السياحة في ليبيا: نحو إستراتيجية مستدامة لاستثمار التراث والسواحل
فرع بنغازي

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الإمكانات السياحية الكامنة في ليبيا، مع التركيز على المواقع الأثرية والسواحل البحرية كرافدين أساسيين لتنويع الاقتصاد الوطني. تستعرض الدراسة الوضع الراهن لهذه الثروات، وتحدد التحديات الرئيسية التي تعترض استغلالها، وتقدم رؤية إستراتيجية شاملة تقوم على الترميم، والتطوير، والتسويق، والأمن، لتحويل القطاع السياحي إلى محرك للتنمية المستدامة وخلق فرص العمل.

تمتلك ليبيا مخزونًا ثقافيًا وطبيعيًا استثنائيًا يؤهلها لاحتلال مكانة مرموقة على الخريطة السياحية العالمية. فبالإضافة إلى موقعها الجغرافي المطل على البحر الأبيض المتوسط، تزخر البلاد بمواقع أثرية عريقة وسواحل ممتدة وبكر. ومع ذلك، ظل هذا القطاع يعاني من شبه تهميش بسبب الاعتماد شبه الكلي على عوائد النفط، وما أعقبه من اضطرابات سياسية وأمنية. تبرز هذه الدراسة أهمية تبني إستراتيجية وطنية طموحة تستثمر هذا الكنز الكامن، ليس فقط كوسيلة لتحقيق عوائد اقتصادية، بل كأداة فاعلة للتنمية البشرية والمحافظة على الهوية الثقافية.

1. المواقع الأثرية: كنوز حضارية تتطلب إدارة مستدامة

تشكل المدن الأثرية الليبية (لبدة الكبرى، صبراتة، قورينا "شحات"، وغيرها) سجلاً حياً للحقب اليونانية والرومانية وهي مصنفة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. يشير الخبراء إلى أن هذه المواقع لا تزال "خامًا" ولم يتم استغلالها بالشكل الأمثل الذي يتناسب وقيمتها العالمية. يتطلب استثمارها منهجية علمية تعتمد على:

الحفظ والترميم: حماية هذه المواقع من التعديات والسرقة والتلف الطبيعي هو الأولوية القصوى. وهذا يتطلب تعاونًا دوليًا مع منظمات مثل (اليونسكو) و(إيكروم) وتبني تقنيات حديثة في الترميم والصيانة.

تطوير البنية التحتية السياحية: إنشاء متاحف عصرية مجهزة بوسائل العرض التفاعلية، وتأهيل المرافق الخدمية المجاورة (مراكز استقبال زوار، مواقف، خدمات نظافة، طرق وصول ممهدة)، مع ضرورة مراعاة المعايير البيئية والبصرية لضمان اندماجها في المشهد الأثري دون تشويهه.

بناء الكوادر البشرية: كما أكدت العديد الدراسات، فإن نجاح أي مشروع سياحي مرهون بالعنصر البشري. لذا، يجب إنشاء معاهد متخصصة في إدارة التراث والخدمات السياحية لتأهيل مرشدين سياحيين مؤهلين علميًا ولغويًا، وفنيين في الترميم، وإداريين قادرين على تسيير هذه المواقع بكفاءة عالية.

2. السواحل الليبية: تنوع جغرافي يدعم أنواعًا سياحية متعددة

تمتد السواحل الليبية لأكثر من 1.770كم، وتتمتع بتنوع فريد يشمل الشواطئ الرملية والخلجان الصخرية والجزر هذا التنوع يسمح بتطوير حزمة متكاملة من المنتجات السياحية، منها:

السياحة الشاطئية والترفيهية: تطوير منتجعات سياحية متكاملة الخدمات على غرار النماذج الناجحة في دول الجوار، مع الالتزام بمعايير الجودة والاستدامة البيئية.

السياحة البيئية: إنشاء محميات طبيعية بحرية وبرية، وتنظيم رحلات لمراقبة الطيور والسلاحف البحرية، وتعزيز سياحة الاستكشاف في المناطق الساحلية البكر.

السياحة الرياضية: الاستفادة من المياه النقية والشعاب المرجانية في تنمية سياحة الغوص، والإبحار الشراعي، وصيد الأسماك، مما يجذب شريحة سياحية ذات قدرة إنفاق عالية.

3. التحديات وإطار العمل الإستراتيجي المقترح

تواجه تنمية السياحة في ليبيا جملة من التحديات الجسيمة، أبرزها:

التحدي الأمني: يعد استعادة الاستقرار والأمن شرطًا أساسيًا لا غنى عنه لأي عملية استثمارية أو لجذب السياح.

ضعف البنية التحتية: يشمل ذلك شبكات الطرق، والمطارات، والموانئ السياحية، وخدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي.

قصور الأطر التشريعية والمؤسسية: يحتاج القطاع إلى قوانين استثمارية جاذبة، وإنشاء هيئة وطنية للسياحة ذات صلاحيات واسعة للتخطيط والتنفيذ.

إطار مقترح للعمل:

1. المرحلة التحضيرية (قصيرة المدى): ترتكز على تحقيق الاستقرار الأمني، وإصلاح الأطر التشريعية، وإعداد الدراسات التفصيلية للسوق والجدوى.

2.  مرحلة التطوير (متوسطة المدى): تبدأ ببرامج طارئة لترميم وصيانة المواقع الأثرية، وتطوير البنية التحتية الأساسية، وإطلاق حملات تدريبية مكثفة للكوادر.

3.  مرحلة الانطلاق والتسويق (طويلة المدى): تشهد الانتهاء من المشاريع السياحية الكبرى، وإطلاق حملات تسويقية دولية ممنهجة، والانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات السياحية الإقليمية والعالمية.

الخاتمة والتوصيات:

تمثل السياحة في ليبيا ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة، فهي تسهم في:

التنويع الاقتصادي وتخفيف الاعتماد على قطاع النفط الأحادي.

التماسك الاجتماعي عبر خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة للشباب.

الحفاظ على الهوية الثقافية والتعريف بالإرث الحضاري الليبي على المستوى العالمي.

ولتحقيق هذه الرؤية، توصي الدراسة بـ:

 وضع إستراتيجية وطنية شاملة للسياحة تكون جزءًا من خطة التنمية الوطنية.

 تشجيع الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي في القطاع عبر تقديم الحوافز وضمانات الحماية.

التعاون الوثيق مع المنظمات الدولية المتخصصة في مجال التراث والسياحة. 

تسويق ليبياكوجهة سياحية ناشئة وواعدة في المحافل الدولية.

المراجع:

1.  الحاسي، عادل محمد. (2019). السياحة والتنمية المستدامة في ليبيا: التحديات والآفاق. مجلة الدراسات الاقتصادية والإدارية، المجلد 5، العدد 2، ص ص 120-145.

2.  فرج الله، سميرة أحمد. (2021). دور السياحة الثقافية في التنمية المحلية: مدن لبدة، صبراتة، وقورينا (شحات) نموذجًا. مجلة كلية الآداب - جامعة بنغازي، العدد 42، ص ص 89-112.

المقالات الأخيرة