تغير الموقف التركي من إيران بعد حرب الـ12 يومًا
فرع القاهرة

قال الرئيس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح نشرته وسائل الإعلام، إنه “من حق إيران الطبيعي والمشروع والقانوني، هو الدفاع عن نفسها ضد إرهاب إسرائيل”. جاء هذا التصريح ليعبر عن رغبة تركيا في عدم الانجرار نحو حرب مباشرة مع دولة إسرائيل، نتيجة لتعارض مصالحها السياسية في الشرق الأوسط ولا سيما سوريا، إضافة إلى تأثيرها بشكل مباشر على الأمن التركي من خلال الحدود الإيرانية. وعليه، يرى بعض المراقبين أنه من المحتمل أن تؤدي الحرب تغيرًا في سير العلاقات الإيرانية التركية، نتيجة لما فرضه الواقع من متغيرات سياسية قد تجبر الطرفين في التعامل معها من منطلق المكاسب للجميع والخسائر يتحملها الطرف المندفع.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى شكل العلاقات التركية-الإيرانية قبل حرب الـ 12 يومًا، كذلك مستوى التغيير الذي حدث في العلاقات بينهما، ومستقبلها.

العلاقات التركية- الإيرانية القديمة

تتميز العلاقات التركية- الإيرانية قبل حرب الـ12 يومًا بعدد من السمات، نتطرق إلى بعضها على النحو التالي:

تقارب اقتصادي: تعد العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران واحدة من أهم جوانب الاتفاق بين الطرفين، رغم التوترات السياسية بينهما منذ 2011. لكن تلاحظ وفقًا للمراقبين، أن عدم تطابق مواقف الدولتين من الأزمة السورية، أدى إلى حدوث تأثير سلبي على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي سرعان ما عادت إلى التزايد من جديد، نتيجة لوجود روابط اقتصادية متجذرة، وأهمية متبادلة، خاصة فيما يتعلق بحاجة تركيا للبترول والغاز الطبيعي الإيراني، وحاجة إيران حصة كافية من الصادرات التركية في ظل العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي.

تنافر سياسي: برز الاختلاف بين تركيا وإيران حول مجموعة من القضايا الإقليمية مثل الأزمة السورية، والصراع الداخلي في العراق، ووضع الأكراد. وتُعد سوريا هي نقطة الخلاف الأبرز بين الطرفين، حيث اتجهت تركيا إلى دعم المعارضة السورية والسماح لها بإقامة اجتماعات على أراضيها، كما كانت دائمة الانتقاد لسياسات الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وعلى الجانب الآخر، كانت سوريا هي الحليف الأبرز لطهران كونها الدولة الوحيدة المؤيدة للسياسات الإيرانية في المنطقة.

كما تحولت العراق إلى ساحة صراع بين الطرفين، منذ الانسحاب الأمريكي من العراق، والذي خلق بدوره فراغًا سياسيًا سعى كلا الطرفين إلى استغلاله. فقد اتجهت إيران إلى دعم الأغلبية الشيعية في العراق بغرض تعزيز نفوذها إقليميًا وزيادة حلفائها، مما يُضعف من قدرة القوى الإقليمية الأخرى على تحجيم نفوذها. وعلى الجانب الأخر، لم ترغب تركيا في رؤية العراق كدولة موالية بشكل كامل لإيران وإنما دولة مستقلة موالية لتركية، لا تمثل خطرًا على حدودها.

لكن رغم اختلاف وجهات النظر بين تركيا وإيران فيما يتعلق بالموقف من القضية السورية والتطورات العراقية، فإنه هناك تقارب مصالح بين الدولتين فيما يتعلق بملف الأكراد، ورفضهما لوجود دولة كردية مستقلة، حيث سعى أكراد سوريا المتواجدين على حدود تركيا الجنوبية إلى الحصول على الاستقلال وتكوين دولة كردية موحدة إلى جانب الأكراد في العراق، والذي بدوره يزيد من دافع أكراد تركيا إلى الانضمام لهم وتكوين دولة موحدة.

ويرى بعض المراقبين أن قيادتا البلدين استطاعتا وضع حدود لتصاعد التوترات فيما بينهما؛ بغرض منع تفاقم الصراع لدرجة لا يمكن السيطرة عليها. حيث تدرك تركيا أن إيران مازالت قادرة على إحداث توترات في سوريا وذلك في ظل مرور البلاد بمرحلة انتقالية تمتاز بتوتر الأوضاع بشكل كبير تحت إدارة الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع. إضافة إلى وجود نفوذ لها في العراق والذي بدوره يمكن أن يُشعل الفوضى الخلاقة التي من الممكن أن تؤثر على دولة تركيا. بينما تدرك إيران أنها تواجه مرحلة غير مسبوقة من التصعيد الدولي؛ والذي بدوره يجعلها في أمس الحاجة للحفاظ على العلاقات الودية مع شريك محوري مثل تركيا.

حدود تغيير العلاقات بين البلدين 

وفقا للمراقبين، شهدت العلاقات التركية الإيرانية منذ حرب الـ12 يومًا عدد من التغيرات سواء في مستوى العلاقات بينها أو المسارات التي اتخذتها، وذلك على النحو التالي:

موقف تركي حذر: توجهت دولة تركيا إلى إدانة العدوان الإسرائيلي بأشد العبارات، نتيجة للهجوم الإسرائيلي على إيران والذي استدعى الرد الإيراني فيما بعد. حيث أشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى أنه “من حق إيران الطبيعي والمشروع والقانوني تمامًا الدفاع عن نفسها ضد إرهاب الدولة الإسرائيلي”. إضافة إلى ذلك، أشارت الخارجية الإيرانية في بيان لها عقب الحرب أنها تدين بشدة الهجمات الإسرائيلية على إيران، وذلك لما لها من تأثير على استقرار المنطقة، إضافة إلى أنها توضح عدم رغبة إسرائيل في الاعتماد على الدبلوماسية من أجل حل الأزمة القائمة والوصول لحلول سلمية بعيدًا عن الاعتماد على الخيار العسكري.

وعلى الرغم من الرفض التركي لما ترتكبه إسرائيل من أفعال في المنطقة، إلا أنها تحاول اتباع استراتيجية حذرة تنأى بها عن أي مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى الإضرار بالدولة على المستويين الأمني والاقتصادي. علاوة على ذلك، حث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان كلًا من الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على عدم التدخل في الحرب وتجنب الاشتباك، وذلك بغرض عدم توسيع رقعة الصراع في المنطقة ووضع تركيا في موقف أكثر حرجًا.

 

تداعيات داخلية وإقليمية: ووضعت الحرب مزيدًا من الأعباء على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وذلك لما وضعته من تحديات فيما يخص احتمالية تدفق اللاجئين من إيران مثلما حدث من قبل نتيجة للحرب الأهلية في سوريا، والذي نتج عنها وصول 4 مليون لاجئ إلى الأراضي التركية. والذي بدوره قد يؤدي إلى إثارة غضب الداخل التركي تجاه الحزب الحاكم، مما يقلل من فرص نجاح أردوغان في الانتخابات القادمة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي عدم استقرار الأوضاع في إيران إلى زيادة فرص نشاط العناصر الكردية المسلحة التي تتواجد في العراق وتركيا وإيران وسوريا، والذي بدوره يمكن اعتباره ورقة رابحة يمكن استخدامها من قبل إسرائيل بغرض تهديد المصالح التركية في الشرق الأوسط ولا سيما في سوريا التي يتواجد بها قوات سوريا الديموقراطية التابعة للأكراد.

وتُعد سوريا ساحة التراشق الرئيسية بعد سقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، حيث تسعى تركيا إلى توطيد حكم أحمد الشرع ومنع قيام أي كيانات مستقلة في دولة سوريا بغرض تحجيم نفوذ الأكراد. بينما تتجه إسرائيل إلى السعي نحو إقامة دولة درزية منفصلة عن الدولة السورية على حدودها وذلك بحجة الحفاظ على أمنها القومي، مما قد يؤدي بدوره إلى تحفيز الأكراد لإقامة دولة مستقلة بشمال سوريا، والذي يمثل خطرًا أمنيًا داهمًا لوحدة الأراضي التركية.

تحركات استراتيجية: أدركت الإدارة التركية ضرورة الاعتماد على الإجراءات الاستباقية، واتخاذ كافة الخطوات الفعالة، نظرًا للنتائج السلبية للحرب الإيرانية الإسرائيلية على دولة تركيا. وظهر ذلك بشكل كبير من خلال إقامة اجتماع رباعي بوزارة الخارجية التركية تضمن كل من رئيس جهاز الاستخبارات، رئيس الأركان، وزير الدفاع، وزير الخارجية وذلك بهدف بحث كافة ارتدادات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على أمن واستقرار تركيا الداخلي، ووضعها الإقليمي. واعتمدت تركيا على متابعة النشاط العسكري الإسرائيلي الإيراني من خلال أنظمة الرادار والإنذار الموجودة في محطة كوريجيك الموجودة بشرق تركيا، إضافة إلى استخدام الطائرة الأمريكية بوينغ التي تتميز بقدرتها على مراقبة الحركة الجوية بمناطق رادارية واسعة. علاوة على ذلك، أدركت تركيا أهمية تعزيز القدرات الدفاعية والصناعات الدفاعية المحلية والاستثمار في المعدات التكنولوجية بغرض إعاقة أي محاولة لتهديد الأمن القومي التركي من إسرائيل وذلك في ظل وجود العديد من نقاط الاختلاف بين سياسات كلا الطرفين على المستوى الإقليمي.

كما اتجهت تركيا إلى تقديم نفسها في صورة الوسيط الإقليمي من خلال إعلانها الاستعداد لقيادة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي ذلك في ضوء محاولة الدولة التركية تقديم نفسها كوسيط دولي قادر على خلق حلول فعالة لكافة الأزمات الدولية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والتي كان لتركيا دور بارز فيها سعت من خلاله إلى خلق حلول فعالة لتداعيات الأزمة المستعصية مثل إعاقة تصدير الحبوب من أوكرانيا إلى كافة الدول المستوردة لها. علاوة على ذلك، كان لتركيا أيضًا دور في الوساطة بين إسرائيل وحماس بغرض إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية، وإدخال المساعدات لأهالي غزة مع السعي نحو إقامة دولة فلسطينية تساهم في إنهاء الصراع الأكثر تعقيدًا في الشرق الأوسط.

مستقبل العلاقات التركية- الإيرانية

يرى بعض المراقبين أن العلاقات التركية- الإيرانية من المحتمل أن تشهد تقارب تكتيكي، يتسم بالحذر الاستراتيجي- أي المدروس على المدى البعيد، وذلك على النحو التالي:

تقارب تكتيكي: من المتوقع أن تحدُث الحرب بين إسرائيل وإيران تقارب قصير المدى بين تركيا وإيران، يهدف إلى حل المسائل العالقة مثل تأمين الحدود المشتركة بين الطرفين. ويأتي ذلك في ظل مرحلة خفض التوترات الإقليمية بين إيران وتركيا؛ نتيجة لتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة بعد تحجيم قدرات ومحاور تحرك محور المقاومة، والذي بدوره عزز من زيادة نفوذ تركيا من جانب، وإسرائيل من جانب أخر في المنطقة. مما يخلق نوعًا من التنافس الإقليمي على النفوذ بين كل من إسرائيل وتركيا والذي بدوره يزيد من نقاط الخلاف بين الطرفين، وُيوجه المصالح التركية نحو التعاون مع إيران لأن سقوط النظام الإيراني يعني زيادة التوغل الإسرائيلي في المنطقة، مما يؤثر بدوره على النفوذ التركي.

حذر استراتيجي: على الرغم من التقارب المرتقب بين إيران وتركيا في الفترة القادمة، فإن ذلك التقارب سيبقى مرهونًا باستمرار عدم الثقة بين الطرفين، وذلك نتيجة للخلاف الكبير بينهما في الملفات الإقليمية الكبرى التي مازالت عالقة حتى الآن، وقابلة للاشتعال في أي لحظة. ويأتي التنافس في شكله الحالي بين الدولتين في إطار سعي تركيا من جانب إلى ملئ الفراغ الإيراني، وتعويضه بحيث يتم تقييد المصالح الإيرانية في المنطقة لحساب النفوذ التركي، ومن جانب أخر قد تحاول إيران تعزيز نفوذها من جديد في المنطقة، والذي بدوره قد يخلق نوعًا من التراشق بين الطرفين يمكن التغاضي عنه مؤقتًا في إطار المصالح المتماثلة والسعي نحو ترويض العدو المشترك لكلا الطرفين والمهدد لهما وهو إسرائيل، وذلك نتيجة لما ترتكبه من انتهاكات صارخة لسيادة الدول وأمنها في المنطقة.

وبناء على ذلك، يمكن الإشارة إلى أن العلاقات الإيرانية التركية ستتجه إلى مزيد من التقارب، نتيجة لما فرضه الواقع من متغيرات على المنطقة ككل، ولا سيما تركيا وإيران. ويُعد مسار الطاقة هو أحد أهم المسارات التي من الممكن أن يقوم الدولتين في الفترة القادمة بتدعيمه، وذلك لزيادة نقاط التعاون المشترك بين الطرفين في إطار سعي إيران لكسر العزلة الإقليمية التي عانت منها طوال الحرب التي دارت بينها وبين إسرائيل. وعلى الجانب الأخر، أدركت تركيا نتيجة للحرب بين إسرائيل وإيران أهمية التنسيق الجيد والتعاون الأمني والاستخباراتي مع إيران بغرض منع أي انتهاك للحدود التركية، إضافة إلى إدراكها عدم استحالة المواجهة العسكرية ضد دولة إسرائيل، نتيجة للخلاف المتصاعد بين الطرفين على المستوى الإقليمي.

 

المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية

الكاتب : عبدالرحمن سعدالدين

التاريخ : 12/7/2025

------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الأخبار

الكاتب : محمد نور الدين

التاريخ : 28/6/2025


المقالات الأخيرة