يمثل مبدأ الشرعية عصب الحياة القانونية والعمود الفقري لبناء النظام القانوني للدولة كونه المعيار الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في التفرقة بين الدولة القانونية عن الدولة البوليسية فضلاً عن كونه الأساس الذي ترتكز عليه، خاصة إخضاع أعمال الإدارة ومختلف نشاطاتها للرقابة الإدارية، وذلك من خلال ما يُـعرف بالشرعية.
فمبـدأ الشرعيـة أصبـح فـي الوقت الراهن الضمانة الأساسية الجدية والحاسمة لحقوق الأفراد وحرياتهم إذ يبلور هذا المبدأ كل ما استطاعت الشعـوب أن تحرزه من مكاسب في صراعها مع السلطات الحاكمة خاصة في ظل الطغيان الكنسي والطغيان الملكي، ثم الصراع بين الطاغوتين حول الاستئثار بالسيادة والسلطة والتي كشفت عن مظالم أيقظت العقل الأوربي مـن سباتـه، فسقط أسرار الفكر ودعاة التنوير للمطالبة بتقديس العقل وتحـريـره مـن أوهام الكهنوت وتقديس الإرادة الإنسـانيـة وتحريرهـا مـن أغـلال الاستبداد والطغيان، وفي تطور لاحق تـم الفصل بين حق السيادة وأشخاص الحكام مع ظهور فكرة العقد الاجتماعي ليتم إسناد السيادة للأمة إنهاءً للاستبداد السياسي الذي كان يمارسه الملوك ورجال الدين.
ومـن ثم فقد تم إجبار هذه السلطات الحاكمة على التنازل عن كل مظاهر الحكم المطلق التي عرفتها النظـم السياسية القـديمة عبر أجيال متعاقبة حتى عصرنا الحالي، حيث برز هذا المبدأ كطابع مميز للدولة المعاصرة كونه يمثل الملاذ الطبيعي للمواطنين بحيث يكونون بمقتضاه في مأمن من أن تعتدي عليهم السلطة على خلاف ما يجيزه القانون أو بأكثر مما يرخص به.
الفرق بين الشرعية والمشروعية
يعنى بالشرعية ذلك الوصف للحالة الخاصة بالحكومة أو السلطة الحاكمة داخل البلاد التي تستند في حكمها على دستور يتكون من مجموعة من القوانين هي التي تسير عليها البلاد.
وحتى تستطيع أن تفرض الحكومة دستورًا على الشعب يكون من المفترض أن يوافق الشعب على تعلي تلك الحكومة مقاليد الحكم وهذا ما يعطيها الشرعيةفي الحكم أي موافقة الشعب على توليها الحكم.
أما الحكومات التي تصل إلى السلطة بالتعنت والإرهاب وخطف السلطة من معهم حق الشرعية فهم قد يكونوا بالفعل سلطة حاكمة ألا أنهم لا يمتلكون الشرعية والحكومات التي تفتقر لها هم أيضًا الذين لا يحكمون بالدستور أو بمجموعة قوانين متفق عليها.
أما المشروعية فيقصد بها العمل الدؤوب من السلطة الحاكمة التي تتمتع بالشرعية حتى ترعى مصالح الشعب من خلال نشر العدالة والحق بين أبناء الشعب الواحد.
فلو كانت الشرعية هي الموافقة على إعطاء تلك الحكومة السلطة فالمشروعية هي الأداء الذي تبذله هذه الحكومة للاستفادة من الشرعية.
ومن هنا نستنتج أن الحكومات التي تحكم بالديكتاتورية والتي يصفها شعبها بالاستبداد فهي حكومات لا تعمل بالمشروعية وهو ما يقد يؤدي إلى إقامة الثورات السياسية والاجتماعية التي تعمل فيما بعد على تغيير مقاليد الحكم والسلطة الحاكمة والتي يمكن أن تسحب منها أيضًا الشرعية.
لذلك قد يكون هناك حكومة تتمتع بالشعرية الكاملة لكن حكمها لا يتمتع بالمشروعية أي أنها لا تراعي مصالح شعبها ولا تحكم بدستور عادل يساهم في نشر العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد.
العلاقة بين الشرعية والمشروعية
المشروعية والشرعية لهما نفس المعني إلا أن جانباً من القواعد يفرق بينهما عملاً بقاعدة أنه كلما زاد مبني الكلمة كلما زاد معناها، مما يعني أن مفهوم المشروعية أوسع على أساس أن فكرة الشرعية تتعلق بالجانب السياسي أي علاقة الحاكم بالمحكومين فلا تكون السلطة شرعية إلا إذا استندت على رضا المحكومين، بينما فكرة المشروعية تتعلق بالجانب القانـوني أي بإيجاد سند قانوني سواء كانت قاعدة أو نص يبرر التصرف لذلك فإن فقهاء القانون العام لم يذهبوا مذهباً واحداً فـي تحديد معنى المصطلحين، بل أدي بهم الاجتهاد الفقهي إلى إيجاد اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول: يرى أن هناك فرقاً دقيقاً بين مفهوم الشرعية والمشروعية رغم وحدة اشتقاقهما من أصل واحد هو الشرع أو الشريعة، إلا أنهما يختلفان من حيث المفهوم الدقيق لكل منهما، فالشرعية مشتقة من الشرع بصيغة الفعلية ومعناها موافقة الشرع، والمشروعية مشتقة من الشرع بصيغة المفعولية وتفيد محاولة موافقة الشرع، والمحاولة قد تصيب وقد تخيب، ومن ثم فإن الفرق بين الشرعية والمشروعية يماثل الفرق بين الصورة الفعلية على وزن الشرعية والصورة المفعولية على وزن المشروعية لنفس الشيء، فالصورة الفعلية تصور الشيء تصويراً حقيقياً بينما الصورة المفعولة تصوره من وجهة نظر فاعلها وتختلف عادة عن الأصل في حدود معينة.
وينتهي هذا الاتجاه إلى أن المشروعية تعني احترام قواعد القانون القائمة فعلاً في المجتمع، فهي في حقيقة الأمر مشروعية وضعية، أما الشرعية فهي فكرة مثالية تحمل في طياتها معنى العدالة وما يجب أن يكون عليه القانون، فمفهومها أوسع من مجرد احترام قواعد القانون الوضعي العادلة، إذ يتضمن هذا المفهوم قواعد أخرى يستطيع عقل الإنسان السليم أن يكتشفها، ويجب أن تكون المثل الأعلى الذي يتوخاه المشرع في الدولة ويعمل على تحقيقه إذا أراد الارتفاع بمستوي ما يصدر من تشريعات.
الاتجاه الثاني: يرى خلافاً لما ذهب إليه الرأي الأول عدم التمييز بين الشرعية والمشروعية وأنهما مترادفان، فمقتضي الشرعية الالتزام بالقانون الطبيعي وما يختزنه من مبادئ قانونية عامـة كالعدالة والحقوق الفردية والصالح العام، والتي هي أساس القانون الوضعي الذي يتطلب أن تحترمه جميع السلطات فمعظم كتابات فقهاء هذا الاتجاه تطلق على مضمون هذا المبدأ مرة اصطلاح الشرعية ومرة اصطلاح المشروعية، وإن الاستقرار مع تغليب المشروعية، لأن المبدأ يُـعد قيداً على تصرفات السلطات العامة ويتطلب الالتزام بكل القواعد القانونية المكتوبة وغير المكتوبة، ومن بين هذه القواعد القانونية العامة التي يستقر عليها المجتمع، فضلاً عن الالتزام بقواعد المشروعية الوضعية، وطالما أن هذا المبدأ يعني احترام الأفكار المثالية التي تحمل في طياتها معنى العدالة، ويعني احترام قواعد المشروعية الوضعية، فلا يكون ثمة مجال للتفرقة التي نادي بها أصحاب الاتجاه الأول.
ومن جانبنا فإننا نرجح ونتبنى في بحثنا الاتجاه الثاني وهو عدم التفرقة بين مصطلحي الشرعية والمشروعية، لأن مبدأ المشروعية في الدولة المعاصرة باعتباره حداً أعلى على سلطان وتصرفات الهيئات العامة والمحكومين يتطلب الالتزام بالقانون الطبيعي وما يختزنه من مبادئ قانونية عامة يحتويها ضمير الجماعة ويستقر عليها باعتبارها ركائز أساسية لمعني العدل والصالح العام، كما يتطلب أيضاً الالتزام بالمشروعية الوضعية التي تستقر على مبدأ سيادة الدستور والتشريع وما يفرضه ذلك من ضرورة الالتزام بقاعدة القانون الأعلى أياً كان مصدرها، ومن ثم فإنه لا مجال لمحاولة التمييز بين الشرعية والمشروعية ويعتبر بذلك الاصطلاحين مترادفين.
لأنه وعلى الرغم من أن الاتجاه الأول كان موفقـاً في وضع حدود فاصلة للتمييز بين كل من مصطلحي الشرعية والمشروعية، إذ حـاول إيجاد تأصيل فكري وفقهي لخضوع السلطة لقيم وأهداف سابقة على وجودها، ومـن ثم فإن ما تصدره من تشريعات وتنظيمات وقرارات يجب أن تتطابق مع هذه القيم والأهداف لكن يؤخذ على هذا الاتجاه أنه لا يعصم من استبداد السلطة لأن الضمانات التي وضعها لمبدأ الشرعية تقع في داخل النظام القانوني للدولة، وتتحرك في إطاره فكيف تكون رقيبة على شرعيته، ومن ثم فإن المواطن مكلف بطاعة القانون طالما أنه صدر صحيحاً من حيث الشكل دون أن يكون له حق تمحيص سند السلطة في إصداره، والواقع العملي يشير إلى حدوث ذلك، فكثيراً ما تصدر تشريعات من أعلى سلطة تشريعية في البلاد السلطة التشريعية والمفترض فيها أنها تنوب عن إرادة الشعب، نجد أن هذه التشريعات هي بكل تأكيد مشروعة من حيث الشكل ولكن وبكل أسف تفقد مصداقيتها وشرعيتها لأنها لا تلبي رغبات الإرادة الشعبية.
وأيضاً ومما يؤخذ على هذا الاتجاه ويرجح لدينا الاتجاه الثاني أنه عندما أشار إلى القيم والأهداف العليا التي تقف خلف السلطة وتهديها إلى توخي العدل في مشروعيتها القانونية والتي لا تعدو أن تكون قيماً وأهدافاً تجريدية خالية من الجزاءات الفعلية التي تمنع استبداد السلطة فهي أقرب إلى الضمانات السياسية أكثر منها ضمانات قانونية.
المصدر: موقع برلمانى
الكاتب : علاء رضوان
التاريخ : 8/9/2024
----------------------------------------------------
المصدر: المعهد المصري للدراسات
الكاتب : شريف طه
التاريخ : 29/11/2019