ضغط قوى البريكس على إسرائيل لوقف الحرب
فرع القاهرة

عكس الروابط الاقتصادية والأمنية المتنامية لإسرائيل مع أعضاء مجموعة البريكس، خاصة روسيا والهند والصين، إضافة إلى العلاقة المركبة مع دولة جنوب افريقيا، رغبة إسرائيل في تنويع علاقاتها الدولية الاستراتيجية حيث تُدرك إسرائيل تماما الخطر النسبي لاستدامة العلاقات الاقتصادية الأوروبية، ويرى أيضا  بعض من اليهود الأوروبيين أن هناك تزايدًا في النفوذ الإسلامي في أوروبا، كما تسعى إلى التعويض استراتيجيًا عما يُنظر إليه تراجعا في الاهتمام والقدرات الأمريكية في المنطقة وهي النغمة السياسية التي تعلو حينا وتخبو حينا وحيث أن إحدى القضايا الخلفية الرئيسية، هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فقد تُعرب قوى البريكس الأوراسية الثلاث عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية، لكنها لا تسمح لهذا الشعور بالتأثير على علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية مع إسرائيل.

هوامش الحركة

تهتم إسرائيل بتوسيع نطاق الاتصالات مع مجموعة البريكس، ومع افتراض أن روابطها الاستراتيجية مع البريكس لا ترقى على روابطها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهناك منتفعون وعلاقات مركبة ومعقدة في جميع أنحاء دول البريكس مع إسرائيل ولعل ذلك يرجع الى التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية أو لإثبات الذات او لتحقيقي منافع فردية قطرية ومن بين المنتفعين على سبيل المثال: دولة جنوب إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بتعزيز التعاون مع إسرائيل في مجال تجارة السلاح والتي يقوم بها تاجر الأسلحة إيفور إيتشيكويتز – والذي قد أبرم صفقات مع شركة إلبيت  وإيفور، هو تاجر أسلحة وعضو في المؤتمر الوطني الأفريقي، وحتى منتصف عام 2023، كان المتبرع الأول للمؤتمر الوطني الأفريقي، وفي مقالاته في عام 2024 وتصريحاته طوال الوقت – يقف ضد دعم جنوب إفريقيا لفلسطين إضافة الى التعاون مع شركة راينميتال، وهي الشركة الألمانية التي تمتلك حصصًا كبيرة في شركة دينيل، شركة الأسلحة المملوكة للدولة في جنوب إفريقيا فضلا عن التعاون بين جنوب افريقيا وإسرائيل في مجال الفحم .

على صعيد أخر، يبدو أن هناك سببين استراتيجيين رئيسيين لتنامي علاقات إسرائيل مع روسيا والهند والصين. الأول هو السعي لمنح إسرائيل مجموعة أكثر توازناً من العلاقات الدولية الرئيسية تحسباً لأي تذبذب في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية أو انسحاب عسكري واقتصادي أمريكي من منطقة الشرق الأوسط. كما ان تعاون إسرائيل مع تجمع البريكس يمنحها قدرا من المساحة للرفض او للتفاوض فيما يتعلق بالمبادرات الامريكية الأوروبية بشأن صراعهم مع الفلسطينيين او ادماجهم في المحيط العربي.

وعلى حين تُبدي مجموعة البريكس، باستمرار اهتمامًا بقبول أعضاء جدد في صفوفها، بمن فيهم ممثلون عن الشرق الأوسط. إلا أن إسرائيل، التي تربطها علاقات ودية بمعظم الدول الأعضاء حاليًا في المجموعة لم تُبدِ بعد استعدادها للانضمام إلى البريكس. وذلك بسبب حاجة اسرائيل الدعم غير المشروط من حليف عالمي رئيسي، الولايات المتحدة. كما أن رد فعل إسرائيل كان سلبيًا تجاه انضمام إيران إلى البريكس. ومع ذلك، يبدو أن الدافع الإسرائيلي للامتناع عن الانضمام يبدو في الواقع أوسع نطاقًا.

الدوافع الديناميكية

نشأت مجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين بالنسبة لإسرائيل خلال فترة حكومة إيهود أولمرت، والتي ركزت إدارته على القضايا الإقليمية، التي حسمتها حرب لبنان الثانية ومشاركة وزارة الخارجية بقيادة تسيبي ليفني في التحضير لمؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط. نتيجةً لذلك، لم يجذب ظهور مجموعة البريكس (في ذلك الوقت) اهتمامًا يُذكر من السلك الدبلوماسي الإسرائيلي. ولم تُحدث قمة بريك الأولى في يكاترينبورج عام 2009، والتي تزامنت مع بداية حكومة بنيامين نتنياهو الثانية، تغييرًا جذريًا في الوضع.

في حالة البريكس، لم يكن من الممكن لإسرائيل اتباع نفس سياسات مسار “الترويكا الجمركية” – وهو في مرحلة معينة مشروع التكامل الأكثر شعبية في إسرائيل والذي شاركت فيه موسكو. وقد تأثرت الرغبة المتزايدة في التقارب مع تحالف روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان بمحاولة إسرائيل تنويع علاقاتها الدولية على خلفية العلاقات المتوترة بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. وقد لعب أفيجدور ليبرمان، الذي ترأس وزارة الخارجية الاسرائيلية دورًا هامًا في تحديد الأولويات آنذاك. ولكن في حالة مجموعة البريكس، لم تكن هناك جماعات ضغط مماثلة في الأوساط السياسية الإسرائيلية للوصول الى نفس ما تم التوصل اليه في نموذج الترويكا الجمركية.

كما لم يكن عامل توسع المجموعة حافزًا كافيا لاهتمام إسرائيل بالانخراط في المجموعة وتفضيل العمل الثنائي على العمل الجمعي. على سبيل المثال، بدأ اهتمام إسرائيل بمنظمة شنغهاي للتعاون يتزايد في سياق إمكانية منح مصر صفة شريك حوار في المنظمة. وقد حدث تحول البريك إلى البريكس بعد انضمام جنوب أفريقيا، التي تربطها علاقات مركبة ومتوترة احيانا بإسرائيل. علاوة على ذلك، لم تُقدم البريكس أشكالًا إضافية من التفاعل مألوفة أكثر لدولة شرق أوسطية عضو في حوار الناتو المتوسطي، ولديها اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

ومن ثم فإن علاقات إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا تزال تفوق علاقاتها مع دول البريكس. حتى علاقات إسرائيل مع تركيا – وهي دولة تتميز بتوجه إسلامي “مخفف” وعداء معلن تجاه إسرائيل – لا تزال تفوق بعض روابطها مع دول البريكس، مثل التجارة مع روسيا. علاوة على ذلك، تُبدي واشنطن حساسية بالغة تجاه علاقات إسرائيل الاستراتيجية مع روسيا ومبيعاتها من الأسلحة إلى الصين، ولا تتردد في الضغط على إسرائيل بشأن هذه القضايا وغيرها من القضايا ذات الصلة. بقدر ما قرّبت أزمة أوكرانيا روسيا والصين استراتيجيًا، وفي ضوء التعارض بين “توجه واشنطن نحو آسيا” والاستفزازات الصينية المتصورة في بحر الصين الشرقي، تُعدّ علاقات إسرائيل مع بكين وموسكو قضية حساسة للغاية في كل من واشنطن وبروكسل. حيث يُعرب بعض صناع القرار الإسرائيليين عن استيائهم مما يعتبرونه أخطاء واشنطن وتقاعس أوروبا في منطقة الشرق الأوسط، على خلفية الجهود المثيرة للجدل لتعزيز العلاقات مع روسيا والصين.

كذلك، لم تبدأ إسرائيل إلا في عام 2017 بإيلاء أهمية لتوسيع نطاق اتصالاتها مع دول البريكس، وهو ما كان ملحوظًا على المستوى الرسمي. وفي تعليقه على نتائج قمة البريكس التاسعة في مدينة شيامن الصينية أكد وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي إيلي كوهين، على الآفاق الواعدة لشراكة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا في سياق فرص تنويع العلاقات الاقتصادية الدولية. وفي الوقت نفسه، مثّل توسيع التعاون مع شركاء من خارج منطقتها.

على ما يبدو، كانت الصين تُعتبر شريكًا رئيسيًا في البريكس بالنسبة للسلطات الإسرائيلية، وهو ما عززه التطور المتوازي للاتصالات الثنائية بين حكومة بنيامين نتنياهو وبكين. في حين، لم تلعب روسيا دورًا محوريًا في الفهم الإسرائيلي لـ “البريكس”، وهو ما يمكن تفسيره بطبيعة العلاقات الثنائية، حيث يطغى المسار السياسي والدبلوماسي تقليديًا على التعاون الاقتصادي. ومع ذلك، في المرحلة الحالية التي تتسم بالمواجهة بين موسكو والغرب، فإن هذه السمة لها تأثير إيجابي على العلاقات الروسية الإسرائيلية.

من الناحية الاقتصادية، تُقرّ إسرائيل بالإمكانات الهائلة لمجموعة البريكس، والتي تتعزز بمشاركة دول جديدة. ومع ذلك، يعتقد خبراء من الدولة الشرق أوسطية أن تطبيقها الكامل لن يكون ممكنًا إلا بحلول عام 2030 تقريبًا، مما يعني على الأقل أنه لا داعي للتسرع في اندماج اسرائيل مع البريكس. إضافةً إلى ذلك تتعرض حكومة نتنياهو في المرحلة الحالية لضغوط شديدة من الولايات المتحدة، التي تسعى إلى احتواء الاتصالات بين إسرائيل والصين. وأخيرًا، يبقى العائق الظرفي أمام بناء العلاقات مع البريكس هو عدم اهتمام المجموعة ببناء مناطق تجارة حرة بين الأقاليم، في حين أن مثل هذه الاتفاقيات ذات أهمية كبيرة لإسرائيل.

التحديات الضاغطة

رغم عدم وجود خطوات جادة نحو التقارب مع البريكس، فإن عوامل لا يمكن للقيادة الإسرائيلية تجاهلها أصبحت واضحة للعيان. أولًا، التوحيد التدريجي لمواقف الدول الأعضاء في البريكس تجاه القضايا الدولية الراهنة. أظهرت القمة الاستثنائية للرابطة، التي عُقدت في نوفمبر2023، حول الوضع في الشرق الأوسط أولاً، الرغبة في مراعاة آراء ممثلي المنطقة الذين تلقوا دعوةً لحضور الاجتماع قبل إتمام إجراءات الانضمام رسميًا إلى مجموعة البريكس. ثانيًا، على الرغم من عدم اعتماد البيان الختامي، إلا أن ميل المشاركين لتقديم تنازلاتٍ في سبيل توافق الآراء كان ملحوظًا، مما كان له تأثيرٌ مزدوج على إسرائيل. فمن جهة اضطرت جنوب إفريقيا، التي انتقدت تصرفات جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى تخفيف حدة خطابها العام. ومن جهةٍ أخرى، وافقت البرازيل، التي سبق أن أدانت الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، على الدعوة إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين، مسترشدةً، من بين أمور أخرى، باعتبارات رئاستها للأمم المتحدة ومشاركتها في مجموعة البريكس.

وللانضمام إيران إلى مجموعة البريكس تأثيرٌ مهمٌّ أيضًا. بينما ركزت إسرائيل على مواجهة برنامجها النووي والتواجد الإقليمي المتنامي لعدوها الرئيسي، اتخذت طهران خطوة مهمة نحو تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية الدولية، بما في ذلك من خلال التقارب مع دول الشرق الأوسط الصديقة لإسرائيل.

وبالتالي، ونظرًا لوجود إمكانية تكاملية معينة، فإن مسألة انضمام إسرائيل إلى مجموعة البريكس غير ذات صلة، سواء من الناحية الإجرائية أو في سياق مصالح كل طرف. ومع ذلك، فإن توسع المجموعة لتشمل الشرق الأوسط ومحاولات بناء موقف موحد تجاه مشاكل المنطقة يلعبان دورًا في تغيير موقع مجموعة البريكس في إحداثيات السياسة الخارجية الإسرائيلية.

 

التعاون البرجماتي

وفقًا لموقع كاونتر بانش (أكتوبر 2024)، تواصل جميع دول البريكس تقريبًا تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل بنشاط على سبيل المثال، سجّلت الهند تجارة ثنائية تجاوزت 10 مليارات دولار في عام 2023 بما في ذلك صفقات دفاعية تُعزز بشكل مباشر المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي – وهي معدات عسكرية غالبًا ما تُختبر في غزة وتُوصف بأنها “مُجرّبة في المعارك”. في حين أعرب رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن “قلقه العميق” إزاء العنف ودعا إلى السلام، تُغذّي عقود الدفاع الهندية الآلية ذاتها التي تُحرّك الإبادة للفلسطينيين.

كما ضاعفت البرازيل وارداتها من الأسمدة الإسرائيلية حتى بعد تصعيد أكتوبر 2023. وتواصل الصين التي تتبنى أيديولوجيًا سياسة مناهضة الإمبريالية ودعمت رسميًا قيام دولة فلسطينية، تجارتها الثنائية مع إسرائيل، والتي تُقدر بنحو 14 مليار دولار في عام 2024. وحتى مع دعوة الرئيس شي جين بينغ في منتدى التعاون الصيني العربي في مايو 2024 إلى عقد مؤتمر سلام لإنهاء “المعاناة الهائلة” في غزة  مؤكدًا أن حرب إسرائيل “يجب ألا تستمر إلى أجل غير مسمى” وأن “العدالة يجب ألا تغيب إلى الأبد”  استمرت الأعمال التجارية مع تل أبيب.

أما فيما يتعلق بروسيا، الغارقة في حربها في أوكرانيا، والحريصة على تقديم نفسها كقوة معادية للغرب حافظت على علاقات دبلوماسية واقتصادية كاملة مع إسرائيل. حيث يزدهر اقتصادها الحربي في ظل عدم الاستقرار الجيوسياسي، وتستغل المعارضة الخطابية للغرب لتحقيق مكاسب استراتيجية، لا عدالة مبدئية.

ثم هناك جنوب إفريقيا فبينما يمكن القول إنها أشد منتقدي إسرائيل في مجموعة البريكس، إلا أن موقفها الأخلاقي ظل رمزيًا حتى الآن. قد تُمثل قضية الحكومة أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لفتة قوية لكن التجارة لم تتوقف لا تزال جنوب أفريقيا تُصدر الفحم إلى إسرائيل ولم تُقدم على أي خطوة لقطع العلاقات الاقتصادية.

في النهاية، يمكن القول إن الواقعية السياسية فيما بين إسرائيل وأعضاء البريكس الأساسيين، تعد هي اللغة السائدة. ولكي تتحول علاقات البريكس إلى أداة ضغط حقيقي على إسرائيل من أجل إحلال السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط، فإن هذا قد يتطلب حظر تصدير الفحم والمعادن الأساسية إلى إسرائيل وتعليق التعاون والواردات المتعلقة بالدفاع وتقييد الاستثمار الإسرائيلي في قطاعات رئيسية مثل الاتصالات والزراعة إضافة الى تعزيز الأنظمة الجمركية لمنع دخول البضائع الإسرائيلية إلى أسواق البريكس. وهي أمور كلها بالغة التعقيد وتصل لدرجة استحالة الحدوث. وإلى أن تُسنّ هذه التدابير، تظل السلطة الأخلاقية لمجموعة البريكس مُعرّضة للخطر، تمامًا مثل سلطة الولايات المتحدة وأوروبا – اللتين ساهمتا وشجعتا على القتل الجماعي للرضع والأطفال والمدنيين العُزّل.







 

المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية

الكاتب : د. مصطفى عيد إبراهيم 

التاريخ : 16/5/2025

-------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الغد

الكاتب : إيمان الفارس

التاريخ : 20/5/2025

المقالات الأخيرة