سوريا والتحالف الدولي ” مخاطر التمدّد الإرهابي “
فرع القاهرة

يُشكّل إعلانُ انضمام سوريا إلى تحالف مكافحة الإرهاب في نوفمبر 2025 تحديًا مباشرًا لبِنية الجماعات الجهادية التي اعتادت العمل في بيئةٍ مضطربة تُتيح لها الحركة والتجنيد والمناورة. ولقد أدّى هذا القرار إلى حالة ارتباكٍ حادٍ داخل المشهد الجهادي السوري، إذ وجدته التنظيمات الإرهابية تهديدًا لبقائها ومصادر تمويلها، فبادرت إلى تصعيد خطابها التعبوي وإعادة تموضعها الميداني وإطلاقِ موجاتٍ جديدةٍ من العمليات الانتقامية ضد رموز الدولة ومراكز الأمن، كما رأت فيه “تحالفًا ضد الإسلام” وفق سرديتها المتطرفة مما أعاد تنشيط شبكاتها الدعائية العابرة للحدود التي طالما استغلت سردية “الاحتلال” لتعبئة الأنصار واستقطاب المقاتلين الأجانب وفي المقابل واجهت الدولة السورية تحدياتٍ مضاعفةً إذ أصبح عليها الموازنةُ بين الانخراط في آليات التعاون الدولي من جهة والحفاظ على استقلالية قرارها الأمني والسياسي في الداخل من جهة أخرى في ظل هشاشة البنية الأمنية وتفكك مراكز السُلطة المحلية.

تكمُن أهمية دراسة ردود الفعل التنظيمات الجهادية على هذا القرار في أنها تُسلّط الضوء على ديناميكيات التكيّف داخل هذه التنظيمات ، و مدى قدرتها على إعادة إنتاج نفسها في مواجهةِ تحولات البيئة السياسية والأمنية، كما تُبرز في الوقت ذاته تعقيداتُ المشهد السوري الراهن حيث تتقاطع الأبعاد الأمنية والعسكرية مع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في إعادة إنتاج دوائر التطرف. ومن هنا يهدف هذا التقرير إلى تحليل طبيعة المواقف الجهادية من القرار السوري، واستشراف انعكاساته على بنية المشهد الجهادي، وتقييم السيناريوهات المستقبلية المحتملة في ضوء المعطيات الميدانية والإقليمية الراهنة.

تداعيات القرار

يُعدّ قرار انضمام سوريا إلى تحالف مكافحة الإرهاب ورفْعِ اسم الشرع من قوائم الإرهاب تحوّلًا مفصليًا في إعادة تموضع دمشق إقليميًا ودوليًا لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام تداعياتٍ أمنيةٍ معقّدةٍ؛ إذ يُحتمل أن يُعيد تشكيل توازنات القوى داخل سوريا ويثير مخاوف من فراغاتٍ أمنيةٍ قد تستغلها خلايا التنظيمات المتشددة في الداخل ودول الجوار، ويمكن توضيح أبرز هذه التداعيات من خلال الآتي:

1- تصعيد عملياتي وعودة الهجمات التكتيكية: تستفيد الجماعات لا سيَّما “داعش” من سردية “الاحتلال/التحالف الدولي” لتبرير هجماتٍ انتقاميةٍ واستعادة الروح القتالية بين عناصرها، كما تستغل شبكات السجون والمعسكرات والنفوذ في المناطق النائية لاستخدامها كمناطق انطلاق وتخطيط عملياتي وتكتيكي، وعليه فمن المتوقّع أن تشنَّ خلايا التنظيمات الإرهابية الفاعلة في الداخل السوري موجةً من العمليات الإرهابية في الداخل السوريا تستهدف نقاط التواجد الأمني سوءا لقوات النظام أو لقوات سوريا الديموقراطية “قسد” وكافة الأطراف المتعاونة مع قوات التحالف خاصة أن خلايا هذه التنظيمات سواءًا  “داعش” أو غيرها من الخلايا الإرهابية الأصغر “كسرايا أنصار السنة” أو بقايا تنظيم “حراس الدين” المنحل_ تميلُ عادةً إلى تفسير أي تراخٍ أمنيٍ أو انتقالٍ مؤسسيٍ كفرصةٍ لإعادة التموضع وبناء الخلايا النائمة؛ لذا من المتوقع أن تتزايد محاولات  الاستغلال الفراغات الأمنية واستهداف نقاط ضعف  كقوافل إعادة الإعمار ونقاط انتشار الأمن المؤقتة  ومراكز تجمع النازحين.

وسياقٌ آخر يوجد عددٌ من الفصائل والخلايا إرهابية الأخرى التي قد تتبنّى موقفين متقابلين تجاه قرار انضمام سوريا للتحالف الدولي مكافحة الإرهاب إما توسيع خطابها المضاد للشرعنة تصعيدها ضد النظام في  محاولة للتموقع الشعبي ضد الإجراءات الحكومية، أو بالمقابل قد تتراجعُ بشكلٍ مؤقّتٍ عن الصدام إن رأت أن المواجهةَ مضرّةٌ لمصالحها الاستراتيجية.

2- إعادة توجيه الحملات الدعائية والتجنيد: سيوفر القرار وما يترتب عليه من آلياتٍ دولية للتنظيمات الإرهابية مادةً دعائيةً سهلةً كتصوير الدولة الجديدة كـ”خائن” أو تابع للقوى الأجنبية ما يعزّز رواية التجنيد خاصة بين المتضررين من الحرب والإقصاء الاقتصادي، وعليه ستعمل هذه التنظيمات على  ضخّ مزيدٍ من المحتوى الموجه على منصات التواصل الاجتماعي  والقنوات الفضائية لاستغلال هذا السردية.

3- تفكّك وإعادة ترتيب التحالفات المحلية: قد تحاول الخلايا الإرهابية الأصغر الانقضاض على قواعدَ داعيةً للانفصال أو الانضمام إلى خلايا داعشية أكبر، بالمقابل بعض قيادات “المجالس المحلية” أو الفصائل التي تحرّكت سياسيًا قد تسعى للتفاهم مع دمشق لتأمين مواقعها، ما يعيد تشكيل قواعد السيطرة المحلية، فضلًا عن تصاعد عدةِ مخاوف من تمدّدٌ خلايا التنظيمات المتشددة في المجتمع السوري؛ حيث تتصاعد المخاوف من تمدّد خلايا التنظيمات المتشددة في ظل التحوّلاتِ السياسيةِ والأمنية الراهنة في سوريا، وما يرافقه من إعادة توزيعٍ للأدوار الأمنية إذ تخشى الأطراف الإقليمية أن تستغل تلك الجماعات أي فراغٍ أو ارتباكٍ أمنيٍ لإعادة تنظيم صفوفها وتوسيع نطاق نشاطها داخل الأراضي السورية وفي محيطها الجغرافي، وأبرزُ هذه المخاوف كالتالي:

شبكاتٌ نائمةٌ واستغلال الوضع السياسي: خلايا داعش وبقايا تنظيمات متطرفة تَميلُ للاستفادة من أي مرحلةٍ انتقاليةٍ أو تراخٍ أمني لملء الفراغ، خصوصُا إن لم تكن هناك برامجُ فعّالةٌ للدمج أو الاستئصال الأمني المستهدف، هذا يشمل عمليات توظيف محلية، تفجيراتٍ متنقلةً، وعمليات اغتيال لخلق فوضى تُعرقل الاستقرار.

شبكات الدعم العابر للحدود: النمط التاريخيُ يدلّ على أن الخلايا الصغيرة تُعيد تشكيل شبكات عبورٍ للتمويل والأسلحة عبر أطراف سوريا، ما يستدعي تنسيقًا إقليميًا حقيقيًا لمراقبة الحدود وقطْع خطوط التمويل.

4- استهداف مبادرات المصالحة والتسويات: من المتوقّع أن تصبحَ مشاريع دمج المسلحين السابقين وإعادة بناء الأجهزة الأمنية أهدافًا استراتيجيّةً للدعايات والهجمات؛ كما أن الجماعات ستعمل على منْعِ نجاح أي مشروعٍ يوفر بدائل سياسية لمقاتليها.

انعكاسات القرار على تعقيد المشهد الأمني

يُعدّ قرار انضمام سوريا إلى تحالف مكافحة الإرهاب ورفْع اسم أحمد الشرع من قوائم الإرهاب نقطة تحوّل في البنية الأمنية والسياسية السورية، لكنه في الوقت ذاته يُدخل المشهد في مرحلةٍ أكثر تشابكًا وغموضًا على المستويين الداخلي والإقليمي. ويمكن توضيح أبرز هذه الانعكاسات من خلال الآتي:

1- الدوافع العقائدية : غالبية التنظيمات الجهادية (مثل داعش وسريا أنصار السنة) تتبنّى فكرًا تكفيريًا صارمًا يقوم على رفض أي شكلٍ من أشكال التعاون مع القوى الدولية أو “الأنظمة المرتدة” كما تصفها، وعليه سيُنظر إلى قرار الانضمام للتحالف دولي ضد الإرهاب كـ”خيانة لمشروع الجهاد” ما يجعل هذه التنظيمات تعتبر “الشرع” مرتدًا عن المنهجِ والمشروع الجهادي وبالتالي هدفًا مشروعًا للتصفية أو العزل، كما أن الخطاب الإعلامي المتوقّع من هذه الجماعات سيتّجه نحو شيطنة النظام السوري الجديد واتهامه بالتحالف مع “الصليبيين” في محاولةٍ لاستقطاب قواعده السابقة والحفاظ على الشرعية الأيديولوجية داخل صفوفها.

2- الاعتبارات التنظيمية والميدانية : قد تسعى بعض الفصائل الكبرى وبقايا خلايا هيئة تحرير الشام وأحرار الشام غير المنخرطين بشكلٍ ملحوظٍ في النظام الجديد إلى التريّث في إعلان عداءٍ مباشرٍ مع النظام على هامش هذا القرار، لأنّها تسعى للحفاظ على توازن نفوذها المحلي وعدم استجلاب ضربةٍمشتركةٍ من التحالف الجديد، وعليه فهي تتبنّى تكتيك “الرفض الهادئ” عبر تفكيك أي خلايا مؤيدة للنظام أو منْع تمدّد نفوذه في مناطق سيطرتها دون الدخول في مواجهةٍ مفتوحةٍ معه، في المقابل تنظيماتٌ أكثر تشدّدًا حتى ولو ظاهريًا يبدو أنها غير نشطة كـأنصار التوحيد والرايات البيضاء قد تبادر بتنفيذ عمليات “تحذيرية” ضد عناصر أو مقرات مرتبطة بالنظام لتأكيد موقفها الرافض.

3- البُعد الإقليمي - مؤشرات متباينة: بعض القوى الإقليمية (خاصة تركيا وقطر) التي ترتبطُ بشبكاتٍ داخل المعارضة السورية قد تمارس ضغطًا غير مباشرٍ على الفصائل لعدم التصعيد ضد النظام في هذه المرحلة خشية انفجار المشهد في إدلب وشمال حلب في ظل توقّع تصاعد النشاط العملياتي الإرهابي، في المقابل يُتوقّع أن تستغل إيران وروسيا أي تهديدٍ من الجماعات الجهادية لتبرير تعزيز وجودهما العسكري داخل سوريا، تحت شعار “مواجهة الإرهاب العابر للحدود”.

4- زيادة مخاطر الانتشار الإقليمي: إذا تصاعدت العمليات داخل سوريا فإن تدفّق المقاتلين والأسلحة يمكن أن يُعيد التركيز على شبكاتٍ إقليميةٍ (شمال أفريقيا، العراق، الخليج)، ما يُعقّد أمن الجوار ويزيد من احتمالات ردود فعلٍ عسكريةٍ خارجيةٍ والجديرُ بالذكر أن أي ردودٍ عسكريةٍ أُحاديةٍ أو ضرباتٍ وقائية من دول تشعر بتهديد فوري (مثل الكيان الصهيوني أو تركيا) قد يفتح باب تصعيد عسكري محدود أو واسع ما قد يؤدي إلى تفجّر نزاعاتٍ طرفيةٍ داخلية نتيجة استهداف مجموعات محلية مدعومة من جهات إقليمية  وبالتالي تحوّلُ المواجهة إلى ساحةٍ لنفوذٍ خارجيٍ وتحريك موجات لجوء وتهجير بسبب عدم الاستقرار الأمني ما يغذي القلق الإقليمي ويزيد من حساسية الحدود وفضاءات الاحتكاك.

الكيان الصهيوني: تراهنُ على ضماناتٍ أمنيةٍ واضحةٍ لعدم تحوّل جنوب سوريا إلى منصةٍ هجوميةٍ خاصة أن أي ضعف في ضبط الحدود قد يدفع تل أبيب لعملياتٍ استباقيةٍ ما يؤدي إلى موجات تصعيد جديدة، وعليه فإن المحادثاتِ الأمنيةَ العابرة للحدود ستكون حسّاسةً وقد تُصاحبها ضغوطٌ استخباراتية.

لبنان والأردن والعراق وتركيا: هذه الدول تراقب تطوراتِ دمشق بعينٍ حَذِرة؛ كلُّ دولةٍ ترى خطر تمدّد الخلايا الإرهابية عبر حدودها بطرق مختلفة (تهريب أسلحة، تسلل مقاتلين، تفجير أنفاق، إلخ) هذه الدول قد تشدّد مراقبة حدودها أو تطالب آليات رقابة متعددة الأطراف ما قد يزيد من الاحتكاكات مع دمشق إن لم تُنسّق الإجراءات.

لبنان: مخاطر تسلل مقاتلين وتهريب أسلحة عبر الحدود أو استغلال مناطق اللاستقرار لمدّ النفوذ الحزبي/المسلّح.

الأردن: قلقٌ أمنيٌ على حدوده الجنوبية وحاجته للتنسيق الاستخباراتي لمنع تسلل خلايا.

العراق: إمكانيةُ تنامي تبادل العناصر بين خلايا داعش المتبقّية عبر الحدود.

تركيا: هناك مخاوفُ من ظهور وتواجد عملياتي للنشاط الإرهابي .

بشكلٍ عامٍ، الدول المجاورة ستطلب ضمانات (آليات تفتيش، تبادل معلومات، ممرات إنسانية محكومة) مقابل قبول دمشق كطرفٍ “مؤَهلٍ” للعمل الأمني الإقليمي، وعليه يمكن القول إن القرار رغم ما يحمله من أفقٍ لإعادة دمج سوريا في المنظومة الإقليمية والدولية إلا أنه يزيد من تعقيد المشهد الأمني على المدى القصير والمتوسط، وذلك لعدة أسباب:

تَضاربُ مصالح الفاعلين المحليين والإقليميين.

احتمالُ تصاعدِ العنف الجهادي كردّ فعل على التحالف.

ضعْفُ قدرة الدولة على فرض السيطرة الكاملة على الأرض.

وبالتالي فإن المرحلةَ المقبلة مرشّحةٌ لأن تشهد صراعًا مركّبًا بين منطق الدولة ومنطق التنظيمات المسلحة، في ظل هشاشة بنية الأمن الإقليمي، ووفقًا لمؤشرات السلوك السابقة للجماعات الجهادية عند حدوث “انشقاقاتٍ فكرية” مشابهة، فإنّ احتمال انقلابها على هذا الانشقاق مرتفعٌ سياسيًا وعقائديًا لكنه متفاوتٌ ميدانيًا وفقًا للمنطقة والفصيل.

مآلات مستقبلية

تُشير المآلات المستقبلية للمشهد السوري بعد انضمام دمشق لتحالف مكافحة الإرهاب إلى مرحلةٍ معقّدةٍ تتداخل فيها فرص الاستقرار مع احتمالات التصعيد الجهادي، حيث سيُختبر مدى قدرة الدولة على تحويل هذا التحالف إلى رافعة لإعادة بناء منظومتها الأمنية، ومن المرجّح أن تحدد طبيعة استجابة الجماعات الجهادية المقبلة ملامح التوازن بين مسار مكافحة الإرهاب ومسار إعادة إنتاج الصراع، وأبرزها كالتالي:

تصاعد ملحوظ: تحالفٌ دولي محدودُ الفاعلية أمام شبكات متنقلةٍ؛ داعش وحلفاؤه ينفذون موجات تفجيرية وانتقائية لإرباك أجهزة الأمن الجديدة، مما يعيد إشعال مناطق واسعة ويؤجّل الاستقرار  و يؤدي إلى تدخلاتٍ إقليميةٍ إضافية مستقبلًا.

إدارة تَنَسُّق مع قدرة احتواء متوسطة (الأكثر احتمالاً): انخراط سوريا مع التحالف يخفّف بعض قدرات داعش على العمل المنظّمِ لكن مع بقاء هجماتٍ متقطعةٍ وخلايا نائمة مع تحسن جزئي في السياسة الأمنية بفضل تبادل المعلومات.

نجاح استثنائي: تعاونٌ استخباراتٌي وعملياتٌ داخلية فعّالة إلى جانب برامج إعادة دمْجِ ناجحة تُقلّل من عناصر التجنيد ما يُسهِم في استقرارٍ نسبيٍ وإعادة بناء ثقةٍ مجتمعيةٍ، يتطلب هذا سياساتٍ اقتصاديةً واجتماعيةً متوازنة.

توصيات ميدانية واستراتيجية

تأتي هذه التوصيات استجابةً للتحديات الأمنية التي أفرزها انضمام سوريا إلى تحالف مكافحة الإرهاب ورفْعِ اسم الشرع من قوائم الإرهاب وتهدف هذه التوصيات إلى وضع آليات عملية تضمن ضبط المشهد الأمني، ومنْعَ تمدّد الجماعات المتشددة، وتعزيز التنسيق الإقليمي بما يحافظ على استقرار سوريا ومحيطها.

ومن أبرزها:

آليةُ إشرافٍ متعددة الأطراف: تشكيل لجنة رقابة إقليمية مشتركة تضمُّ دولَ الجوار ومنظماتٍ دوليةً لمتابعة تنفيذ التزامات دمشق الأمنية والإنسانية.

تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية الواقعي والمتدرج: اتفاقيات تبادل معلومات بنطاق محدود ومراقب لضمان عدم إساءة الاستخدام وتدريج الثقة.

برامجُ نزْع السلاح وإعادة الإدماج: استثمارات في برامج توظيف بديلة وتعليم ومبادرات لمكافحة التطرف المحلي لمنع تجنيد شبكات نائمة.

ضمان الشفافية في إجراءات الشطب من قوائم التنظيمات الإرهابية: إطارات واضحة للمساءلة إعلاميًا وقضائيًا حول سبب الشطب وشروط العودة إلى القوائم إن وُجِد انتهاك.

ختامًا: يُعدّ انضمام سوريا إلى تحالفِ مكافحة الإرهاب محطةً مفصليةً في مسار الصراع السوري، ليس فقط من حيث رمزيته السياسية ومحاولته إعادة إدماج دمشق في النظام الإقليمي والدولي، بل أيضًا من حيث انعكاساتهُ البنيوية على موازين القوى داخل المشهد الجهادي. إذ كشفَ هذا القرارُ عن التناقضات الكامنة بين مساعي الدولة لاستعادة سيادتها وأمنها الوطني، وبين محاولات الجماعات الإرهابية المحافظة على وجودها وشرعيتها الأيديولوجية في بيئةٍ كانت لعقدٍ ونصفٍ مسرحًا لنشاطها وتمدّدها. فبينما رأت دمشق في هذه الخطوة مدخلًا نحو إعادة بناء مؤسساتها الأمنية وتعزيز حضورها الدولي، اعتبرتها التنظيمات الجهادية إعلان حربٍ مفتوحةٍ على ما تبقّى من نفوذها الميداني والرمزي.

من الناحية الاستراتيجية، يُظهر تطوّر الأحداث أنّ مكافحة الإرهاب في السياق السوري لا يمكن أن تُختزلَ في البعد العسكري وحده؛ فالتجربةُ التاريخيةُ تؤكد أنّ التنظيمات الجهادية تمتلكُ قدرةً عاليةً على التكيّف وإعادة التموضع في البيئات الهشّة، ما لم تُقترنْ الجهود الأمنية بإصلاحاتٍ سياسيةٍ ومجتمعيةٍ واقتصاديةٍ تُعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتُضعف روافد التطرف من جذورها. إنّ نجاح سوريا في تحويل مشاركتها في التحالف إلى أداةٍ لإعادة هيكلة منظومتها الأمنية وبناء استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب سيكون معيارًا حاسمًا لمدى قدرتها على الانتقال من مرحلة “إدارة الأزمة” إلى مرحلة “إعادة إنتاج الاستقرار”.

وفي النهاية، فإنّ قرار الانضمام للتحالف لا يُغلق ملف الإرهاب في سوريا، بل يفتح فصلًا جديدًا من الصراع بين مشروع الدولة الوطنية ومشروع التنظيمات العابرة للحدود. وبين هذين الحدّين، يبقى المستقبلُ مرهونًا بمدى قدرة الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على صياغة مقاربةٍ متوازنةٍ تدمجُ البعدين الأمني والتنموي، وتكفلُ في الوقت ذاته احترامَ السيادة الوطنية وبناءَ عقدٍ اجتماعيٍ جديد يُعيد للسوريين أمنهم ومعناهم في وطنٍ أنهكته الحروب والتجاذبات.

 

المصدر: مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

الكاتب : إلهام النجار

التاريخ : 16/11/2025

-------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: الجزيرة نت

الكاتب : باسل المحمد

التاريخ : 10/11/2025


المقالات الأخيرة