جانب التداعيات السلبية لخطة ترامب وتجنب كل طرف الدخول في نزاع طويل الأمد؛ يشير إلى تمسك الطرفين بخيار التسوية السياسية. وهذا يكشف عن مسار مزدوج يعتمد على تصعيد الضغط من جهة، والإبقاء على قنوات التفاوض مفتوحة من جهة أخرى، بما يعكس واقعية مدروسة في إدارة الصراع. ومن ثم فإن السيناريو المرجح هو عقد جولة جديدة من المفاوضات في تركيا، وقد تكون مباشرة هذه المرة بين الطرفين الروسي والأوكراني في الفترة القادمة، وذلك استكمالاً للجولة الثانية التي انعقدت بإسطنبول في 2 يونيو 2025.



المراجع:

محمد نبيل، 23.6.2025، ما هي حسابات "ترامب" لإعادة تسليح كييف؟،إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية.

الخالدي، خالد. (2.7.2025). الإستراتيجية الأمريكية في أوكرانيا: تحولات الدعم العسكري والتداعيات الإقليمية. مركز الجزيرة للدراسات.

المقالات الأخيرة