لماذا أعلنت واشنطن انسحابها من منظمة اليونسكو؟
فرع بنغازي

في خطوة جديدة يسعى من خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى طمس خطوات الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن والسير في عكس اتجاه الإدارة الأمريكية السابقة؛ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو، وذلك في إطار سلسلة الانسحابات من المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي تبناها منذ توليه منصبه في العشرين من يناير الماضي، وذلك لأنه يرى أن هذه المنظمة لا تخدم المصالح الوطنية للشعب الأمريكي، إلى جانب أنها منحازة للصين، ومناهضة للكيانالصهيوني ، فضلاً عن أنها تتبنى سياسات وأيديولوجيا تثير الانقسام.

أسباب متعددة

ثمة العديد من الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو، وهذه الأسباب يمكن توضيحها فيما يلي:

1- التعارض مع مبدأ "أمريكا أولاً": تقوم سياسات الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية الثانية على مبدأ "أمريكا أولاً"، وهي سياسة تعني تقليص التزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات متعددة الأطراف التي قد تتعارض مع مصالحها، حيث إن ترامب يرى أن هذه المنظمة تتعارض مع المصلحة الوطنية للأمريكيين؛ وذلك لأنها تسعى إلى الترويج للكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية المثيرة للانقسام، بجانب أنها تعمل على التركيز المبالغ فيه على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة؛ حيث إن الرئيس الأمريكي يرى أن أعمالها تندرج تحت أجندة عالمية للتنمية الدولية والتي تتعارض مع سياسة "أمريكا أولاً"، بالإضافة إلى أن نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي ذكرت "أن الرئيس ترامب قرر سحب الولايات المتحدة من اليونسكو، لأنها منظمة تدعم قضايا ثقافية واجتماعية منقسمة لا تتماشى إطلاقاً مع السياسة الواقعية التي صوّت لها الأمريكيون في نوفمبر الماضي".

2- التماهي مع سلسلة انسحابات ترامب من المؤسسات الدولية: يأتي قرار انسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو في إطار سلسلة الانسحابات التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي تتعارض مع المصالح الوطنية للشعب الأمريكي، وتعمل على إهدار أموال دافعي الضرائب الأمريكية دون الاستفادة المباشرة منها من وجهة نظر الرئيس ومؤيديه؛ لذلك حاول ترامب التملص من كل هذه المؤسسات الدولية والاتفاقيات التي كان ينتقدها منذ فترة طويلة، مثل: منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، وغيرها.

3- انحياز اليونسكو للقضية الفلسطينية: لعل السبب الرئيسي الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ قرار خروج الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو أنه يرى أن هذه المنظمة مناهضة للكيان، وذلك من خلال ما ذكرته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس في تصريحات لها والتي أكدت من خلالها "أن المنظمة اتخذت موقفاً مناهضاً للكيان عبر الاعتراف بدولة فلسطين، وأضافت أن اعتراف المنظمة بدولة فلسطين كدولة عضو أغضب الولايات المتحدة، ورأت أنها مشكلة كبيرة وساهمت في انتشار خطاب معادٍ لإسرائيل داخل المنظمة"، فضلاً عن ما ذكرته نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي "أن المنظمة استخدمت مجلسها التنفيذي لفرض إجراءات معادية للكيان واليهود، بما في ذلك أنها قامت بتصنيف الأماكن المقدسة اليهودية على أنها مواقع تراث عالمي فلسطيني".

4- تصاعد نفوذ الصين داخل المنظمة: قد يكون الهدف الأساسي من خروج الولايات المتحدة من اليونسكو نتيجة النفوذ الصيني المتنامي داخل المنظمة، خاصة لأن الحزب الشيوعي الصيني استغل نفوذه في اليونسكو لدفع معايير عالمية تخدم مصالح بكين في المقام الأول، بجانب الانتقادات الكثيرة الموجهة للصين بسبب استخدامها هذا النفوذ لتقليل دور الأقليات مثل مسلمي الإيجور في التاريخ الصيني، فضلاً عن الاتهام الذي ذكرته آنا كيلي نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض "بأن اليونسكو تميل لصالح الصين، وأشارت إلى أن نائب المدير العام للمنظمة هو مواطن صيني يُدعى شينج كو، وهو ما يعكس استخدام بكين لنفوذها داخل اليونسكو لتعزيز المعايير العالمية التي تخدم مصالحها".

5- إطلاق اليونسكو مبادرة "تغيير العقليات الذكورية": من بين المبررات التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ القرار بسحب الولايات المتحدة من اليونسكو، أن الإدارة الأمريكية انتقدت المبادرة التي أطلقتها منظمة اليونسكو للعقليات الذكورية في عام 2024؛ والتي تضمنت تقريراً يبرز أنشطة المنظمة في الهند لإعادة تشكيل نظرة الرجال إلى قضايا النوع الاجتماعي، وخاصة الأنماط الذكورية الضارة، حيث إن ترامب رأى أن هذه المنظمة تركز بشكل مبالغ على سياسات متعلقة بالتنوع والمساواة.

تداعيات محتملة

ثمة الكثير من التداعيات محتملة الحدوث عقب خروج الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو، وهذه التداعيات ليست واقعة على المنظمة وحدها، بل ستقع أيضاً على الولايات المتحدة نفسها، وهذه التداعيات يمكن توضيحها فيما يلي:

 

1- تراجُع النفوذ الأمريكي داخل المنظمة: قد يؤدي خروج الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو إلى فقدانها النفوذ في التصويت على قرارات المنظمة التي تتعلق بالمناهج التعليمية وحماية التراث الثقافي والتعليم الرقمي، وهذا الأمر سيقلل من تأثيرها في السياسات الثقافية والتعليمية العالمية، وهو ما يؤدي إلى إضعاف حضورها في النقاشات الدولية حول التراث والثقافة والعلوم، بجانب أنه قد يعمل على اهتزاز صورة واشنطن أمام المجتمع الدولي من خلال الانطباع السلبي الذي تتركه عن عدم التزامها بالتعددية الدولية، وهذا ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف صورتها أمام العالم على أنها قوة داعمة للتعاون الدولي.

2- تعزيز النهج الانعزالي لواشنطن: إن قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو، إلى جانب الخطوات المماثلة التي قام بها منذ توليه منصبه في البيت الأبيض في يناير 2025 مثل خروجه من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات والاتفاقيات الدولية؛ كلُّ هذه التصرفات قد تُعزز من توجه الولايات المتحدة نحو الانعزال عن المؤسسات الدولية التي يرى الرئيس الأمريكي أنها لا تخدم المصلحة الوطنية للشعب الأمريكي، وتتعارض مع سياسة "أمريكا أولاً" التي تتبعها سياسته الخارجية.

3- تنامي نفوذ خصوم واشنطن داخل المنظمة: قد يُعطي خروج الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو الفرصة لخصوم واشنطن مثل روسيا والصين لتوسيع نفوذهم في المنظمة لكي يملئوا الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، خاصة أن الصين تُعتبر ثاني أكبر ممول لمنظمة اليونسكو، وهذا ما يجعل لها نفوذاً كبيراً في هذا المجال، وتأثيراً على قرارات المنظمة بما يخدم مصالحها وبما قد يضر بمصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد، فضلاً عن أن خروج الولايات المتحدة يُعتبر تنازلاً عن زعامتها في المسائل الخاصة بالتعليم والثقافة والذكاء الاصطناعي التي قد تكون من أولويات الصين وروسيا.

4- تراجع تنفيذ البرامج التي تتبناها اليونسكو: يؤدي خروج الولايات المتحدة من اليونسكو إلى فقدان المنظمة جزءاً من تمويلها؛ وهذا الأمر قد يؤدي إلى تأثُر جزء كبير من البرامج التي تقوم بها المنظمة، مثل: برامج تعليم الفتيات، وقضايا المناخ، وتعزيز أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بجانب أنها قد تضطر لإلغاء الكثير من الوظائف، فضلاً عن تقليصها الكثير من المبادرات التي ترعاها، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى إعاقة الجهود التي تقوم بها المنظمة.

5- فقدان منظمة اليونسكو جزءاً من ميزانيتها: قد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو إلى فقدان المنظمة جزءاً محدوداً من ميزانيتها لكنه جزء لا يستهان به، حيث إن الولايات المتحدة تمثل نحو 8% من ميزانية اليونسكو بعد أن قامت المنظمة بتنويع مصادر تمويلها عقب خروج الولايات المتحدة من المنظمة في المرة الأولى خلال ولاية ترامب الأولى في 2018؛ لذلك أكدت المدير العام لليونسكو أودري أزولاي "أن المنظمة مستعدة لهذا الانسحاب، وأنها عززت تمويلها من مصادر دولية وخاصة لمنع أي تأثير درامي".

إضعاف واشنطن

ختاماً، يمكن القول إن القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي بموجبه تنسحب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو يُعتبر قراراً خاطئاً، لأنّه سيجعل المجال مفتوحاً لخصوم واشنطن مثل روسيا والصين لتوسيع نفوذهما داخل المنظمة من أجل الاستحواذ على المكانة التي كانت تحظى بها الولايات المتحدة في المنظمة، وهذا قد يؤدي إلى إضعاف مكانة الولايات المتحدة على الساحة الثقافية الدولية نتيجة فقدانها القدرة على التأثير في القرارات التي قد تتخذها المنظمة بشأن التعليم والثقافة




المراجع:

ناريمان عبد الفضيل،31 .7 .2025، لماذا أعلنت واشنطن انسحابها من منظمة اليونسكو؟،انترريجونال.

يحي بن مفرح الزهراني ،17.10.2021، انسحاب أمريكا من اليونسكو: ملامح انهيار النظام الدولي القائم.

المقالات الأخيرة