الطرق السلمية لحل النزاعات الدولية

إن التسوية السلمية للنزاعات الدولية في الوقت الحالي ليست بالشيء الجديد، فجذورها متجذّرة بعمق في تأثير الأفكار التي تحتويها وتؤدي بها إلى حياة منظّمة، لأن كل مجموعة تميل إلى السعي وراء حل لمنازعاتها

حيث ان العلاقات بين الدول ليست دائما مستقرة وهادئة، وتعارض مصالح هذه الدول يؤدي في كثير من الأحيان إلى قيام النزاع بينها، والحكمة تقضي في مثل هذه الحال بأن تسعى هذه الدول إلى تسوية النزاع وديا، وبأن لا تعمد إلى وسائل العنف إلا إذا دعتها الضرورة إلى ذلك. وقد اتجهت جهود الساسة محبي السلام منذ أواخر القرن الماضي إلى إحلال الوسائل السلمية محل القوة في فض النزاعات الدولية، وعقدت لهذا الغرض المؤتمرات الكبرى مثل مؤتمر لاهاي سنتي 1899 و1907، وفيهما تقررت مجموعة من الأحكام لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية، ثم أضيفت بعد ذلك إلى هذه الأحكام غيرها مما تقرر في عهد عصبة الأمم، وما أبرم تحت ظله من اتفاقيات، وبما تقرر أخيرا من ميثاق الأمم المتحدة. و يتم حل النزاعات الدولية بداية عن طريق الوسائل السلمية(الودية) وهي أول وسيلة تلجأ إليها الدول لتسوية خلافاتها، والوسائل غير الودية، أو طرق الإكراه، والتي قد تعمد إليها الدولة إذا ما أخفقت الوسائل الأولى، و تعتبر المفاوضات من بين اهم الوسائل أو الطرق الودية


:اهم الوسائل السلمية لحل النزاعات


أولاً: اللجوء إلى المفاوضات الدبلوماسية

ازدادت أهمية المفاوضات كوسيلة لحل المنازعات الدولية في العصر الحديث، ويرجع ذلك من ناحية إلى تطور علم المفاوضات بشكل عام إلى درجة أن البعض أطلق على عصرنا الحاضر بأنه عصر المفاوضات، ومن ناحية ثانية إلى التنظيم القانوني الدولي المعاصر الذي حرم استخدام القوة في حل المنازعات وإقراره مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية، وإذا كانت وسيلة المفاوضات هي إحدى الوسائل السلمية التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة والتي يتعين على الدول المتنازعة اختيار إحداها لحل منازعاتها فإن ذلك يخلق التزاماً دولياً يقع على عاتق هذه الدول بسلك طريق المفاوضات لحل النزاعات القائمة بينها حتى يتحقق لها ذلك، أو يتم الاتفاق على وسيلة أخرى يلجأ إليها الأطراف المتنازعة لحل منازعاتها. وتعتبر وسيلة المفاوضات أكثر وسائل التسوية السلمية الأخرى ودية نظرا لغياب الطابع التخاصمي أثناء المفاوضات ولقيام أطراف النزاع أنفسهم بحل منازعاتهم، كما تتميز وسيلة المفاوضات بطبيعة خاصة تنفرد بها على جميع وسائل التسوية السلمية الأخرى، فهي من ناحية تجمع بشكل متوازن بين الطبيعة السياسية وبين الطبيعة القانونية بحيث لا تطغى طبيعة على أخرى، ومن ناحية أخرى أن المفاوضات ترتبط في كثير من الأحوال ارتباطا مباشرا مع وسائل التسوية السلمية الأخرى


ثانياً: عن طريق المساعي الحميدة

وتعرف أيضاً بالمساعي الودية ويتم اعتماد هذه الطريقة عندما تزداد الصعوبات القانونية أو السياسية بين الدولتين اللواتي حدث بينهما النزاع، بحيث يكون الاتصال المباشر بينهما صعبا للغاية. في هذه الحالة تدخل دولة أخرى بينهما تكون طرفا محايدا، هدفها تقريب وجهات النظر فقط. بحيث أن هذه الدولة المحايدة لا تقوم بالمشاركة في المفاوضات بين الدولتين اللواتي حدث بينهما نزاع


ثالثاً: باستخدام الوساطة

وهى درجة متقدمة من المساعي الودية تكفل للوسيط اقتراح الحلول للخلاف المطروح والمشاركة في المفاوضات كطرف ثالث وتقريب وجهات نظر الدول في المفاوضات لحل النزاع القائم، ومن أمثلة قبول الوساطة قبول وساطة الولايات المتحدة الأمريكية في حل نزاع طابا بين مصر والكيان الصهيوني في 25/أبريل/1985م،ومن أمثلة رفض الوساطة رفض حكومة المغرب وساطة مصر في النزاع بينها والجزائر في عام 1963م وتتم الوساطة من خلال مشاركة دولة أخرى لا علاقة لها بالنزاع في المفاوضات بين هاتين الدولتين المتنازعتين بشكل مباشر


رابعاً: التحقيق

ويقصد به أن يعهد إلى لجنة تتكون من شخصين أو أكثر لتقصى الحقائق المتعلقة بنزاع قائم بين دولتين دون إبداء ملاحظات يمكن أن تؤثر في تحديد الطرف الذى تقع عليه مسئولية قيام النزاع بل تقتصر مهمة اللجنة على جمع الحقائق ووضعها تحت تصرف الطرفين كي يتصرفا بقصد حل النزاع أو عرضه على التحكيم الدولي. وهذه اللجنة هدفها تحديد وحصر أسباب النزاع الحاصل، وبعدها تقوم بتقديم تقرير يهدف إلى تسهيل حل النزاع ويختلف التحقيق عن الوسائل العادية في صفة إجراء التحقيقات والتحريات وهى صفة شبه قضائية لا تتوفر في حالات المساعي الودية والوساطة


خامسا: اللجوء إلى التوفيق

يتم إحالة ملف النزاع إلى جهة محايدة ويتمثل ذلك في تولى لجنة مشكلة من أشخاص سواء أكانوا خبراء دبلوماسيين أو سياسيي أو قانونيين لهم خبرة دولية لبحث الخلاف موضوع التوفيق بين الأطراف ووضع تقرير يتضمن كل اقتراح مفيد لحل هذا الخلاف ويتم اللجوء إلى هذه الطريقة عن طريق الاتفاق بين أطراف النزاع. ويختلف عمل لجنة التوفيق عن لجنة التحقيق في أن لجان التوفيق تقوم بتقديم اقتراحات لحل النزاع القائم للأطراف دون أن يتمتع هذا الاقتراح بصفة الإلزام على حين أن لجان التحقيق يقتصر عملها على سرد الوقائع المطلوب التحقيق فيها فقط. اللجوء إلى التوفيق يكون إلزامياً إذا طلبه أحد أطراف النزاع وهنا تكمن الصفة التي تجعل التوفيق شبيهاً بالطرق القانونية لتسوية المنازعات الدولية وهذا الإلزام لا يتعدى قيام المجتمع بإجبار الطرق الطرف الأخر على اللجوء للتوفيق ولكن التقرير الذى يتضمن مقترحات لجنة التوفيق لا يكون ملزماً للأطراف سواء تعلق ذلك بالحقائق أو الوقائع التي يشتمل عليها التقرير


سادسا: التسوية القضائية

نصت المادة:(92)من الميثاق على أن محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسة للأمم المتحدة، ويعتبر جميع اعضاء الأمم المتحدة أطراف في النظام الأساسي للمحكمة ولكن يجوز للدول غير الأعضاء الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة. وترجع أهمية الطرق القضائية في تسوية المنازعات الدولية إلى عدة اعتبارات بعضها قانونى والبعض الأخر سياسى، ويقوم كل طرف تلقائياً بتقديم ما يستند إليه قانونياً للتمسك بحقه في السيادة على الموضوع المتنازع عليه وعليه أن يقدم أدلة الإثبات التي تؤكد هذا الحق. ولذلك فإن الطرق القضائية لتسوية النزاعات تكون نزاعات ذات طبيعة قانونية، يتصدى للفصل فيها من هو مؤهل للترجيح بين الحجج القانونية المتباينة التي يتمسك بها كل طرف من الأطراف. حيث إن حل النزاعات سلميا في المجتمع الدولي بواسطة اليات سياسية أو دبلوماسية أو قضائية يؤدي الى تجنب وقوع نزاعات مسلحة للحفاظ على الامن والسلم الدوليين واحترام سيادة الدول في اطار القانون الدولي العام. إن ما نصت عليه المادة الثانية الفقرة الثالثة من ميثاق الامم المتحدة بأن يفض جميع اعضاء المنظمة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية، بما لا يجعل الامن والسلم والعدل الدولي عرضة للخطر


. بعيدا عن المساومات السياسية التي تجعل الامن والسلم مؤقتا على حساب العدالة والحقوق الدولية. وبالنتيجة مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية يؤدي الى حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية




:المصادر

د. عمر عبد الله، 22/12/2022، تسوية النزاعات الدولية سلمياً، مجلة العلوم القانونية

لينا الصمادي، 2/11/2022، الوسائل القضائية لتسوية النزاعات الدولية، موقع أي عربي

المقالات الأخيرة