الهجرة غير الشرعية في ليبيا
فرع القاهرة

الهجرة غير الشرعية هي الخطر الداهم والمرض الوبيل الذي يهدد مستقبل ليبيا إذا لم يعالج استباقياً قبل استفحاله، لقد تناولها المرحوم محمود جبريل في تقريره عن ليبيا عام 2030 حيث قال إن سكان دول جنوب الصحراء سيتزايد عددهم حتى يتجاوز خمسمائة مليون وكذلك مصر فإن سكانها سيتجاوز عددهم مائة وثلاثين مليون نسمة فلا يجدون فضاءً يتوسعون فيه إلا ليبيا الدولة الغنية قليلة السكان والمساحات الشاسعة، مما يؤكد ضرورة بناء جيش قوي بأحدث التقنيات لحماية حدود البلاد وإلا ستكون ميداناً لصراعات لا تنتهي. خاصة بعد تلميحات من عدة دول بإقامة مشاريع لهم في ليبيا لهجرتهم إليها بدلاً من أوروبا. رغم أن الهجرة ظاهرة إنسانية قديمة ارتبطت بتاريخ البشرية، حيث يسعى الإنسان دوماً إلى الانتقال من مكان إلى آخر طلباً للأمن أو الرزق أو حياة أفضل. غير أن ما يُعرف اليوم بـ “الهجرة غير الشرعية” قد اكتسب أبعاداً خطيرة، بعدما تحولت إلى نشاط واسع النطاق تديره شبكات تهريب منظمة، وتتداخل فيه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية والإنسانية.

وليبيا، بحكم موقعها الجغرافي الممتد على ساحل يزيد عن 1900 كيلومتر يطل على البحر المتوسط وحدودها البرية الشاسعة مع ست دول إفريقية، أصبحت إحدى أهم محطات العبور الرئيسية للهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى أوروبا. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، ومع تزايد الاضطرابات في إفريقيا جنوب الصحراء، تحولت ليبيا إلى مقصد وعبور في آنٍ واحد لعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، حتى صارت الظاهرة تشكّل تهديداً للدولة الليبية ذاتها، وللأمن الإقليمي في منطقة المتوسط، وللسلم الاجتماعي داخل ليبيا.

إن خطورة الظاهرة تتجاوز بعدها القانوني لتشمل آثاراً إنسانية جسيمة، من استغلال وابتزاز وتعذيب وغرق في عرض البحر، إضافة إلى انعكاسات اقتصادية وأمنية تهدد استقرار ليبيا ومستقبلها. ومن هنا تبرز أهمية دراسة الظاهرة من مختلف جوانبها، والبحث عن حلول عملية تراعي خصوصية ليبيا، وتوازن بين متطلبات الأمن الوطني، والالتزامات الدولية، والاعتبارات الإنسانية.

أبعاد الهجرة غير الشرعية 

يقصد بالهجرة غير الشرعية أو غير النظامية انتقال الأفراد عبر الحدود الدولية دون إذن رسمي أو وثائق قانونية، سواء للدخول أو للإقامة أو للعمل وهي بذلك تخالف القوانين الوطنية المنظمة لدخول وإقامة الأجانب وتُعرفها المنظمة الدولية للهجرة بأنها: “حركة أشخاص تتم خارج الأطر التنظيمية والقانونية المعترف بها للدولة”.

ونظراً لقربها من السواحل الإيطالية (أقل من 350 كم)، تحولت ليبيا إلى ممر أساسي للمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء مثل النيجر ومالي وتشاد والسودان ونيجيريا.

فبعض المهاجرين يستقرون في ليبيا نفسها بحثاً عن فرص عمل، خصوصاً في مجالات البناء والزراعة والخدمات، رغم الظروف الأمنية والاقتصادية الهشةلهذا يوجد عدة أسباب للهجرة غير الشرعية عبر ليبيا منها:

1. الأسباب الاقتصاديةالفقر المدقع في دول المصدر، وغياب فرص العمل.

الفوارق التنموية بين أوروبا الغنية وإفريقيا الفقيرة واعتقاد المهاجرين أن العبور إلى أوروبا سيؤمن لهم دخلاً أفضل وحياة كريمة.

2. الأسباب السياسية والأمنيةالنزاعات المسلحة في دول مثل السودان وتشاد ومالي.

القمع السياسي وغياب الحريات في بعض الأنظمة الإفريقية.

انعدام الأمن الداخلي وما يترتب عنه من موجات نزوح.

3. الأسباب الاجتماعية والديموغرافيةالنمو السكاني الكبير في إفريقيا، مع عجز الحكومات عن توفير التعليم والتوظيف.

الرغبة في الالتحاق بأقارب سبق لهم الهجرة.

ضغط التقاليد الاجتماعية التي تربط نجاح الفرد بالهجرة.

4. العوامل الخاصة بليبياالموقع الجغرافي المميز كنقطة انطلاق نحو أوروبا.

ضعف الرقابة الحدودية نتيجة الانقسام السياسي والحروب الأهلية.

تفشي الفساد داخل بعض الأجهزة المسؤولة عن ضبط الحدود.

خطورة الهجرة غير الشرعية 

1. الخطورة الأمنيةانتشار السلاح والميليشيات جعل شبكات التهريب أكثر قوة وتنظيماً.

إمكانية تسلل إرهابيين أو مجرمين عبر قوافل المهاجرين.

إثقال الأجهزة الأمنية بمهام إضافية في ظل ضعف الإمكانات.

2. الخطورة الاقتصادية : استنزاف الموارد العامة في إعالة أعداد كبيرة من المهاجرين.

منافسة العمالة غير النظامية للعمالة الوطنية.

استخدام المهاجرين في أنشطة غير مشروعة مثل التهريب والاقتصاد الموازي.

3. الخطورة الاجتماعيةتزايد معدلات الجريمة نتيجة ظروف الفقر واليأس.

انتشار بعض الأمراض نتيجة غياب الرقابة الصحية على المهاجرين.

احتكاك سلبي بين المهاجرين والمجتمعات المحلية بسبب اختلاف العادات والثقافات.

4. الخطورة الإنسانيةغرق آلاف المهاجرين في البحر المتوسط سنوياً.

تعرض المهاجرين للاستغلال من قبل المهربين، بما يشمل التعذيب والابتزاز والاتجار بالبشر.

ظروف الاحتجاز السيئة في مراكز الإيواء داخل ليبيا، ما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.

الإطار القانوني والتشريعي

القانون رقم 19 لسنة 2010 م بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية: وقد نصت المادة 2 منه على:

((يعتبر من أعمال الهجرة غير المشروعة ما يلي: أ- إدخال المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد أو إخراجهم منها بأية وسيلة. ب- نقل وتسهيل نقل المهاجرين غير الشرعيين داخل البلاد مع العلم بعدم شرعية وجودهم بها ت- إيواء المهاجرين غير الشرعيين أو إخراجهم أو إخفائهم بأية طريقة عن تتبع الجهات المختصة أو إخفاء معلومات عنهم لتمكينهم من الإقامة في البلاد أو الخروج منها ث- إعداد وثائق السفر أو هوية مزورة للمهاجرين، أو توفيرها، أو حيازتها لهم. ج- تنظيم أو مساعدة أو توجيه أشخاص آخرين للقيام بأي فعل من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات السابقة)).

وقد وضع القانون عقوبات شديدة بين الغرامة التي لا تقل عن ألف دينار إلى السجن المؤبد، وقد نصت المادة 9 منه على عدم إعمال قواعد الارتباط. إلا أن القانون يحتاج إلى المزيد من الدراسة والتعديل، مثال أن يعاقب على الشروع والأعمال التحضيرية بعقوبة الجريمة الكاملة لأنه كثيراً ما يختلط مفهوم الأعمال التحضيرية والشروع والجريمة الكاملة، لأنه في الغالب يتم تجميع المهاجرين في أماكن مختلفة ونقلهم وابتزازهم كذلك وضعهم في قارب وهم في الغالب من الشعوب الصحراوية التي لا تعرف البحر ثم يُكلّف أحدهم بقيادة القارب إلى المجهول. فهناك صور كثيرة تحتاج إلى تضمينها للتجريم. كذلك فإن أغلبهم يتلفون وثائقهم ويكونون أشخاصاً مجهولين، فإنه يجب إصدار وثائق مؤقتة تتضمن صورهم والأسماء التي يقرون بها وبصماتهم والجنسية التي يقرون بها وتحليل الـ DNA حتى يكون التعامل مع بشر في الإجراءات اللاحقة.

القانون رقم 6 لسنة 1987 م بشأن تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا وخروجهم منها ولائحته التنفيذية وتعديلاتهما، وهو ينظم قانون دخول وإقامة الأجانب إجراءات الدخول والخروج والإقامة. يعاقب القانون الليبي على دخول البلاد بطرق غير مشروعة وعلى تشغيل المهاجرين دون إذن. بعد 2011 ضعفت قدرة الدولة على تطبيق هذه القوانين، ما جعلها حبراً على ورق في كثير من المناطق.

الاتفاقيات الدولية: أهمها الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (لم تصادق عليها ليبيا). الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم هي معاهدة متعددة الأطراف هدفها حماية العمال المهاجرين وأسرهم، اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1990 ودخلت حيز النفاذ في 1 يوليو 2003. وهي اتفاقية هامة لأنها تراعي البعد الإنساني لما يتعرض له المهاجرون غير الشرعيين من ابتزاز وتعذيب وقتل بحمايتهم وتقدير الظروف التي اضطرتهم للهجرة، فلو كانت بلادهم بلاداً مستقرة ما هاجروا. والأمر العجيب أن الدول الأوروبية تحترم إنسانية المهاجر وقد شاهدت ذلك بنفسي عندما زرت مدينة لندن حيث يوجد تجميع لهم في مقرين أحدهما في شمال لندن والآخر في جنوبها يوفرون لهم كل احتياجاتهم إلى أن تنظر الدولة في أمرهم. أما عندنا فإنهم يعاملون معاملة سيئة سواء بالابتزاز أو العنف أو الاغتصاب دون النظر إلى إنسانيتهم ودون حمايتهم من الدولة وهذا ما شهدت به المنظمات الدولية. وهو ما يوجب علينا التركيز على التعاون الإقليمي والدولي مثل شراكات مع الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا للحد من الهجرة عبر المتوسط، وتوقيع اتفاقيات ثنائية مع بعض دول الجوار لضبط الحدود، لأن ليبيا تتعرض لانتقادات دولية بسبب أوضاع حقوق الإنسان للمهاجرين.

خاتمة إن الهجرة غير الشرعية في ليبيا ليست مجرد قضية محلية، بل هي ظاهرة معقدة متعددة الأبعاد ترتبط بالعوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية في إفريقيا وأوروبا على السواء. وقد أثبتت التجربة أن المعالجات الأمنية وحدها غير كافية، بل قد تزيد من معاناة المهاجرين وتغذي شبكات التهريب فلابد من وجود مقترحات لمعالجة هذة الظاهرة في ليبيا مثل:

بناء دولة قوية قادرة على فرض سيادة القانون وضبط الحدود.

إصلاح المنظومة التشريعية لتتلاءم مع المعايير الدولية، مع الجمع بين الردع الجنائي وحماية حقوق الإنسان.

تنظيم العمالة الأجنبية عبر استحداث آلية تمنح تصاريح مؤقتة للعمال المهاجرين بما يحد من السوق السوداء.

تحسين ظروف مراكز الإيواء وإخضاعها للرقابة الإنسانية.

مكافحة الفساد داخل الأجهزة المكلفة بضبط الحدود.

الحل الحقيقي يكمن في تبني مقاربة شاملة تجمع بين:

تعزيز مؤسسات الدولة وسيادة القانون.

إصلاح التشريعات الوطنية بما يوازن بين الردع والحماية.

التعاون الإقليمي والدولي وفق مبدأ تقاسم المسؤولية.

معالجة الأسباب الجذرية في دول المصدر عبر التنمية الاقتصادية والسياسية.

فليبيا، بموقعها الجغرافي الفريد، ستظل جزءاً من معادلة الهجرة في حوض المتوسط. لكن إدارتها الحكيمة للظاهرة قد يحوّلها من ساحة عبور ومعاناة، إلى شريك فاعل في بناء حلول واقعية تحمي المهاجرين من جهة، وتحافظ على الأمن الوطني والدولي من جهة أخرى.

 

المصدر: المجمع القانوني الليبي

الكاتب : المستشار جمعة عبدالله

التاريخ : 26/8/2025

-----------------------------------------------------------------------

المصدر: المركز الديمقراطي العربي

الكاتب : وليد عبد العال

التاريخ : 21/9/2024


المقالات الأخيرة