الموظف الدولي حصاناته وامتيازاته

ارتبط مفهوم الموظف الدولي بظهور المنظمات الدولية التي وجدت من خلالها الجماعة الدولية الضرورة القصوى للمحافظة على مصالح الدول، ولم يعرف قبل ظهور المنظمات الدولية مصطلح الموظف الدولي فلكل منظمة دولية جهاز اداري فضلا عن اجهزتها التشريعية والقضائية ويتكون هذا الجهاز من مجموعة الموظفين الذين قد يكبر عددهم أو يقل حسب حاجة المنظمة ، والذي يطلق عليهم اسم "الموظف الدولي

:المقصود بالموظفين الدوليين

هم طائفة معينة من العاملين بالمنظمات الدولية «الأمم المتحدة ــ جامعة الدول العربية ــ الاتحاد الأوروبي ــ اليونسكو ــ منظمة الصحة العالمية.. إلخ»، تختلف في صفتها ومركزها القانوني عن باقي الطوائف، وهى تتميز بأنها تتفرغ للعمل بصورة دائمة من أجل الهدف الذى قامت المنظمة لتحقيقه، وبأنها تخضع لمركز قانوني تحدده المن ظمة التي يعملون بها من حيث حقوقهم وواجباتهم وحصاناتهم

ويعرف الفقه الموظف الدولي بأنه «كل من يعمل في خدمة منظمة دولية تحت إشراف أجهزتها، وطبقاً لقواعد ميثاقها ولوائحها، من أجل القيام بوظائف لصالحها وبصفة مستمرة وعن طريق التفرغ

تلجأ المنظمات الدولية لإنجاز مهامها ووظائفها إلى عدد كبير من العاملين والفنيين والإداريين، ومنهم من يعمل بصفة دائمة ومنهم من يعمل بصفة مؤقتة، ولقد عرفت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 1949 الموظف الدولي بأنه" كل شخص يعمل بأجر أو بدون أجر بصفة دائمة أو مؤقتة يعين بواسطة أحد فروع المنظمة لممارسة إحدى وظائف المنظمة أو المساعدة في مباشرتها وباختصار هو كل شخص تعمل المنظمة بواسطته . يتميز الموظف الدولي عن الموظف الداخلي بأنه يمنح مجموعة من الحصانات والامتيازات كالحصانة الشخصية والقضائية والإعفاء من الضرائب والرسوم التي لا يتمتع بها الأخرين لضمان أداء مهامهم وتحقيقاً لصالح وخدمة المنظمة الدولية

:تمييز الموظف الدولي عن ممثلي الدول الأعضاء (البعثات الدبلوماسية)

يتمتع الموظف الدولي للقيام بواجباته بحصانات وامتيازات مطلقة يمكن أن يتمتع بها امام الدول بما فيها الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته لأنها حصانات ممنوحة لصالح الوظيفة الدولية فقط، أما ممثلو الدول الأعضاء فلا يتمتعون بالحصانات في مواجهة دولهم وإنما يتمتعون بها في مواجهة كل الدول لأنها مقررة لصالح الدولة التي يمثلونها وليس لأشخاصهم

يتمتع الموظف الدولي بالحق في الحماية الوظيفية التي توفرها المنظمة التابع لها والتي تجعله يمارس نشاطه باستقلالية بعيدا كليا عن رقابة أي حكومة أو أي سلطة أو منظمة أو شخص خارج منظمته، أما الحماية الدبلوماسية فتقرر لممثلي الدول الاعضاء عند إلحاقهم ضرر جراء عمل مشروع منسوب لدولة ما وفق لشروط معينة، فان الأمر لا يخلو من تباين بينهما ويكمن الفارق بينهما في الأمور الآتية

من حيث التعين: يتم تعين الموظف الدولي بقرار صادر عن الأمين العام للمنظمة أو أي جهاز إداري تابع لها، بينما يتم تعين ممثل الدولة بواسطة دولته.

من حيث التبعية: ان كل شخص يخضع لنظامه القانوني المسئول عن تعينه، وتطبيقا لهذا المبدأ نجد أن ممثل الدولة لا يخضع لنظم ولوائح المنظمة إلا فيما يتصل بالنواحي الإجرائية في الجهاز الدولي الذي يمثل دولته لديه، أما فيما عدا ذلك فإنه يخضع خضوعا كاملا وفي تبعية قانونية كاملة للنظام القانوني لدولته و يتلقى التعليمات الصادرة منها ويتقيد بها

من حيث المسؤولية: في حالة الخطأ في ممارسة الوظيفة فإن ممثل الدولة العضو يسأل عن ذلك أمام دولته ،أما الموظف يكون مسئول أمام منظمته ، ويستثنى من ذلك ما يجري عليه العمل في إطار برنامج المساعدات الفنية حيث تلجأ المنظمات الدولية بموجب هذا البرنامج إلى نظام الموظف المختص بأعمال الإدارة والتوجيه المعروف باسم ( أوبسك )

:امتيازات الموظف الدولي

لإسهام الموظف الدولي في تسيير أعمال المنظمة يتطلب تمتع هذا الأخير بمجموعة مـن المزايا والحصانات التي تساهم في أدائه لمهامه في ظروف جيدة، وهذه الامتيازات لهـا ارتبـاط بالوظيفة أكثر من ارتباطها بالموظف الدولي، "والمنظمة الدولية هي التي تحدد فئـات المـوظفين الدوليين الذين يتمتعون بالامتيازات والحصانات وترسلها إلى السلطات المختصة في دولة المقـر، وفيما يلي الامتيازات التي يتمتع بها الموظف الدولي

:الحصانة المالية

وتتمثل في إعفاء رواتب الموظفين الدوليين من الضرائب وذلك بهدف تحقيق المساواة بين رواتب كافة الموظفين الدوليين، وذلك بصرف النظر عن اختلاف جنسياتهم أو تباين التشريعات الضريبية في دول كل منهم، ويشمل هذا الإعفاء الراتب الأصلي للموظف الدولي دون باقي موارد دخله كما أن الإعفاءات المالية تشمل أيضا، الإعفاء من الرسوم الجمركية عند بداية العمل بالمنظمة الدولية أو عند انتهاء مهامه كموظف دوليا على ما يستورده من منقولات خاصة المنزلية منها كالأثاث والأمتعة وتشمل الإعفاءات أيضا القيود الخاصة بالنقد الأجنبي، وفتح الحسابات في البنوك لعملات أجنبية، وتحويل النقد من دولة إلى أخرى

:الحصانة الجنائية

تقوم غالبية المنظمات الدولية على التفرقة بين الموظفين التابعين لها في شأن مدى الحصانات والامتيازات التي يتمتعون بها في هذا الخصوص وتطبيقا لذلك نجد أن اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية قد قررت منح الحصانة القضائية في المادة 22 منها "علاوة على المزايا والحصانات المنصوص عنها ، يتمتع الأمين العام والأمناء المساعدون والموظفون الرئيسيون هم وزوجاتهم وأولادهم القصر بالمزايا والحصانات التي تمنح طبقا للعرف الدولي للمبعوثين الدبلوماسيين كل بحسب درجته"، فالحصانة الجنائية للمبعوث الدبلوماسي هي نفسها للموظف الدولي، هذا وقد نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م بقولها : "يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها ، وكذلك فيما يتعلق بقضائها المدني والإداري" ومنه فإن إعفاء المبعوث الدبلوماسي من الخضوع للقضاء الجنائي في الدولة الموفد إليها إعفاء كاملا، تعتبر من القواعد القانونية الدولية الآمرة


وفي الختام ..... ومن هذا المنطلق، فإن من المسلم به بين فقهاء القانون الدولي أن الحصانات لا تشمل إلا التصرفات العامة والأعمال الرسمية التي يقوم بها الموظف الدولي أثناء مباشرته لأعمال وظيفته، أما التصرفات الخاصة التي يأتيها، مثل إبرامه عقود بيع أو شراء أو غيرها متعلقة بمصالحه الشخصية، وكذا ما يدخل من تصرفاته في نطاق الأحوال الشخصية والميراث والوصية، فلا يمتد إليها نطاق الحصانات. ومن باب أولى، فإن التصرفات التي تجاوز حدود صلاحيات الوظيفة أو التي يقوم بها الموظف لتحقيق مصالح شخصية أو التي تمثل جرائم معاقباً عليها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يثور أي حديث عن الحصانات بصددها، بل إن هذه التصرفات الأخيرة لا تتفق أصلا وواجبات الموظف الدولي، المسلم بها فقهاً وقضاءً. وفى هذا المعنى تتحدث المادة 105 فقرة 2 من ميثاق الأمم المتحدة عن تمتع موظفي الهيئة العالمية «بالمزايا والحصانات التي يتطلبها استقلالهم في القيام بمهام وظائفهم المتصلة بالهيئة»، وتوضح الأعمال التحضيرية لهذه المادة المنشورة ضمن وثائق مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 «أن اصطلاح (مزايا وحصانات) قد استخدم بهدف الإشارة لأوضاع تعتبر لازمة لتحقيق أهداف المنظمة وحرية عمل أجهزتها، ومباشرة الموظفين لالتزاماتهم وواجباتهم المنوطة بهم في استقلال



:المصادر

صالح بالة ، 11.10.2020 ، الموظف الدولي - International Staff ، الموسوعة السياسية

غزيل عائشة ، 21 .4 2019 ، الحماية القانونية للموظف الدولي ، جامعة جيلالي ليابس –سيدي بلعباس كلية الحقوق والعلوم السياسية

المقالات الأخيرة