تحولات سوق الغاز العالمي 2025
فرع القاهرة

أطلقت وكالة الطاقة الدولية IEA  في يوليو الماضي تقرير” سوق الغاز للربع الثالث من عام 2025“ والذي يقدم توقعات قصيرة الأجل لإمدادات الغاز الطبيعي والطلب عليه وتجارته، وغيرها، في عامي 2025 و2026. ويخلص التقرير إلى أنه بعد التوسع القوي في عام 2024، ارتفع الطلب العالمي على الغاز بمعدل أبطأ بكثير في النصف الأول من عام 2025 وتركز النمو بشكل رئيسي في أوروبا وأمريكا الشمالية في المقابل، كان الطلب على الغاز ضعيفًا في آسيا؛ حيث سجلت كل من الصين والهند انخفاضًا في الطلب في النصف الأول من عام 2025 وكان للتوترات الجيوسياسية أثرًا واضحًا في نقص الإمدادات وتقلب الأسعار. نستعرض فيما يلي أهم ما جاء في التقرير وأهمية منطقة الشرق الأوسط في ضمان أمن الطاقة العالمي.

أولًا: تباطؤ نمو الطلب العالمي على الغاز في 2025

رغم النمو القوي في 2024، شهد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي تباطؤًا ملحوظًا في النصف الأول من 2025؛ حيث ارتفع بنسبة لا تتجاوز 1% على أساس سنوي في الأسواق التي يغطيها التقرير مقارنةً بنسبة نمو بلغت 2.8% في 2024، النمو كان مركزًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، في حين انخفض في الصين والهند، بالمقارنة بالفترة نفسها خلال 2024.

أطلقت وكالة الطاقة الدولية IEA  في يوليو الماضي تقرير” سوق الغاز للربع الثالث من عام 2025“ والذي يقدم توقعات قصيرة الأجل لإمدادات الغاز الطبيعي والطلب عليه وتجارته، وغيرها، في عامي 2025 و2026. ويخلص التقرير إلى أنه بعد التوسع القوي في عام 2024، ارتفع الطلب العالمي على الغاز بمعدل أبطأ بكثير في النصف الأول من عام 2025. وتركز النمو بشكل رئيسي في أوروبا وأمريكا الشمالية. في المقابل، كان الطلب على الغاز ضعيفًا في آسيا؛ حيث سجلت كل من الصين والهند انخفاضًا في الطلب في النصف الأول من عام 2025. وكان للتوترات الجيوسياسية أثرًا واضحًا في نقص الإمدادات وتقلب الأسعار. نستعرض فيما يلي أهم ما جاء في التقرير وأهمية منطقة الشرق الأوسط في ضمان أمن الطاقة العالمي. 

وترجع الأسباب الرئيسية لهذا التباطؤ نتيجةً لانخفاض صادرات الغاز الروسي عبر الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي، وتباطؤ نمو إنتاج الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل. ومن المتوقع أن يستمر تباطؤ الطلب العالمي على الغاز على مدار العام بأكمله من 2.8% في عام 2024 إلى حوالي 1.3% بنهاية عام 2025. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة أقل من 1% -وهو أضعف معدل نمو سنوي له منذ عام 2022.

السبب وراء نقص المعروض من الغاز وارتفاع الأسعار: شهد المعروض العالمي للغاز الطبيعي المسال ارتفاعًا بنسبة 4%؛ أي ما يعادل 12 مليار متر مكعب، خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وجاءت غالبية هذه الزيادة مدفوعة ببدء تشغيل منشأة بلاكماينز للغاز الطبيعي المسال في ولاية لويزيانا أواخر عام 2024، والتي أسهمت وحدها بما يقارب ثلثي الزيادة الإجمالية في إمدادات الغاز الطبيعي المسال عالميًا خلال تلك الفترة. في المقابل، تراجعت صادرات الغاز الروسي عبر الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 45%، أو بنحو 6.5 مليار متر مكعب، نتيجة توقف تدفقات الغاز عبر أوكرانيا منذ مطلع عام 2025. كما انخفضت الإمدادات النرويجية عبر الأنابيب إلى باقي أوروبا بنسبة 4.5% (ما يعادل 3 مليارات متر مكعب)، بسبب تكثيف أعمال الصيانة.

أدى ازدياد الحاجة إلى إعادة تعبئة مخزون الغاز في أوروبا إلى مزيد من الضغط على ميزان الغاز العالمي. فقد أنهى الاتحاد الأوروبي موسم التدفئة 2024/2025 بمستويات تخزين أقل بنسبة 42%، أي بنحو 25 مليار متر مكعب، مقارنةً بالعام السابق. وفي الربع الثاني من عام 2025، قفزت وتيرة ضخّ الغاز إلى المخازن في الاتحاد الأوروبي بنسبة 36% على أساس سنوي؛ مما يعادل قرابة 7 مليارات متر مكعب. كما ارتفعت صادرات الغاز عبر الأنابيب إلى أوكرانيا بأكثر من 12 ضعفًا، مدفوعةً أساسًا بالحاجة إلى دعم عمليات إعادة تعبئة المخزون. وسجلت واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال نموًا بنسبة 25%؛ أي ما يعادل نحو 20 مليار متر مكعب على أساس سنوي، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 92 مليار متر مكعب خلال النصف الأول من عام 2025.

سلّط الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025 الضوء على الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في ضمان أمن إمدادات الطاقة على الصعيد العالمي؛ إذ أدى هذا التوتر الجيوسياسي إلى تقلبات حادة في أسواق السلع الأساسية، لا سيما في قطاع الغاز الطبيعي المسال. ففي أوروبا، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال (TTF الشهرية) بنسبة 18%، لتبلغ 14 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية بين 10 و19 يونيو، وهو أعلى مستوى منذ فبراير 2025. وفي آسيا، وخلال الفترة نفسها شهد مؤشر بلاتس JKMارتفاعًا بنسبة 16% ليصل إلى 14.8 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى سعر خلال أربعة أشهر. وبعد إعلان وقف إطلاق النار في 24 يونيو انخفضت الأسعار مرة أخرى بنسبة تجاوزت 20%. بالإضافة إلى التخوف من إغلاق مضيق هرمز حلال الفترة من 13-25 يونيو، والذي له تأثير كارثي على الأسواق، خاصة في آسيا؛ حيث تعتمد بعض الدول (مثل باكستان وبنغلاديش) على الغاز القادم من قطر والإمارات بنسبة تتجاوز 25%.

ثانيًا: توقعات 2026: النمو المرتقب

من المتوقع أن يشهد عام 2026 تسجيل رقم قياسي جديد في استهلاك الغاز الطبيعي العالمي، مدفوعًا بتحسّن ظروف العرض وتراجع الأسعار؛ مما يعزز النمو في الأسواق الحساسة للسعر. وتشير التقديرات إلى أن نمو الطلب سيصل إلى نحو 2% مقارنة بعام 2025، وهو تسارع ملحوظ يعكس استجابة الأسواق لتحسّن الإمدادات وعودة الاستقرار النسبي. وبحسب التقرير فإن القطاعات التي ستدعم زيادة النمو على الطلب عالميًا هي: 

القطاع الصناعي وقطاع الطاقة: تمثلان نصف الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي.

توليد الكهرباء بالغاز: من المتوقع أن يُمثل 30% من نمو الطلب العالمي، نتيجة تراجع الاعتماد على الفحم وتحسين التنافسية السعرية للغاز.

- القطاع السكني والتجاري: نمو متواضع بحدود +1%.

ووفقًا للتقديرات فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز في آسيا بأكثر من 4% في عام 2026، وهو ما يمثل حوالي نصف نمو الطلب العالمي على الغاز. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تزيد واردات الغاز الطبيعي المسال في المنطقة بنسبة 10% في عام 2026 بعد الانخفاض المتوقع في عام 2025. كما تشير التوقعات أيضًا أن ينخفض الطلب على الغاز في أوروبا بنسبة 2%، وسط إنتاج أقوى من مصادر الطاقة المتجددة، وتوجهها نحو تحول الطاقة.

ورغم هذه التوقعات الإيجابية، تحذر وكالة الطاقة الدولية من أن هذه السيناريوهات تخضع لدرجة عالية من عدم اليقين، خاصةً في ظل استمرار التقلبات الجيوسياسية (مثل التوترات في الشرق الأوسط)، وتقلبات الاقتصاد الكلي وأسعار الطاقة عالميًا. 

ثالثًا: أهمية منطقة الشرق الأوسط في ضمان أمن الطاقة العالمي 

يُعد الشرق الأوسط محورًا أساسيًا في أمن الطاقة العالمي؛ نظرًا لدوره المحوري في إنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي والأسمدة. وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، تمثل المنطقة نحو 30% من الإنتاج العالمي للنفط، و18% من إنتاج الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى حوالي 25% من صادرات الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وثلث صادرات اليوريا العالمية. هذا الاعتماد العالمي يجعل استقرار المنطقة بالغ الأهمية؛ فحدوث أي اضطراب سياسي أو أمني من شأنه أن يُحدث تقلبات حادة في أسعار الطاقة والأسمدة، ويهدد سلاسل الإمداد العالمية. وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الأزمة بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز واليوريا بنسبة تراوحت بين 16% و30% خلال أيام قليلة فقط ويوضح الشكل التالي تقلبات الأسعار خلال الفترة يناير 2024 وحتي يونيو 2025.

ومن الناحية الجغرافية، يشكل مضيق هرمز الموقع الأكثر حساسية في منظومة الإمدادات العالمية؛ إذ يعبر من خلاله نحو 20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال LNG في العالم. تُعد صادرات قطر والإمارات من الغاز الطبيعي المسال معتمدة كليًا على هذا الممر، باستثناء الإمدادات إلى الكويت في النصف الأول من عام 2025، اتجه 85% من صادرات الغاز المسال عبر مضيق هرمز إلى الأسواق الآسيوية، خصوصًا الصين والهند، واللتين استحوذتا معًا على نحو 45% من تلك الصادرات. كما تمثل هذه الإمدادات 28% من واردات الغاز الآسيوية وقرابة 10% من واردات أوروبا خلال الفترة نفسها البلدان الأكثر عرضة للمخاطر في حال تعطل المضيق تشمل باكستان، بنغلاديش، تايوان، والهند؛ حيث يلبي الغاز الطبيعي المسال LNG من قطر والإمارات أكثر من ربع احتياجاتها الغازية، فيما يُستخدم الغاز لتوليد 45% من الكهرباء في بنغلاديش، و43% في تايوان، و24% في باكستان أي تعطّل محتمل في هذا المضيق من شأنه أن يؤدي إلى نقص ما يزيد على 330 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز المسال، وهو ما يعادل كامل صادرات النرويج من الغاز إلى أوروبا؛ مما سيؤدي إلى قفزات سعرية عالمية واضطرابات واسعة النطاق.

رابعًا: تأثير التوترات الجيوسياسية على إمدادات الغاز في مصر والأردن 

استعرض التقرير حالتي مصر والأردن كنموذجين واضحين لتأثير اضطرابات إمدادات الغاز على أمن الطاقة الإقليمي، وذلك في ظل اعتماد البلدين المتزايد على واردات الغاز الإسرائيلي، وتراجع الإنتاج المحلي في مصر. فمنذ عام 2020، أصبحت إسرائيل موردًا إقليميًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب إلى كل من مصر والأردن.

كما يظهر التقرير من خلال حالتي مصر والأردن التأثير المباشر الذي حدث نتيجة الصراع على قطاعات الصناعة وإنتاج الكهرباء وغيرها، وكيف أن أي اضطراب في شرق المتوسط يؤثر بشكل فوري على أمن الطاقة والغذاء في دول تعتمد على واردات الغاز بشكل أساسي؛ مما يعزز الحاجة لتنويع مصادر الإمداد وتعزيز البنية التحتية للطاقة.

مصر: من مصدّر إلى مستورد للغاز الطبيعي المسال: شهدت مصر تحولًا جوهريًا في ميزان الطاقة لديها خلال السنوات الأخيرة. فبعد أن كانت دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال (LNG)، تحوّلت إلى مستورد في عام 2024، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي الذي بلغ حوالي 57 مليار متر مكعب خلال 2024، خاصة من حقل ظُهر البحري الذي تراجعت إنتاجيته، وانخفض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بنسبة 30 % بين عامي 2021 و2024؛ أي ما يعادل 21 مليار متر مكعب. هذا التراجع تفاقم في الأشهر الأربعة الأولى من 2025؛ حيث انخفض الإنتاج بنسبة إضافية بلغت 20 % على أساس سنوي. مقابل ذلك، ظل الطلب الداخلي مستقرًا نسبيًا عند حوالي 60 مليار متر مكعب سنويًا، يُستخدم نحو 75 % منه في قطاع الكهرباء.

الأردن: اعتماد شبه كامل على الغاز الإسرائيلييُعد الأردن سوقًا صغيرةً نسبيًا للغاز الطبيعي؛ حيث يبلغ استهلاكه السنوي حوالي 4 مليارات متر مكعب، يُستخدم أغلبه في توليد الكهرباء والصناعة. منذ عام 2020، أصبح يعتمد بشكل شبه كامل (95%) على الغاز الإسرائيلي عبر خطي أنابيب “EMG” و”العربي” حتى عام 2024، كان لدى الأردن وحدة عائمة للتخزين وإعادة التغويز (FSRU)، توفر حوالي 1.1 مليار متر مكعب سنويًا، لكنها أُزيلت في يونيو 2025 بعد انتهاء عقد الإيجار؛ مما جعله يعتمد كليًا على الواردات عبر الأنابيب.

تطور استهلاك الغاز الطبيعي في إسرائيل وصادراته عبر الأنابيب إلى مصر والأردن بين عامي 2018 و2024، ويعكس التحول التدريجي لإسرائيل إلى مورد إقليمي رئيسي للغاز خلال هذه الفترة حافظ الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل على مسار تصاعدي معتدل؛ حيث ارتفع من حوالي 11 مليار متر مكعب في 2018 إلى 15 مليار متر مكعب في 2024.

لكن اللافت هو الزيادة الكبيرة في صادرات الغاز عبر الأنابيب منذ عام 2020؛ حيث ارتفعت الصادرات إلى مصر من أقل من مليار متر مكعب إلى ما يقارب 7.5 مليار متر مكعب في 2024، في حين نمت الصادرات إلى الأردن من مستويات هامشية إلى نحو 3.2 مليار متر مكعب خلال الفترة نفسها.

أخيرًا: التغييرات المستمرة في أسواق الطاقة العالمية والتأثير المباشر لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في مناطق متعددة من العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط، تعيد التفكير في سياسات واستراتيجيات تنوع مزيج الطاقة وتحقيق التوازن بين الطلب المحلي والتصدير، واستغلال الفرص للتحول للطاقة المتجددة وفرص إنتاج الهيدروجين الأخضر لتعزيز توجهاتها نحو التنمية المستدامة.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

الكاتب : أمل إسماعيل

التاريخ : 17/8/2025

--------------------------------------------------------------------------

المصدر: EcoGen Arabia

التاريخ : 26/7/2025

المقالات الأخيرة