تُعدّ المسؤولية القانونية عن القرارات الإدارية الخاطئة من أهمركائز دولة القانون، إذ تضمن خضوع الإدارة لسيادة القانونوحماية حقوق الأفراد من تعسف السلطة في ليبيا، ورغموضوح النصوص القانونية التي تنظم مسؤولية الإدارة العامةعن أفعالها، إلا أن التطبيق العملي ما زال يعاني من قصورفي تفعيل مبادئ الرقابة والتعويض. تهدف هذه الدراسة إلىتحليل الإطار القانوني الناظم لمسؤولية الإدارة في ليبيا،واستعراض التطبيقات القضائية، وبيان أوجه القصور والآلياتالمقترحة لتفعيل مبدأ المشروعية وتعويض الأضرار الناتجة عنالقرارات الإدارية الخاطئة.
أولًا: مفهوم القرار الإداري وطبيعته القانونية
القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها المنفردة بقصدإحداث أثر قانوني، استنادًا إلى سلطتها القانونية. ويُشترطلصحة القرار الإداري أن يصدر من سلطة مختصة، وأن يكونقائمًا على سبب مشروع، وهدفه تحقيق المصلحة العامة. غيرأن أي انحراف في أركان القرار الاختصاص، الشكل، السبب،المحل، الغاية يؤدي إلى بطلانه أو إلغائه، ويُرتب مسؤولية الجهةالمصدرة له في حال ترتب ضرر على الأفراد.
ثانيًا: الإطار القانوني لمسؤولية الإدارة في ليبيا
تنظم المسؤولية الإدارية في ليبيا عدة نصوص قانونية أبرزها:
- القانون رقم (88) لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري، الذيأرسى مبدأ إمكانية الطعن في القرارات الإدارية غير المشروعةأمام القضاء الإداري.
- القانون المدني الليبي المواد166–224، الذي قرر قاعدة عامةمفادها أن “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبهبالتعويض”.
- قانون الخدمة المدنية رقم (12) لسنة2010، الذي حددواجبات الموظف العام ومسؤوليته عن الأفعال المخالفة للقانون.
- الدستور الليبي المؤقت الذي نصّ على خضوع الدولةوأجهزتها لسيادة القانون ومساءلة القائمين على السلطةالتنفيذية.
وبذلك فإن أساس المسؤولية الإدارية في ليبيا هو الخطأالمرفقي، أي الخطأ المنسوب إلى المرفق العام نتيجة سوء تنظيمأو تسيير، وليس إلى الموظف كشخص طبيعي إلا في حالاتالخطأ الشخصي الجسيم.
ثالثًا: صور الخطأ الإداري الموجب للمسؤولية
تتخذ الأخطاء الإدارية صورًا متعددة تؤدي إلى إلحاق الضرربالأفراد أو الأموال العامة، من أهمها:
رابعًا: دور القضاء الإداري الليبي
لعب القضاء الإداري الليبي دورًا مهمًا في تكريس مبدأالمسؤولية القانونية عن القرارات الخاطئة، إذ قضت المحكمةالعليا الدائرة الإدارية في عدة أحكام بضرورة تعويض الأفرادعن الأضرار الناتجة عن قرارات غير مشروعة حتى بعدإلغائها. إلا أن التطبيق العملي ما زال يواجه عدة عقبات، منهاطول أمد التقاضي الإداري، وضعف تنفيذ الأحكام النهائيةضد الجهات العامة، وغياب الوعي القانوني لدى المواطنينبآليات الطعن الإداري.
خامسًا: المقارنة مع التجارب العربية
في التجارب المقارنة، خصوصًا في مصر وتونس والمغرب، تمتطوير القضاء الإداري ليصبح قضاءً مستقلاً يتمتع بسلطاتإلغاء وتعويض واسعة، كما تم تبني مبدأ “الخطأ المرفقيالمفترض” لتيسير حصول المتضرر على التعويض دون الحاجةلإثبات النية أو القصد. أما في ليبيا، فلا تزال المسؤوليةالإدارية رهينة الإجراءات التقليدية، مما يتطلب تعديل القوانينالمنظمة للقضاء الإداري وتوسيع نطاق التعويض.
سادسًا: التحديات العملية لتطبيق المسؤولية الإدارية
يمكن تحديد أبرز الصعوبات التي تواجه تفعيل مبدأ المسؤوليةالقانونية عن القرارات الخاطئة في ليبيا في النقاط التالية:
سابعًا: مقترحات لتفعيل المسؤولية القانونية
إنشاء محاكم إدارية مستقلة ومتخصصة في جميع الدوائرالقضائية، وتعديل قانون القضاء الإداري بما يضمن سرعةالفصل وتنفيذ الأحكام، وإصدار لائحة وطنية لتعويضالأضرار الإدارية خارج نطاق القضاء لتخفيف العبء عنالمحاكم، ونشر الثقافة القانونية بين الموظفين العموميين حولمبدأ المشروعية والمساءلة، وتعزيز دور هيئة الرقابة الإداريةوديوان المحاسبة في تتبع القرارات غير المشروعة ومحاسبةالمسؤولين عنها.
الخاتمة
تبيّن من خلال الدراسة أن النصوص القانونية الليبية تؤسسبوضوح لمبدأ مسؤولية الإدارة العامة عن قراراتها الخاطئة، إلاأن الممارسة الفعلية لا تزال محدودة بسبب العقبات المؤسسيةوالإجرائية. إن تطوير القضاء الإداري وتفعيل الرقابة الداخليةيمثلان حجر الزاوية في تحقيق التوازن بين سلطة الإدارةوحقوق الأفراد. وبناء منظومة مساءلة فعالة هو السبيل لترسيخحكم القانون وضمان العدالة الإدارية في ليبيا.
المراجع
_ القانون رقم (88) لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري، الجريدة الرسمية الليبية.
_ القانون المدني الليبي،المواد (166–224).
_ قانون الخدمة المدنية رقم (12) لسنة 2010
_ الدستور الليبي المؤقت لسنة 2011.
_ تقرير هيئة الرقابة الإدارية الليبية، 2022.
_ عبد القادر بن صالح، المسؤولية الإدارية في القانون الليبي، جامعة طرابلس، 2020
_ المحكمة العليا الليبية، الدائرة الإدارية، حكم رقم 78/2019.
