بريطانيا تعيد تقييم جاهزيتها القتالية
فرع القاهرة

في تحرك استراتيجي غير مسبوق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في مقال له بصحيفة "ذا صن"، عزم حكومته على رفع الجاهزية العسكرية للمملكة المتحدة إلى مستويات زمن الحرب، وذلك في ظل ما وصفه بـ"عالم أكثر خطورة" يفرض تحديات وجودية، وكشف ستارمر عن تفاصيل الإعلان ضمن مراجعة خطة الدفاع الاستراتيجية المنتظرة، ليمثل نقطة تحول كبرى في سياسة الدفاع البريطانية، مُؤكدًا على ضرورة الاستعداد القتالي الشامل لمواجهة التهديدات المتزايدة من قوى مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية، ويهدف إلى إعادة تعريف دور القوات المسلحة البريطانية كقوة قتالية جاهزة للانتصار.

"قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لصحيفة "ذا صن" اليومية: سنرمم جاهزية بريطانيا القتالية باعتبارها الهدف الأساسي لقواتنا المسلحة" بما في ذلك عبر تعزيز القدرة على إنتاج الأسلحة ستارمر علق على هذه الخطط عند إطلاقها مطلع العام الجاري قائلا: "في ظل عالم أكثر اضطرابا من أي وقت مضى فإن تعزيز مناعتنا الوطنية أصبح شرطا أساسيا لحماية المواطنين، وصد التهديدات، والدفاع عن مصالح بريطانيا العليا". 

في سبتمبر من العام الماضي أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة أنها ستجري مراجعة استراتيجية الدفاع (Strategic Defence Review) لضمان أن تكون المملكة المتحدة آمنة في الداخل وقوية في الخارج. وسيقوم اللورد روبرتسون، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي بقيادة فريق المراجعة.

الإعلان البريطاني جاء وقتها في سياق تصاعد الصراع الدولي بين الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، مما خلق توترات، أبرزها حرب أوكرانيا، وزاد من حدة السباق العسكري والتقني، مما أعاد اعتبارات الأمن القومي والجغرافيا السياسية إلى صدارة أولويات الدول الرئيسة في العالم، خاصة التي تقع في قلب هذا الصراع. وهو ما تواكب منصة أسباب تطوراته أولا بأول، من خلال استعراض الوثائق الاستراتيجية التي أعلنت عنها مجموعة من الدول، مثل: استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وتقرير العمل الصيني، وقانون العلاقات الخارجية الصيني، وعقيدة السياسة الخارجية الروسية، وأولويات الناتو 2030 واستراتيجية الأمن القومي الألماني، واستراتيجيتا اليابان وكوريا الجنوبية.

مراجعة الدفاع الاستراتيجية التي أعدتها حكومة ستارمر ستقيم التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة في ظل الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا وضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي لتعزيز دفاعاتهم. أكد ستارمر أن المراجعة ستكون بمثابة "نموذج للقوة والأمن لعقود مقبلة".

 

 

تحديات تواجه قدرة الغرب

البيئة الجيوسياسية الجديدة التي خلقتها الحرب الروسية الأوكرانية عن تحديات تواجه قدرة الغرب عن حشد الموارد الكافية للدفاع الجوي والصاروخي لمساعدة القوات الأوكرانية على حماية المدن والبنية التحتية، فضلا عن الافتقار إلى المخزونات الحربية والذخائر والقدرة الصناعية على تجديدها، وعلى سبيل المثال أصبحت مخزونات المملكة المتحدة من الذخيرة والمعدات والأفراد المدربين ضئيلة للغاية بسبب عقود من نقص الاستثمار والإنفاق الدفاعي مقارنة بالطموحات السياسية.

من المرجح أن تؤكد مراجعة الدفاع الاستراتيجية على وضع سياسة “الناتو أولاً” (NATO-First) في قلب خطط الدفاع البريطانية، إلى جانب ضمان الدعم المستمر لأوكرانيا، والاحتفاظ بنظام الأسلحة النووية في بريطانيا باعتباره يمثل الردع النووي للبلاد.

وسيسعى الفريق المسؤول عن المراجعة للإجابة عن الأسئلة الجوهرية المتعلقة بقدرات بريطانيـا الدفاعية وتحديد حجم وشكل القوات التي تحتاجها البلاد، وأولويات التسليح بعد أن برز الدور الحاسم للتقنيات الجديدة، وتحديد الأدوار والقدرات والإصلاحات المطلوبة من وزارة الدفاع لمواجهة التهديدات المتوقعة. 

وتستهدف المراجعة التخلص من القدرات الدفاعية الأقل أهمية وإعطاء الأولوية للقدرات التي تتطلبها المستجدات، على سبيل المثال، مع تخطيط روسيا لنشر صواريخ جديدة بعيدة المدى، أصبحت الحاجة ملحة إلى استثمارات جديدة لتعزيز دفاعات بريطانيا ضد الهجمات المحتملة، بينما لم تعد حاملتا الطائرات البريطانيتان الجديدتان بنفس القدر من الأهمية؛ إذ ترتكز أهميتهما على العمليات خارج منطقة حلف شمال الأطلسي.

وقته اشير إلى أن من يشارك في عملية مراجعة الدفاع الاستراتيجية “مراجعون خارجيون” ليسوا جزءاً من الحكومة أو وزارة الدفاع البريطانية- بما يشمل مسؤولين حكوميين سابقين، وموظفي حلف شمال الأطلسي، وخبراء عسكريين. ويتمثل دورهم الرئيسي في توفير منظور مستقل ومتنوع لاستراتيجية الدفاع البريطانية. 

يشير تعيين المراجعين الخارجيين إلى أن التركيز في عملية المراجعة سوف ينصب بشكل أكبر على الجوانب العملية للأمن الأوروبي في ظل سياسة الولايات المتحدة تجاه أوروبا والتي أصبحت متقلبة نتيجة تباين سياسات الإدارات الأمريكية. 

المخاوف الروسية

مراجعة الدفاع الاستراتيجية جاء في سياق الاستجابة العاجلة للمخاوف الأمنية والجيوسياسية المستمرة في أوروبا. إذ عادت روسيا كتهديد عسكري حقيقي للمملكة المتحدة وأوروبا لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بالإضافة لانخراط بريطانيا في جهود احتواء الصين عبر تحالف أوكوس. بالإضافة إلى تزايد المخاوف الأوروبية من السياسة الخارجية الأمريكية المتغيرة ونهج الرئيس الأميركي الجديد تجاه مواصلة دعم أوكرانيا، والالتزام بتعزيز حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وهي نفس المخاوف التي أجرت ألمانيا في ضوئها تحولا استراتيجيا نحو السعي من أجل الاستقلال العسكري.

وزير الدفاع جون هيلي من هدد "العدوان الروسي المتزايد" بما في ذلك عبر الهجمات الإلكترونية "اليومية" على "نظام الدفاع" البريطاني. وأكد هيلي ل "بي بي سي" "نحن في عالم متغير... إنه عالم تتزايد فيه التهديدات"، مشيرا إلى "العدوان الروسي المتزايد وهجمات إلكترونية يومية ومخاطر نووية جديدة وتوتر متزايد في أجزاء أخرى من العالم أيضا".

وفق بيان لوزارة الدفاع البريطانية، توصي الاستراتيجية الدفاعية الجديدة "بإحداث قدرة على إنتاج الذخائر +تنشط على الدوام+ في المملكة المتحدة، ما يسمح بزيادة الإنتاج بسرعة إذا لزم الأمر" و"وضع الأسس الصناعية لزيادة مخزونات الذخائر من أجل تلبية الطلب في حرب ذات وتيرة عالية".

في فبراير، أعلن ستارمر أنه سيرفع الإنفاق الدفاعي للمملكة إلى ما نسبته 2,5 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول العام 2027، مقارنة بـ 2,3 بالمئة حاليا، لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة في أوروبا في حين تحضّ الولايات المتحدة شركاءها في حلف شمال الأطلسي على زيادة الاستثمار الدفاعي. وتطمح الحكومة العمّالية إلى بلوغ مستوى 3 بالمئة في الدورة التشريعية المقبلة، أي بعد العام 2029.

وأعلنت حكومة ستارمر أنها ستبني "ما يصل إلى" 12 غواصة هجومية جديدة كجزء من شراكتها مع الولايات المتحدة وأستراليا في إطار برنامج "أوكوس"، لتحل محل الغواصات السبع الحالية التي تمتلكها البلاد منذ أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.

وأضاف ستارمر في خطاب ألقاه في اسكتلندا الاثنين أنه سيطلق "تجديدًا تاريخيًا" للردع النووي للمملكة المتحدة، بدعم من استثمار بقيمة 15 مليار جنيه إسترليني (20.3 مليار دولار). تأتي هذه الإعلانات في الوقت الذي تُنشر فيه الاثنين مراجعةٌ طال انتظارها للقوات المسلحة البريطانية. ويدعو الخبراء منذ عقود إلى تحديث القوات المسلحة البريطانية، وهي دعواتٌ ازدادت حدتها منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات.

وقال ستارمر،"عندما نتعرض لتهديد مباشر من دولٍ ذات قوات عسكرية متطورة، فإن الطريقة الأكثر فعالية لردعهم هي أن نكون مستعدين، وبصراحة، أن نُظهر لهم أننا مستعدون لتحقيق السلام من خلال القوة"

التقنيات الدفاعية الجديدة

مؤخرا أعلنت الحكومة أن المملكة المتحدة تعتزم استثمار 1,5 مليار جنيه استرليني (1,8 مليار يورو) لبناء مصانع جديدة وستموّل الحكومة بناء "ستة مصانع جديدة على الأقل" لإنتاج الذخائر و"ما يصل إلى سبعة آلاف قطعة سلاح على المدى البعيد" في البلاد.

يفترض أن يخلق هذا الاستثمار الذي سيرفع الميزانية المخصصة للذخائر إلى ست مليارات جنيه خلال هذه الدورة البرلمانية، نحو 1800 فرصة عمل في البلاد، وفقا للوزارة.

ووفقًا لبيانات الناتو لعام 2024، فإن بولندا فقط هي التي تجاوزت إنفاقها الدفاعي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن لاتفيا وإستونيا وعدتا بزيادات تصل إلى 5%. كما وعدت إيطاليا برفعه إلى ما بين 3.5 و5% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة 3.38% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، ليشكل حوالي 64% من إجمالي إنفاق الناتو.

وأدى غزو روسيا لأوكرانيا - وما تلاه من ضغوط من إدارة ترامب على الدول الأوروبية لتعزيز قدراتها العسكرية - إلى سباق بين القوى العسكرية الرئيسية في أوروبا لتعزيز جاهزيتها ومواجهة التهديد الروسي في حال سحب البيت الأبيض دعمه لكييف. وقال ستارمر لـ BBC الاثنين، إن المملكة المتحدة "لا يمكنها تجاهل التهديد الذي تشكله روسيا". وأضاف: "لقد أظهرت روسيا في الأسابيع الأخيرة عدم جديتها بشأن السلام، وعلينا أن نكون مستعدين".

ونقل البيان عن وزير الدفاع جون هيلي قوله "نحن بصدد تعزيز القاعدة الصناعية للمملكة المتحدة لردع خصومنا بشكل أفضل، وجعل المملكة المتحدة أكثر أمانا على الصعيد الداخلي وأقوى في الخارج".

ستارمر أكد أن إعادة هيكلة الدفاع "تعني جمع كل القدرات التي لدينا، من الطائرات المسيّرة إلى المدفعية إلى الحدس البشري والذكاء في آلة قتالية هائلة ومتكاملة".

تحديث الاستراتيجية الدفاعية الذي أعده الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون يفترض أن يؤكد مواجهة المملكة المتحدة "عصرا جديدا من التهديدات"، مع تصاعد قوة الذكاء الاصطناعي والمسيّرات وغيرها من التقنيات التي تغيّر طبيعة النزاعات، وفقا لصحيفة غارديان.

وتصنّف الاستراتيجية الدفاعية روسيا على أنها خطر "فوري وداهم"، فيما تصنّف الصين على أنها "تحد يتّسم بالتعقيد والتطور". وتعتزم لندن أيضا تعزيز قدراتها السيبرانية واستثمار مليار جنيه استرليني في نظام كشف وتوجيه مبتكر لقواتها القتالية.




 

 

المصدر: المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية

التاريخ : 2/6/2025

------------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الخليج

التاريخ : 1/6/2025

------------------------------------------------------

المصدر: بالعربية

التاريخ : 2/6/2025

المقالات الأخيرة