حدود الدور الخليجي في تثبيت اتفاق غزة
فرع القاهرة

شاركت الدول الخليجية بقمة شرم الشيخ للسلام التي عُقدت في 13 أكتوبر 2025، برئاسة مشتركة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب. وتناولت القمة ضرورة تعزيز التعاون بين كافة الدول بهدف توفير كافة السبل لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف الحرب على قطاع غزة والانسحاب الإسرائيلي، دخول المساعدات الإغاثية، كما استهدفت أيضًا توقيع قادة الدول الوسيطة على وثيقة تنفيذ الاتفاق. 

يمكن قراءة الدور الخليجي في ملف اتفاق غزة وفقًا لبعض المحددات، التي تؤثر بشكل مباشر على مدى الانخراط في إعادة الإعمار الذي يلقى صدى إعلامي واسعًا داخل تلك الدول، وهو ما سيتم عرضه من خلال المحاور التالية.  

طبيعة الدور الخليجي وحدوده   

لا تلتقي دول الخليج حول نفس الرؤي بشكل كامل حول اتفاق غزة وهو ما يتضح من خلال اختلاف مستوى حضورها على كافة المستويات لحلحلة الأزمة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

تمثيل متفاوت: اختلف مستوى تمثيل الدول الخليجية بالقمة التي عُقدت بشرم الشيخ، حيث حضر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ونائب الرئيس الإماراتي الشيخ منصور بن زايد ورئيس وزراء دولة الكويت الشيخ أحمد عبد الله الأحمد كممثلين رفيعي المستوى، إضافة إلى تمثيل المملكة العربية السعودية من خلال وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، ووفد عُماني بقيادة وزير الخارجية بدر البوسعيدي.

تباين الانخراط: كان لدول الخليج دور متفاوت في اتفاق غزة الأخير من حيث درجة انخراط كل طرف، حيث اتجهت الدولة القطرية لتعزيز دورها بشكل كبير كوسيط إلى جانب الدولة المصرية والتركية، مما تمخض عنه توقيع وثيقة غزة بين الدول الثلاث والرئيس ترامب، الذي أثنى بشكل كبير على الدور القطري المُساهم في إنجاح خطته، من خلال الضغط على حماس لقبول إنهاء الحرب وفقًا لخطته المكونة من ٢٠ بندًاوعلى الجانب الآخر، لم تتوجه المملكة العربيةالسعودية نحو التواجد من خلال التمثيل رفيع المستوى بالقمة الأخيرة، وإنمااكتفت بإرسال وزير الخارجية، على الرغم من الترحيب باتفاقية التهدئة المُستندة لخطة الرئيس ترامب.   

وعلى الرغم من وجود حالة من التحمس القطري لا تنطبق على الموقفين السعودي والإماراتي، الذين يغلب عليهما حالة من الفتور الملحوظ من خلال مدى التمثيل بقمة شرم الشيخ، إلا أن جميع دول الخليج تلتقي من خلال تصريحاتها وتحركاتها في أكثر من جانب مثل الترحيب بجهود الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة، رفض كافة محاولات التهجير، الدعوة لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي بهدف ضمان الاستقرار والأمن لجميع الأطراف.  

أدوار مختلفة: بالتركيز على قطر والسعودية والإمارات باعتبارهم أكثر دول الخليج نشاطًا على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن إدراك وجود درجات غير متماثلة من رغبة كل طرف في أن يصبح أكثر انخراطًا في اتفاق غزة والمشاركة في تنفيذها على أرض الواقع كنتيجة مباشرة لاختلاف الرؤى وما يصاحب ذلك من عدم وجود أدوار تسير وفق نفس النهج. يمكن اعتبار الدوحة أكثر الفاعليين الخليجين باتفاق غزة الأخير، الظاهر من خلال لعب دور الوساطة منذ بداية الحرب، مع تأكيدها السعي نحو تعزيز دورها في إنهاء الأزمة من خلال دعم الخطة الأمريكية التي تراهن على دول الخليج كمصدر مالي لإعادة الإعمار. ويأتي ذلك في ضوء جانبين أولهما رغبة الدولة القطرية في تعزيز دورها كوسيط إقليمي ودولي قادر على المشاركة في حلحلة الأزمات المختلفة بدعم وتأييد أمريكي، وثانيهما يخص النظرة القطرية لاحتضان حماس باعتباره أصلًا مهمًا للدوحة، والذي تحاول قطر استغلاله للحصول على دور أكبر في المراحل القادمة. 

وعلى الجانب الآخر، تتحرك المملكة العربية السعودية بحذر شديد وفقًا لتجاربها السابقة مع مختلف الفصائل الفلسطينية، ولا سيما فتح وحماس اللذين وقعا اتفاق مكة عام 2007، بهدف إنهاء الاقتتال والانقسام الداخلي، والذي لم يتم الالتزام به مع سيطرة حماس على غزة في يونيو 2007. ولذلك ترى قيادة المملكة أنه ليس من السهل إقناع الفصائل الفلسطينية بضرورة توحيد الصف وما يصاحب ذلك من نزع السلاح وتفكيك مختلف الحركات وعلى رأسها حماس، التي تنتهج مسارًا مغايرًا عما تراه المملكة خاصة مع تحول اهتمام الرياض باتجاه دعم مسار حل الدولتينودعم السلطة الفلسطينية ماليًا ودبلوماسيًا. وبالتالي تدرك المملكة أن عدم وجود إطار أكثر وضوحًا قد يؤدي إلى استمرار الوضع كما هو عليه في نهاية المطاف والذي ظهر من خلال مستوى الحضور.  

ويشترك الجانب الإماراتي مع نظيره السعودي في الحذر والتأني في الانخراط بجهود إعادة ترتيب مستقبل غزة، إلى جانب عدم وجود خطة واضحة تستهدف تفكيك حركة حماس وإبعادها عن حكم قطاع غزة، في ظل عدم وضوح الرؤية الأمريكية في مراحلها المتقدمة حتى هذه اللحظة. ويأتي ذلك في ضوء الموقف الإماراتي الرافض بشكل دائم منذ العام 2011 لتواجد أي شكل من أشكال الإسلام السياسي بالمنطقة.   

إعادة الإعمار وآليات التمويل  

لا تزال الدول الخليجية، ولا سيما السعودية والإمارات في حالة ترقب لما قد تؤول إليه الأوضاع، مما ينعكس بدوره على الوصول لمرحلة إعادة الإعمار، وهو ما سيتم إيضاحه على النحو التالية:

موقف حذر: تُعد عملية إعادة الإعمار واحده من المراحل المتقدمة في رؤية الإدارة الأمريكية التي تسعى في الفترة الحالية إلى تحجيم الأزمة، من خلال الإسراع في إنهائها بالاعتماد على أطراف إقليمية موثوقة في مختلف المراحل بهدف وقف الحرب بشكل كامل. وتأتي دول الخليج بما لها من ثروات اقتصادية كفاعل مثالي يراه ترامب قادر على إعادة إعمار قطاع غزة، بالاعتماد على المصادر المالية الوفيرة لتلك الدول، والذي ظهر من خلال مختلف تصريحاته سواء كانت في مؤتمر قمة شرم الشيخ أو ما سبقها من أحداث ولقاءات أكد فيها ترامب على ذلك. 

تأتي أهمية إعادة الإعمار كونها وسيلة واضحة تساهم في إرساء السلام وتثبيته، وهو ما تراه دول الخليج ضرورة يجب أن يكون لهم دور فاعل فيها، في ظل وجود اتفاق مُفصل يمكن تطبيقه على الأرض ويصاحبه ضمانات فعلية تدعم كافة الأطراف للمضي قدمًا في الاتفاق. وحتى الآن، من الواضح أن الدول الخليجية لا ترى خطة ترامب تحمل ضمانات واضحة كما هو مطلوب، وإنما حبر على ورق يسهل عدم الالتزام به نتيجة لعدم وجود محددات لكافة المسائل المُعقدة والمُختلف عليها بين طرفي الأزمة، مما يجعل الخليج على محطة الانتظار يراقب التطورات التي بدورها قد تدفعه إلى المشاركة كفاعل رئيسي في إعادة بناء القطاع.   

نمط الدعم: كان الدعم الخليجي بعد عمليات الرصاص المصبوب 2009، الجرف الصامد 2014، سيف القدس 2021، يستهدف إيصال المساعدات من خلال منح مالية تُسلم لحماس أو السلطة الفلسطينية دون وجود رقابة دولية، على العكس من الرؤية الحالية التي تتبناها معظم دول الخليج التي تهدف للمشاركة في إعادة بناء القطاع بالاعتماد على الإشراف الدولي والمؤسسي، وذلك بغرض منع سوء استغلال الدعم الخليجي وتوجيهه لأهداف قد تساهم في إعادة نشوب الصراع من جديد.   

ضمانات الانخراط 

يمكن إدراك كيفية تفكير القادة بمختلف دول الخليج وقراءة المشهد الحالي وفقًا لما تم التعبير عنه في مختلف وسائل الإعلام الخليجية من رؤى مرتبطة بالوثيقة الأخيرة، المُعتمدة على خطة ترامب، حتى مع وجود توجس حول مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاقية والانتقال للمراحل التالية في تنفيذ الخطة.  

ترى المملكة العربية السعودية، أنه لا يوجد حل مؤقت للقضية الفلسطينية وإنما ضرورة واضحة للتوجه نحو حل عادل لها يستهدف إقامة دولة على حدود 1967، يصاحبها اعتراف الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالآخر، والذي يساهم فعليًا في خلق شرق أوسط جديد يسوده الأمن والسلم. ويلتقي الجانب الإماراتي مع نظيره السعودي في أهمية الحل العادل والدائم مع ضرورة وجود مؤشرات على ذلك بإنهاء أسباب الصراع. ومن جانب آخر، ترى دولة الإمارات ضرورة السيطرة على الفصائل الفلسطينية باعتبارها جزء من الخطر المزعزع للاستقرار والذي تسعى أبو ظبي بشكل دائم لملاحقته بالمنطقة، وبالتالي تدرك أهمية إقامة دولة فلسطينية بلا سلطة لأي فصيل مسلح.  

وختامًا، من الواضح أن الرؤية الخليجية لا تزال متباينة في بعض المحددات، نظرًا لاختلاف الأدوار النابع من عدم تشابه أهداف كل دولة، مما يؤثر بدوره على فاعلية الخليج في تثبيت الاتفاق ككتلة واحدة. وبتتبع الأحداث منذ ضرب الدوحة وحتى الآن، يمكن إدراك رغبة الخليج في لعب دور دبلوماسي تختلف درجة فاعليته مع عدم الرغبة في مزيد من الانخراط الذي قد يُرى باعتباره إعاقة مباشرة لمشاريع التنمية الخليجية، مثلما هو الحال برؤية المملكة العربية السعودية 2030، مما يؤدي بدوره إلى تباين درجة انخراط كل طرف في دعم الاتفاق الحالي مع وجود تشابه نابع من وجود محددات مشتركة للسلوك الخليجي تجاه الأزمة الحالية، ولا سيما الضوابط الأمريكية التي لا تسعى دول الخليج إلى كسرها باعتبار الولايات المتحدة هي الشريك الأول والأكثر موثوقية، والذي كان واضحًا من خلال اعتماد الإدارة القطرية على الضمانة الأمنية التي قدمتها إدارة ترامب بعد الضربة الإسرائيلية.

 

المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية

الكاتب : بدالرحمن سعدالدين 

التاريخ : 14/10/2025

-----------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: الجزيرة نت

التاريخ : 9/10/2025

المقالات الأخيرة