آمال وأبعاد تنفيذ خطة ترامب
فرع القاهرة

رغم التفاؤل الحذر الذي يسود الأوساط الإقليمية والدولية مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية على اتفاق المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب على غزة، لا تزال هناك عقبات كثيرة يتعيّن على أطراف التفاوض تجاوزها للوصول إلى المرحلة التالية والهدف النهائي المتمثل في إنهاء الحرب.

فإن اتفاق ترامب الذي أُبرم على عجل ووقِّع في مصر يترك مجموعة من القضايا دون حل، وهو ما يمكن أن يُعيق تنفيذ المرحلة الأولى.

ورغم إشادتهم بترامب لدوره في ما اعتبروه أكثر انفراجة واعدة حتى الآن لإنهاء الحرب، يقول خبراء إن التحدي الفوري يتمثل في تسوية التفاصيل العملية لما تم الاتفاق عليه على الورق، وهي وقف إطلاق النار، ومبادلة الرهائن الإسرائيليين بسجناء فلسطينيين، والانسحاب الإسرائيلي الجزئي من داخل القطاع المدمَّر.

وبعد ذلك، يجب على المفاوضين تناول الأجزاء الأخرى من خطة ترامب المكوَّنة من 20 نقطة، والتي لا يزال الطرفان على خلاف شديد بشأنها، بما في ذلك نزع سلاح حماس، وهو ما ترفضه الحركة، وإنهاء الصراع رسمياً، وحكم غزة بعد الحرب.

ولم يتم مناقشة أي من هذه الأمور خلال المفاوضات غير المباشرة التي عُقدت على مدى ثلاثة أيام في مدينة شرم الشيخ المصرية، على أن يتم التفاوض بشأنها في المراحل التالية.

هناك عدد هائل من النقاط الشائكة المحتملة التي ستُحدد حقاً ما إذا كان وقف إطلاق النار هذا سيصبح بداية السلام أم مجرد منعطف آخر في دورة العنف.

أن منع اتفاق وقف إطلاق النار من الانهيار، كما حدث في عهد ترامب وسلفه الديمقراطي جو بايدن، سيتطلب جهداً مستمراً ومفصلاً من الرئيس وفريقه للأمن القومي.

لكن ذلك لن يكون سهلاً مع تجريد فريق السياسة الخارجية لترامب من بعض أعضائه المحنّكين بسبب خفض عدد الوظائف، وإغلاق الحكومة الاتحادية الآن.

كما يواجه نتنياهو، مخاطر كبيرة في الداخل، بما في ذلك احتمال أن ينسحب بعض أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم من الحكومة بسبب التنازلات التي وافق عليها.

وبدا ترامب مستعداً للتوجه إلى إسرائيل مطلع هذا الأسبوع، بالتزامن مع عودة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم. ودعا نتنياهو الرئيس الأمريكي لإلقاء كلمة أمام الكنيست.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التفاصيل في المرحلة الأولى من خطة ترامب تحوم حولها تساؤلات، مثل القوائم النهائية للسجناء الفلسطينيين ما ستُفرج عنهم إسرائيل مقابل إطلاق سراح 20 رهينة على قيد الحياة و28 يُعتقد أنهم قُتلوا.

وفيما يلي أكبر العقبات التي تواجه خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة، سواء ما يتعلق منها بتفاصيل المرحلة الأولى من الاتفاق الذي تم التوقيع عليه، أو المراحل التالية من الخطة:

أولاً: الإفراج عن السجناء الفلسطينيين

وفقاً لما تم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن إسرائيل ستُفرج عن 2000 أسير فلسطيني، من بينهم حوالي 1700 من سكان غزة الذين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى نحو 250 فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد.

وقالت حماس إنها سلّمت قوائم بأسماء المعتقلين الفلسطينيين المطلوب الإفراج عنهم.

وتتضمن قائمة المعتقلين الفلسطينيين الذين تريد حماس الإفراج عنهم بعضاً من أبرز السجناء في إسرائيل.

وأن القائمة تتضمن مروان البرغوثي، القيادي في حركة فتح، وأحمد سعدات، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ويقضي كلاهما أحكاماً متعددة بالسجن المؤبد في اتهامات بشن هجمات أسفرت عن مقتل إسرائيليين.

ومع ذلك، قال مصدر مقرّب من الأسير الفلسطيني البارز، مروان البرغوثي، لموقع ميدل إيست آي البريطاني، إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قام بشكل أحادي بإزالة اسم مروان البرغوثي من قائمة تبادل الأسرى في اللحظة الأخيرة، ما يُعرض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة للخطر.

ثانياً: نزع سلاح حماس

بينما يطالب البند الثالث عشر من خطة ترامب حماس بنزع سلاحها، لم توافق الحركة الفلسطينية على اتخاذ مثل هذا الإجراء.

ونص البند الثالث عشر من خطة ترامب على: "تلتزم حماس والفصائل الأخرى بعدم أداء أي دور في حكم غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأي شكل من الأشكال. سيتمّ تدمير كل البُنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يُعاد بناؤها. ستكون هناك عملية لنزع السلاح من غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، ستشمل وضع الأسلحة خارج الخدمة بشكل دائم، عبر عملية نزع سلاح متّفق عليها ومدعومة ببرنامج لإعادة الشراء وإعادة الإدماج مموَّل دولياً، على أن يتمّ التحقّق من كل ذلك من المراقبين المستقلين. ستكون غزة الجديدة ملتزمة بالكامل بناء اقتصاد مزدهر والتعايش سلمياً مع جيرانها".

ومع ذلك، هناك بنوداً في خطة ترامب تتعارض بشكل واضح مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

وتتضمن هذه النقاط:

رفض وصم الحركة بالإرهاب.

نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

وبشأن هذه النقاط، أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق أن:

حماس حركة تحرر وطني، وتعريف الإرهاب في الخطة لا يمكن أن يُطبق عليها.

تسليم السلاح سيتم فقط للدولة الفلسطينية القادمة.

من يحكم قطاع غزة سيكون بيده السلاح، وبإشراف فلسطيني.

وقد أوضحت إسرائيل أنها لن توافق على أي اتفاق لا يشترط على حماس نزع سلاحها.

ثالثاً: حكم غزة

تقترح خطة ترامب تشكيل لجنة تكنوقراطية فلسطينية تتولى مؤقتاً إدارة شؤون غزة اليومية. وستُشرف على اللجنة هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمى "مجلس السلام"، وسيرأسها ترامب، وستضم رؤساء دول وأعضاء آخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير.

وبموجب الخطة، ستتعاون الولايات المتحدة أيضاً مع شركاء عرب ودوليين لنشر قوة استقرار دولية مؤقتة على الفور، مهمتها تدريب ومساعدة قوات الشرطة الفلسطينية المعتمدة في القطاع.

ورغم أن حماس وافقت على إدارة فلسطينية مستقلة لغزة "تكنوقراط"، فإنها اشترطت أن يكون ذلك بتوافق وطني فلسطيني جامع، واستناداً إلى الدعم العربي والإسلامي. لكن هذا لا يعني أن حماس وافقت على التخلي عن كامل السلطة وعدم الاضطلاع بدور في إدارة غزة بعد الحرب، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية.

فيما حدّد عضو المكتب السياسي في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، في تصريح صحفي لقناة الجزيرة أن الإدارة الفلسطينية المستقلة يجب أن تكون مرجعيتها السلطة الفلسطينية.

وعليه، فإن الشرط الذي وضعته حركة حماس يتعارض مع بند خطة ترامب الذي يتضمّن أن اللجنة ستتكوّن من فلسطينيين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة.

وعلى الجانب الآخر، أفادت وسائل إعلام عبرية أن نتنياهو سيعقد اجتماعاً لبحث اليوم التالي في غزة.

 

 

رابعاً: الانسحاب الإسرائيلي

تدعو خطة ترامب إلى انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة. وأصدر البيت الأبيض مؤخراً خريطة توضح خط الانسحاب الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية كجزء من المرحلة الأولية.

لكن الحدود الدقيقة لانسحاب إسرائيل، والجدول الزمني للانسحاب، لا يزالان غير واضحين، وفق تقارير.

فإن إسرائيل ستُسيطر على 53% من قطاع غزة حتى يتم إطلاق سراح آخر الرهائن وسوف ينسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى "الخط الأصفر" الذي أعلن عنه ترامب في الخريطة التي نشرها الأسبوع الماضي.

وتحدثت إسرائيل عن إبقاء قواتها في منطقة عازلة داخل غزة، وفي ممر فيلادلفيا ومن غير المرجح أن تتخلى إسرائيل عن تلك المناطق ما لم تتخلَّ حماس عن سلاحها، ويتم ملء الفراغ الذي ينشأ في إدارة غزة بهيئة تعتبرها إسرائيل مقبولة.

ورغم إصرار حماس على انسحاب إسرائيل الكامل من غزة لضمان عدم استئناف الحرب، أشار نتنياهو إلى أن الانسحاب الكامل غير مطروح. ومن المتوقع أن تُشكّل هذه القضية نقطة خلاف في المحادثات المقبلة.

خامساً: اليمين الإسرائيلي المتطرف 

يقود نتنياهو حكومة ائتلافية هشّة، وهناك تساؤلات حول إمكانية انهيارها نتيجةً لهذه الصفقة. وأعرب أعضاء من اليمين المتطرف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، عن معارضتهم لخطة ترامب، وألمحوا إلى إمكانية انسحابهم من الحكومة بسبب الاتفاق.

لكن قادة المعارضة الإسرائيلية عرضوا على نتنياهو شبكة أمان لضمان تنفيذ الصفقة.

وقال تقرير فورين بوليسي: "وفي حين اتُّهم نتنياهو بإطالة أمد الحرب في غزة للحفاظ على تماسك ائتلافه والبقاء في السلطة، فمن السابق لأوانه الجزم بما إذا كان احتمال انهيار حكومته وإجراء انتخابات مبكرة سيدفع رئيس الوزراء إلى اتخاذ خطوات لعرقلة الاتفاق".

ومع دعم ترامب الشخصي لهذه الخطة، يتعرض نتنياهو أيضاً لضغوط كبيرة منه لإتمام هذه العملية.

 

 

 

المصدر: عربي بوست

التاريخ : 10/10/2025

----------------------------------------------------------------------------

المصدر : صحيفة  النبأ

التاريخ : 10/10/2025


المقالات الأخيرة