ما مظاهر تغيُّر موقف الرئيس الأمريكي من روسيا؟
فرع بنغازي

شهدت الفترة الأخيرة تحولاً ملحوظاً في العلاقات الأمريكية الروسية، تجلَّى في تغير موقف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من نظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ إذ تحوَّلت علاقتهما التي كانت ودية وتصالحية إلى علاقة عدائية، بعدما وصف "ترامب" "بوتين" بأنه "مجنون"، في انعكاس واضح لتصاعد التوتر بين الرئيسين. ويُعزى هذا التحول إلى استياء "ترامب" من الهجوم الجوي الروسي الأخير على أوكرانيا، الذي اعتُبر الأشد منذ اندلاع الحرب، واعتبره "ترامب" إهانةً صريحةً لجهوده في الوساطة بين الطرفَين ووقف إطلاق النار، وتأكيداً من "بوتين" على مواصلة الحرب وتدمير الأرواح الأوكرانية.

مظاهر التصعيد

تعددت المؤشرات التي تؤكد تحول "ترامب" من نهج ودي تجاه "بوتين" إلى خطاب أكثر تشدداً وانتقاداً. ويبدو أن "ترامب" شعر بأن ما يفعله "بوتين" هو تجاهل واستفزاز شخصي، واستهانة بالمفاوضات التي تُجريها واشنطن بين الجانبين لإنهاء الحرب المستمرة منذ قرابة ثلاث سنوات. ومن أبرز هذه المظاهر ما يلي:

1– تحوُّل خطاب "ترامب" الإعلامي تجاه "بوتين": تحول الرئيس الأمريكي في خطابه الإعلامي عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ فبعدما كان يمتدحه في وسائل الإعلام، فإن هذا الود والتقارب لم يَدُم طويلاً بسبب تصعيد الهجمات الروسية على أوكرانيا، التي جعلته يقرر تشديد العقوبات على روسيا من خلال قوله بأنه كان يحمي "بوتين" من عواقب وخيمة تتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن "بوتين" سيلاقي تصعيداً ضده خلال الأيام القادمة نتيجةَ استخفافه بجهود إدارة "ترامب" المبذولة في هذا الشأن.

2– وصف "ترامب" الرئيس الروسي بأنه "مجنون": قام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بتصعيد الخطاب ضد "بوتين" بشكل أكثر قسوةً. وهذا التصعيد لم يحدث منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا؛ حيث كتب على منصته "تروث سوشيال" قائلاً: "كانت لدي دائماً علاقة جيدة جداً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن شيئاً ما أصابه؛ لقد أصبح مجنوناً تماماً"، مضيفاً: "قلت دائماً إنه يريد أوكرانيا كلها وليس جزءاً منها فقط، وربما يتضح أن هذا صحيح، ولكنه إن فعل، فسوف يؤدي ذلك إلى سقوط روسيا".

وذلك التحول المفاجئ في موقف ترامب تجاه بوتين كانت له عوامل، منها قيام "بوتين" بشن هجوم جوي على أوكرانيا؛ حيث أطلقت موسكو نحو 365 طائرة بدون طيار 9 صواريخ كروز على عشرات المدن الأوكرانية، منها العاصمة كييف؛ ما أدى إلى قتل ما لا يقل عن 12 شخصاً وإصابة العشرات الآخرين، في حين اعتبر "ترامب" أن هذا الهجوم هو تحدٍّ واضح من "بوتين" للجهود الأمريكية الرامية إلى وقف إطلاق النار لإنهاء هذه الحرب.

3– تهديد "ترامب" لروسيا بفرض عقوبات قاسية: على الرغم من لعب الولايات المتحدة دور الوسيط لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن الرئيس الأمريكي لوَّح بفرض عقوبات جديدة على روسيا نتيجة ما قام به الرئيس الروسي من شن أكبر هجوم جوي روسي ضد أوكرانيا، وهذا الأمر جعله يلجأ إلى تهديد "بوتين" قائلاً: "سنلعب لعبة مختلفة". وهذا التصريح إشارة إلى أن "ترامب" يريد تغيير قواعد اللعبة التي كان يتبعها مع روسيا من أجل التفاوض لإنهاء الحرب بينها وبين أوكرانيا؛ لذلك من المتوقع أن يستجيب الرئيس الأمريكي للدعوات الداخلية والخارجية التي تريد من واشنطن اتباع نهج أكثر صرامةً تجاه روسيا، من خلال فرض الكثير من العقوبات الاقتصادية التي قد تشمل فرض الرسوم الجمركية الإضافية على كل النفط القادم منها.

4– اتباع الولايات المتحدة نهجاً متشدداً تجاه روسيا: من المظاهر التي تؤكد تغيُّر موقف الرئيس الأمريكي من روسيا، أنه منذ توليه ولايته الثانية كان يسعى إلى التقارب مع "بوتين" وروسيا، إلا أنه تغير في الفترة الأخيرة؛ وذلك نتيجة ممارسة ضغوط داخلية عليه من أعضاء الكونجرس الأمريكي من الجمهوريين والديمقراطيين المحافظين الذين طالبوه باتباع نهج متشدد مع روسيا؛ نظراً إلى استمرارها في الحرب، ورفضها التفاوض من أجل إنهاء هذه الحرب، بجانب أنهم طالبوه أيضاً بفرض رسوم جمركية بنسبة كبيرة على الدول التي تشتري النفط الروسي؛ من أجل تضييق الخناق على روسيا.

ومن أعضاء الكونجرس الذين طالبوا بذلك، السيناتور ليندسي جراهام الذي قدَّم مشروع قانون يفرض رسوماً جمركية بنسبة 500% على الواردات من الدول التي تواصل شراء النفط أو الغاز الطبيعي أو اليورانيوم من روسيا، والذي سبق أيضاً أن قدَّم لترامب فكرة فرض عقوبات جديدة على القطاع المصرفي الروسي.

5– محاولة واشنطن تعزيز صادراتها من الطاقة إلى أوروبا: أراد الرئيس الأمريكي إلحاق الضرر بروسيا وتكبيدها الكثير من الخسائر؛ وذلك من خلال تمديده المهلة التي أعطاها للاتحاد الأوروبي بشأن التفاوض معه للوصول إلى اتفاق تجاري مناسب بين الطرفين؛ فقد استهدف من هذه الخطوة تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي؛ من أجل تعزيز صادرات الولايات المتحدة إلى أوروبا من الطاقة، ومنها النفط والغاز الطبيعي المسال، في ظل رغبته في أن يُقلِّل الاتحاد الأوروبي، وخاصةً ألمانيا، من الاعتماد على الغاز الروسي، حتى يتضرر الاقتصاد الروسي.

6– إصدار "ترامب" قرارات متعلقة بالطاقة النووية: من المظاهر التي تدل على أن الرئيس الأمريكي بدأ يهاجم روسيا، توقيعه على أربعة أوامر تنفيذية من شأنها تعزيز إنتاج الطاقة النووية في الولايات المتحدة؛ وذلك لإحداث نهضة نووية أمريكية في مجال الطاقة بشكلٍ عام، وفي الطاقة النووية بشكلٍ خاص؛ حيث استهدف من ذلك تعزيز مكانة الولايات المتحدة عالمياً في مجال الطاقة النووية، والدخول في منافسة مباشرة مع روسيا التي تهيمن على هذا المجال في العالم؛ وذلك من أجل كسر النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة.

7– تنسيق "ترامب" جهوده مع حلفاء أوكرانيا الغربيين: عقب قيام الرئيس الروسي بشن أكبر هجوم جوي ضد كييف، وهو الهجوم الذي راح ضحيته الكثير من المدنيين الأوكرانيين؛ بدأت العديد من الدول الحليفة لأوكرانيا تكثف جهودها مع "ترامب" من أجل إعطاء أوكرانيا الضوء الأخضر في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية، ومن هذه الدول ألمانيا التي رفعت القيود المفروضة على إطلاق كييف صواريخ بعيدة المدى على موسكو لأول مرة منذ بدء الحرب؛ لذلك أكد المستشار الألماني "فريدريش ميرتس" أن القيود المفروضة على نوعية الأسلحة المقدمة لم تَعُد قائمة، وقال: "لا توجد قيود من قِبل البريطانيين، ولا الفرنسيين، ولا نحن، ولا حتى من الأمريكيين".

8– استمرار تقديم الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا: تستمر واشنطن في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا حتى تظل ثابتة على موقفها، ولكي تحمي سيادة أراضيها. ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة الدعم العسكري المقدَّم إلى أوكرانيا من صواريخ وأسلحة متطورة ودبابات؛ وذلك من أجل إضعاف روسيا؛ حتى تضطر في نهاية المطاف إلى التفاوض مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. وذلك يتماشى مع التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي خلال الفترة الأخيرة، من أنه سيفرض عقوبات وخيمة وقاسية على روسيا؛ فقد تكون من ضمن هذه العقوبات زيادة الدعم العسكري لكييف.

فرضيات محتملة

 

هناك ثلاثة فرضيات متوقعة الحدوث عقب شن الرئيس الأمريكي هجوماً على الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وتهديده بفرض الكثير من العقوبات على روسيا، وهي سيناريوهات متعلقة بطبيعة الحال بمستقبل الحرب الروسية الأوكرانية، ويمكن توضيحها فيما يلي:

1– تحسُّن العلاقات بين "ترامب" و"بوتين": في هذهالفرضية، من المتوقع أن يؤدي تحسين العلاقات بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي إلى تهدئة الوضع بين روسيا وأوكرانيا، والتوصل إلى صفقة سريعة الأجل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؛ وذلك من خلال تقديم الطرفَين تنازلات برعاية الولايات المتحدة. وهذه التنازلات تتضمن ممارسة واشنطن مزيداً من الضغوط على كييف للتنازل عن بعض الأراضي الأوكرانية لروسيا، بجانب قيام الولايات المتحدة بوقف دعمها العسكري لأوكرانيا، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا مقابل وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

2– توتر العلاقات بين الرئيسين الأمريكي والروسي: في هذه الفرضية، من المحتمل أن يستمر توتر العلاقات بين الرئيسين الأمريكي والروسي؛ فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد الخلافات بينهما، وهو ما يعود بالسلب على الحرب الروسية الأوكرانية، ويطيل أمدها؛ وذلك من خلال قيام الولايات المتحدة بزيادة الدعم العسكري الذي تقدمه لأوكرانيا، مع فرضها عقوبات قاسية على روسيا.

3– إجراء مفاوضات ثلاثية بين كييف وموسكو وواشنطن: في هذه الفرضية، من المرجح أن يستخدم "ترامب" قدرته التفاوضية لإظهار صورته على أنه صانع للسلام؛ حيث قد يدفع نحو إجراء مفاوضات ثلاثية تجمعه مع نظيريه الروسي والأوكراني؛ ما قد ينتهي إلى عقد صفقة بين الأطراف الثلاثة، من خلال التركيز على وقف إطلاق النار بين الطرفين، مع وجود ضمانات. وهذه الضمانات من المحتمل أن تتضمن التزام أوكرانيا بعدم الانضمام إلى الناتو، وانسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها، بجانب عقد اتفاق طويل الأجل على إعادة الإعمار في أوكرانيا.

تبرير موقف

وختاماً، يمكن القول إن الأهداف التي دفعت الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى تغيير موقفه من روسيا واتباع نهج أشد عدوانيةً، تتمحور حول رغبته في كسب شعبية الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي، الذين انتقدوا سياساته المتبعة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وانتقدوا كذلك إعجابه الشديد بشخصية "بوتين"؛ حيث سيحاول بذلك تبرير موقفه بسياقات تكتيكية تستهدف إقناع الرئيس الروسي بخوض مفاوضات جادة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، سواء عبر العلاقات الودية، أو عبر الضغوط الاقتصادية والسياسية.



المراجع:

ب، ن, 3 .6 .2025، ما مظاهر تغيُّر موقف الرئيس الأمريكي من روسيا؟،انترريجونال.

ب، ن ،2.3.2025، روسيا تشيد بالتحول في سياسة ترامب الخارجية، الجزيرة.

المقالات الأخيرة