اعتمد
رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوربي الوثيقة التوجيهية “البوصلة
الاستراتيجية”، التي تعد أول كتاب أبيض للإتحاد الأوروبي في مجال الأمن والدفاع،
خلال اجتماع المجلس الأوروبي الذي عقد في
يومي 24 و25 مارس 2022. ويستهل الاتحاد الأوروبي مرحلةً جديدةً في سياسته الدفاعية
والأمنية تتمثل في توفير الوسائل التي ستتيح له مواجهة التهديدات والتحديات في
المرحلة الراهنة وفي المستقبل، وذلك في سياق يسجّل تدهور بيئتهم الاستراتيجية بفعل
عودة الحرب في أوروبا، واشتداد التنافس بين الدول النافذة واستمرار الأزمات في أوروبا
وفي العالم.
وترتكز
البوصلة الاستراتيجية، التي أثمرت عن الأعمال التي استهلتها المؤسسات والدول
الأعضاء في عام 2020، على تحليل مشترك للتهديدات ومكامن الضعف التي تعتري البلدان
الأوروبية ويوجهونها على نحو مشترك. وأسهمت هذه الأعمال في استحداث ثقافة
استراتيجية مشتركة وفي تمتين تماسك الأوروبيين في مجالي الدفاع والأمن، وهو ما
يتزامن مع عودة الحرب إلى القارة الأوروبية.
حيث
تشمل الوثيقة التوجيهية أوجه السياسة الأوروبية الأمنية والدفاعية كافة وتقوم على
الركائز الأربعة التالية:
التصرّف:
ويتمثل في تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات فعلية في عالم تتعاظم
الوحشية والمباغتة فيه.
التأمين:
يتمثل في النهوض بالقدرة على حماية الحيّز الاستراتيجي المشترك والدفاع عن القيم
والقواعد والمبادئ التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي
الاستثمار:
ويشمل تعزيز السيادة التقنية من خلال تحسين القدرات الدفاعية.
العمل
في شراكة: يتمثل العمل مع “الشركاء” في تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي بوصفه شريكاً
دولياً.
وبهدف
تنفيذ الاستراتيجية الشاملة للاتحاد الأوروبي، تم اتخاذ خطوات حاسمة في مجالي
الأمن والدفاع. وتتألف الحزمة من ثلاث ركائز أساسية هي:
أهداف
وطموحات سياسية جديدة للأوروبيين لتحمل مسؤولية أكبر عن أمنهم ودفاعهم.
أدوات
مالية جديدة لمساعدة الدول الأعضاء وقطاع الدفاع الأوروبي على تطوير قدرات دفاعية
("خطة العمل الأوروبية في مجال الدفاع").
مجموعة
من الخطوات الملموسة متابعة للإعلان المشترك للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
والتي حددت مجالات التعاون.
وتشكل هذه العناصر الثلاثة مجتمعة حزمة شاملة
لتعزيز أمن الاتحاد الأوروبي ومواطنيه.
يمثل
التهديد الاقتصادي عامل محوري في الاستراتيجية الأوروبية للدفاع والأمن، بعد الحرب
الأوكرانية، خاصة في ضوء المنافسة العالمية المحتدمة في المجال الاقتصادي بين
الغرب وروسيا من الناحية الأخرى ومعها الصين. وبشكل خاص، تعتبر حرب أوكرانيا،
والصراعات في جورجيا ومولدوفا، والدور الذي تلعبه دول مثل بيلاروسيا، هي التهديدات
الرئيسية لأوروبا، والوضع غير المستقر في غرب البلقان، والإرهاب الإسلاموي في
منطقة الساحل الأفريقي، والصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، إلى جانب الاهتمام
المتزايد بالهند ومنطقة المحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى التهديدات
السيبرانية.
حيث يقول جوزيب بوريل، ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “يجب أن تتعلم أوروبا التحدث بلغة القوة”. تعبر هذه التصريحات تماماً عن الخطوات التي تتخذها دول التكتل الأوروبي لإقرار استراتيجية حماية أمنية وسياسية واقتصادية، في ضوء التحولات التي تشهدها دول الاتحاد تأثراً بالأزمة الأوكرانية وما نتج عنها من تداعيات مثلت خطراً مباشراً على أمن أوروبا العسكري والاقتصادي.
استراتيجية أوروبا
للأمن الاقتصادي
أطلقت
المفوضية الأوروبية، 20 يونيو 2023، استراتيجية جديدة للأمن الاقتصادي، في ظل سياق
من التوترات الجيوسياسية الدولية، أبرزها تداعيات الأزمة الأوكرانية على أوروبا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إن بروكسل ترغب في التأكد
من أن عدداً معيّناً من التكنولوجيات الأوروبية لن تسهم في تعزيز القدرات العسكرية
لبعض البلدان. وفي مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، تريد بروكسل المضي في
نهج تجاه بكين يوازن بين المخاوف بشأن الاعتماد المفرط على الصين مع الحفاظ على
العلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
جاء في وثيقة نُصّت في بروكسل أنّ المفوضية ترغب عبر الاستراتيجية الجديدة في معالجة المخاطر الأمنية التي تشكلها الاستثمارات الخارجية، وتعزيز ضوابط التصدير على السلع التي لها استخدامات مدنية وعسكرية. ومن بين التكنولوجيات التي تذكرها الوثيقة الحوسبة الحكومية، الذكاء الاصطناعي، الجيل السادس من الاتصالات، والتكنولوجيا الحيوية، الرقائق الدقيقة المتقدمة، والروبوتات. ومن المرجح أن تمنع الاستراتيجية الشركات الأوروبية من إنتاج عدّة أنواع من التكنولوجيا في بلدان مثل الصين وروسيا.
أهداف الاستراتيجية
تركز
الاستراتيجية الأوروبية للأمن الاقتصادي على عدة محاور أبرزها تقليل المخاطر
الناشئة عن بعض التدفقات الاقتصادية في سياق التوترات الجيوسياسية المتزايدة
والتحولات التكنولوجية المتسارعة، مع الحفاظ على أقصى مستويات الانفتاح
والديناميكية الاقتصادية، وتحدد الاستراتيجية المقترحة إطاراً مشتركاً لتحقيق
الأمن الاقتصادي من خلال تعزيز القاعدة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي وقدرته
التنافسية. الحماية من المخاطر؛ والشراكة مع أوسع نطاق ممكن من البلدان لمعالجة
الاهتمامات والمصالح المشتركة.
إن
المبادئ الأساسية للتناسب والدقة ستوجه التدابير المتعلقة بالأمن الاقتصادي، كما
تسعى الدول الأوروبية لإتباع نهج أكثر شمولاً لإدارة المخاطر إن المخاطر التي
تفرضها بعض الروابط الاقتصادية تتطور بسرعة في البيئة الجيوسياسية والتكنولوجية
الحالية وتندمج بشكل متزايد مع المخاوف الأمنية. ولهذا السبب، يتعين على الاتحاد
الأوروبي أن يعمل على تطوير نهج شامل في تحديد وتقييم وإدارة المخاطر التي تهدد
أمنه الاقتصادي بشكل مشترك.
وتقول أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، في 21 يونيو 2023: (لقد كان التكامل العالمي والاقتصادات المفتوحة بمثابة قوة من أجل الخير لأعمالنا، وقدرتنا التنافسية، واقتصادنا الأوروبي. وهذا لن يتغير في المستقبل. ولكن يتعين علينا أيضاً أن نكون واضحين بشأن عالم أصبح أكثر إثارة للجدل وجيوسياسياً. ولهذا السبب أصبح موضوع الأمن الاقتصادي أولوية بالنسبة لنا وللعديد من شركائنا. واليوم أصبحت أوروبا أول اقتصاد رئيسي يضع استراتيجية بشأن الأمن الاقتصادي. وسوف يضمن سيادة أوروبا وأمنها وازدهارها في السنوات القادمة.)
مخاطر تواجه الأمن
الاقتصادي الأوروبي
تقترح
الاستراتيجية منهجية لتقييم المخاطر، وينبغي أن تنفذها اللجنة والدول الأعضاء
بالتعاون مع رئيس المفوضية، حيثما كان ذلك مناسبا، وبمساهمة من القطاع الخاص.
وينبغي أن تكون عملية ديناميكية ومستمرة، وتقترح الاستراتيجية إجراء تقييم شامل
للمخاطر التي يتعرض لها الأمن الاقتصادي في أربعة مجالات.
_
أولاً: المخاطر التي تهدد مرونة سلاسل التوريد، بما في ذلك أمن الطاقة.
_
ثانياً: المخاطر التي تهدد الأمن المادي والأمن السيبرانى للبنية التحتية الحيوية.
_
ثالثاً: المخاطر المتعلقة بأمن التكنولوجيا وتسرب التكنولوجيا
_ رابعاً: مخاطر استخدام التبعيات الاقتصادية كسلاح أو الإكراه الاقتصادي.
آلية تجنب المخاطر
تحدد
الاستراتيجية أيضًا كيفية التخفيف من المخاطر المحددة من خلال نهج ثلاثي المحاور،
أي عن طريق:
_
تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، من خلال تعزيز السوق الموحدة، ودعم
اقتصاد قوي ومرن، والاستثمار في المهارات وتعزيز القاعدة البحثية والتكنولوجية
والصناعية للاتحاد الأوروبي.
_
حماية الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من خلال مجموعة من السياسات والأدوات
الحالية، والنظر في سياسات جديدة لمعالجة الثغرات المحتملة. ومن الممكن أن يتم هذا
بطريقة متناسبة ودقيقة تعمل على الحد من أي تأثيرات سلبية غير مقصودة قد تمتد إلى
الاقتصاد الأوروبي والعالمي.
_ الشراكة مع أوسع نطاق ممكن من الشركاء لتعزيز الأمن الاقتصادي، بما في ذلك من خلال تعزيز الاتفاقيات التجارية ووضع اللمسات النهائية عليها، وتعزيز الشراكات الأخرى، وتعزيز النظام الاقتصادي القائم على القواعد الدولية والمؤسسات المتعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية، والاستثمار في التنمية المستدامة من خلال البوابة العالمية.
خطوات نجو أمن
اقتصادي لدول أوروبا
ناقش
الاتحاد الأوروبي مع البرلمان الأوروبي تطوير إطار عمل مع الدول الأعضاء لتقييم
المخاطر التي تؤثر على الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي في 29 و30 يونيو 2023 ؛
ويشمل ذلك وضع قائمة بالتكنولوجيات ذات الأهمية الحاسمة للأمن الاقتصادي وتقييم
مخاطرها بهدف وضع تدابير التخفيف المناسبة، كما ناقشا الانخراط في حوار منظم مع
القطاع الخاص لتطوير فهم جماعي للأمن الاقتصادي وتشجيعهم على بذل العناية الواجبة
وإدارة المخاطر في ضوء مخاوف الأمن الاقتصادي؛ ومواصلة دعم السيادة التكنولوجية
للاتحاد الأوروبي ومرونة سلاسل القيمة في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك من خلال
تطوير التقنيات الحيوية من خلال منصة التقنيات الاستراتيجية لأوروبا (STEP).
وتم
مراجعة لائحة فحص الاستثمار الأجنبي المباشر، واستكشاف الخيارات لضمان الدعم
الموجه الكافي للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج، فضلاً
عن التنفيذ الكامل للوائح مراقبة الصادرات الخاصة بالاتحاد الأوروبي بشأن المواد
ذات الاستخدام المزدوج وتقديم اقتراح لضمان فعاليتها وكفاءتها، وجرت دراسة المخاطر
الأمنية
التي يمكن أن تنجم عن الاستثمارات الخارجية، مع الدول الأعضاء، وعلى هذا الأساس
اقتراح مبادرة بحلول نهاية العام 2023؛ اقتراح تدابير لتحسين أمن البحث لضمان
التنفيذ المنهجي والصارم للأدوات الحالية وتحديد ومعالجة أي ثغرات متبقية؛ استكشاف
الاستخدام المستهدف لأدوات السياسة الخارجية والأمنية المشتركة وتعزيز الأمن
الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بما في ذلك أدوات الدبلوماسية الهجينة والسيبرانية
وأدوات التلاعب بالمعلومات الأجنبية والتدخل.
إصدار الاتحاد الأوروبي التعليمات إلى جهاز التحليل الاستخباري للعمل بشكل خاص على اكتشاف التهديدات المحتملة للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي؛ ضمان دمج حماية وتعزيز الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بشكل كامل في العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي وتكثيف التعاون مع دول ثالثة بشأن قضايا الأمن الاقتصادي.
المراجع
_ ب،ن، 28/9/2023، أمن قومي ـ استراتيجيات
الاتحاد الأوروبي ـ الأمن والدفاع والاقتصاد، المركز الأوروبي.
_ ب،ن، 19/10/2017، حزمة الاتحاد الأوروبي
للأمن والدفاع، موقع رسمي للاتحاد الأوروبي.