الحرب النفسية

تعد الحرب النفسية من الأمور المهمة التي أولتها الدول والجيوش قديماً وحديثاً عناية خاصة نظراً لتأثيرها الكبير في حسم العديد من المعارك والحروب السياسية والعسكرية ويذكر لنا التاريخ أن الحرب النفسية أستخدمت في عصور ما قبل الميلاد وتطور استخدامها بتطور الزمن والمجتمعات وأساليب الحروب والمعارك فقد استخدمها الصينيون والرومان واليونان والفرس كما استخدمها العرب المسلمين لاحقاً خصوصاً في بداية الدعوة الإسلامية وتوسعوا في استخدامها خلال الفتوحات الإسلامية يعد توطيد دولتهم

وقد أستخدمت الحرب النفسية بشكل واضح في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي العديد من الحروب الإقليمية وكانت نتائجها مؤثرة في تلك الحروب وفي معاركها الكبيرة، كما استخدم الكيان الصهيوني الحرب النفسية والحرب النفسية المضادة ضد العرب بكفاءة خلال الحروب العربية _الصهيونية على العكس من العرب الذين لم يجيدوا استخدامها فأضرت بهم بدلاً من أن يستفيدوا منها

مفهوم الحرب النفسية

تأخذ مفهوم الحرب النفسية أبعاداً متعددة لكن المتعارف عليه أن للحرب النفسية مفهومين رئيسيين أولهما يعني استخدام الأساليب النفسية من قبل جماعة أو مؤسسة على شريحة أو عدة شرائح من المجتمع للتأثير على أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم واتجاهاتهم ومن ثم سلوكهم بما يخدم تلك الجماعة أو المؤسسة ، أما المفهوم الثاني فيختص بفئة معينة من المجتمع وهي المؤسسة العسكرية ويعني مفهوم الحرب النفسية هنا بأنها جميع الأساليب والإجراءات والفعاليات التي تستخدم من قبل المؤسسة العسكرية بما يخدم أهدافها العسكرية في مواجهة العدو

تعريف الحرب النفسية

عرفت الحرب تعاريف عديدة أهمها

الحرب النفسية تعني الاستخدام المدبر والكفوء للدعاية أو لأية تأثيرات نفسية أخرى لإسناد السياسة المطلوبة بالتأثير على أفكار ومواقف وسلوك الدول والفئات المحايدة والصديقة في وقت النفير والحرب

أو هي جميع النشاطات والأعمال غير القتالية التي تنقل الأفكار والمعلومات التي يراد منها التأثير على خطط وتصرفات وأعمال العدو وبالتالي التأثير على معنوياته وتثبيط همته وإرادته على القتال

وتعرَف الحرب النفسية كذلك بأنها الحرب كلها سواء كانت بالقوة المادية أو بالقوة المعنوية وهدفها هو وضع العدو في حالة نفسية معينة وهي حالة الهزيمة.

اتخذت الحرب النفسية الكثير من المصطلحات التي تعبر ولو وجدانيًا عما تدور حوله. وفيما يلي قليل من هذه المصطلحات


الحرب الباردة

حرب الأفكار

الحرب الأيديولوجية أو العقائدية

حرب الأعصاب

الحرب السياسية

الاستعلامات الدولية

الإعلام الدولي

العدوان غير المباشر

حملة الحقيقة

من أدوات الحرب النفسية

:أولا تأثير الإشاعات

الإشاعة ركنٌ أساسي في الحرب النفسية، فهي وسيلة فعالة لإحداث البلبلة في الحرب والسلم، والبلبلة مفتاح تغيير الاتجاهات وزعزعة أمن الحكم وهز الإيمان بالوطن والوحدة والثبات. ومن أصول بث الإشاعة الناجحة أن تكون بشكل خبر أو رواية مختصرة ونافذة وملائمة لاحتلال جزء من تفكير المواطن العادي لتتمكن من تحوير فكره واتجاهه، كما يجب بث الإشاعة في ظرف الغموض والالتباس، فالغموض يولد الشك، ويؤثر في الرأي العام، ويستحسن أن يكون الناس في حالة من التوجس والخوف من حدوث شيء ما ، فإذا ما ظهرت الإشاعة تبلورت حولها الهواجسُ، وتحول التوجس إلى خوف حقيقي، وهذا هو المقصود بالحرب النفسية. ويقصد بالإشاعة القصص والأخبار غير المؤيدة التي تتداولها الألسن، وهي غالباً ما تجد آذانا صاغية وميلاً قوياً لتقبلها كحقيقة واقعة. أما تأثيرها في نفوس المستمعين وقبولهم إياها فيتوقف على مقدار وعيهم ودرجة استعدادهم النفسي ، وهي عادة تجري في جسد الشعب الضعيف. ويستهدف من بث الإشاعات تحطيم معنويات الشعب بإثارة موجة الرعب والخوف في نفوس السكان لأجل تصديع الجبهة الداخلية، وكذلك في زعزعة معنويات القوات المسلحة وخلق نوع من فِقدان الثقة بينها وبين قيادتها لغرض إحلال روح التمرد وانحطاط الضبط، وبذا يمكن التغلب عليها. وهذا ما يمارسه لكيان الصهيونى حاليا بمخططات إشاعة مدروسة موجهة إلى جميع الجيوش العربية، إضافة إلى تحطيم الروابط بين الدول المتحالفة والصديقة

يظهر لنا جليا خطورة الشائعات والحرب النفسية ومدى قدرتها على اختراق الصفوف وبث القلائل والفتن، وقد قالت العرب قديما: لا تحسبّن الحرب سهما مغفرا .. ولكن سلاح الصائلين عقولُ ، كما أنّ تأثير الشائعات يمكن أن يدوم لعشرات ومئات السنين

:أولا تأثير الإشاعات

يُدار القسم الأعظم من الحرب النفسية بواسطة الدعاية؛ حيث نقل معلومات معينة وأفكار وآراء وحتى أكاذيب للتأثير على العدو وإرباك خططه ومشاريعه ولا يخفى على أحد، ما للدعاية من دور بارز في التأثير على واقع الأفراد والمجتمعات عبر تاريخ البشرية الطويل، والتي تزداد أهميتها ويبرز تأثيرها كلما تقادم الزمن، ويتجلى ذلك في عصرنا الحاضر والذي أصبح للدعاية مساحات واسعة في المجتمعات، عبر شبكات المعلومات التي اختزلت الوقت وقربت أنحاء المعمورة حتى أصبح العالم عبارة عن قرية كونية يؤثر ما يحدث في أقصى الشرق على واقع وحياة من في أقصى الغرب والعكس صحيح

:أولا تأثير الإشاعات

ويسمى أيضًا الإقناع القسري، له أهمية في الحرب النفسية كونها جهدًا منهجيًّا لإقناع غير المؤمنين بقبول ولاء أو أمر أو عقيدة معينة. هذا المصطلح مصطلح عام يتم تطبيقه بشكل عام على أي تقنية مصممة للتلاعب بالفكر أو العمل البشري ضد رغبة أو إرادة أو معرفة الفرد، من خلال التحكم في البيئة المادية والاجتماعية ، حيث تتم محاولة تدمير الولاءات لأي مجموعات أو أفراد غير مواليين ، ولإثبات أن مواقف الفرد وأنماط تفكيره غير صحيحة ويجب تغييرها، ولتنمية الولاء والطاعة المطلقة تجاه الشخص والحزب الحاكم

:رابعاً: المقاطعة الاقتصادية

هي رفض منهجي وامتناع طوعي عن استهلاك منتجات شركة أو دولة ما، أو إقامة أي علاقة اقتصادية معها، للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها تجاه بعض القضايا، كحقوق الإنسان، أو إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما. وتعد المقاطعة الاقتصادية سلاحًا رادعًا فعّالًا في مواجهة الآخر وتطويع إرادته، لما تستطيع إلحاقه به من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية

:رابعاً: المقاطعة الاقتصادية

نجد أن الحرب النفسية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف حسب الظروف والطرف المعادي، منها ما يلي

إضعاف إيمان الجماعة المعادية بكل ما يخصها من دين وعقيدة أو مبادئ وقيم، عن طريق تضخيم بعض الأخطاء السلوكية أو التصورات الفكرية المختلفة معه، وتهوين بعض القيم والتشهير بها إلى درجة الاستهزاء

إثارة بذور وعوامل الفرقة والشقاق في نفوس الجماعة المحايدة أو المعادية، بتفريق أفراد الشعب عن القيادة وتفريق أبناء المجتمع الواحد عن بعضهم البعض، عبر زرع قنابل عنقودية متنوعة في عقول أفراد وجماعات المجتمعات

تهويل وتضخيم الضائقة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، من أجل فرض الهيمنة والوصاية على الدولة المستهدفة، عن طريق قروض وخطط إنقاذ وفق شروط استدلالية تزيد الدولة المستهدفة تبعية ورضوخًا

تحقيق السيطرة على إرادة الشعوب وقياداتها وتوجيهها وفق ما تريد، وبحسب ما يخدم مصالحها وسياساتها، من خلال التشكيك في قدرات وخطط وبرامج البلدان المستهدفة، لتجعلها تتعقد من شخصيتها وبالتالي تستسلم لقرارات الدول الاستعمارية دون نقاش ولا ملاحظة

تدعيم التطرف الديني والسياسي للتشويش على القناعات والاعتقادات الدينية الصحيحة والمعتدلة والتشكيك في مصداقيتها

تعميم مشاعر الإحباط واليأس بين أفراد المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب بحكم خصوصية اهتماماته وطموحاته، وغيرها من أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية

ويؤكد مثل هذه الأهداف البروفسور "رجدار داكروس"  رئيس الحرب النفسية في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حينما قال إن من أهم أهداف الحرب النفسية هي

.تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه إليه الحرب النفسية

إرباك نظرة الشعب السياسية وقتل معتقداته كافة ومثله التي يؤمن بها

إعطاء الشعب الدروس الجديدة ليؤمن بها بعد ذلك، وبكل ما نؤمن به

زيادة شق الخلاف بين الحكومات وشعوبها

غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب الواحد

:نظرة تاريخية عن الحرب النفسية

على الرغم من أن الحرب النفسية غالبًا ما يُنظر إليها على أنها اختراع حديث، فإنها من أصل قديم.. استخدمها كورش الكبير ضد بابل ، وزرك سيس ضد الإغريق ، وفيليب الثاني المقدوني ضد أثينا. وقد نرى أن استراتيجية الطابور الخامس أحد أساليب الحرب النفسية المستخدمة في الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939، الطابور الخامس هو عبارة عن فصيل من العملاء التخريبيين السريين الذين يحاولون تقويض تضامن الأمة بأي وسيلة تحت تصرفهم، يُنسب المصطلح تقليديًا إلى إميليو مولا Emilio Mola- ، وهو جنرال قومي خلال الحرب الأهلية الإسبانية، حيث في أثناء تحرك أربعة من كتائبه إلى مدريد أشار الجنرال إلى وجود أنصاره المتشددين داخل العاصمة على أنهم "طابور خامس" ، يعملون بالخفاء في مدريد بهدف تقويض الحكومة الموالية من الداخل" على الرغم من عدم نجاح الألمان في دعايتهم بالحرب العالمية الأولى ولاسيما في الجبهة الداخلية، فقد استفادت ألمانيا من هذا الدرس؛ إذ وصلت النازية إلى السلطة عن طريق استمالة الرجل العادي، وطبق "هتلر" هذا التكتيك في الميدان الدولي بادئًا بتملق الجماهير في كل مكان، فقام بعروض تدل على القوة ثم انتهى إلى الوحشية الباردة التي لا يهمها ما يحدث في سبيل تحقيق أهدافها




:المصادر

صلاح الدين حفافصة ، 26/5/2019 ، الحرب النفسية.. حرب تغيير السلوكات والقناعات ، موقع الجزيرة

رنيم طباع ، 2021-11-23 ، الحرب النفسية - Psychological Warfare ، موقع الموسوعة السياسية

المقالات الأخيرة