التحدِّيات العالمية لقمة مجموعة العشرين
فرع القاهرة

عُقِدَتْ قِمَّةُ مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، يوميْ 22 و23 نوفمبر 2025؛ لتكون أوَّلَ قِمَّةٍ لمجموعة العشرين تُقَامُ في أفريقيا، واستضافت جنوبُ أفريقيا هذا الحَدَثَ الاستثنائيَّ وسط أجواء عالمية متوترة؛ حيث ناقش قادة الدول المشاركة عددًا من القضايا المهمة تحت شعار “التضامن والمساواة والاستدامة”، مع التركيز على النموِّ الاقتصادي المُسْتَدَام والتنمية والتمويل، وخَتَمَ الرئيسُ الجنوبُ أفريقي سيريل رامافوزا القمَّة بالتأكيد على التعاون متعدد الأطراف رغم التحديات، مع دعوة إلى العمل الجماعي من أجل بناء عالم أفضل، فيما تنتقل رئاسة المجموعة رسميًّا إلى الولايات المتحدة التي ستستضيف القمة في العام التالي.

مجموعة العشرين هي منتدى دولي يضُمُّ تسعة عشر دولة من أكبر الاقتصادات في العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وتشمل الدولُ الأعضاء “الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة”، بالإضافة إلى أعضاء دائمين مِثْل إسبانيا، والمنظمات الدولية الكبرى مِثْل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وتُمثِّلُ دول المجموعة حوالي 85% من الناتج الاقتصادي العالمي و75% من التجارة العالمية ونحو ثلثيْ سكان العالم؛ مما يجعلها منصَّةً حيويةً لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الكبرى على الصعيد الدولي.

أمَّا الهيكل القيادي لمجموعة العشرين فهو يتمثَّلُ في تناوُب رئاسة المجموعة سنويًّا بين الدول الأعضاء؛ حيث تتولَّى إحدى الدول قيادة وتحضير جدول أعمال القمة خلال فترة رئاستها، وتشملُ عملية صُنْع القرار الاجتماعات الوزارية لمتابعة القضايا المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى اجتماعات كبار مستشاري القادة (الشيربا) التي تُجهِّزُ جدول أعمال القمة، وفي 2025 تتولَّى جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين، ويتركَّزُ عمل القِمَّة على قضايا مِثْل النمو الاقتصادي الشامل وتغيُّر المناخ وتعزيز التعاون الدولي وأمن الغذاء.

السياق الراهن للقمة

انعقدت قِمَّةُ العشرين في جنوب أفريقيا في لحظة دولية مشحونة بتعقيدات جيوسياسية متفاقمة، على رأسها استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وما أحدثته من تفكُّك في التحالُف عبْر الأطلسي، إلى جانب فشل مفاوضات المناخ الأخيرة في مؤتمر البرازيل بعد اعتراض الدول المنتجة والمستهلكة للنفط على أيِّ إشارةٍ للوقود الأحفوري في البيان الختامي، ورغم الحضور الواسع لقادة العالم، لم يتضمن إعلان القمة إلا إشارة مقتضبة إلى الأزمة الأوكرانية تدعو إلى تحقيق سلامٍ شاملٍ وعادلٍ.

وقد وَصَفَ الرئيسُ الفرنسيُّ إيمانويل ماكرون انعقادَ القِمَّة لأوَّلِ مرَّةٍ في أفريقيا، بأنه محطة تاريخية، لكنه أقرَّ بأن مجموعة العشرين تواجه صعوبةً متزايدةً في الاتفاق على معيارٍ مشتركٍ بشأن القضايا الجيوسياسية، وهو ما أكَّدَهُ أيضًا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عندما قال: إن الطريق أمام المجموعة يزداد تعقيدًا، ولم تتوقف التحديات عند حدود الخلاف حول أوكرانيا والمناخ، بل زاد المشهد تعقيدًا بفِعْل تصاعُد التنافُس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، والانقسام الحادّ بين دول مجموعة السبع وروسيا، إلى جانب امتداد التوتُّرات إلى صراعاتٍ أوسعَ مِثْل المواجهات بين إسرائيل وحماس.

مقاطعة الولايات المتحدة للقمة

شَهِدَتْ العلاقاتُ بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا توتُّرًا متزايدًا خلال الأشهر السابقة لانعقاد قمة العشرين، وهو ما انعكس في قرار إدارة ترامب مقاطعة القمة، وبرَّرَتْ واشنطن غيابها عبر اتهامات وجهها الرئيس الأمريكي بأن حكومة جنوب أفريقيا تمارس اضطهادًا ضد الأقلية البيضاء، وهي ادعاءات فقدت مصداقيتها على نطاقٍ واسعٍ، ومع ذلك؛ فقد أثَّرَتْ هذه المزاعمُ في الموقف الأمريكي الرسمي من المشاركة؛ لتقاطع واشنطن القمة رغْم كوْنها أكبر اقتصاد في العالم.

وبرز الخلافُ بصورةٍ أكبرَ عند اقتراب موعد تسليم رئاسة مجموعة العشرين إلى الولايات المتحدة، فبينما أعلن البيت الأبيض، أن المشاركة الأمريكية الوحيدة ستكون عبْر حضور مُمثّل منخفض المستوى من السفارة في جنوب أفريقيا، رفضت بريتوريا هذا الإجراء واعتبرته خرْقًا للبروتوكول وإهانة للرئيس رامافوزا، وأكَّدَ مسؤولون جنوب أفريقيون، أنهم أبلغوا واشنطن بأن الرئيس لن يُسلِّمَ الرئاسة لمسؤولٍ صغيرٍ، وهو ما أدَّى إلى إلغاء أيِّ مراسم رسمية خلال أيام القمة، ونتيجة لذلك لم يعتمد أيُّ وفدٍ أمريكيٍّ لحضور الفعالية؛ ليتقرَّرَ لاحقًا أن يتمَّ النَّقْل عبْر قنوات دبلوماسية خارج إطار القمة.

اجتماعات على هامش القمة

1- مناقشات حول خطة السلام في أوكرانيا شَهِدَتْ القِمَّةُ عقْد اجتماعٍ دعا إليه الرئيس كوستا لبحْث المساعي الدولية الرامية إلى دعْم السلام في أوكرانيا، وخلال هذا اللقاء، أوضح قادة من أوروبا وكندا واليابان، أن المُسَوَّدَةَ الأوَّلِيَّة التي صاغتها الولايات المتحدة يُمْكِنُ اعتبارها نقطة انطلاق تحتاج إلى مزيدٍ من التطوير، خصوصًا البنود المتعلقة بالقيود المفروضة على القوات المسلحة الأوكرانية، والتي قد تؤدي في حال اعتمادها إلى تعريض أوكرانيا لمخاطر أمنية مستقبلية، كما أشار القادة إلى أن البنود المرتبطة بالاتحاد الأوروبي وحِلْف الناتو تتطلَّبُ موافقة أعضاء المؤسستيْن، مؤكِّدين استمرار التنسيق مع أوكرانيا والولايات المتحدة لاستكمال العمل على الخطة.

2- اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا قُبَيْل انطلاق فعاليات قمَّة مجموعة العشرين، عقد الرئيس كوستا إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الجنوب أفريقي اجتماعًا مشتركًا في جوهانسبرغ، في 20 نوفمبر 2025، واستهدف اللقاء تعزيز الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا وتبادل الرُّؤَى بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك قبْل بدْء الجلسات الرسمية للقمة.

مُخْرَجَات القِمَّة

1- إصدار الإعلان المشترك رغم الضغوط الأمريكية شَهِدَتْ القمَّةُ واحدةً من أبرز لحظاتها، عندما أعلنت جنوب أفريقيا صدور إعلان مشترك عن قادة مجموعة العشرين، وذلك رغم الضغوط الأمريكية التي طالبت بعدم إصدار وثيقة رسمية والاكتفاء بما يُسَمَّى “بيان الرئيس”، ورغم التحفُّظ الأمريكي، أكَّدَ الرئيس الجنوب أفريقي، أن الدول المشاركة تمكَّنَتْ من التوصُّل إلى توافُقٍ جماعيٍّ، وهو ما اعتبره انتصارًا لرفض التنمُّر الدبلوماسي ونجاحًا في الحفاظ على روح التعدُّدية داخل المجموعة.

وضَمَّ الإعلانُ لغةً لا تُفضِّلُها الإدارة الأمريكية، خاصَّةً ما يتعلق بالتأكيد على مخاطر التغيُّر المناخي وتعزيز المساواة بين الجنسيْن ومعالجة أزمة الديون في الدول الأكثر فقْرًا، ورغم اعتراضات محدودة من وفْد الأرجنتين على بعض الصياغات، فإن الإجماع النهائي مكَّنَ من اعتماد الإعلان، وقد أثْنَى عددٌ من القادة، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قيادة جنوب أفريقيا للقمة، رغم استمرار التبايُنات بين بعض الدول حول عددٍ من الملفات.

2- مبادرة “هندية - إيطالية” مشتركة لمكافحة تمويل الإرهاب كان من بين المُخْرَجَات البارزة على هامش القِمَّة، إطلاق مبادرة مشتركة بين الهند وإيطاليا لمكافحة تمويل الإرهاب، فقد تبنَّى رئيسا الحكومتيْن “ناريندرا مودي وجورجيا ميلوني” إطارًا تعاونيًّا؛ يهدف إلى تعزيز تبادُل الخبرات وتنسيق الجهود عبْر المنصَّات متعددة الأطراف، بما في ذلك مجموعة العمل المالي (FATF)  والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF)، وتُمثِّلُ هذه الخطوةُ تأكيدًا على توجُّهٍ دوليٍّ متنامٍ نحْوَ تعزيز التعاون الأمني في مواجهة شبكات تمويل الإرهاب.

إجمالًا: اختتمت القِمَّة بإعلانٍ يحمل رسائل إيجابية رغْم التحديات والاختلافات؛ حيث أكَّدَ المشاركون على أهمية التعاون متعدد الأطراف في مواجهة تحديات العصر مِثْل عدم المساواة والتغيُّر المناخي وأعباء الديون على الدول النامية، وشَهِدَتْ القِمَّة صدور إعلان مشترك، رغْم الضغوط الأمريكية التي طالبت بعدم إصداره؛ مما أسفر عن تأكيد الالتزام بالتعدُّدية والعدالة المناخية وتعزيز المساواة بين الجنسيْن، كما تَمَّ إطلاق مبادرة “هندية - إيطالية” لمكافحة تمويل الإرهاب، تعكس توجُّهًا دوليًّا متزايدًا لتعزيز التعاون الأمني في مواجهة التحديات العالمية، وبالرَّغْم من غياب الولايات المتحدة ومقاطعتها القِمَّة، نجحت جنوب أفريقيا في إبراز دورها القيادي، والتأكيد على التزام الدول المشاركة بالسَّعْي نحْوَ عالمٍ أفضلَ، من خلال التضامُن والعمل الجماعي.

 

المصدر: مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

الكاتب : منة صلاح

التاريخ : 26/11/2025

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: الأفارقة للدراسات والاستشارات

الكاتب : آية محسب عبد الحميد 

التاريخ : 1/12/2025

المقالات الأخيرة