الــســــيــاســــــة الــنــقـديـــــة

يعد البنك المركزيّ الجهة القانونيّة الرسميّة المخولة بالتحكم بالسياسة النقديّة لدى الدولة، ويهدف البنك المركزيّ من خلال سياسته النقديّة إلى خلق حالة من النمو الطبيعيّ، ولذلك يقوم البنك من خلال هذه السياسة النقدية بالتحكم بالاقتصاد لعدد من الأهداف، من خلال استخدامه أدوات معينة تختلف عن الأدوات التي يتم استخدامها من قبل الحكومة في السياسة الماليّة

السياسة النقدية أذن هي مجموع الإجراء ات والتدابير التي تتوسلها السلطات العمومية من أجل ضبط الكتلة النقدية المتداولة وتزويد الاقتصاد القومي بكمية النقود الضرورية لمواكبة نموه دون الإضرار بالتوازنات الاقتصادية الداخلية (استقرار الأسعار والموازنة العامة) والخارجية (ميزان المدفوعات).ويتطلب الأمر من المصارف المركزية المسؤولة عن تدبير السياسات النقدية أن تعمد إلى تكييف الكتلة النقدية باستمرار مع حاجيات الاقتصاد، لأن كمية فائضة من النقود مقارنة بحجم السلع والخدمات المعروضة تؤدي إلى التضخم، والعكس من شأنه أن يؤدي إلى الانكماش وإدخال الاقتصاد في حلقة مفرغة

أهداف السياسة النقدية

تساعد السياسة النقدية على تحقيق مجموعة من الأهداف الممكنة، أهمها : استقرار الأسعار، دعم النمو، توفير فرص الشغل، توازن ميزان المدفوعات، استقرار المنظومة المالية، واستقرار قيمة العملة. ولكن من غير الممكن تحقيق كل هذه الأهداف في الوقت نفسه بواسطة السياسة النقدية، وعليه فالسلطات العمومية تُفاضِل بينها حسب ما تقتضيه المصلحة والظرفية الاقتصادية، وتعتمد بقية مكونات السياسة الاقتصادية (السياسة الإنفاقية والسياسة الضريبية…) لبلوغ الأهداف الأخرى. لقد لعبت السياسة النقدية في خمسينات وستينات القرن الماضي دورا بارزا في دعم النمو والتوظيف، لكن ذلك تم على حساب استقرار الأسعار ،وعرفت الاقتصادات العالمية خلال السبعينات نسب تضخم عالية أدت إلى تبني سياسات نقدية تقشفية مع بداية الثمانينات، وتميزت هذه السياسات بتطبيق أسعار فائدة جد مرتفعة. وقد أصبح مطلب استقرار الأسعار هدفا أولويا تسعى وراءه العديد من المصارف المركزية عبر العالم منذ ذلك الحين، وإن كان بلوغه يتم على حساب النمو ويخلف وراءه أعدادا غفيرة من العاطلين عن العمل، حتى بين الاقتصادات الغربية المتقدمة

انواع السياسة النقدية

:يتم تصنيف السياسات النقدية على النحو التالي

 السياسة النقدية التوسعية

تهدف إلى زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد عن طريق خفض أسعار الفائدة، وشراء الأوراق المالية الحكومية من قبل البنوك المركزية، وخفض متطلبات الاحتياطي للبنوك. كما انها تقلل البطالة وتحفز الأنشطة التجارية والإنفاق الاستهلاكي، إذا كان بلد معين يعاني من ارتفاع معدل البطالة أثناء الركود أو التباطؤ يمكن للسلطات النقدية أن تتبع السياسة النقدية التوسعية إذا كانت تنوي زيادة النمو الاقتصادي وتوسيع الأنشطة الاقتصادية. نظراً لأن السلطات النقدية جزء من السياسة النقدية التوسعية، فإنها عموماً تخفض سعر الفائدة من خلال تدابير مختلفة. يساعدهم على تعزيز إنفاق الأموال وتوفير المال بشكل غير مواتٍ إلى حد كبير، تؤدي زيادة المعروض من النقود في السوق إلى تعزيز الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار، ويعني انخفاض معدل الفائدة أنه يمكن للأفراد والشركات الحصول على قرض بشروط مناسبة للإنفاق أكثر على السلع الاستهلاكية باهظة الثمن وتوسيع الأنشطة الإنتاجية

السياسة النقدية الانكماشية

تهدف إلى تقليل المعروض النقدي في الاقتصاد، حيث يمكن تحقيقه عن طريق رفع أسعار الفائدة، وبيع السندات الحكومية، وزيادة متطلبات الاحتياطي للبنوك. حيث يمكن أن تؤدي الزيادة في المعروض من النقود إلى ارتفاع التضخم وزيادة تكاليف ممارسة الأعمال التجارية وتكاليف المعيشة، مع السياسة النقدية الانكماشية تزداد اسعار الفائدة بينما يتباطأ المعروض النقدي لخفض التضخم. ويمكن أن يؤدي بدوره إلى إبطاء النمو الاقتصادي وزيادة البطالة، لكن من الضروري في كثير من الأحيان تنفيذ ذلك لإبقاء الاقتصاد تحت السيطرة وتبريده

ما هي أدوات السياسة النقدية؟

هنالك نوعان من الأدوات التي تقوم الحكومة بتطبيق سياستها النقديّة من خلالهما، وهما الأدوات الكميّة والنوعيّة، وفي الآتي بيان مفصّل لكلا النوعين

 الأدوات الكمية

يتم استخدام الأدوات الكميّة بشكل غير مباشر للتحكم في المعروض النقديّ المتداول لدى الأفراد وحجم الائتمان في مصارف الدولة، ولها ثلاثة أنواع

سياسة سعر البنك أو سعر إعادة الخصم

ويشير مصطلح سعر إعادة الخصم إلى العائد الذي يتلقاه البنك المركزيّ من البنوك التجاريّة عند خصم الأوراق التجاريّة، كما يشير إلى معدل الفائدة الذي يُفرض على البنوك التجاريّة عند اقتراضها من البنك المركزيّ، والذي يؤدي زيادته إلى زيادة سعر الفائدة لأنَّ البنوك تقوم بتحميل تكلفة الاقتراض إلى العملاء، ففي حالات الركود يتم تخفيض معدل الخصم لينتهي بتقليل سعر الفائدة لحفز الناس وجذبهم وتشجيعهم على الاقتراض لخلق حالة من الطلب والخروج من حالات الركود، وعلى العكس من ذلك في حالات التضخم حيث يقوم البنك المركزيّ برفع معدل الخصم لإبطاء النمو في المعروض النقديّ وذلك بسبب عدم رغبة الناس في الاقتراض بتكلفة عالية

عمليات السوق المفتوح

وهي العمليات التي يقوم من خلالها البنك المركزيّ بشراء وبيع الأوراق الماليّة في السوق الماليّ، ففي حالات الركود يقوم البنك بشراء السندات والأوراق الماليّة المطروحة ودفع الأموال مقابلها لمصدّر هذه الأوراق بهدف زيادة المعروض النقديّ وزيادة الطلب، وأما في حالات التضخم فيقوم البنك ببيع هذه الأوراق أو إصدار أوراق ماليّة وطرحها ليتم شراؤها من قبل الأفراد في السوق الماليّ وجمع الأموال لتقليل المعروض النقديّ في محاولة لكبح التضخم الاقتصاديّ

نسبة الاحتياطي الإلزامي

يقوم البنك المركزيّ بفرض نسبة من الاحتياطيّ النقديّ على البنوك؛ وذلك بإجبار هذه البنوك على تجميد مبلغ معين من المال يمثل نسبة من إجمالي الودائع في البنك، ويتم الاحتفاظ به في صندوق احتياطيّ لدى البنك نفسه أو لدى البنك المركزيّ، ويمنع البنك من استخدام هذه الأموال وتوظيفها من خلال الإقراض أو أيّ وسيلة أخرى، ففي حالات التضخم يزيد البنك من نسبة الاحتياطيّ النقديّ لتقليل الأموال المتاحة للإقراض لدى البنوك، وعلى العكس من ذلك في حالات الركود فيقوم البنك المركزيّ بتخفيض نسبة الاحتياطيّ النقديّ لتوفير مبالغ أكبر لدى البنوك تكون متاحةً للإقراض لحفز النمو الاقتصاديّ

 الأدوات النوعية

وتهدف الأدوات النوعيّة للسياسة النقديّة إلى تنظيم وتخصيص وتوجيه الائتمان في جميع القطاعات، وذلك بما يتوافق مع الحالة الاقتصاديّة في الدولة، وهنالك العديد من أدوات السياسة النقديّة النوعيّة الموضّحة على النحو الآتي

متطلبات هامش الربح

ويشير هذا المصطلح إلى مبلغ نقديّ يدفعه العميل كهامش الجديّة مثلاً بنسبة من مبلغ التمويل وذلك للموافقة على منحه طلب التمويل، وبشكل أوضح يمكن أن يطلب البنك دفع مبلغ نقديّ مقدماً قيمته 10% من مبلغ الدين البالغ 100 ألف وبالتالي فيجب على العميل أن يمتلك دفعة تقدّر بـ 10 آلاف ليقوم البنك بتمويل العميل بالمبلغ المتبقي وهو 90 ألفًا، وتهدف هذه الأداة إلى توجيه الائتمان نحو القطاعات التي تحتاج التمويلات وتقليل نسبة الائتمان في القطاعات غير الضروريّة أو التي تعاني من التضخم، ففي القطاع الذي يشهد معدلات مرتفعةً من الأسعار بسبب أنَّ مستهلكيه يمتلكون سيولةً كافيةً فإنَّ البنك المركزيّ يزيد من متطلبات الهامش التي سيدفعها عملاؤه للحصول على قرض، والعكس صحيح في حالة أراد البنك المركزيّ توجيه الائتمان نحو قطاع آخر لا يعاني تضخمًا

الإقناع الأخلاقي

ويشير ذلك إلى وسائل الإقناع التي يمارسها البنك على قطاع المصارف والبنوك من غير القيام بإجراءات صارمة، فهو أقرب ما يكون إلى طلب أو اقتراح، فيتم مشاركة التوقعات المكونة لدى البنك المركزيّ وخطته المرسومة لتقييد الائتمان أو تحريره في حالات التضخم والركود، فتقوم البنوك بالمساعدة في تنفيذ خطة البنك المركزيّ عبر سلسلة من الاقتراحات التي يقدّمها البنك المركزيّ لهذه البنوك

تقنين الائتمان

يتم تحديد مبلغ الائتمان المسموح للبنوك التجاريّة إقراضه، بحيث تهدف هذه الأداة إلى التقليل من المعروض النقديّ بشكل مباشر جداً، لأنَّ إقراض المزيد من الأموال في حالات معينة سيؤدي إلى زيادة الأموال الموجودة لدى الأفراد فيزيد ذلك من احتماليّة إنفاقها على الاستهلاك والاستثمار؛ الأمر الذي سيزيد من حالات التضخم والذي يعد أمراً سلبياً في حالات الازدهار وإيجابيًّا في حالات الركود

إدارة الائتمان الاستهلاكي

تقوم هذه الأداة بتنظيم وإدارة الإنفاق الائتمانيّ على قطاع الاستهلاك، وذلك من خلال وضع نسبة ثابتة وأرقام محددة ودفعات مقدّمة للحصول على هذا النوع من الائتمان؛ مثل تحديد الأقساط الشهريّة وهامش الجديّة ومبلغ القرض للسلع التي يتم بيعها عن طريق الأقساط أو عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك

التوجيهات المباشرة

يقوم البنك بتوجيه العديد من الأوامر والخطوات التي يجب على البنوك في الدولة اتّباعها، وتختلف هذه الخطوات في كل وقت فهي غير ثابتة؛ حيث يمكن للبنك توجيه البنوك إلى زيادة حصة قطاع معين من الائتمان أو تقليص حصة قطاع آخر مثلاً

الإجراءات الجزائية

يقوم البنك المركزيّ بفرض العقوبات على أيّ بنك لم يلتزم بالتوجيهات التي تمَّ طرحها من قبل البنك المركزيّ، وذلك لأنَّ عدم الالتزام بهذه التوجيهات سيعرقل سير السياسة النقديّة لتحقيق أهدافها، ويمكن أن تكون هذه العقوبات مثلًا: فرض حظر حكوميّ للتعامل مع هذا البنك، أو الامتناع عن خصم الأوراق التجاريّة ورفع الأسعار على البنك، أو رفض طلبات البنك في الحصول على ائتمان عند تجاوز التزامات هذا البنك لرأس ماله

التوعية

يقوم البنك المركزيّ بنشر العديد من التقارير التي توضح إيجابيات وسلبيات الأنظمة المتبعة من قِبل البنوك، وتوفير معلومات عن كيفية توجيه الائتمان من قِبل البنوك إلى القطاع الصحيح الذي يحقق البنك من خلاله أهدافه في تحقيق الربح وبنفس الوقت الذي يحقق البنك المركزيّ أهدافه عن طريق السياسة النقديّة




:المراجع

محمد الزعبي ، 9.11.2021 ، أهم المعلومات عن السياسة النقدية ، موقع رواد

(ب ، ن ) ، 5.8.2015 ، السياسة النقدية.. التوازن الصعب ، الجزيرة

المقالات الأخيرة