اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ Cop30 الذي عقد في نوفمبر 2025 في بيليم- البرازيل فاعلياته، بمخرجات يراها البعض أنها متوسطة أو ربما غير مرضية، خاصة وأن مؤتمر هذا العام يمثل نقطة مفصلية في العمل المناخي العالمي.
وجاءت النتائج لتكشف بوضوح اتساع الفجوة بين الطموح المناخي والقدرة الواقعية على التنفيذ؛ إذ اكتفى الاتفاق الختامي بالدعوة إلى تسريع “طوعي” لخفض استخدام الوقود الأحفوري رغم التحذيرات الأممية من اقتراب تجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية، ومع استمرار تباطؤ خفض الانبعاثات وغياب تمويل كافٍ للدول النامية وضعف الأطر التنظيمية اللازمة لجذب الاستثمارات، ورغم إعلان إطار العمل المناخي الجديد ” Global Climate Action Agenda ” GCAA“، للانتقال من الوعود إلى التنفيذ عبر مضاعفة كفاءة الطاقة وتثليث قدرات الطاقة المتجددة وتحديث الشبكات، ظلّ الإخفاق الأكبر هو غياب خارطة طريق واضحة للتخلص من الوقود الأحفوري، تحت ضغط الانقسامات الجيوسياسية خاصة بين الولايات المتحدة والصين. وهكذا كشفت القمة أن التحدي الحقيقي لم يعد في “صياغة التعهدات” بل في إيجاد مسار قابل للتطبيق داخل نظام عالمي يتغير بسرعة ويظل شديد الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو ما يجعل مرحلة ما بعد COP30 اختبارًا حاسمًا لمصداقية العمل المناخي الدولي.
وقد خلّفت نتائج المؤتمر خيبة أمل لدى الكثيرين، ومع ذلك، كانت هناك بعض النتائج الإيجابية ورغبة واضحة في تحقيق تقدم في السنوات المقبلة. سيركز المقال على تحليل مخرجات قمة المناخ Cop30 والتعرض لما يجب عمله قبل القمة القادمة COP31 ، حتى لا يصبح المؤتمر كل عام ساحة للنقاشات والطموحات فقط.
نتائج رئيسية لكنها غير كافية
بعد أسبوعين وأكثر من المحادثات في بيليم- البرازيل، وجولة ساخنة من المفاوضات، اعتمدت الدول مجموعة من القرارات على رأسها ما تُعرف الآن باسم “حزمة بيليم السياسية”. وفيما يلي سنتطرق بشيء من التفصيل حول أهم النتائج الرئيسية لمؤتمر الأطراف الثلاثين للمناخ وانعكاساتها على العمل المناخي العالمي فيما بعد بيليم: أين تقف تعهدات COP30 مقارنة بالمسار العلمي؟
تُظهر الأدلة أنّ تعهدات الدول المقدَّمة حتى COP30 لم تُحرز تقدمًا كافيًا نحو مسار 1.5°C ، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يخلص في تقريره السنوي إلى أنّ تنفيذ كل المساهمات الوطنية (NDCs) حتى 2035 يضع العالم على مسار ارتفاع حراري يُقدَّر بحوالي 2.3–2.5°C هذا القرن، بينما استمرار السياسات الحالية بلا تعزيز يفضي إلى نحو 2.8°C. ويشير أيضًا إلى أنّ الوصول إلى مسار 1.5 درجة مئوية يتطلب خفضًا إجماليًا يقارب 55% بحلول 2035 مقارنة بمستويات 2010. لذا فإن المساهمات الجديدة (حتى الآن) تقلّص الانبعاثات المتوقعة بحوالي 3.8 جيجا طن ثاني أكسيد كربون مكافئ بحلول 2035، وهو ما يمثل أقل من 14 % من الخفض الإضافي المطلوب لسد الفجوة نحو 1.5 درجة مئوية، أيّ لا تزال توجد فجوة كبيرة تُقدَّر بعشرات المليارات من أطنان CO₂ المكافئ.
والمثير للاهتمام أن أسباب هذه الفجوة ليست فنية فقط بل سياسية وتمويلية: فالسياسات الإجرائية مثل إطارGCAA ، وحزمة بيليم، ركّزت بقوة على تحويل الالتزامات إلى إجراءات قابلة للقياس، لكن كثيرًا من الإجراءات بقيت طوعية أو مشروطة بتمويل دولي؛ مما يضع حدًّا لقدرة التنفيذ السريع خصوصًا في الدول النامية. من جهة أخرى، تقارير الطاقة الدولية تبيّن تباينات سيناريوهات الطلب على الوقود الأحفوري واحتمال بقاء اعتماد ملحوظ على النفط والغاز حتى منتصف القرن وهو لا يزال حاضرًا ضمن بعض المسارات الاقتصادية؛ مما يفاقم مشكلة توافق السياسات مع الهدف العلمي.
إطار العمل الجديد وآليات المتابعة
أطلقت قمة بيلم إطار العمل المناخي Global Climate Action Agenda (GCAA) ، كمنظومة تهدف إلى تحويل الالتزامات الطوعية إلى إجراءات قابلة للقياس والتوسع عبر ستة محاور قطاعية ودورة تنفيذية مؤلفة من مراحل للتنسيق والقياس والمشاركة والقابلية للتوسع؛ مما يمثل تقدمًا مؤسسيًا مهمًا في تجميع المبادرات المتفرقة وتوحيد معايير القياس. لكن القوة العملية للإطار تعتمد بصورة حاسمة على مدى ربطه بآليات تمويل مستقرة وإلزامية؛ حيث أن الكثير من الالتزامات المعلنة ستظل «طوعية» أو «مشروطة» بتمويل خارجي؛ مما يحدّ من قدرة GCAA على ضمان التنفيذ السريع في دول تحتاج إلى دعم مالي وتقني كبيرين للحد من الآثار المتزايدة لتغير المناخ.
ومن ناحية التمويل، قدّمت رئاسة القمة خارطة طريقBaku TO Belém Roadmap) )، بهدف تعبئة ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول 2035 لدعم تنفيذ الالتزامات الوطنية NDCs وخطط التكيّف في الدول النامية، وهي إشارة قوية إلى الاعتراف بأن التنفيذ يتطلب موارد ضخمة ومزيجًا من المنح والأدوات التفضيلية. مع ذلك، وجود خارطة طريق تُقرّ بضرورة التمويل لا يكفي ما لم تُرافقها آليات مساءلة واضحة ومواعيد تنفيذية قابلة للمتابعة؛ كما أن السرديات الاقتصادية مثل إعادة إحياء سيناريو السياسات الحالية CPS في تقرير وكالة الدولية للطاقة (وهو الذي يعكس توقعات سوق الطاقة العالمية بناءً على السياسات والإجراءات القائمة حاليًا، دون إضافة أي سياسات مستقبلية جديدة أو تحسينات على أهداف المناخ) تُضيف ضغوطًا سياسية واقتصادية قد تثبّت اعتمادًا أطول على الوقود الأحفوري في بعض المسارات، وبالتالي تقلّص فرص ترجمة أهداف GCAA وخارطة Baku To Belém إلى تخفيضات قابلة للقياس خلال العقد الحالي.
على صعيد التمويل المناخي، أظهرت نتائج COP30 استمرار فجوة كبيرة بين الموارد المتاحة والحاجة الفعلية للدول النامية لتحقيق أهدافها المناخية، سواء في التخفيف أو التكيف، الدول النامية تحتاج إلى تمويل إضافي يُقدّر بـ حوالي 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030 لدعم مشاريع الطاقة المتجددة، تحسين كفاءة الطاقة، وتعزيز البنية التحتية للتكيف مع تغير المناخ، بينما التعهدات الحالية من الدول المتقدمة لا تزال أقل من هذه المطلوب. وعلى الرغم من أن التمويل المعلن في COP30، يمثل تقدمًا مقارنة بالماضي، فإنه لا يوفر شفافية كافية حول كيفية توزيعه، أو المدى الزمني للإنفاق، أو ضمانات استمراريته؛ مما يقلل من قدرته على دفع تنفيذ المشاريع الطموحة في الدول الأكثر هشاشة.
والفجوة التمويلية ليست مجرد مسألة أرقام، بل تتعلق بالعدالة بين الدول الغنية والدول النامية، والمسئولية التاريخية للدول المتقدمة عن الانبعاثات. فالدول النامية تتحمل غالبًا أخطر آثار تغير المناخ (فيضانات، جفاف، ارتفاع مستوى البحر،….)، بينما تملك أقل الموارد للتكيف معها. وبالتالي كان يجب التركيز على ضرورة الربط بين التمويل وضمان تحقيق العدالة، بما يشمل منحًا بدون ديون أو قروض ميسرة، ودعم نقل التكنولوجيا والتدريب الفني للمجتمعات المحلية والدول الهشة. في ضوء ذلك، يبرز أن التحدي الأساسي لا يكمن فقط في زيادة الموارد، بل في ضمان توزيع عادل وفاعل للتمويل يحقق العدالة المناخية ويحوّل التعهدات إلى مشاريع ملموسة تقلل الانبعاثات وتعزز إجراءات التكيف في الدول الأشد تأثرًا.
صراع الوقود الأحفوري لم يحسم
على الرغم من أن COP30 اختتم باتفاق جماعي يحمل اسم “global mutirão” (جهد جماعي) يدعو الدول إلى تسريع تنفيذ تعهداتها المناخية، فإن النص النهائي تجاهل الإشارة الصريحة للوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للانبعاثات -في تناقض صارخ مع الضغط الذي مارسته دول غربية ودول جزرية صغيرة وتحالف أكثر من 80 دولة- لدعوة القمة إلى اعتماد “خارطة طريق” واضحة للتخلص من الوقود الأحفوري. هذا التجاهل الذي اعتبره كثيرون “فرصة ضائعة” في معركة المناخ، يعكس الانقسام الجيو-سياسي الواضح بين دول منتجة للطاقة وحلفائها، من جهة، وتكتلات مستقلة أو دول ضعيفة من جهة أخرى؛ مما أضعف من مصداقية القمة كمنصة قادرة على فرض التزامات ملزمة تتجاوز الخطابات.
ورغم هذا، نجحت القمة في إدراج مفهوم Just Transition Mechanism (آلية الانتقال العادل) ضمن نصوصها؛ مما أعطى أملًا لمنظمات المجتمع المدني بأن التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري لا يعتمد فقط على خفض الانبعاثات، بل على معالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للسكان والمجتمعات المتضررة. كما أن الاتفاق أطلق وعودًا بتمويل التكيف والمشاريع البيئية؛ مما قد يمهّد لبعض التحولات في البنى التحتية للطاقة، لكن هذا التقدم يعتبر “جزئيًا وطوعيًا” ولا يشكّل بديلًا عن خارطة طريق ملزمة وشاملة لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري؛ أي أن الجيو-سياسة ومصالح دول الوقود لا تزال حجر عثرة رئيسي أمام التحول الحقيقي؛ مما يجعل COP30 صفقة تأجيل أكثر من كونها بداية انتهاء حقبة الوقود الأحفوري.
شهدت القمة عددًا من المبادرات والاعلانات المهمة في مجالات متعددة أخرى ومن بينها؛ إعلان من الائتلاف العالمي لمرافق الطاقة (Utilities for Net Zero Alliance (UNEZA)) ، برفع هدفه الاستثماري السنوي في التحول نحو الطاقة النظيفة إلى 148 مليار دولار سنويًا (ارتفاعًا من 117 مليار دولار في الخطط السابقة)، مع تعهّد بإجمالي استثمارات يزيد عن 1 تريليون دولار حتى عام 2030، موجهة بشكل رئيسي إلى تحديث وتوسيع شبكات الكهرباء، أنظمة التخزين، وقدرات طاقة متجددة أوسع. بحيث يُنفَق لكل دولار يُستثمر في توليد الطاقة المتجددة حوالي 1.24 دولار على البنى التحتية للشبكات والتخزين.
يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها أكثر من مجرد وعد؛ فهي تمثل أول التزام جماعي وواسع النطاق من القطاع الخاص بتحويل تعهدات الطاقة النظيفة إلى مشاريع ملموسة تعزز قدرة الشبكات على استيعاب الطاقة المتجددة وتدعم أمن الطاقة، خصوصًا في الدول النامية حيث البنية التحتية للشبكات غالبًا ما تكون أضعف. كما أن عددًا من البنوك المتعددة الأطراف والمؤسسات التمويلية الدولية بما فيها ما في أفريقيا، أعلنت دعمها لتيسير الوصول إلى التمويل لمشاريع الشبكات والتخزين.
ومع هذا لا يزال يُثار تساؤل مهم حول ما إذا كانت هذه الالتزامات كافية لمعالجة فجوة الطاقة العالمية وتحقيق الأهداف المناخية، خاصة في ضوء بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) التي تشير إلى أن العالم -رغم تسجيل أرقام قياسية في إيرادات الطاقة المتجددة- لا يزال متأخرًا عن مسار زيادة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول 2030. علاوة على ذلك، رغم أن هذه الاستثمارات ضخمة، فإن التنفيذ يواجه تحديات بارزة منها: أن بناء شبكة قوية ومستقرة يتطلب ليس فقط المال، بل أيضًا تخطيطًا تنظيميًا، بنية تحتية مستدامة، نقل تكنولوجيا، وضمانات التمويل (bank-ability) في الدول النامية. حيث هناك تخوفات من أن ضخ أموال في الشبكات قد لا يكون كافيًا إذا غابت السياسات الشاملة للتخطيط الطاقي وإصلاحات تنظيمية، أو إذا ظل الاعتماد على الوقود الأحفوري قائمًا في بعض الاقتصادات ؛مما قد يضعف الفائدة المناخية الحقيقية من هذه الاستثمارات.
إنجازات محدودة لحماية الغابات
الغابات حظت بمكانة بارزة في جدول أعمال COP30 خاصة لأن القمة عُقدت في قلب غابات الأمازون البرازيلية، وما صاحبها من اهتمام رمزي وعملي لحماية الغابات والمناطق الاستوائية، إلا أن “خارطة طريق رسمية ملزمة” لوقف إزالة الغابات أو ضمان الحِفاظ عليها لم تُعتمد في النص النهائي. واقتُرح في المفاوضات بند لخريطة طريق لوقف وإلغاء إزالة الغابات (deforestation → zero-deforestation by 2030)، بيد أن الضغوط من دول منتجة للنفط و/أو مصالح زراعية ومجتمعات مُعتمدة على قطع الأخشاب حالت دون إدراجه في الاتفاق. بدلًا من ذلك، انتهت المداولات باعتماد ما يمكن وصفه بـ “إرشادات طوعية” (voluntary guidelines) وليست إلزامية. ما جرى انتقاده من قبل منظمات بيئية باعتباره خيانة لآمال الغابات وخطة ناقصة لا تفي بالوعد لأن الطبيعة الطوعية لا تضمن تطبيقها.
في المقابل، شهدت القمة بعض الخطوات العملية في اتجاه التمويل والدعم للمحافظة على الغابات: أُطلقت آلية جديدة تُعرف بـ Tropical Forests Forever Facility TFFF))، وهي مرفق تمويلي يهدف إلى دفع تمويلات على أساس النتائج للدول التي تحافظ على غاباتها بدل قطعها، مع التركيز على الغابات الاستوائية والدول المصدّرة للخشب. وقد جمعت في نسختها الأولى نحو 6 مليارات دولار تقريبًا، مع تعهدات من دول غنية وغيرها لدعم حماية الغابات، وإشراك المجتمعات المحلية في إدارة الغابات، وهو ما شكل دعمًا لنموذج الحماية المجتمعية(community-based forest protection).
هذه الترتيبات تمثّل خطوة إيجابية نحو ما يُعرف بحلول مستندة إلى الطبيعة” (nature-based solutions)، وتوفير آليات تمويل طويلة الأمد، خلاف التمويل المؤقت أو المشروع الواحد. لكن نجاحها يعتمد بقوة على شفافية التنفيذ، شروط الوصول للتمويل، وضمان التزام الدول المعنية وعدم تغيير السياسات الزراعية أو الاقتصادية التي تسبب إزالة الغابات.
والخلاصة، أن بيليم كرست انتقالًا سياسيًا مرحليًا نحو تنفيذ أكثر شمولًا (تركيز على التكيف، دعم الشعوب الأصلية، دعم الغابات)، لكنها لم تغلق الفجوة الأساسية بين الطموح والتنفيذ، الفجوة التي تتطلب الآن أن تترجم الالتزامات إلى خطط زمنية وميزانيات ملزمة على مستوى الدول والتحالفات الإقليمية. بالتالي، كان من واجب المؤتمر أن يطالب بآليتين متكاملتين: (1) تحويل الوعود المالية والسياساتية إلى جداول تنفيذية قابلة للقياس مع مؤشرات MRV واضحة، و(2) استمرار الضغط الدولي لإخراج خرائط طريق ملزمة لوقف إزالة الغابات وتسريع خطة الخفض التدريجي للوقود الأحفوري خلال الدورات القادمة، فبدون هذين العنصرين ستبقى نتائج COP30خطوة مرحلية مهمة لكنها غير كافية لمواجهة تسارع الأزمة المناخية.
المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
الكاتب : أمل إسماعيل
التاريخ : 11/12/2025
----------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر: موقع المستقبل الأخضر
الكاتب : د. فوزي يونس
التاريخ : 23/11/2025
