رسائل سياسية توازن بين الحرب والسلام في السودان
فرع القاهرة

في مشهد يعكس عمق الروابط التاريخية وأصالة الأخوة بينالشعبين الشقيقين، وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودانعبد الفتاح البرهان إلى الرياض في الخامس عشر من ديسمبرالجاري في زيارة رسمية؛ تلبية لدعوة ولي العهد السعودي الأميرمحمد بن سلمان، وكان في استقباله في مطار الملك خالد الدوليكبار المسؤولين السعوديين، يتقدمهم الأمير محمد بن عبد الرحمن بنعبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض، وجاءت هذه الزيارة محملةبدلالات سياسية واستراتيجية عميقة، تعكس وزن العلاقاتالسودانية-السعودية ودورها في معادلة الاستقرار بالمنطقة، فالزيارةلم تكن بروتوكولية فحسب، بل بدت كرسالة سياسية واضحة تؤكدسعي الخرطوم لتعزيز شراكاتها العربية الفاعلة، وفي مقدمتهاالرياض، باعتبارها لاعبًا محوريًا في ملفات الأمن الإقليمي، ودعممسارات الحل السياسي، وإعادة بناء الدولة السودانية في مرحلةمفصلية من تاريخها.

دلالات زيارة البرهان للسعودية

تأتي زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادةالسوداني، إلى الرياض في 1٥ ديسمبر 2025م، محملة بدلالاتسياسية واستراتيجية عميقة، تعكس توقيتها الحساس داخليًاوإقليميًا وسط أزمة الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل2023م، إذ تأتي الزيارة كخطوة تتجاوز البروتوكولات الرسمية، حيثترتبط بجهود سعودية-أمريكية مكثفة لإحياء “منبر جدة” ودفعمسارات وقف إطلاق النار، مع التركيز على حماية المدنيين وتهيئةأجواء للحل السياسي الشامل، مما يعزز دور السعودية كفاعلمحوري في الملف السوداني بسبب الجوار الجغرافي والأمنيالمشترك في البحر الأحمر.

وفي السياق ذاته تُبرز الزيارة، التي شهدت لقاءً مع ولي العهدمحمد بن سلمان، توحيد الرؤى حول الملفات الساخنة في الشرقالأوسط، مع التركيز على تطورات الميدان العسكري في السودانمثل كردفان، وتخفيف التداعيات الإنسانية، مما يُمثل اختبارًا لقدرةالبرهان على تحويل الدعم السعودي إلى مكاسب ملموسة علىالأرض  كما تعزز التنسيق السعودي-السوداني في مواجهةالتهديدات الإرهابية والتطرف، وتُمهد للقاءات أوسع مع أطرافإقليمية، مما يُعيد الخرطوم  إلى خارطة الاستقرار الإقليمي بعدانسداد داخلي، وعلى المستوى الداخلي يمثل هذا اللقاء فرصةلتثبيت موقف الجيش دوليًا، وتحويل الدعم إلى ضغط على الخصوم،ولكن نجاحها يعتمد على النتائج الفعلية لا القاعات المغلقة، وسطتساؤلات حول ما إذا كانت “اختراقًا حقيقيًا” أم “تحصيل حاصل.

شكلت الزيارة حدثًا دبلوماسيًا بارزًا حملت تفاصيل غنية تعكسعمق الشراكة الثنائية والجهود المشتركة لمواجهة أزمة الحربالسودانية، وفي هذا الأثناء اتفق الطرفان على إنشاء مجلس تعاوناستراتيجي سعودي-سوداني يغطي الشراكات الاقتصادية مثلالاستثمارات وإعادة الإعمار لمواجهة التحديات العابرة للحدود فيالبحر الأحمر، مع التركيز على دعم عملية السلام بتنسيقسعودي-أمريكي تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، بما في ذلكإحياء “منبر جدة” لدفع وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، ومناقشةالتطورات العسكرية الحرجة في كردفان والدعم اللوجستيوالإنساني  كما أعرب البرهان عن شكره العميق لجهود السعوديةفي ترتيب لقاءات أوسع مع أطراف دولية وإقليمية، مما يعزز دورالرياض كفاعل محوري في استقرار السودان ويُمهد لتحويل الدعمإلى مكاسب ميدانية ملموسة بعيدًا عن التصريحات.

مخرجات زيارة البرهان للرياض

أنتجت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى السعودية، التيانتهت بوصفها ناجحة من قبل الجانب السوداني، مخرجاتدبلوماسية واضحة تركزت على تعزيز الجهود المشتركة لتحقيق الأمنوالاستقرار في السودان، حيث بحث البرهان مع ولي العهد محمدبن سلمان مستجدات الأحداث الراهنة وتداعياتها، مع التأكيد علىاستعراض الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتهيئةأجواء للحل السياسي الشامل، بما في ذلك إمكانية إعادة تنشيطمنبر جدة بصيغة جديدة مدعومة بضمانات سعودية-أمريكية تحتقيادة الرئيس دونالد ترامب، وكسر جمود المفاوضات عبر تحريكملفات قديمة مثل مبادرة الرباطية العربية، إضافة إلى مناقشةالدعم الاقتصادي والاستثماري لإعادة الإعمار بعد الحرب، والملفالإنساني لتسهيل وصول المساعدات، والشراكات الأمنية لمواجهةالتحديات في البحر الأحمر والإرهاب، مع ترتيب لقاءات أوسع معأطراف إقليمية ودولية.

دور السعودية في الأزمة السودانية

لعبت المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في الأزمة السودانيةمنذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع فيأبريل 2023، حيث بدأت بتسهيل إجلاء آلاف الأجانب عبر ميناءبورتسودان، ثم تولت مع الولايات المتحدة دور الوسيط الرئيسي في“منبر جدة” لوقف إطلاق النار في مايو 2023، رغم تعثره لاحقًابسبب عدم الالتزام، واستمرت في دعم الجهود الإنسانية من خلالتمويل مساعدات غذائية وطبية بلغت ملايين الدولارات، بالإضافة إلىتنسيق مع دول الرباعية العربية (السعودية، الإمارات، مصر، قطر) لدعوة لهدنة إنسانية لثلاثة أشهر في سبتمبر 2025، مع التركيزعلى حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات إلى المناطقالمتضررة مثل دارفور والخرطوم.

ومع تطور الصراع، تحولت السعودية تدريجيًا من الحياد إلى دعمواضح للجيش السوداني بقيادة البرهان، خاصة بعد استعادتهالخرطوم في 2025، كما يتضح من رفضها القاطع لأي “حكومةموازية” في نيروبي المدعومة من قوات الدعم السريع، وزياراتمتبادلة رفيعة المستوى مثل لقاء البرهان بولي العهد محمد بنسلمان في مارس وديسمبر 2025م، حيث أعلنت إنشاء “مجلستنسيق لتعزيز العلاقات” يركز على إعادة الإعمار، الاستثمارات فيمطار بورتسودان، والشراكات الأمنية لمواجهة الإرهاب والتهديداتفي البحر الأحمر، مدفوعة برؤية 2030 ومخاوفها من امتدادالاضطرابات إلى حدودها وساهمت الرياض في دمج مسارات جدةمع مبادرة الرباعية الأمريكية في يوليو 2025 لتعزيز التفاوض،وأكدت الخارجية الأمريكية أن دورها أساسي في إسكات السلاح،مع تنسيق عربي-إسلامي لإنهاء النزاع وتخفيف معاناة 12 مليوننازح و150 ألف قتيل، مقابل اتهامات بتجاهل ضغوط على الإماراتالمتهمة بدعم قوات الدعم السريع، مما يعكس تنافسًا خليجيًا حولالسيطرة على الموارد والاستقرار الإقليمي وترتب الرياض حاليًالقاءات جديدة في فبراير 2026، مستفيدة من زيارة البرهان الأخيرةفي ديسمبر 2025 لتوحيد الرؤى مع ولي العهد محمد بن سلمانحول إعادة تنشيط المنبر بصيغة موسعة تشمل الرباعية العربية(السعودية، الإمارات، مصر، قطر)، بهدف دمج مسارات متعددةوتجاوز التعثرات السابقة مثل عدم الالتزام بالهدنات.

على المستوى السياسي، عملت السعودية على منع تفكك السودانوحماية أمن البحر الأحمر من تداعيات الحرب، وقد أعاد ولي العهدعبر اتصالاته المكثفة مع قادة العالم، وفي مقدمتهم الرئيسالأمريكي، وضع الملف السوداني على أجندة القوى المؤثرة بعد فترةمن الغياب الدولي أو تراجع الاهتمام، وفي الجانب الدبلوماسي،اعتمدت السعودية نهج الاتصالات المتوازنة مع جميع الأطرافالسودانية دون انحياز، هذا النهج عزز من مصداقيتها كوسيط قادرعلى جمع أطراف متباعدة، كما تحرك ولي العهد في اتجاه بناءشبكة واسعة من الجهود تضم الدور الأمريكي والدول الإقليميةوالمؤسسات الدولية، إضافة إلى التواصل المباشر مع القوىالسودانية، ما ساهم في إعادة تشغيل مسار بدا متوقفاً.

أما البعد الاقتصادي، فقد فرض نفسه بقوة في ظل الانهيار الواسعللبنية التحتية وتوقف المشاريع الزراعية والصناعية واضطرابالإمدادات الحيوية في بلد يملك موارد ضخمة، إذ تدرك السعودية أناستقرار السودان ضرورة لحماية المصالح الاقتصادية في البحرالأحمر، ولبناء شراكات مستقبلية في الزراعة والطاقة والمعادن لهذاجاء التحرك السعودي برؤية تنموية تستهدف المستقبل، لا مجردإدارة أزمة راهنة.

وفي الجانب الإنساني، كانت المملكة العربية السعودية في مقدمةالدول التي بادرت إلى إطلاق برامج الإغاثة عبر مركز الملك سلمان،وتنفيذ عمليات إجلاء واسعة، وتقديم دعم مباشر لتخفيف معاناةالسكان، كما يستهدف طلب ولي العهد للوساطة الأمريكية الدفعنحو هدنة تسمح بإدخال المساعدات ومنع تفاقم الأزمة وصولاً إلىمجاعة أو كارثة إنسانية واسعة وعليه، يتضح من هذا التحرك أنالرياض لا تتعامل مع الأزمة السودانية باعتبارها حدثاً عابراً، بلجزءاً من رؤية شاملة لدورها الإقليمي، فخطوة ولي العهد تعكسوعياً بمخاطر استمرار الحرب، ورغبة في ترسيخ دور المملكة كقوةاستقرار، وقدرة على توظيف النفوذ الدبلوماسي والسياسي الدوليلخدمة الاستقرار في المنطقة.

ختامًا تبرز زيارة البرهان إلى المملكة العربية السعودية كترجمةحقيقية لعمق العلاقة التاريخية بين السودان والمملكة، حيث أنهاعلاقة لم تُبن على المصالح وحدها، بل على روابط راسخة من الأخوةوالتكامل والرؤية المشتركة لمستقبل المنطقة، فقد ظلت الرياض، علىامتداد المحطات الصعبة، سندًا عربيًا موثوقًا للخرطوم، وشريكًافاعلًا في دعم استقرارها ووحدتها، وتؤكد هذه الزيارة أن العلاقاتالسودانية-السعودية ماضية بثبات نحو شراكة استراتيجية أعمق،قوامها التنسيق السياسي، والدعم المتبادل، والإيمان بأن استقرارالسودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المملكة والمنطقة بأسرها.

 

المصدر: مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

الكاتب : شيماء ماهر

التاريخ : 17/12/2025

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: موقع أصداء سودانية

الكاتب : عبدالملك النعيم أحمد

التاريخ : 15/12/2025

المقالات الأخيرة