كيف تُعيد “الحوسبة الكمية” تشكيل “عالم المستقبل”؟
فرع بنغازي

يتزامن مع الحرب التكنولوجية الطاحنة بين القوى الكبرى، سباق غير مسبوق لتطوير تقنيات الحوسبة الكمية (Quantum Computing) باعتبارها الثورة القادمة في تقنيات الحوسبة عبر الاعتماد على الكيوبتات التي يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بالتوازي وبصورة غير مسبوقة، وهو ما يؤدي إلى فتح مجالات ابتكار نوعية في مجالات تطبيقية متعددة (مثل: الطب، والاقتصاد، وإدارة المخاطر المالية والطاقة)، بالإضافة إلى تعزيز قوة نظم التشفير لمواجهة التهديدات السيبرانية. وفي مقابل الفرص غير المسبوقة، تتنامى التحديات الاستراتيجية، خاصةً توسع الفجوة التكنولوجية العالمية، والحرب على اجتذاب المواهب والكفاءات، والتهديدات السيبرانية المتصاعدة.

 

مؤشرات الصعود

تُعتبر الحوسبة الكمية طفرة تكنولوجية غير مسبوقة ترتكز على توظيف فيزياء وعلوم الكم في معالجة البيانات الضخمة (Big Data)؛ إذ يتم استبدال وحدات المعالجة التقليدية (bits)، التي تأخذ قيمتي 0 أو 1، بوحدات تُعرف بالكيوبتات(qubits) التي يمكن أن تكون 0 و1 في الوقت ذاته، مما يعطيها قدرة حسابية كبيرة لحل مشاكل معقدة، مثل محاكاة الجزيئات الكيميائية، أو تعزيز سلاسل الإمداد، أو تخليق مواد جديدة، أو ابتكار أنظمة تشفير أكثر أماناً. وبمعنى آخر، تمثل هذه التقنية جيلاً جديداً من الحوسبة مصمماً لحل مشاكل لا تستطيع الحواسيب التقليدية التعامل معها بالكفاءة نفسها. وفيما يلي أبرز مؤشرات تزايد الاهتمام العالمي بالحوسبة الكمية:

1- إعلان الأمم المتحدة 2025 عاماً لعلوم الكم: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 يونيو 2024 قراراً باعتبار عام 2025 العام الدولي لعلوم التقنية والكم (Quantum)، وتم تنظيم فاعلية لتدشين هذا العام في باريس يومي 4 و5 فبراير 2025. وتواكب صدور هذا القرار مع مرور قرن على وضع مبادئ ميكانيكا الكم، واستهدف تعزيز التعاون العلمي العالمي ونشر المعرفة في دول العالم، وقد تزامن ذلك مع إطلاق مبادرات بحثية دولية متعددة، مما يكشف أن "علوم الكم" لم تعد قضية أكاديمية نظرية بل ركناً أساسياً في تقنيات المستقبل ذات التطبيقات العملية والاقتصادية.

2- تقدم الشركات الأمريكية في تطوير تكنولوجيا الكم: تزايدت حدة التسابق بين الشركات الأمريكية لتطوير تقنيات الحوسبة الكمية وجعلها قابلة للاستخدام التجاري عبر بناء منصات أكثر استقراراً يمكن توظيفها عملياً، وفي 9 ديسمبر 2024 أطلقت شركة جوجل شريحة "ويلو" (Willow) التي تمثل طفرة في قدرات المعالجة الكمية ووثقت نتائج تجاربها في مجلة "ناتشر" (Nature)، مؤكدةً أن وحدات الكم أو "الكيوبتات" (Qubits) تكون أكثر دقة مع زيادة حجم النظم وقدرات المعالجة. ويعد هذا الإنجاز حاسماً في مواجهة التحدي الأهم في الحوسبة الكمية وهو "كثرة الأخطاء". وتوازى ذلك مع كشف شركة "آي بي إم" في عام 2025 عن عزمها إطلاق المعالج المتقدم "نايتهوك" (Nighthawk) بسعة 120 كيوبت مع قدرات هجينة لدمج الحوسبة التقليدية مرتفعة الأداء مع الحوسبة الكمية.

3- تحقيق الصين طفرات في الحوسبة الفائقة: تتبع الصين مسارات متوازية ومتسارعة لبناء منصات للحوسبة الكمية ذات قدرات ضخمة وأكثر استقراراً وقابلية للتوظيف في التطبيقات العملية، حيث كشفت جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين في مارس 2025 عن نموذج "زو تشونجتشي 3.0" المبني على المعالجات فائقة التوصيل والقادرة على العمل بسعة 105 كيوبتات، وفي مايو من العام نفسه تمكنت شركة "أوريجن كوانتم" من تطوير نظام "تيانجي 4.0" بقدرات ضخمة تصل إلى 500 كيوبت، كما يعالج تحديات التحكم عند تشغيل أنظمة الحوسبة الضخمة. وبالتوازي مع ما سبق، استمر برنامج "جيوجانج" للحوسبة الفوتونية في تعزيز موقعه كنموذج متقدم في مجال الحوسبة الكمية الفوتونية.

4- تبني الاتحاد الأوروبي "استراتيجية أوروبا الكمية": حقق الاتحاد الأوروبي تقدماً ملموساً في تطوير قدرات الحوسبة الفائقة. ففي يوليو 2025، أطلقت المفوضية الأوروبية "استراتيجية أوروبا الكمية" لتكون بمنزلة خارطة طريق لجعل الاتحاد الأوروبي قوة رائدة في مجال الحوسبة الكمية بحلول 2030، كما وقّعت المبادرة الأوروبية للحوسبة الفائقة المشتركة في أكتوبر 2024 عقداً لتزويد مركز لايبنتس الألماني للحوسبة الفائقة بنظامين كميين متطورين، أحدهما بسعة 54 كيوبت يتم تسليمه في النصف الثاني من 2025والآخر بسعة 150 كيوبت يتم تسليمه بنهاية 2026 وذلك ضمن مشروع "الحوسبة الكمية الأوروبية-الممتازة".

وقد تصاعد دور شركة (IQM) الفنلندية في السوق الأوروبية عقب تمكنها في سبتمبر 2025 من جمع استثمارات قياسية وصلت إلى 320 مليون دولار ليصل إجمالي تمويلها 600 مليون دولار، وهو تمويل ضخم لشركة أوروبية في مجال الحوسبة الكمية تعمل خارج الولايات المتحدة.

5- توسع الاستثمارات المالية في الحوسبة الكمية: توقّعت شركة "ماكينزي" في تقريرها الصادر في يونيو 2025 أن يصل حجم سوق الحوسبة الكمية إلى حوالي 100 مليار دولار خلال 10 سنوات. كما كشف تقرير مؤشر الكم لمعهد "إم آي تي" (MIT) أن تمويل المخاطر لشركات الحوسبة الكمية وصل إلى حوالي 1.6 مليار دولار في 2024، مع بقاء نصيب هذا القطاع أقل من 1% من إجمالي رأس المال المخاطر عالمياً. وعلى مستوى الصفقات الكبرى، أعلنت شركة "كوانتنيوم" (Quantinuum) في سبتمبر 2025 عن جولة تمويل جديدة بنحو 600 مليون دولار، في إشارة كاشفة عن تزايد الثقة ونضوج قطاع الحوسبة الكمية باتجاه الانتقال من التجارب إلى المنتجات القابلة للتوسع.

6- إتاحة الحوسبة الكمية عبر خدمات التخزين السحابي: عززت الشركات إتاحة الحوسبة الكمية عبر التخزين السحابي بحيث لم تعد حكراً على المختبرات المتقدمة، بل أصبحت متاحة كخدمة سحابية عالمية. ففي 1 أبريل 2025أتاحت منصة "إيه دبليو إس براكِت" (AWS Braket) جهاز "أيون كيو فورت إنتربرايز" (IonQ Forte Enterprise) للمستخدمين حول العالم، مما يعني إمكانية وصول الشركات والجامعات إلى قدرات معالجة كمية متقدمة دون تكلفة اقتناء الأجهزة، وعقب ذلك أطلقت المنصة في أغسطس 2025 خدمة (Program Sets) التي قلصت زمن تنفيذ العمليات بما يصل إلى 24 مرة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في تسريع التطبيقات. وفي السياق ذاته، أعلنت شركة "إنفيديا" (NVIDIA) في مارس 2025 عن تأسيس مركز بحثي جديد لدعم الحوسبة الهجينة بما يربط بين الحوسبة التقليدية والحوسبة الكمية في نطاق واحد.

 

فرص الحوسبة الكمية

ينطوي التقدم في الحوسبة الكمية على فرص اقتصادية ضخمة وتطبيقات لا حصر لها، فقد بدأت المؤسسات البحثية تركز على التطبيقات العملية لهذه التقنية، خاصةً في مجالات تسريع إنتاج الأدوية وتحسين سلاسل الإمداد وتطوير المواد الجديدة وبناء نظم تشفير متقدمة، وهو ما يتوقع أن يعيد تشكيل البنية الصناعية والاقتصادية للعالم خلال العقد القادم، وتتمثل أبرز هذه الفرص في التالي:

1- تسريع اكتشاف الأدوية من خلال محاكاة التفاعلات الكيميائية: يجري حالياً توظيف قدرات المعالجة الفائقة للحوسبة الكمية في تسريع إنتاج الأدوية، ففي يونيو 2025أعلنت شركات "أيون كيو" (IonQو"أسترازينيكا" (AstraZeneca) و"أمازون ويب سيرفِسز" (AWSو"إنفيديا" (NVIDIA) عن تجارب مشتركة تمكنت من تسريع محاكاة تفاعل كيميائي بأكثر من 20 مرة باستخدام الحوسبة الهجينة، وهو ما يقلل بشكل لافت من الزمن المطلوب لاكتشاف الأدوية، كما طوّرت منصات "كيوسيميوليت" (QSimulate) تقنيات للمحاكاة تقوم على ميكانيكا الكم، مما جعل عمليات كيميائية كانت تستغرق أسابيع تنجز خلال ساعات قليلة. كما شهد أغسطس 2025إطلاق منصة (QIDO) التي تطرح إطاراً جديداً لدمج التفاعلات الكيميائية بعلوم الكم، بهدف تسريع ابتكار الأدوية والمواد المتقدمة بصورة قابلة للتداول تجارياً.

2- تحسين سلاسل الإمداد عبر توجيه مسارات الإنتاج والتوزيع: يمكن توظيف الحوسبة الكمية في مجالات الإنتاج والتوزيع للمنتجات، ففي مارس 2025 أعلنت شركة "فورد أوتوسان" (Ford Otosan) عن تطبيق فعلي للحوسبة الكمية، حيث استخدمت خوارزميات التحسين الكمي لتسلسل عمليات الإنتاج في مصانعها، ما ساعد على تقليل وقت التوقف وتحسين الكفاءة التشغيلية. وتُظهر تجارب مماثلة في مجالات النقل واللوجستيات أن الحوسبة الكمية قادرة على معالجة مشكلات معقدة مثل توجيه المركبات (Vehicle Routing) أو إدارة المخزون بشكل أسرع وأكثر دقة مقارنة بالطرق التقليدية. وتشير التوقعات إلى أن تبني هذه الحلول قد يوفر للشركات عوائد مالية كبيرة خلال فترة قصيرة، ويمنحها مرونة أكبر في التعامل مع الأزمات أو اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية.

3- تحليل المخاطر المالية وتحسين نماذج تسعير المنتجات: في مارس 2025 نجح تعاون بين بنك "جي بي مورجان" (JPMorgan) وشركة "كوانتنيوم" (Quantinuum) ومختبر "أرجون" (Argonne) في إثبات مفهوم جديد يُعرف باسم العشوائية الموثوقة (Certified Randomness)، والذي يوفر مدخلات عالية الجودة للنماذج الاحتمالية. ويفتح هذا التطور المجال أمام تحسين أدوات تحليل المخاطر المالية مثل قياس "القيمة المعرضة للخطر" (Value-at-Risk)، إضافة إلى زيادة دقة نماذج تسعير المنتجات والمشتقات المالية المعقدة. ويمثل هذا الإنجاز خطوة عملية نحو استخدام الحوسبة الكمية لتعزيز استقرار الأنظمة المالية، وتقليل درجة عدم اليقين في قرارات الاستثمار.

4- تصميم مواد وبطاريات أعلى كثافة وكفاءة في تخزين ونقل الطاقة: شهدت أبحاث المواد تقدماً ملحوظاً بفضل تقنيات المحاكاة الكمية، حيث استُخدمت أساليب الدمج الكمي (Quantum Embedding) لدراسة التفاعلات الكهروكيميائية داخل البطاريات بدقة غير مسبوقة. وقد تمكّنت هذه النماذج من محاكاة عمليات معقدة مثل اختزال الأكسجين في بطاريات الليثيوم، وهو ما يساعد على تصميم مواد جديدة. وبالتوازي، طوّرت منصات هجينة قادرة على تشغيل محاكاة ميكانيكا الكم على وحدات المعالجة الرسومية (GPU)، مما اختصر وقت التجارب من أسابيع إلى ساعات قليلة. وتمهّد هذه التطورات الطريق لإنتاج بطاريات أكثر كثافة في الطاقة، وأسرع في الشحن، وأكثر كفاءة في الاستخدام والنقل.

5- تطوير نظم تشفير جديدة لحماية البيانات من القرصنة: بدأت مرحلة جديدة في أمن المعلومات بعد أن اعتمد المعهد الوطني للمعايير والتقنية بالولايات المتحدة "نيست" (NIST) المعايير النهائية للتشفير ما بعد الكم في أغسطس 2024، وتشمل خوارزميات مثل كايبر (Kyberوديليثيوم(Dilithiumوسفينكس بلس (SPHINCS+). وقد تبعه وكالة الأمن القومي الأمريكية في مارس 2025 بإطلاق سياسته المحدثة "سي إن إس إيه 2.0" (CNSA 2.0)، فيما أصدر البيت الأبيض في يوليو 2025 مسودة توجيه لتسريع انتقال المؤسسات الحكومية ومورّديها نحو استخدام هذه الأنظمة. وقد خلق هذا التسلسل التنظيمي سوقاً جديدة سريعة النمو لحلول التشفير المتقدمة، حيث تتسابق الشركات على تطوير أدوات حماية مرنة قادرة على مواجهة التهديدات المستقبلية التي قد تفرضها الحواسيب الكمية.

6- خلق فرص صناعية جديدة في قطاعات ناشئة غير تقليدية: مع تطور الحوسبة الكمية، أصبح الطلب على المكونات الكمّية المتخصصة أكثر إلحاحاً، ما حفّز صعود تصنيعها عبر تقنيات التصنيع الإضافي (Additive Manufacturing) مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد المخصصة لمكونات بصرية، وميكانيكية، ومغناطيسية دقيقة. وتمكّن هذه التقنية الشركات من إنتاج أجهزة كمّية أكثر صغراً وتحملاً وكفاءة طاقة، ما يسهم في نقلة صناعية جديدة تدمج الكم والتصنيع المتقدم.

ومن الملاحظ حالياً وجود انتقال نحو صناعات ناشئة قادرة على دعم الحوسبة الكمية، بما في ذلك الشركات المتخصصة في تصنيع المكونات، ومزودو الخدمات الهندسية، ومصممو الأنظمة الكمّية المتكاملة، ما يفتح نافذة لخلق منظومة صناعية متقدمة ومتكاملة مبنية على حوسبة الكم.

تداعيات محتملة

تمثل التداعيات المتوقعة لتطور الحوسبة الكمية وجهاً موازياً لفرصها الاقتصادية، إذ تحمل هذه التقنية وعوداً كبرى لكنها تطرح في الوقت نفسه تحديات عميقة؛ فهي تفرض متطلبات جديدة على سوق العمل والأمن السيبراني والحوكمة، وقد تعيد رسم موازين القوى التكنولوجية عالمياً.

1- الحاجة لإعادة تأهيل العاملين واكتساب مهارات جديدة: سيدفع انتشار حوسبة الكم المؤسسات إلى رفع كفاءة القوى العاملة عبر برامج تدريب مركزة تجمع بين الرياضيات الخطية والاحتمالات والبرمجة. وستظهر أدوار هجينة مثل مهندس خوارزميات كمّية ومطوّر برمجيات كمّية ومحلل أمن ما بعد - كمّي. وستصبح المعرفة الكمية (Quantum Literacy) مطلباً أساسياً للعاملين في المجالات التقنية، ومن المتوقع اعتماد مسارات جديدة للتعلم تربط بين المعرفة النظرية والتطبيقات العملية في مجالات الحوسبة الكمية.

 

2- تطوير معايير أعلى لمواجهة الاختراقات السيبرانية: مع تصاعد قوة الحوسبة الكمية، بدأت المؤسسات في الاستعداد عبر اعتماد التشفير ما بعد-كمّي، أي أنظمة حماية جديدة قادرة على الصمود أمام قدرات الكم. ويشمل ذلك وضع خطط انتقال تدريجي، مثل حصر الأصول والأنظمة التي تحتاج تحديثاً، والانتقال إلى حلول هجينة تجمع بين التشفير الحالي والتشفير الجديد، مع تبني سياسات حماية صارمة مثل الثقة الصفرية (Zero Trust). وتزداد المخاوف من ممارسات مثل "خزّن الآن وتعامل مع التشفير لاحقاً"، حيث قد يجمع القراصنة بيانات مشفرة حالياً لفكها مستقبلاً باستخدام الحوسبة الكمية، ما يجعل من الضروري حماية المعلومات الحساسة ابتداءً من اليوم. كما ستزداد أهمية اختبارات الأمان والتدقيق على موردي التكنولوجيا.

3- اتساع الفجوة التكنولوجية بين دول العالم: رغم أن الوصول السحابي لخدمات الحوسبة الكمية يقلّل الحواجز بين الدول، ستبقى فجوة البنية التحتية والمهارات والتمويل واضحة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية. وقد تتركز الملكية الفكرية وسلاسل التوريد والأجهزة فائقة الحساسية في عدد محدود من الدول المتقدمة، مما يعزل الدول النامية عن الطفرة التقنية الجديدة، وللحد من الفجوة تحتاج الدول النامية إلى مراكز إقليمية، وشراكات متعددة، وتطوير المناهج العلمية بالجامعات. كما يمكن لبرامج الحاضنات وصناديق الابتكار المدعومة حكومياً تسريع بناء القدرات محلياً.

4- تصاعد الصراع العالمي على المواهب والكفاءات: من المتوقع أن تشتد المنافسة العالمية على اجتذاب الفيزيائيين والرياضيين التطبيقيين ومتخصصي الهندسة المتقدمة وعلماء الفوتونيات وإلكترونيات التحكّم، إلى جانب مطوري البرمجيات الكمّية، حيث يتم إطلاق برامج استقطاب دولية بميزانيات ضخمة، وتسهيلات تأشيرات للباحثين، كما ستطلق الجامعات برامج متعددة التخصصات لاجتذاب المتخصصين والعلماء في هذه المجالات بما يزيد من موجات هجرة العقول خاصةً من الدول النامية لنظيرتها المتقدمة.

 

5- تزايد أهمية عمليات حوكمة استخدام تقنيات الكم: تحتاج حوسبة الكم إلى حوكمة واضحة نظراً لكونها تقنية ثنائية الاستخدام (Dual-Use)، وهو ما يستدعي وضع معايير الاستخدام المسؤول، وتقييمات الأثر، وسجلات تدقيق للتشغيل السحابي. وستبرز قضايا حساسة مثل كسر التشفير أو استهداف البنى التحتية الحرجة، ما يتطلب أطر ترخيص، وضوابط تصدير، واختبارات أمان قبل الإطلاق. كما يُتوقع توسع التنسيق الدولي حول قواعد البيانات الحساسة وحدود مشاركة النماذج والبرمجيات. ويُرجّح تبنّي معايير شفافية تُظهر قدرات الأنظمة وحدودها لتقليل المخاطر.

وختاماً، تؤكد المؤشرات الحالية أن الحوسبة الكمية لم تعد مشروعاً مستقبلياً بعيداً، بل واقعاً يتسارع دخوله إلى قطاعات الاقتصاد والبحث العلمي. ومن المتوقع أن تتحول خلال العقد القادم إلى ركيزة أساسية في الصناعات الدوائية والمالية والطاقة، مع توسع خدماتها عبر التخزين السحابي وتزايد الاستثمارات الحكومية والخاصة. وفي المقابل، ستصاحب هذه الطفرة تحديات تتعلق بالأمن السيبراني، والفجوة التكنولوجية بين الدول، وحرب المواهب العلمية. وبالنظر إلى هذا المشهد، يُرجّح أن تصبح الحوسبة الكمية أحد محاور التنافس الدولي الأبرز، وقد تحدد ملامح القوة والابتكار في عالم ما بعد 2030

المراجع:

منى مصطفى محمد،12 .9. 2025. كيف تُعيد "الحوسبة الكمية" تشكيل "عالم المستقبل"؟،انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، "تقرير مؤشر الكم 2025"، سبتمبر 2025

 


المقالات الأخيرة