ذكرى استقلال ليبيا

يستذكر الليبيون في الرابع والعشرين من ديسمبر من كل عام ذكرى استقلال ليبيا، الذي جاء تتويجاً لكفاح الآباء والأجداد ضد حكم المستعمر الأجنبي البغيض، ففي مثل هذا اليوم من العام 1951 تم إعلان استقلال ليبيا تحت اسم المملكة الليبية المتحدة لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة تتمتع بالحكم الديمقراطي تحت مظلة الدستور. فبعد سنوات من هيمنة الاستعمار والحروب والصراعات الاجنبية لبسط النفوذ على تراب هذا الوطن، ومحاولة تقاسم أراضيه تحت ذريعة الوصاية جاءت مساعي المناضلين الليبيين لإحباط محاولات التقسيم مدافعين عن قضيتهم وحقهم في الاستقلال كدولة موحدة، وتجلت المساعي الحميدة في إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (289) بإعلان استقلال ليبيا

اليوم إذ تمر الذكرى الواحد والسبعون لهذه المناسبة المجيدة ، فأن الليبيون يقفون بكل إجلال وإعزاز احتفاءً بهذا الحدث التاريخي الذي يسجل بدايات التجربة الديمقراطية لدولة ليبيا الحديثة، دولة القانون والدستور، وما تحقق خلالها من زخم انتخابي تجسد في أربعة انتخابات تشريعية في تلك الفترة كانت من التجارب الرائدة على المستوى الإقليمي


:نبذة تاريخية

قاومت القوات الليبية والعثمانية الإيطاليين لفترة قصيرة، ولكن تركيا تنازلت عن ليبيا لإيطاليا بمقتضى معاهدة أوشي التي أبرمت بين الدولتين في 18 أكتوبر 1912م، وأدرك الليبيون الآن أن عليهم أن ينظموا صفوفهم ويتولوا بأنفسهم أمر المقاومة والجهاد ضد المستعمر، وقد اشتدت مقاومة الليبيين للقوات الإيطالية مما حال دون تجاوز سيطرة الإيطاليين المدن الساحلية، ولما دخلت إيطاليا الحرب العالمية الأولى 1915 م حاولت تركيا استغلال الحركة السنوسية التي كانت بقيادة احمد الشريف السنوسي فمارست تركيا عليه بعض الضغوط لما عرف عليه حبه للمسلمين واحترامه لدولة الخلافة فدخلت قوات الحركة في قتال مع القوات الإنجليزية التي كانت في مصر فابتليت قوات الحركة بخسائر كبيرة، وبعد هزيمة قواته تنازل عن الزعامة لإدريس السنوسي وقاد الجهاد نيابة عنه في برقة في الجبل الأخضر المجاهد عمر المختار

وفي طرابلس قاد الجهاد سليمان باشا الباروني ومجموعة من المجاهدين في منطقة طرابلس منهم السويحلي والمريض وسوف المحمودي واعلان الجمهورية الطرابلسية ثم حكومة الإصلاح

ومنذ ذلك الحين، حرصت إيطاليا على احتلال ليبيا، وكانت تفكر في جعلها امتدادا لها من جهة الجنوب. وعندما خسرت الحرب العالمية الثانية وخرجت القوات الإيطالية من ليبيا، ملأت القوى المنتصرة في الحرب (بريطانيا والولايات المتحدة) الفراغ، ولكنها لم تكرر خطأ الإيطاليين بالتوغل في العمق الليبي وبقيت على الشواطئ، حتى تمكنت ليبيا من إعلان استقلالها في عام 1371 للهجرة (1951م

. واتفقت بريطانيا وإيطاليا في 10 مارس 1949 على مشروع بيفن سيفورزا الخاص بليبيا الذي يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، وقد وافقت عليه اللجنة المختصة في الأمم المتحدة في يوم 13 مايو 1949 م وقُدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للإقتراع عليه، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة، نتيجة للمفاوضات المضنية لحشد الدعم لإستقلال ليبيا التي قام بها وفد من أحرار ومناضلي ليبيا للمطالبة بوحدة واستقلال ليبيا، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21/11/1949 الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952

وكُوِنت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة. وفي شهر أكتوبر 1950 تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضواً يمثل كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة (عشرون عضواً) وفي 25 نوفمبر من السنة نفسها اجتمعت الجمعية التأسيسية برئاسة مفتي طرابلس لتقرر شكل الدولة، وعلى الرغم من اعتراض ممثلي طرابلس على النظام الإتحادي فقد تم الإتفاق، وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور، فقامت تلك اللجنة بدراسة النظم الإتحادية المختلفة في العالم وقدمت تقريرها إلى الجمعية التأسيسية في سبتمبر 1951 وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة بليبيا، وفي 29 مارس 1951 أعلنت الجمعية التأسيسية عن تشكيل حكومة اتحادية لليبيا مؤقتة في طرابلس برئاسة السيد محمود المنتصر، وفي يوم 12/10/1951، نقلت إلى الحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسلطات المالية نقلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية في 15/12/1951، وأعقب ذلك في 24 ديسمبر 1951 م إعلان الدستور واختيار ادريس السنوسي ملكا للمملكة الليبية المتحدة بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان). ولكن على الرغم من كل ما قامت به بعض الدوائر الاستعمارية بعد 1951 م من أجل الإبقاء على ليبيا مقسمة وضعيفة تحت ذلك النظام الاتحادي، فإن شعب ليبيا عبر ممثليه المنتخبين ، قاموا في 26 أبريل 1963 بتعديل دستورهم وأسسوا دولة ليبيا الموحدة وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدة ليبيا تحت اسم المملكة الليبية وعاصمتها طرابلس


وفي 24 ديسمبر 1951م حيث بدأ الملك خطابه بعد البسملة، بكلمة مفتوحة وجهها إلى عموم الشعب الليبي

قائلاً: "إلى شعبنا الكريم: يسرنا أن نعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة لجهادها، وتنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر 1949 م، قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة وإنا لنبتهل إلى المولى بأخلص الشكر وأجمل الحمد على نعمائه، ونوجه إلى الأمة الليبية أخلص التهاني بمناسبة هذا الحدث التاريخي السعيد، ونعلن رسمياً أن ليبية منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، ونتخذ لنفسنا من الان فصاعداً لقب صاحب الجلالة ملك المملكة الليبية المتحدة، ونشعر أيضاً بأعظم الاغتباط لبداية العمل منذ الان بدستور البلاد كما وضعته وأصدرته الجمعية الوطنية في 6 محرم سنة 1371 ه/ 7 أكتوبر 1951 م، وإنه لمن أعز أمانينا كما تعرفون أن تحيا البلاد حياة دستورية صحيحة، وسنمارس من اليوم سلطاتنا وفقاً لهذا الدستور، ونحن نعاهد الله في الفترة الخطيرة التي تجتازها البلاد أن نبذل كل جهدنا حتى تحتل بلادنا العزيزة المكان اللائق بها بين الأمم الحرة. وعلينا جميعاً أن نحتفظ بما اكتسبناه بثمن غالٍ، وأن ننقله بكل حرص وأمانة إلى أجيالنا القادمة

على الرغم من كل المآسي والأحزان التي عانى منها الشعب الليبي، فهو مازال شعبا محبا للحياة لا تفارق الابتسامة وجهه، ولا تغيب عن أيامهم ومناسباتهم مظاهر الابتهاج والسعادة. فرغم كل الاختلافات بين أفراد الشعب الليبي، إلا أنهم في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية والدينية ينبذون التفرقة والخلافات، ويعملون على توحيد صفوفهم وجبهاتهم، ويشتركون جميعًا في إقامة المراسم الاحتفالية




المراجع

ب . ن ، 24/12/ 2020 ، في ذكرى الاستقلال، نعمل معا من أجل مستقبل ليبيا ، المفوضية الوطنية العليا للانتخابات

ب . ن ، 24 ديسمبر 2020 ، إستقلال ليبيا ... ملحمة كفاح وتاريخ يتجدد ، مجلة المسلح

ب . ن ، 24 ديسمبر 2020 ، ليبيا تحتفل بالذكرى 69 للاستقلال ، صحيفة بوابة الوسط

المقالات الأخيرة