سيطرة الجمهوريون على الانتخابات النصفية الأمريكية 2026
فرع القاهرة

في استطلاع رأي حديث أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، سجل الحزب الديمقراطي أدنى مستوى شعبية له منذ عقود. فقد أظهر الاستطلاع أن نحو 63% من الناخبين يحملون وجهة نظر سلبية تجاه الديمقراطيين. وجاءت ثقة المواطنين بالجمهوريين أكبر في معظم القضايا الاقتصادية والسياسية؛ إذ لا تزال الأغلبية تعتبر الحزب الجمهوري الأقدر على إدارة الملفات الاقتصادية والتجارية رغم الانتقادات لسياسات ترامب في ملفات التعريفات الجمركية والتضخم. ويُعد هذا مؤشرًا مقلقًا للغاية بالنسبة للحزب الديمقراطي خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية لعام 2026 فهل يستطيع الحزب الديمقراطي النهوض مجددًا أم يستمر الجمهوريون في السيطرة على المشهد السياسي الأمريكي؟

المؤشرات الأساسية

تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الحضور المعنوي للحزب الديمقراطي تراجع بشكل كبير ففي استطلاع صحيفة “وول ستريت جورنال”، 25 يوليو 2025، حصل الحزب على نسبة تأييد 33% مقابل 63% رفض ويعد هذا أقل معدل إيجابي للحزب في أكثر من 30 عامًا من الاستطلاعات الدورية لتلك الصحيفة. بالمقارنة، حصل ترامب نفسه على تأييد 46% في العينة نفسها وليس هذا الاستطلاع فحسب الذي يشير إلى تراجع شعبية الديمقراطيين؛ حيث ذكرت CNN كذلك أن 28% فقط من الناخبين يرونهم بصورة إيجابية.

وبالرغم من رفض غالبية الناخبين لسياسات ترامب في جوانب معينة، فإن أغلبهم لا يزال يثق بالجمهوريين أكثر من الديمقراطيين للتعامل مع أهم القضايا، كالاقتصاد، والأمن، والهجرة، وغيرها فمثلًا، على الرغم من استياء 17% من سياسة ترامب الجمركية، فإن الناخبين يثقون بالمشرعين الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين في إدارة هذا الملف بنسبة سبع نقاط وبذلك تبدو الثقة بالحزب الجمهوري أعلى نسبيًا، وهو مؤشر سلبي لموقع الديمقراطيين.

أيضًا، أظهرت استطلاعات متعددة أن الهوية الحزبية تتجه نحو الجمهوريين. ففي عام 2025، تفوق عدد الأمريكيين الذين يعرفون أنفسهم بجمهوريين على أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين لأول مرة منذ عقود. ويدل هذا على تفوق هيكلي طفيف في قاعدة الأصوات الموالية للجمهوريين. في المقابل، في استطلاع مسحي متكرر، كان تصويت الناخبين لصالح الديمقراطيين يقارب تصويت الجمهوريين بحوالي 46-43% للكونجرس، وهو تقدم بسيط للديمقراطيين، لكنه أقل مما كان عليه قبل ثمانية أعوام على سبيل المثال.

ويعتبر التغيير في قطاعات معينة في الشعب الأمريكي مفصليًا بالنسبة للحزب الديمقراطي؛ حيث إن بعضها كان ينتمي تقليديًا للحزب الديمقراطي؛ مما يجعل التغيير فيه بمثابة خسارة في القاعدة الأساسية للحزب وبعضها يعتبر حاسمًا في العملية الانتخابية بشكل عام ومن أهم هذه القطاعات:

الشباب (18-40 سنة): أظهر استطلاع رويترز/إبسوس أن الأجيال الشابة في صفوف الديمقراطيين تشعر بخيبة أمل كبيرة لعدم تحقيق الحزب أغلب أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية فقد أظهر أن 55% فقط يرون أن الحزب يولي أولوية للقضايا الاقتصادية التي يضعها قطاع الشباب على رأس أولوياته وبالرغم من أن قيادات الديمقراطيين تؤكد على زيادة الأعباء الضريبية على الأغنياء والحد من نفوذ الشركات، فإن هذا القطاع يشعر بأن الحزب يقصر في ذلك.

الطبقة المتوسطة: غالبًا ما تُعتبر الطبقة المتوسطة وأصحاب المعاشات وفئات الموظفين أكثر عرضة للتأثر بالقضايا الاقتصادية والصحية، وغالبًا ما كانت تميل هذه الشرائح للديمقراطيين لكن ازدياد تكاليف المعيشة وصعود معدل التضخم يقلق الكثيرين منهم ويشعر الكثيرون منهم بأن الحزب الديمقراطي لم يفعل المطلوب في خفض تكاليف الرعاية الصحية والسكن؛ مما قلل من الحماس الانتخابي حتى الآن لا يوجد مؤشر واضح على تغيير هويتهم الحزبية، لكن استمرار الديمقراطيين في التركيز على القضايا الاجتماعية البعيدة عن الأحوال المعيشية سينفر الكثيرين في الطبقة المتوسطة.

الناخبون المستقلون: كثير من الناخبين المستقلين، الذين لا ينتمون لحزب بعينه، يمكن أن يحسموا نتائج الانتخابات وتظهر الاستطلاعات أنهم يشعرون بالقلق من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويثقون بحل مشاكلهم لدى الحزب الذي يقدّم حلولًا ملموسة وفي ظل أن الديمقراطيين لم يتمكنوا من تقديم خطة اقتصادية مقنعة، فإن عديدًا منهم يستجيب لرسائل الجمهوريين القوية عن “خفض الضرائب وتنمية الاقتصاد”.

تراجع إدارة الديمقراطيين

نتج التراجع الكبير في شعبية الديمقراطيين عن عدة عوامل؛ على رأسها فقدان التركيز على القضايا الاقتصادية أجمع قياديون واستطلاعات خاصة بالحزب على أن الديمقراطيين لم يواكبوا مشاكل الناس اليومية، مثل تكاليف المعيشة والرعاية الصحية وتسعير الأدوية وسكن الشباب وتظهر الاستطلاعات أن 62% من مناصري الحزب يرون أن قيادة الحزب بحاجة لتغيير عميق، وأن الديمقراطيين يركزون كثيرًا على قضايا مثل حقوق المتحولين جنسيًا والقضايا البيئية على حساب الاقتصاد المعيشي وصرح الأمين السابق للجنة الديمقراطية الوطنية كين مارتن بأن هناك “مشكلة في العلامة التجارية” للحزب تسببت في عزوف الجماهير وقال مستشار ديمقراطي بارز أن الحزب كان يهمش ما سماه بقضايا المطبخ وتركها للجمهوريين.

من جانب آخر، يتزايد الصراع بين التيارين التقدمي والمعتدل داخل الحزب الديمقراطي. وتجلت هذه الانقسامات علنًا في سباقات داخلية مثل الانتخابات التمهيدية لعمدة نيويورك؛ مما انعكس على صورة الحزب الذي ظهر “مشتتًا” غير متحد وأدى الصراع الداخلي إلى تأخير صياغة استراتيجية واضحة ويبحث الجناح التقدمي كيفية إدخال إصلاحات بعينها وفرض ضرائب أعلى على الأغنياء، في حين تخشى الأجنحة المعتدلة من فقدان صوت الناخب المستقل وهذا التصدع خفّض من قدرة الحزب على توجيه رسائل موحدة للناخبين.

وبعد انتخابات 2024 الرئاسية التي أفقدت الديمقراطيين البيت الأبيض والكونجرس بغرفتيه معًا، لم يصدر عن الحزب تحركات كافية لمعارضة ما يعرف بـ “أجندة ترامب الكبيرة والجميلة” الضريبية والاجتماعية. فقد مرر مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين قانونًا ضخمًا يشمل تمديد تخفيضات ضريبية لصالح الأغنياء مع خفض تمويل برنامج الرعاية الصحية وتعزيز تنفيذ قوانين الهجرة ورغم أن 61% من الأمريكيين عارضوا هذا القانون في استطلاعات رأي، فلم ينجح الديمقراطيون في تعبئة كتلة معارضة كافية في الكونجرس لمنع إقراره، ولا حتى استطاعوا تحويل الاستياء الشعبي من سياسات ترامب إلى مكاسب انتخابية، بل ظلوا في موقف دفاعي ضعيف.

تحركات الجمهوريين

في المقابل، استغل الجمهوريون الحالة المتدهورة للديمقراطيين وانعكاسها على الشعب الأمريكي في تنفيذ أجندتهم في مختلف الملفات بأسرع شكل يمكن. فاستغل الجمهوريون سيطرتهم على الكونجرس لتمرير “القانون الكبير والجميل” الضريبي والاجتماعي. ويتضمن القانون إطالة التخفيضات الضريبية القديمة وتخفيضات في برامج اجتماعية، وكان يُنظر إليه كضربة لمصالح الطبقات الوسطى والفقيرة ووجد استطلاع “وول ستريت جورنال” أن أغلبية بسيطة (52%) تعارض القانون؛ مما جعل الجمهوريين في حاجة لتسويق هذا القانون على أنه يحفز النمو، بينما لم يستطع الديمقراطيون تسليط الضوء على مخاطره المالية والاجتماعية بشكل كافٍ.

وركّز ترامب وحزبه أيضًا على تشديد الهجرة والحفاظ على الحدود ورغم دعم شريحة من الجمهور (63% قلقون من الهجرة غير الشرعية)، فإن إجراءات صارمة مثل نشر الحرس الوطني في الولايات وعلى الحدود أثارت مخاوف بين البعض من الناخبين، بعضهم من الجمهوريين أنفسهم ومع ذلك، يظل خطابه القومي والأمني نقطة جذب أساسية لكثيرين من الناخبين البيض العاملين والناخبين الريفيين.

أيضًا، أظهر استطلاع “هارفارد/هاريس” لشهر يوليو أن معظم السياسات الاقتصادية لترامب تتمتع بتأييد جماهيري؛ فمثلًا 85% يدعمون خفض أسعار الأدوية لمسنّي ميديكير و79% يدعمون ترحيل المهاجرين غير القانونيين الذين يرتكبون جرائم وفي المقابل، لم تنج جميع السياسات؛ إذ يعارض 56% تخفيض التمويل على التأمين الصحي بزيادة شروط العمل، ويعارض 49% فرض تعريفات جمركية جديدة ويشير المشهد العام إلى أن انتهاج الجمهوريين لسياسات “شعبية” في كثير من جوانبها، وترديدهم لرسالة الحزم الاقتصادي والوطنية تغري فئات عدة.

وبالرغم من التقلبات، أظهرت استطلاعات متعددة أن قاعدة ترامب ظلت متماسكة نسبيًا فمثلًا، ثبت معدل تأييد ترامب الكلي عند حوالي 42-47% في النصف الأول من 2025، مع أعلى دعم بين الجمهوريين والذكور وسكان الريف. لكن بعض الاستطلاعات الميدانية أشارت إلى تراجع ثقة بعض أنصاره في سياسات متطرفة (كالحرب، والأوامر التنفيذية القوية) لكن بالمجمل، لا يزال معظم تيار ترامب داعمًا، لكنه ليس فوق النقد، وهو ما يمنح الديمقراطيين فرصة لاستغلال الثغرات والأخطاء، إلا أنهم إلى الآن لم يظهروا أي مؤشرات على قدرتهم على هذا الاستغلال.

توقعات الانتخابات النصفية

في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال: كيف سيؤثر الوضع الحالي على انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2026؟ وفي حقيقة الأمر يعتبر الاحتمال الأكبر هو أن يستمر الجمهوريون في هيمنتهم على الكونجرس. فمع تقدمهم في قضايا متصلة بالهوية الحزبية في المدى القريب، وتراجع التأييد الديمقراطي بما يقارب 30 نقطة صافية، يبدو أن الحزب الجمهوري سيحافظ على غالبية مقاعده في مجلسي النواب والشيوخ. وسينصب النقاش الانتخابي على الاستقطاعات الضريبية والاقتصادية اليومية؛ حيث سيحاول الديمقراطيون استهداف مشروع قانون ترامب الضخم كرمز لسياسات نافعة للنخب وليس للأغلبية وإذا نجحوا في تحويل تلك القضية إلى انتفاضة شعبية، فقد يحصدون بعض المقاعد، ولكن ليس الأغلبية. 

ومع ذلك، وفقًا للتجارب التاريخية، فإن حزب الرئيس عادة ما يتحمل خسائر في الانتخابات النصفية وإذا ساءت الظروف الاقتصادية (ارتفاع التضخم، ركود مفاجئ) فقد ينقلب البعض ضد الجمهوريين، بما يمنح الديمقراطيين بعض المكاسب في الكونجرس لكن التراجع الحاد في شعبية الديمقراطيين يعني أن أي انتعاش انتخابي لهم سيكون محدودًا بالتالي، من المحتمل أن يواصل الجمهوريون سيطرتهم أو يوسعونها قليلًا بينما يبقى الديمقراطيون في موقع معارضة ضعيفة.

وإذا تحقق هذا السيناريو، ستبقى الرسالة الرئاسية الموالية لترامب هي المسيطرة على العملية التشريعية حتى انتخابات 2028 سيكافح الديمقراطيون لمحاولة استعادة مصداقيتهم، خاصة إن حقق خصومهم إنجازات تشريعية جديدة تصب في صالح قاعدتهم. وستكون انتخابات 2026 بمثابة استفتاء على السياسات الاقتصادية الحالية، وستكون قضايا مثل التضخم، ودخل الأسر، والرعاية الصحية محور التسويق لكل حزب. من منظور الديمقراطيين، قد يضطرون إلى إعادة تشكيل قيادتهم والبحث عن خطاب “اقتصادي شعبوي” جديد لاستعادة ثقة الناخبين الذين يتعاملون بمنطق عملي ونفعي مع الانتخابات.

وفي الختام، يشير تراجع شعبية الحزب الديمقراطي إلى أزمة إدارية واستراتيجية طويلة الأمد. فقد فشل الحزب حتى الآن في حصد الزخم الشعبي لمعارضة سياسات ترامب بفاعلية، واختبر شرخًا داخليًا أعاق إيجاد خطاب سياسي شامل لكن أمام الديمقراطيين فرصة لاستغلال أي تداعيات سلبية لسياسات ترامب (كارتفاع الأسعار الناتج عن التعريفات الجمركية أو التخفيضات الاجتماعية) في الاستحقاقات المقبلة، لكن هذا يتطلب تحركًا سريعًا على صعيد القيادة والرسالة الاقتصادية، وهو ما يبدو بعيدًا بحسب ما يظهره الديمقراطيون إلى الآن. 

أما الجمهوريون، فسيستمرون في توظيف الوضع لصالحهم، خصوصًا إذا حافظت القيادة الحالية على الأغلبية المسيطرة في الكونجرس في المشهد القادم، سيكون محور الصراع الانتخابي حول من يمكنه كسب ثقة الناخبين حيال القضايا المعيشية، وبالتالي فشل أو نجاح كل حزب في تقديم أجوبة واقعية ستحدد بشكل أساسي مسار 2026 وما بعدها.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

الكاتب : بيير يعقوب

التاريخ : 5/8/2025

-------------------------------------------------------------------------------

المصدر : فرانس24

التاريخ : 5/8/2025


المقالات الأخيرة