دور الضبط الاجتماعي في الحد من الجريمة

المقدمة

يُشيرُ موضوع الضبط الاجتماعي إلى أشكال الحياة الاجتماعية التي يُفترضُ أنها تُسهم في النظام الاجتماعي واستقرار المجتمع، أي صورة الحياة الاجتماعية التي تحافظ على الانتظام في السلوك الإنساني، وبخاصة الامتثال للمعايير والقيم السائدة في المجتمع، وفكرة الضبط الاجتماعي قديمة، وهي نابعة من المبدأ البسيط الذي يقول: أن كل حياة اجتماعية ترتكز بالضرورة على شيء من التنظيم، وأن كل تنظيم يتضمن نوعا من الضبط ، ونظرا لأهمية الضبط الاجتماعي للمجتمع الإنساني فقد وُجد الضبط مع وجود هذا المجتمع كضرورة لازمة ينتظم بها أمره، ويحظى موضوع الضبط الاجتماعي بمكانة سامية في دراسات علم الاجتماع منذ نشأته الأولى وحتى الآن، حيث اهتم الباحثون في هذا العلم بدراسة النظم والأنساق الاجتماعية ودورها في ضبط سلوك أعضاء المجتمع، وترجع أهمية هذا الموضوع إلى محاولة الكشف عن دور النظم والجماعات والتنظيمات والأنساق في الضبط، التي تساعد على فهم المجتمع، من حيث أبنيته ووظائفه، والعمليات الدينامية فيه، والعوامل الأساسية التي تؤدي إلى تغيره

أهمية الضبط الاجتماعي

يعتبر الضبط الاجتماعي على مستوى كبير من الأهمية والضرورة في أي مجتمع، وهو الداعم الأساسي للعلاقات الاجتماعية الإيجابية والرادع للكثير من مظاهر الخلل والانحراف والتعدي على الحقوق والحريات

لا يعتدل تكوين المجتمع ولا تؤدي الوظائف في غياب الضبط الاجتماعي الذي يقود إلى الفوضى وضياع الحقوق وزيادة الاضطراب وحدوث الصراعات الاجتماعية

يتم إنجاز الضبط الاجتماعي والتحفظ عليه بكونه مهمة لازمة لوضع حدود فاصلة بين الحقوق والواجبات والحريات، وكما يرى جيرمي بنتام، إن النظام والقانون يجب أن يفعّل ويكرّس لتحقيق الرفاهية لغالبية أفراد المجتمع

يرى أوجست كونت أن التنظيم الاجتماعي عموماً والنظام السياسي و السلطة ضرورة اجتماعية هامة، فلا وجود لعلاقات اجتماعية ثابتة دون نظام سياسي أو سلطة (حكومة)، يؤدي غيابها إلى سيادة الاضطراب والزعزعة في المجتمع

أنواع الضبط الاجتماعي

الضبط الاجتماعي ليس نوعاً واحداً أو شكلاً واحداً، بل هو نوعين سنتعرف عليهما فيما يلي


 الضبط الاجتماعي غير الرسمي: يتضمن الضبط الاجتماعي غير الرسمي الامتثال لمعايير وقيم المجتمع بالإضافة إلى تبني نظام معتقد تم تعلمه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. يتم فرض هذا النوع من الضبط الاجتماعي من قبل العائلة والأصدقاء والزملاء وينبع الضبط الاجتماعي في الموافقة أو رفض سلوك معين لدى الفرد. عندما نكبر، فإن عائلتنا هي التي تعلمنا كيف نفكر وكيف نتصرف بطريقة صحيحة تتناسب مع المجتمع وعاداته وتقاليده، قد تكون هذه السلوكيات والقيم خاصة بالعائلة كالاتيكيت عند طبقة الأثرياء أو يمكن أن تكون خاصة بالمجتمع بشكلٍ عام كالصدق والأمانة، وتساعدنا عائلتنا في فهم الأخلاق واستيعابها بحيث تتجذر في ضميرنا. هذا هو الجزء من أنفسنا الذي يُظهر الوعي الذاتي، وهو قادر على الشعور بالذنب، وممارسة ضبط النفس، وغير ذلك الكثير. يمكن لأصدقائنا وزملائنا القيام بأشياء مماثلة يمكنهم أن يعلمونا دروساً مهمة، أو قد يمارسون ضغط الأقران الذي سيجعلنا نتصرف بطرق مختلفة أو ما تأثير رفاق السوء

الضبط الاجتماعي الرسمي: يتضمن الضبط الاجتماعي الذي تقوم به السلطات المحلية والحكومية والشرطة والجيش، تستخدم الحكومة القوانين والمحاكم لممارسة الرقابة الاجتماعية، فتحاول الحكومة حماية أولئك الذين يتبعون القواعد ومعاقبة من لا يلتزمون بها والقبض على المخالفين


يتجاوز الضبط الاجتماعي الرسمي الحكومي النظام القانوني كالرعاية الصحية، حيث تحاول الحكومة التشجيع على الذهاب لإجراء فحص طبي سنوي. في كثير من الحالات، يكفي تواجد الشرطة لتحقيق هذا الشكل من السيطرة أو الضبط الاجتماعي الرسمي. في حالات أخرى، قد تتدخل الشرطة في موقف ينطوي على سلوك غير قانوني أو خطير لوقف سوء السلوك والحفاظ على السيطرة الاجتماعية، وتقوم الهيئات الرسمية مثل القضاء ووزارة العدل بإصدار قانون يحدد العقوبات الواجب فرضها على من ينتهك القوانين

وسائل الضبط الاجتماعي

تشمل وسائل الضبط الاجتماعي العديد من الآليات المجتمعية والسياسية التي تنظم السلوك الفردي والجماعي في محاولة لتحقيق التوافق والامتثال لقواعد مجتمع معين أو دولة أو مجموعة اجتماعية، يحدد علماء الاجتماع شكلين أساسيين للضبط الاجتماعي

وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية: تشمل وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية؛ ما تقوم به الدولة وتسنه من أنظمة وقوانين، حيث يتم فرض العقوبات للخارجين عن القانون لمنع الفوضى أو العنف في المجتمع

 وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية: عادةً ما يتضمن الضبط الاجتماعي غير الرسمي التنشئة الاجتماعية للفرد على مجموعة من العادات والقيم والتقاليد التي يوافق عليها المجتمع، فيتشبع بها الفرد وتصبح منهجاً يحدد به مسار حياته، وتشمل وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية ما يلي

المكافآت: عند القيام بعمل جيد مثل المديح والثناء والدرجات الجيدة في المدرسة والترقية الوظيفية في مكان العمل والشعبية الاجتماعية المؤيدة للفرد ولنجاحه

العقوبات غير الرسمية الخفيفة: الخزي، والسخرية، والنقد، وعدم الموافقة، مما يدفع الفرد للالتزام بالمعايير الاجتماعية في المجتمع واحترامها

العقوبات غير الرسمية القصوى أو المشددة: وتشمل التمييز الاجتماعي والاستبعاد والعنف، الحصول على درجات سيئة في المدرسة، والطرد من العمل، وإنهاء العلاقة معه ومقاطعته



:المصادر

قدري عبدالفتاح الشهاوي ، موسوعة الشرطية القانونية عالم الكتب ، القاهر. مصر ، 1997

سعيد زيوش ، 30.8.2022 ، الجريمة والانحراف والضبط الاجتماعي ، موقع بصائر

فريق حلوها ، 8.5.2021، مفهوم الضبط الاجتماعي ونظرياته ، موقع حلوها

المقالات الأخيرة