شهد مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي، اهتماما بالغا وتساؤلات بشأن مصيره، في ظل تصاعد الضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران، لكونه أحد أهم المنشآت الحيوية والحساسة داخل إسرائيل، والذي يصفه مراقبون بأنه الصندوق الأسود للقدرات النووية الإسرائيلية.
وفي ظل التصعيد العسكري غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، يطرح المراقبون سؤالًا خطيرًا: ماذا لو قررت إيران قصف مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب؟ هذه المنشأة التي تمثل حجر الأساس في الترسانة النووية الإسرائيلية.
تعد من أكثر المواقع العسكرية تحصينًا وسرية في الشرق الأوسط وأي استهداف مباشر لها من قبل طهران سيغيّر قواعد اللعبة تمامًا وقد يدفع بالمنطقة إلى حافة الكارثة النووية.
جاءت تلك التساؤلات بعد تهديد عضو في لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني الذي قال منذ قليل في أي تصريحات رسمية نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن إسرائيل هاجمت منشآتنا النووية وحان الآن وقت الهجوم على ديمونا
يقع مفاعل ديمونا في صحراء النقب جنوب إسرائيل، وهو منشأة نووية غير خاضعة للتفتيش الدولي، وقد بدأ العمل به سرا في ستينيات القرن الماضي بمساعدة فرنسية، وتم تقديمه للعالم حينها على أنه منشأة للأبحاث النووية، لكن بعض التسريبات والتقديرات الدولية، بينها تقارير لوكالة الاستخبارات الأميركية ووكالة الطاقة الذرية، أكدت لاحقا أن المفاعل قد يكون مركزا لتطوير ترسانة إسرائيل النووية غير المعلنة رسميا، وبأنه يستخدم على الأرجح لإنتاج البلوتونيوم المخصب، وهي المادة الأساسية في تصنيع الرؤوس النووية.
وقد رفضت إسرائيل السماح لأي جهة دولية بتفتيش المفاعل، على الرغم من مطالبات المجتمع الدولي العديدة بذلك، ولم توقع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ولا زالت تحتفظ بسياسة الغموض النووي، حيث لا تؤكد ولا تنفي امتلاكها لترسانة نووية.
مخاطر استهداف مفاعل ديمونا النووي
يحمل أي هجوم مباشر على منشأة نووية خطرا فادحا، فبحسب خبراء الطاقة النووية، فإن استهداف مفاعل نشط أو يحتوي على نفايات مشعة قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي كارثي مشابه لما حدث في تشيرنوبيل (1986) أو فوكوشيما (2011).
ويكمن الخطر الأكبر في احتمال تسرب مواد مشعة إلى الجو، فالانفجار قد لا يؤدي فقط إلى تدمير المفاعل، بل إلى نشر غبار مشع في الغلاف الجوي، يمكن أن تنتقل آثاره بفعل الرياح إلى دول الجوار. وتبعا لاتجاه الرياح في منطقة النقب، فقد تتأثر دول مثل الأردن، جنوب سوريا، ولبنان، ولو بدرجات متفاوتة.
أكدت مصادر استخباراتية لموقع ' ناشيونال سيكويرتي' أن إيران حصلت على آلاف الوثائق المسربة حول المنشآت النووية الإسرائيلية من بينها خرائط مفصلة عن مركز الأبحاث النووية في ديمونا.
هذه التسريبات التي نُسبت إلى عمليات اختراق إلكتروني واسعة النطاق قد تمنح طهران القدرة على استهداف المنشأة بدقة عالية في حال قررت تنفيذ ضربة مباشرة كما كشفت تقارير إعلامية سابقة عن تدريبات تحاكي قصف مواقع مشابهة لديمونا باستخدام صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى ما يعكس نوايا استراتيجية متقدمة على الجانب الإيراني
في حال اتخذت إيران قرارًا عسكريًا بقصف مفاعل ديمونا تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية تختلف في مستويات التأثير والمخاطر
تقوم إيران بإطلاق صواريخ باليستية تقليدية لاستهداف المناطق المحيطة بالمفاعل دون إصابة المفاعل نفسه مباشرة في محاولة لإرسال رسالة تحذيرية قوية دون إشعال مواجهة شاملة هذا السيناريو قد يُستخدم كوسيلة للردع دون تجاوز الخطوط الحمراء الدولية
وهناك أيضاً هذا سيناريو يشمل استخدام صواريخ دقيقة التوجيه مثل 'خُرَّمشهر 4' أو 'دزفول' موجهة بشكل مباشر إلى منشآت حساسة في محيط ديمونا كأبراج التبريد أنظمة الطاقة أو منشآت المعالجة وقد يؤدي إلى توقف المفاعل عن العمل ووقوع أضرار إشعاعية محدودة النطاق.
السيناريو الكارثي النووي لقصف مفاعل ديمونا
وهو الاحتمال الأخطر ويتضمن توجيه ضربة تهدف إلى تدمير المنشأة بشكل شامل ما قد يؤدي إلى تسرّب إشعاعي ضخم يعادل انفجار مفاعل ميني تشيرنوبل في قلب النقب ورغم أن هذا السيناريو مستبعد حاليًا لأسباب سياسية ودبلوماسية فإن بعض المحللين الغربيين لا يستبعدونه في حال فقدت طهران صبرها أو تعرضت لهجوم نووي إسرائيلي
وفق دراسات تحليلية نُشرت في دوريات أمنية أوروبية نقلها موقع ' atlanticcouncil' فإن استهداف مفاعل ديمونا قد يسفر عن الخسائر التالية
في حال أصيب المفاعل أو محيطه قد تقع خسائر بين العاملين المدنيين والعسكريين تُقدّر بعشرات القتلى والجرحى فورًا وقد تتضاعف بفعل التلوث الإشعاعي
اعتمادًا على شدة الضربة قد ينتج عنها تسرّب نووي يؤثر على مناطق واسعة من جنوب إسرائيل وصولًا إلى مدن مثل بئر السبع وعراد وربما أجزاء من النقب الغربي
تشير تقديرات الأمن الإسرائيلي إلى أن أي تهديد إشعاعي سيفرض إجلاء أكثر من مئة ألف مدني في المناطق الجنوبية
وفي السنوات الماضية، تحدثت تقارير صحفية عبرية ودولية، عن تشققات في البنية الأساسية للمفاعل، وعن احتمال تهالك أجزاء من معداته بسبب التقادم الزمني، وفي 2016، حذرت صحيفة هآرتس من أن المفاعل بات قديما جدا، ويعمل منذ أكثر من 50 عاما دون تجديدات جذرية.
كما تسربت معلومات من مهندس نووي إسرائيلي سابق، مردخاي فعنونو، عن طبيعة الأنشطة في ديمونا، مشيرا إلى امتلاك إسرائيل عشرات الرؤوس النووية، ما أثار ضجة عالمية حينها.
تحذيرات دولية من استهداف أي منشأة نووية
تؤكد منظمة الطاقة الذرية الدولية والعديد من مراكز الأبحاث الاستراتيجية بأن استهداف أي منشأة نووية في سياق صراع عسكري يعد انتهاكا للقانون الدولي، ويمكن أن يؤدي إلى كارثة تمتد آثارها لعقود.
وفي حال استهداف مفاعل ديمونا، فإن المسؤولية لا تقتصر على الطرف المنفذ، بل قد تتدخل أطراف دولية لإعادة ضبط مسار الأزمة، خوفا من فقدان السيطرة على الإشعاع النووي وانتشاره إقليميا.
وتجدر الإشارة إلى أن أي حديث عن منشآت نووية في سياق نزاع مسلح لا يجب أن يؤخذ باستخفاف، فالأثر البيئي والصحي والسياسي لمثل هذه الضربات قد يتجاوز حدود الدول المتورطة في النزاع، ويؤثر على الأمن البيئي في كامل الشرق الأوسط، مما يستوجب على الأطراف الإقليمية والدولية أن تعي حجم الكارثة التي قد تنجم عن أي تصعيد غير محسوب تجاه منشآت نووية حساسة.
المصدر: صحيفة أهل مصر
الكاتب : سها صلاح
التاريخ : 15/6/2025
-------------------------------------------------------------------
المصدر: النهضة نيوز
التاريخ : 18/6/2025