أكدت مجموعة من التقارير الإعلامية، في 10 مايو 2025، رفض الولايات المتحدة بشكل قاطع تقديم الدعم المالي لبعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال "أوصوم"، حيث سافر وفد من كبار مسؤولي الاتحاد الأفريقي إلى واشنطن في محاولة أخيرة لتأمين تمويل لبعثة الاتحاد الأفريقي المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية في الصومال "أتميس" في يوليو 2025. إلا أن مسؤولين أمريكيين رفضوا هذا الطلب، مشيرين إلى مخاوف بشأن عدم الكفاءة التشغيلية وغياب تقاسم الأعباء بين الشركاء الدوليين. وقد أوضحت واشنطن، خلال اجتماع عقد في كمبالا في إبريل 2025، موقفها بوضوح بأنه لن يتم الالتزام بأي تمويل أمريكي ما لم يُساهم المانحون الآخرون على قدم المساواة، ويتم إجراء إصلاحات هيكلية على تفويض البعثة لتعكس بشكل أفضل المشهد الأمني المتطورفي الصومال. وهو ما يطرح تساؤلات حول العواملوالأسباب التي تقف وراء هذا الرفض الأمريكي لتقديم أيتمويل لبعثة الاتحاد الأفريقي "أوصوم" في هذا التوقيت،والتداعيات المحتملة لهذا التوجه الأمريكي.
عوامل عديدة
يبدو أن ثمة جملة من العوامل التي تقف وراء رفض إدارة ترامب تقديم دعم مالي لبعثة الاتحاد الأفريقي، من أبرزها:
1- إعادة واشنطن تقييم إستراتيجيتها الأمنية في الصومال: أشارت تقارير أمريكية إلى أن المكاسب الأخيرة التي حققها مسلحو حركة الشباب الإسلامية في وسط وجنوب الصومال أثارت جدلاً داخل وزارة الخارجية الأمريكية حول إغلاق السفارة الأمريكية في مقديشو وسحب معظم الموظفين الأمريكيين، حيث استدعت هذه التطورات في أذهان بعض المسؤولين إخفاقات السياسة الخارجية الأخيرة، مثل سقوط الحكومة الأفغانية وسط انسحاب أمريكي متسرع في عام 2021. ويتركز النقاش داخل وزارة الخارجية الأمريكية حول خيارين: الأول هو تقليص أو سحب موظفي السفارة الأمريكية في مقديشو، خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من تقويض الثقة في الحكومة الصومالية وتسريع انهيارها. والخيار الثاني، الاستمرار في النهج نفسه، وربما زيادة عمليات الطائرات بدون طيار ضد حركة الشباب. وليس واضحاً ما الذي يأمل صانعو السياسات الأمريكيون في تحقيقه بشأن اعتماد إستراتيجية جديدة في الصومال.
ويشير عدد من التقارير إلى وجود ما بين 500 و600عسكري أمريكي في الصومال، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى سعيها لتجنب التكاليف المترتبة على نشر أعداد كبيرة من قواتها، والاعتماد بدلاً من ذلك على القوات الصومالية والقوات الأفريقية الأخرى لمحاربة حركة الشباب. وعلى مدار العقد الماضي، قامت الولايات المتحدة بتدريب وتجهيز وتمويل وحدة كوماندوز النخبة "داناب" (البرق)، والتي يبلغ عددها ما بين 3000 و5000 جندي صومالي.
وإلى جانب الاتحاد الأوروبي، كانت الولايات المتحدة مساهماً مالياً رئيسياً في مهمة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والتي ضمت في وقت ما 22000 جندي. إلا أن الولايات المتحدة أشارت إلى أنه سيتم خفض الدعم المالي لمهمة الاتحاد الأفريقي. ويبدو أن هذا التوجه يشير إلى توجه أمريكي لإعادة تقييم الإستراتيجية الأمريكية في الصومال، وقد يُشير هذا إلى توجه أمريكي بتقليص الدعم المقدم للحكومة الصومالية وتوجيه هذا الدعم إلى الولايات، حيث عززت إدارة ترامب من مساعداتها لولاية بونتلاند لتعزيز جهودها في مكافحة تنظيم "داعش الصومال"، فقد يشير هذا إلى إعادة تحويل هذا الدعم من مقديشو إلى بونتلاند.
2- توجهات إدارة ترامب نحو تقليص النفقات الخارجية: حيث يأتي هذا التوجه في سياق القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب لتشديد الضوابط المالية في الولايات المتحدة والخارج. ففي يناير 2025، وقّع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً مؤقتاً يوقف جميع برامج المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوماً، في انتظار مراجعة لتقييم ما إذا كانت هذه البرامج تتوافق مع أهداف سياسة إدارته. وقدّم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مبدأً توجيهياً لسياسة المساعدات الخارجية لإدارة ترامب، ينصّ على أن تجيب كل مبادرة للمساعدات الخارجية عن أحد ثلاثة أسئلة: "هل تجعل أمريكا أكثر أماناً؟ هل تجعلها أقوى؟ أم هل تجعلها أكثر ازدهاراً؟". ويأتي قرار تجميد المساعدات الخارجية كجزء من نهج "أمريكا أولاً" الذي تنتهجه إدارة ترامب، والذي يسعى إلى ضمان توافق المساعدات الخارجية الأمريكية مع مصالح الأمن القومي وتعزيز قوة الولايات المتحدة وازدهارها في الخارج.
3- مخاوف إدارة ترامب إزاء التوجهات الخارجية للرئيس حسن شيخ محمود: تبدي إدارة ترامب قلقاً متنامياً إزاء علاقات الرئيس الصومالي مع قوى دولية وإقليمية مثل الصين وتركيا، وترى إدارة ترامب أن السياسة الخارجية للرئيس الصومالي تدعم دبلوماسية "الصين واحدة"، لا سيما القرار الذي اتخذت هيئة الطيران الصومالية بمنع دخول جوازات السفر التايوانية إلى الأراضي الصومالية، في إشارة إلى اصطفاف مقديشو مع بكين، وهو الأمر الذي يدفع إدارة ترامب لمراجعة حساباتها ضد الصومال. علاوة على مخاوف إدارة ترامب تجاه الوجود العسكري التركي المتنامي في الصومال والتي ترى فيه تهديداً لمصالحها، حيث يعزز هذا الوجود من نفوذ أنقرة وتأثيرها على توجهات الحكومة الصومالية التي قد لا تتفق مع توجهات إدارة ترامب.
4- ضغوط الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ الأمريكي: يُشير اتجاه في الكتابات إلى تصاعد ضغوط الجمهوريين على إدارة ترامب لتقليص الدعم الأمريكي المقدم للبعثة، ففي فبراير 2025، طالب أعضاء بمجلس الشيوخ، من أبرزهم: جيم ريش، جمهوري من ولاية أيداهو، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور تيد كروز، جمهوري من ولاية تكساس، والسيناتور ريك سكوت، جمهوري من ولاية فلوريدا، "قانون تقييد تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال لعام 2025".
ويسعى مشروع القانون إلى إلزام الولايات المتحدة بمعارضة أي إجراء يتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من شأنه تمكين مثل هذا التمويل. وقال رئيس اللجنة ريش: "لقد اتخذت إدارة ترامب إجراءات حاسمة لمكافحة الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء أفريقيا، وأنا أؤيدها بشدة". ومع ذلك، فإن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي، وفقاً لريش، يخططون لتوجيه المدفوعات لعملية حفظ السلام والاستقرار في الصومال بشكل أكبر نحو الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، جعل الولايات المتحدة تدفع أكثر مما ينبغي.
وأضاف أن "شركاءنا الأوروبيين في الأمم المتحدة يتطلعون إلى التهرب من التزاماتهم المالية تجاه قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال من خلال التحول إلى آلية تمويل جديدة غير متوازنة تضع العبء على الأمريكيين. وأضاف ريش: "لا يمكننا أن ندع هذا الأمر يستمر، سيمنع هذا القانون مساهمات الولايات المتحدة في قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بموجب خطة التمويل الجديدة هذه، إلى أن يثبت الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة استخدامهما للأموال المتاحة لهما بمسؤولية، ويمنع الأمريكيين من الاستمرار في تمويل نظام فاشل".
وقال ريش: "لقد دشّن الرئيس ترامب حقبة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث ستُستخدم أموال دافعي الضرائب الأمريكيين فقط لضمان أمن وازدهار أمريكا. لفترة طويلة جداً، استغلّ حلفاؤنا أمريكا، واستفادوا من دفعها النصيب الأكبر من الأمن العالمي. يجب على أوروبا أن تستمر في تحمل هذا العبء". بينما أشار السيناتور سكوت إلى أنه: "لن تسمح الولايات المتحدة للأمم المتحدة باستغلال أموال دافعي الضرائب لدينا بينما يرفض شركاؤنا دفع حصتهم العادلة، ناهيك عن بعثة لا تنفق هذه الأموال بمسؤولية أو شفافية. أفخر بالانضمام إلى زملائي في العمل على قانون تقييد تمويل قوة المهام المشتركة لضمان إعطاء الأولوية لمصالح الأمريكيين، وإنفاق أموال دافعي الضرائب بحكمة".
تداعيات عديدة
من المتوقع أن يكون لهذه التوجهات الأمنية الأمريكية تداعياتها على عمليات حفظ السلام والاستقرار في الصومال، وذلك على النحو التالي:
1- تفاقم مشكلة العجز المالي لتمويل البعثة الأفريقية في الصومال: يأتي هذا التوجه الأمريكي في الوقت الذي تعاني فيه البعثة من نقص التمويل اللازم لتمويل عملياتها في الصومال، وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن العجز المالي المستمر قد يعرض عمليات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في الصومال للخطر. وفي تقرير قدمه إلى مجلس الأمن في 10 أبريل 2025، حث جوتيريش المجتمع الدولي على دعم خطة التمويل، مؤكداً أن الدعم المالي المستدام والمتوقع أمر بالغ الأهمية للسلام والاستقرار في الصومال. وخلال خطابه في قمة الاتحاد الأفريقي في 15 فبراير 2025، ألمح غوتيريش إلى الغموض المحيط بتمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، قائلاً: "نحث على توفير تمويل منتظم لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. آمل أن يُسمع صوتنا في مجلس الأمن".
2- تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول مهام البعثة: حيث يأتي الموقف الأمريكي قبيل تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المقرر في 15 مايو 2025على آلية تمويل مشتركة جديدة مُحددة بموجب القرار 2719. وبينما التزمت الولايات المتحدة الصمت سابقاً بشأن الاقتراح، فقد أوضحت الآن معارضتها بوضوح. وقد أكد مسؤولون بوزارة الخارجية الأمريكية أن الصومال ليس أرضاً مناسبة لاختبار نموذج التمويل الهجين المقترح لقوات الاتحاد الأفريقي. وأشار قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في ديسمبر 2024، والمُنشئ لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (القرار 2767)، إلى إمكانية استخدام آلية تقاسم التكاليف الهجينة هذه لتمويل البعثة. إلا أنه حدد فترة ستة أشهر بين بدء البعثة وتطبيق الآلية. وجادلت الولايات المتحدة بأن "الشروط لم تُستوفَ للانتقال الفوري إلى تطبيق القرار 2719 في الصومال".
3- تحركات القوى المنافسة لملء الفراغ الأمريكي: حيث يشير هذا التوجه الأمريكي إلى تحول أولويات السياسة الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب الثانية. ويشير إلى تراجع الولايات المتحدة بشكل أوسع عن التزاماتها متعددة الأطراف وتقليص مساهماتها في عمليات حفظ السلام، وهو ما يمنح قوى دولية أخرى الفرصة لتعزيز حضورها في الصومال من خلال تعزيز الدعم الأمني للحكومة الصومالية، ويمكن أن نتوقع أن تعمل دولة مثل روسيا على نشر قوات من الفيلق الأفريقي في الصومال، وذلك في إطار صفقة تسمح ببناء قاعدة بحرية روسيا في البلاد، فبرغم أن موسكو لم تُفصح عن هذا التوجه لكن يمكن توقع هذا السيناريو مع تراجع العلاقات بين واشنطن ومقديشو، وخاصة إذا فشلت روسيا في إبرام الصفقة مع السودان في ظل استمرار الحرب والضغوط الأمريكية والداخلية لمنع إبرام الصفقة.
4- توسع نشاط حركة الشباب في الصومال: فمع تراجع الدعم الأمريكي لجهود مكافحة الإرهاب علاوة على التحديات التي تواجه استمرار البعثة الأفريقية في القيام بمهامها، من المتوقع أن تعمل حركة الشباب على توسيع عملياتها، وخاصة في مقديشو، حيث تركز الحركة منذ بداية العام 2025 على تكثيف هجماتها على البنية التحتية والمطارات في العاصمة الصومالية، ويبدو أن الحركة تسعى من وراء هذا إلى السيطرة على السلطة والعاصمة.
خيارات سيئة
وإجمالاً، يمكن القول إن ثمة تحديات كبيرة تواجه الحكومة الصومالية مع تصاعد هجمات حركة الشباب وتراجع الدعم الأمريكي لجهود مكافحة الإرهاب، ولا سيما في حال نجاح حركة الشباب في السيطرة على العاصمة، وتبدو الحكومة الصومالية اليوم أكثر ارتباطاً بأنقرة؛ حيث باتت تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري التركي، وبالتالي تبدو مقديشو أمام خيارين: الأول هو الاعتماد على الحليف التركي وتحمل تبعات القطيعة مع واشنطن، أو الخروج عن المسار التركي وهو ما قد يعرض مقديشو لتحديات كبيرة.
المراجع
_ عبدالله الفاتح، 14/5/2025، لماذا رفضت إدارة ترامب دعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال؟، لماذا رفضت إدارة ترامب دعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال؟.
_ ب،ن، 18/5/2025، رفضت إدارة ترامب دعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، موقع جيسكا.