الاصلاح الاقتصادي في الدول العربية

المقدمة

في العقد الأخير من القرن العشرين بدأت معظم الاقتصادات العربية مرحلة جديدة تسمى مرحلة الإصلاح الاقتصادي، وقطعت شوطاُ كبيراً في الاتجاه نحو إقامة اقتصادات تستند إلى " اقتصاد السوق "وقد رافق هذا التحول تضحيات كبيرة وعدم استقرار في الإنتاج والعلاقات الاقتصادية الخارجية وقد حاولت معظم الدول العربية الاستفادة من نصائح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تطبيق برامج التثبيت الهيكلي والإصلاح الاقتصادي، الذي كان هدفه الحد من النتائج السلبية، لذلك ظلت التحديات كبيرة جداً كما توضحها المشاكل والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها معظم الدول العربية

التطوير الإداري لدعم سياسات الإصلاح الاقتصادي

تهدف مجموعة السياسات الاقتصادية سالفة الذكر إلى السيطرة على التضخم و كبح جماحه بما يحقق الاستقرار الاقتصادي من ناحية، و إلى تشجيع الاستثمار و تنمية الإنتاجية وزيادة معدلات التشغيل بما يحقق معدلات نمو اقتصادي متزايدة من ناحية أخرى. و تحوي السياسات الجديدة مضامين مؤسسية تتعلق بضغط حجم الجهاز الحكومي، و إعادة تشكيل أدواره و توفير و تنمية المقومات المؤسسية اللازمة لإدارة التحول إلى اقتصاد السوق

:آليات السوق وإمكانية تطبيقها في الدول العربية

تقوم فلسفة السوق كما هو معروف في الاقتصاد السياسي على عدد من الفرضيات أهمها

وجود اقتصاد يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والتخصص وتقسيم العمل، والتبادل النقدي السلعي على نطاق واسع

يتيح هذا الاقتصاد حرية التملك والعمل والإنتاج والتحول والتنقل والتبادل، من خلال مؤسساته القائمة وتنظيماته والتشريعات والقوانين النافذة

كما يتيح حرية اتخاذ القرارات بما يهيئه من إمكانية وحرية للاختيار

وحتى تكتمل هذه الفرضيات فإن مفهوم السوق يستند إلى مبدأ كمال السوق، وهذا المبدأ يعني سيادة الحالة الطبيعية للسوق، وهي ظروف المنافسة الكاملة كشرط أساسي لعمل آلياته بكفاءة

أهم الاختلالات الداخلية و الخارجية الدافعة للإصلاح الاقتصادي بالدول العربية

إن حتمية الإصلاح تمليها الاختلالات الهيكلية أو الأساسية للاقتصاد و قد تكون مثل هذه الاختلالات نتيجة لظواهر و صدمات داخلية أو خارجية، و التي ازدادت حدتها و بصورة ملموسة في النصف الثاني من عقد السبعينات، عقب الأزمة الهيكلية التي عمت الاقتصاد الرأسمالي العالمي و من أهم ملامحها نذكر انهيار أسواق النقد العالمية، ازدياد حدة علاقات الصراع و النمو غير المتكافئ للقوى الرأسمالية الكبرى، بالإضافة إلى انتشار عديد من الظواهر الاقتصادية السلبية على المستوى العالمي كظاهرة الركود التضخمي، تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، علاوة على ظهور أزمة الطاقة عقب صدمتي البترول الأولى و الثانية

و قد مارست هذه الأخيرة (أي جملة الظواهر الخارجية السالف ذكرها) تأثيرا سلبيا على اقتصاديات الدول النامية و ذلك من خلال أربعة آليات يمكن تلخيصها فيما يلي

تدهور شروط التبادل التجاري الدولي في غير صالح الدول النامية، و خاصة في ظل تزايد حدة السياسات الانكماشية ، وإجراءات الحماية الجمركية التي انتهجتها الدول المتقدمة في مواجهة صادرات الدول النامية

ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، إذ تشير الإحصائيات إلى ارتفاع متوسط معدل نمو أسعار الفائدة الحقيقية المستحقة على ديون الدول النامية بنسبة 75% في فترة الثمانينات

اتجاه بعض الدول المتقدمة إلى خفض برامج مساعدتها التنموية للدول النامية، و قد اقترن ذلك بتفاقم أزمة المديونية الخارجية منذ عام 1982 ووصولها إلى مستويات حرجة انعكست على تدهور مؤشرات الديون الخارجية في تلك الدول على نحو تعذر فيه استمرار خدمة أعباء ديونها الخارجية من ناحية و تمويل واراداتها الائتمانية من ناحية أخرى

انتشار ظاهرة تدفق رأس المال الوطني إلى الخارج فعلى سبيل المثال، قدر حجم هذه الأموال في بعض دول أمريكا اللاتينية بحوالي 30,53 مليار$ بالمكسيك و 16,51 مليار $ بالأرجنتين و 16,39 مليار $ بفنزويلا و ذلك خلال الفترة 1980 إلى 1984

هذا بالإضافة إلى مظاهر الاختلالات الهيكلية الداخلية نتيجة انتهاج معظم تلك الدول لسياسات اقتصادية اتسمت بعدم الكفاءة في مجالات التسعير و الرقابة على الصرف و كذلك انحراف قرارات الاستثمار، و انتشار الفساد الإداري إلى جانب انخفاض معامل مرونة الجهاز الإنتاجي، و سوء تخصيص الموارد الاقتصادية الأمر الذي تمخض عنه استمرار العجز المزمن في كل من ميزان المدفوعات و الموازنة العامة للدولة. و إزاء تدهور الأداء الاقتصادي كمحصلة لتأثير الظواهر الاقتصادية (الخارجية منها و الداخلية) ظهرت حتمية " الإصلاح الاقتصادي" و ذلك تحت رعاية مؤسسات دولية (FMI و BM )

مضمون السياسات المقترحة من طرف FMI و BM في مجال الإصلاح الاقتصادي

تندرج العناصر التي يتكون منها برنامج الإصلاح الاقتصادي المسمى "التثبيت الاقتصادي" على المستوى الكلي تحت أربع مجالات رئيسية

السياسة المالية: وذلك لتقليل نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي و تخفيض الدعم

السياسة النقدية و الانتمائية: و ذلك بتقليل معدل التوسع في الائتمان و رفع أسعار العائدة المحلية

سياسة سعر الصرف و التجارة و الديون: و التي تضم تخفيض قيمة العملة و توحيد سعر الصرف و تعويمه، إلغاء اتفاقيات التجارة و الدفع، و تحرير الاسترداد و تقليل الاعتماد على التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل


الإصلاح الهيكلي: و يشمل: تعديل الهيكل التنظيمي للقطاع العام و القضاء على التشوهات السعرية و إعطاء اهتمام أكبر للزراعة و تشجيع الاستثمار الأجنبي و الإصلاح الإداري و القانوني و العدالة و الإنصاف

و مجموع هذه السياسات السالف ذكرها تحاول تقليل الإفراط في العجز في الميزان التجاري أو معدل ارتفاع التضخم و هما عرضيان لظاهرة ارتفاع في الطلب مع عدم قدرة العرض على مواجهتهما لمحدوديته بالذات في فترة زيادة الموارد المؤقتة من الخارج بمعنى آخر هذه السياسات تستهدف استعادة التوازن ما بين العرض و الطلب الكلي و استعادة للتوازن الخارجي

إلا أن سياسات الصندوق (FMI) لا تقتصر على جانب الطلب وحده كما سبق ذكره فهناك سياسات خاصة بجانب العرض الكلي تستهدف زيادة الناتج المحلي من السلع و الخدمات بما يتوافق مع المستوى المحدد للطلب المحلي الإجمالي و تنقسم تلك السياسات إلى مجموعتين


المجموعة (1):و تضم الإجراءات الموجهة لزيادة تيار الناتج المحلي من خلال كفاءة تخصيص الموارد الاقتصادية، ويتطلب ذلك التخلص من مظاهر الانحراف في هيكل الأسعار بالمنتجات المختلفة و أسعار الصرف إلى جانب تعديل الهيكل الضريبي و أيضا تخفيف القيود التجارية

المجموعة (2): و تتمثل في تلك السياسات التي تستهدف تحفيز الطاقة الإنتاجية بغرض رفع معدل نمو الناتج المحلي في الأجل الطويل و هي بذلك تضم كافة الإجراءات التي تسهم في زيادة معدلات الادخار و التكوين الرأسمالي الثابت، و كذلك بتعظيم عملية الاستثمار في رأس المال البشري من خلال توسيع و تطوير نطاق برامج التعليم و التدريب و التطور التكنولوجي

:المصادر

حيدر حسين آل طعمة ، 21.6.2022، الاصلاح الاقتصادي ، مركز الفرات

داليا عبدالرحيم ،9.8.2022 ، الاصلاح الاقتصادي ، البوابة نيوز

المقالات الأخيرة