حـقـوق الانـسـان فـي الإسـلام

وضع الإسلام مبادئ تكفل الحقوق كاملةً، وتمنح الكرامة للبشريَّة جمعاء، فلم توجد شريعةٌ كشريعة الإسلام العظيمة في هذا الأمر، حتى أنَّها ارتقت فجعلت هذه الحقوق من الواجبات الدِّينية، وحفظت الحياة الإنسانيَّة، فلم تفرِّق بين عناصر المجتمع، رجالاً ونساءً، واعتنت بجمهور النَّاس جميعاً. كما أسس الإسلام نظرته إلى الإنسان على ركيزة جوهرية هي فرادة الإنسان بين مخلوقات الله عز وجل لكونه ذاتا عارفة "وعلّم آدم الأسماء كلها"، وعلى موقعه المتميز في المعادلة الكونية "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"، ومكانته الخاصة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين

فلسفة الإسلام العامة

وقد انطوت فلسفته العامة على تبنٍّ كامل لحقوق الإنسان من خلال منطلقه الرئيسي وهو احترام النوع الإنساني، وتكريمه الواضح لبني الإنسان "ولقد كرمنا بني آدم"، ومساواته بين البشر جميعا في أصل النشأة والخلق "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، وربطه قيمة الفرد بالعمل الذي يقوم به لا بشيء آخر من لون أو عرق أو جنس "إن أكرمكم عند الله أتقاكم

الاسلام كرم الانسان

وقد تعددت أشكال تكريم الإسلام للإنسان من جعل الكون بما فيه من قوى طبيعية ومخلوقات نباتية وحيوانية، تحت تصرّفه، فاستخدم مفردة "سخرة" التي وردت في القرآن الكريم 17 مرة للدلالة على طبيعة العلاقة بين الطرفين ومادة لفعله، ومن جعل خلافة الإنسان في الأرض منطلق بناء شخصية إنسانية قوية وقادرة على تمكين قيم الحق والعدل والمساواة والسلام والخير ومواجهة الباطل وحماية الأرض من الإفساد، ومن اعتبار توفير ظروف معيشية تناسب كرامته الإنسانية واجبا على أولي الأمر تحقيقه في حدود ما اصطلح على تسميته "بالكفاية"، ويعني أن يتوفر له كل ما يكفيه حتى لا تشغله مطالب معيشته عن واجبات "الاستخلاف" المحددة بإعمار الكون وإحقاق الحق ومحاربة الباطل ضمانة لحريته، حيث قدمها على إقامة الدين ذاته. فالدين من منظور إسلامي وُجد لخدمة الإنسان، وقد تجلى ذلك من نظرة الإسلام إلى الحلال والحرام، حيث اعتبر الأصل في الأشياء هو الإباحة، فأسقط ما عرف في بعض الحضارات بالخطيئة الأصلية، وربط التحريم بالضرر الذي ينجم عن العمل، وفتح التجربة الإنسانية على الإبداع والخلق، وأعطى الإنسان حرية الاختيار والتصرف

وقد دل على ذلك من خلال قرنه الحكمة التي هي ثمرة الإبداع الإنساني، بالكتاب الذي هو الرسالة الإلهية في 10 آيات قرآنية، أي جمع الوضعية والإرسالية في موقف إنساني واحد، مثل قوله "ويعلمهم الكتاب والحكمة" و"يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة"، وجعلهما جزءا من عالم الإنسان من دون أن يفصل بينهما أو يفضل أحدهما على الآخر. وقد كرس الإسلام تبنيه لحقوق الانسان بإقراره بحرية الاعتقاد "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي" و"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، وبتمكين الإنسان من ممارستها من خلال تحريره من الخوف على "العُمر" و"الرزق" حتى لا يستسلم للتهديد والابتزاز بإخراجهما من دائرة القرار الإنساني "إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت و أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"، وربط الدعوة إليه بالإقناع وبالطرق السلمية "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ولست عليهم بمسيطر"، ومن خلال تحريم التنازل عن هذه الحقوق ومعاقبة المظلوم لقبوله بالظلم والاستضعاف "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا"، والعفو عن العاجز موضوعيا "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم

حقوق الإنسان في الإسلام

هي تلك المزايا التي نشأت عن تكريم الله -سبحانه- لبني الإنسان، وألزم الجميع احترامها وتقديرها، بوضع الضوابط والشروط لذلك

حق الحياة: حقُّ الحياة هو الحقُّ المقدس؛ فلا يجوز لأحدٍ أن يحرمه عن أحد، أو أن يقوم بانتهاكه

حق الحرية: وقد كان هذا الحق قبل مجيء الإسلام معدوماً عند فئةٍ من النَّاس، فقد كان الرِّق والاستعباد في الحروب وبسبب الديون منتشراً في الجاهليَّة، فجاء الإسلام يدعو إلى تحرير العبيد، ومحو كلِّ وسيلةٍ فيها امتهانٌ أو اضطهادٌ للإنسان، بل نادى بالترغيب على العتق بأكثر من وسيلةٍ، وأجاز مكاتبة العبيد، وجعل الإعتاق كفَّارةً لكبائر الذنوب

حق حرية اختيار الدين: احترم الإسلام هذا الحقَّ، فلم يخوف الإنسان أو يهدده لاختيار دينٍ معينٍ، أو فكرة دون أخرى، أو مذهب محدد، فكلُّ هذا ينافي الحريَّة، ويسلب الإنسان إرادته

حق المساواة والعدالة: إنَّ العدل يحفظ النِّظام، وفيه صلاح أمر المجتمع، فلم يجعل الإسلام تمييزاً بين أفراده وجاء الإسلام ليعطي كلُّ واحدٍ حقَّه، حتى تحقَّق العدل على أتمِّ وجهٍ

ق حفظ الكرامة الإنسانية: حفظ الله -سبحانه- الأمَّة كلها بالدِّين الإسلامي الذي حرص على جوانب الحياة المختلفة، فحفظ النَّفس وكرامتها وهي من الضرورات الخمس، وجعله أمراً مقصوداً لذاته؛ لأنَّ الإنسان خُلق لعبادة الله في أرضه، وليقوم بالخلافة التي أمره الخالق بها

حق التعليم والعمل: احترم الإسلام العلم وجعله فرض عينٍ على المسلم، فكونه واجباً مفروضاً يجعل المسؤولية تجاهه كبيرةً من الفرد نفسه ومن دولته، فمن واجب الدولة توفيره، وإنشاء المدارس والمعاهد، وعلى الفرد السعي في طلب العلم بما يتكفّل له تعلم الحرف والمهن، وأمور الدين المهمة

كما اهتمَّ الإسلام بالعمل والعمال، وحثّ على احترامهم، وحفظ كرامتهم، ودعي إلى السَّعي في طلب الرِّزق، وكسب الحلال، دون كسلٍ أو تقاعسٍ، وحفظ للعمال حقوقهم. حق التملك والتصرف: أباح الإسلام التملُّك بوجه عام، وجعل لكلِّ فردٍ ممتلكاته الخاصَّة، وحدد الوسائل المباحة في تملكها، وجعل لهم حرية التصرُّف فيها، على ألا تكون في ضرر الأمَّة أو ضرر النَّفس

حق إبداء الرأي وتقرير مبدأ الشورى: حفظ الإسلام حق الحوار والنقاش، وتبادل الآراء، والاطلاع على المسائل المختلفة، بما يؤدي إلى القناعة والرضا، والاطمئنان لكلِّ ما أشكل على الناس، وتكون حريَّة المناقشة الدينيَّة لكلِّ من رغَّب في الدِّين، دون إثارة الشكوك أو البحث في الغيبيات، بل للوصول إلى نقاط الاتِّفاق، وعرض الآراء

مصادر حقوق الإنسان في الإسلام

إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام عامَّةٌ شاملةٌ؛ لأنَّ مصدرها الأساسيَّ كتاب الله، وسنَّة نبيِّه الكريم، وما انبثق عنهما من تطبيقاتٍ وعمل، فهيأت لإقامة مجتمعٍ صالحٍ، يتحمَّل فيه الفرد مسؤولياته، وتعينه على الاستقرار والانضباط

أهمية حفظ حقوق الإنسان

نلخص أهمية حقوق الإنسان في الإسلام، بما يأتي

  بهذه الحقوق ا تتحقَّق مصلحة العباد

مراعاة مصلحة الآخرين من غير ضررٍ

  تحقيق الفائدة للمجتمع بأكمله

تطبيق العدل، وجعل النَّاس سواسيةً

عدم الإجبار وفرض النفوذ

الحفاظ على الملكيَّة وحمايتها

إبداء الرَّفض أو القبول بحريَّة ويسر


والإسلام هو خاتم رسالات السماء، التي أوحى بها رب العالمين إلى رسله - عليهم السلام - ليبلغوها للناس، هداية وتوجيها، إلى ما يكفل لهم حياة طيبة كريمة، يسودها الحق والخير والعدل والسلام

ومن هنا كان لزاما على المسلمين أن يبلغوا للناس جميعا دعوة الإسلام امتثالا لأمر ربهم: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، ووفاء بحق الإنسانية عليهم وإسهاما مخلصا في استنقاذ العالم مما تردى فيه من أخطاء وتخليص الشعوب مما تئن تحته من صنوف المعاناة




المصادر

علي العبدالله، 9/12/2020، حقوق الإنسان في الإسلام، العربي الجديد

سندس أبو محمد، 10/10/2021، بحث عن حقوق الإنسان في الإسلام، موضوع

الموقع الرسمي للمجلس الإسلامي

المقالات الأخيرة