التحول الرقمي والإدارة الذكية في المؤسسات العامة الليبية
فرع بنغازي

يشهد العالم في العقدين الأخيرين تحولًا جذريًا في أساليب الإدارة وتقديم الخدمات العامة بفضل الثورة الرقمية المتسارعة، وفي ليبيا يُعد التحول الرقمي خطوة استراتيجية نحو تطوير الأداء المؤسسي وتحسين جودة الخدمات الحكومية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل واقع التحول الرقمي في المؤسسات العامة الليبية، واستعراض التحديات التي تواجه تنفيذ الإدارة الذكية، مع تقديم رؤية استراتيجية لتحقيق التحول الرقمي المستدام بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.

يمثل التحول الرقمي أحد أهم ملامح التطور الإداري والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، إذ تسعى الدول إلى دمج التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة في إدارة شؤونها العامة، وقدأصبح مفهوم "الإدارة الذكيةتعبيرًا عن قدرة المؤسسات على استخدام التكنولوجيا لزيادة الكفاءة والشفافية وسرعة اتخاذ القرار.

في ليبيا، تزايد الاهتمام بالتحول الرقمي مع بداية العقد الثاني من الألفية، خاصة بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي دفعت نحو إعادة هيكلة مؤسسات الدولة،غير أن هذا التحول ما زال يواجه عقبات تتعلق بالبنية التحتية التقنية، والإطار التشريعي، وضعف الكوادر البشرية المتخصصة.

ثانيًاالإطار المفاهيمي للتحول الرقمي والإدارة الذكية

يُعرَّف التحول الرقمي بأنه العملية التي يتم من خلالها دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات العمل المؤسسي لتغيير طريقة تقديم الخدمات وتحقيق قيمة مضافة للمواطنين، أماالإدارة الذكية فهي نموذج إداري يعتمد على استخدام التقنيات الحديثة في اتخاذ القرارات، وتحليل البيانات، وإدارة الموارد بكفاءة.

يهدف هذا النموذج إلى تجاوز البيروقراطية التقليدية، وتبسيط الإجراءات، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، مما يعزز ثقة المواطنين في المؤسسات العامة ويرفع من كفاءة الأداء الحكومي.

ثالثًاواقع التحول الرقمي في المؤسسات الليبية

شهدت ليبيا خلال السنوات الأخيرة محاولات متعددة لتطبيق أنظمة رقمية في القطاعات الحكومية، مثل مشروع الرقم الوطني، ونظم المراسلات الإلكترونية، ونظم إدارة الموارد البشرية في بعض الوزاراتغير أن مستوى التكامل بين هذه الأنظمة ما زال محدودًا، بسبب غياب استراتيجية وطنية موحدة للتحول الرقمي.

تواجه المؤسسات العامة الليبية مجموعة من الصعوبات، من أبرزها ضعف البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، وتفاوت القدرات الفنية بين الإدارات، وغياب التشريعات المنظمة للتحول الإلكترونيكما أن محدودية الوعي الرقمي لدى بعض العاملين تؤثر سلبًا على سرعة التحول نحو الإدارة الذكية.

رابعًاالتحديات التي تواجه التحول الرقمي في ليبيا

1. البنية التحتية التقنية تعاني: العديد من المدن الليبية من ضعف شبكات الاتصالات ونقص مراكز البيانات الوطنية الآمنة، مما يحد من قدرة المؤسسات على إدارة الأنظمة الإلكترونية بكفاءة.

 

2. الإطار التشريعي والتنظيميلا تزال القوانين الليبية المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات بحاجة إلى تحديث لتوفير بيئة قانونية داعمة للتحول الرقمي.

.3نقص الكفاءات البشرية: تفتقر المؤسسات إلى كوادر مدربة في مجالات البرمجة، وأمن المعلومات، وتحليل البيانات، مما يعرقل تطبيق الحلول الذكية.

4. المقاومة الإدارية للتغيير: تمثل الثقافة التنظيمية التقليدية أحد العوائق الرئيسة أمام التحول الرقمي، إذ ما زالت بعض القيادات تفضل الأساليب الورقية القديمة.

5. التمويل والاستدامة: تعاني معظم المشاريع الرقمية من ضعف التمويل، وغياب خطط الصيانة والتطوير المستمر.

خامسًاالفرص المتاحة للتحول الرقمي في ليبيا

رغم التحديات القائمة، إلا أن ليبيا تمتلك مقومات كبيرة تؤهلها للانتقال إلى نموذج الإدارة الذكي، فالشباب يشكلون أكثر من60 من السكان، مما يوفر قاعدة بشرية واسعة يمكن تدريبها وتأهيلها للعمل في مجالات التقنية الحديث كما أن تطور شبكات الاتصالات في السنوات الأخيرة يعزز إمكانية تنفيذ مشاريع رقمية واسعة النطاق.

من أبرز الفرص كذلك وجود إرادة سياسية متزايدة لتبني التحول الرقمي كخيار استراتيجي لتحسين الأداء الحكومي، إضافة إلى استعداد بعض القطاعات مثل التعليم والصحة لتطبيق أنظمة رقمية في إدارة خدماتها.

 

 

سادسًاالإطار التشريعي والتنظيمي للتحول الرقمي

يتطلب التحول الرقمي الفعّال بيئة تشريعية متطورة تنظم المعاملات الإلكترونية وتحمي خصوصية المستخدمين ورغموجود بعض القوانين مثل قانون المعاملات الإلكترونية لسنة2010، إلا أن تطبيقها ما زال محدودًاكما تحتاج ليبيا إلى وضع تشريعات جديدة تتعلق بالأمن السيبراني، وتبادل البيانات بين المؤسسات الحكومية، والحوكمة الرقمية.

سابعًااستراتيجيات التحول نحو الإدارة الذكية

1. وضع استراتيجية وطنية للتحول الرقميبإشراف جهة مركزية تتولى التنسيق بين الوزارات والمؤسسات العامة لضمان التكامل بين الأنظمة الإلكترونية.

2.الاستثمار في البنية التحتية الرقميةمن خلال إنشاء مراكز بيانات وطنية وربط المؤسسات الحكومية بشبكة موحدة آمنة.

3. تطوير القدرات البشرية: عبر برامج تدريبية متخصصة في التحول الرقمي، وإدخال مقررات في الجامعات الليبية حول الإدارة الإلكترونية.

4.تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص وشركات التقنية المحلية والدولية لدعم المشاريع الرقمية الكبرى.

5. إطلاق مبادرات توعية مجتمعية، لتعزيز ثقافة الاستخدام الإلكتروني بين المواطنين وتشجيعهم على التعامل مع الخدمات الذكية.

ثامنًاالخاتمة والتوصيات

يمثل التحول الرقمي في ليبيا ضرورة وطنية لبناء مؤسسات عصرية قادرة على تلبية احتياجات المواطنين بكفاءة وشفافية،فالإدارة الذكية ليست ترفًا تقنيًا بل ركيزة للتنمية الإدارية والاقتصاديةإن تجاوز التحديات الحالية يتطلب إرادة سياسية قوية، وتحديث التشريعات، وبناء كوادر بشرية مؤهلة قادرة على قيادة عملية التغيير.

توصي الدراسة بضرورة اعتماد استراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي، وتأسيس هيئة عامة للإدارة الذكية، ووضع خطة خمسية لتطوير البنية التحتية التقنية، إضافة إلى إطلاق مبادرات تعليمية لنشر الثقافة الرقمية في المجتمع.




المراجع:

ب، ن،1/12/2022، استراتيجية التحول الرقمي الحكومي في دولة ليبيا، الهيئة العامة للمعلومات ليبيا.

سالم امبارك ،31/12/2024، الإدارة الإلكترونية ودورها في تحسين أداء خدمات المؤسسات العامة في ليبيا، موقع الجامعة الأسمرية.


المقالات الأخيرة