القوة في العلاقات الدولية

تميزت العلاقات الدولية منذ قديم الأزل بالديناميكية والتطور، وخاصة في المفاهيم التي تتوفر في الدول حسب مقومات معينة، وأبرزها مفهوم «القوة الشاملة» الذي كان يُنظر إليه قديماً في إطار العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للدولة، ثم تم تحديد الموقع الجغرافي كأحد عناصر تلك القوة ، ثم مجهود وبرامج الدولة تجاه مواطنيها، ثم تم إضافة القوة العسكرية كأحد أركان قوة الدولة، وتلتها الديمقراطية، إذ تم وصف الدول ذات النظام الديمقراطي بالدول الأكثر قوة ، ولكن القاسم المشترك بين جميع الباحثين والمُنظرين في مفهوم القوة الشاملة، هو التخطيط للسيطرة على الدول الأخرى وفرض الهيمنة علي مقدراتها وصنع القرار فيها، وفي هذا الإطار يُعرف «مودلسكي» القوة بأنها «قابلية الدولة في استخدام الوسائل المتوافرة لديها من أجل الحصول على سلوك ترغب أن تتبعه الدول الأخرى». وهنا يتطرق الباحثون إلى التفرقة بين القدرة والقوة، حيث الأولى تشير إلى مجموع طاقات وموارد الدولة، سواء التي تستخدمها أو غير المستخدمة، وتُساهم بصورة مباشرة في تحرك تلك الدولة سياسياً لتحقيق مصالح خاصة بها، أما القوة فهي تعبئة تلك الطاقات والموارد وتحريكها من خلال الإرادة والقرار السياسي، وتشمل الأدوات الدبلوماسية والعسكرية وغيرها، وبالتالي فليس كل دولة قادرة على تسخير قدراتها في إطار القوة المطلوبة لتحقيق مصالحها، وذلك لفشل القيادة السياسية فيها.

مفهوم القوة

تعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية  وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئة أو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة، ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير" ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هو استخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين .

خصائص القوة

القوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها، والقوة بطبيعتها شيء نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى، كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع بحيث يصبح بإمكانها التأثير على دولة أخرى أقوى منها وحتى إجبارها على تغيير سياستها، فقد تلاشت قوة الولايات المتحدة الأمريكية أمام شعب فيتنام مع أنها تملك أسلحة دمار شامل، ولكن خشيت من استخدامها خوفاً من رد فعل الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي (السابق) مما دفع صانع القرار الأمريكي إلى حصر المجهود الحربي في أسلحة تقليدية .

وتتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وإن اللجوء إلى القوة هو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية ويعتمد السعي وراء القوة على الموارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة ، وليس هناك حصر مانع وجامع لمصادر قوة الدولة خاصة في المجال الدولي إذ يختلف تأثير هذه المصادر من دولة لأخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى في الدولة نفسها، ارتباطا بطبيعة الإطار الدولي وبمصادر قوة الطرف الأخر في العلاقة، وبالقدرة على إدارة مصدر القوة من جانب القيادات السياسية أو استغلاله .

والحقيقة أن مفهوم القوة وبالمعنى والذي سبق وحددناه يتضمن كلا الجانبين، جانب امتلاك أسباب القوة وجانب توظيف هذه الأسباب في التحكم في إرادة الآخرين وأفعالهم، في ضوء ما تقدم نستطيع أن نحدد خصائص القوة في المجال الدولي فيما يأتي:

أولاً : أن القوة هي جوهر العلاقات الدولية، كما أن السلطة هي جوهر السياسة القومية والفارق بين القوة والسلطة أن هذه الأخيرة تتضمن الأولى، ولكنها ترتبط بغاية وهي تحقيق وحدة الجماعة، وبوسيلة هي الاحتكار الشرعي لأدوات القمع . وبعبارة أخرى فإن السلطة التي يدور حولها الصراع في السياسة الداخلية هي سلطة مستأنسة ومتمركزة في الحكومة التي تحتكرها لفرض تحقيق الوحدة والاستقرار، أما القوة التي يدور حولها الصراع بين الدول فليست مستأنسة ولا متمركزة ولا منظمة، والهدف منها تحقيق المصالح القومية لكل دولة وهي مصالح متعددة ومتعارضة بطبيعتها الأمر الذي يفسر طابع العداوة والحرب الذي يغلب على العلاقات الدولية، والناتج عن سعي كل الدول إلى فرض إرادتها وتحقيق مصالحها في غياب السلطة العليا التي تحتكر أدوات القمع .

ثانياً : أن القوة ليست هدف في نفسها ولكنها وسيلة لممارسة النفوذ والتأثير الذي يتضمن تحقيق أهداف الدولة والتي لا تخرج عن تحقيق المصالح القومية أو الوظيفة الحضارية فضلاً على حماية الأمن القومي وصيانة الاستقلال السياسي أو الردع .

ثالثاً : أن قوة الدولة دائماً نسبية ويتوقف تقديرها على أمرين أولهما القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فعالة وثانيهما محصلة قوة الطرف الأخر، قد تتساوى دولتان في امتلاك مصادر القوة نفسها إلا أن قدرة إحداهما وعدم قدرة الأخرى على توظيف أحد أو بعض مصادر قوتها يجعل القادر على توظيف مصادر قوتها أقوى نسبياً من الأخرى على الرغم عن تساوي مصادر القوة في الدولتين .

من ناحية أخرى فإن وزن قوة الدولة في تغير مستمر نتيجة للتغيير في أهمية مصادر القوة المتاحة لديها، أو لدى الطرف الآخر أو لما قد يطرأ على العلاقات بين الدول من تبادلات تؤثر في أوزان قوتها كالحروب أو المعاهدات أو التحالفات أو الانقسامات أو غير ذلك .

رابعاً : أن القوة صناعة وإرادة فرضتها طبيعة العلاقات الدولية التي تتسم بالفوضى وغياب السلطة، الأمر الذي فرض على الدول السعي بشتى الوسائل والطرق إلى صنع مصادر القوة والعوامل المهنية لتفعيلها، بوصفها الضمان الحقيقي لأمنها واستقرارها وتحقيق مصالحها، ولعل ما يثبت أن القوة صناعة وإرادة هي قوة كل من اليابان وألمانيا الآن مقارنة بأوضاعها في نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تمتلك بعض الدول العديد من مصادر القوة كالسكان والموارد والإقليم والعامل المعنوي، إلا أنها تفتقد القدرة على إنتاج القوة وإدارتها على الرغم من عراقتها التاريخية وسمو تقاليدها الحضارية .

خامساً : تتصف القوة بندرتها مما يترتب على ذلك أن الدول مهما ملكت من قوة فأنها تحرص على ما تمتلكه وتحاول عدم تشتيت جهودها وإن القوة بطبيعتها شيء نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى . كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع والقوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها والبعض الآخر، لذلك فإن أي استنتاج يتعلق بقوة الدولة أو ترتيبها بين الدول الأخرى وأن كان مبنياً على معلومات حديثة هو في الواقع مرهون بوقت ظهوره، وهذا يتطلب إعادة تقييم الدولة بصورة مستمرة

سادساً : تتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وأن اللجوء إلى القوة وهو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية، ويعتمد السعي وراء القوة على المـوارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة معتمدين على دفع هذه القوة إلى حدها الأقصى من خلال نوعية الدبلوماسية التي تترجم الموارد القومية إلى قوة قومية

مفهوم القوة الناعمة

عرّف المنظر جوزيف ناي القوة الناعمة قائلاً «إنها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الاستراتيجيات التقليدية الأميركية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد ولقد استخدم ناي هذا المصطلح في كتابه «مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيّرة للقوة الأميركية» الصادر عام 1990. علماً أنّ ناي نفسه طوّر هذا المفهوم فقام وعرضه بالتفصيل في كتاب آخر أصدره عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية والذي أخذنا عنه التعريف أعلاه. وهذا المصطلح يُستخدم حالياً على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل الباحثين والمحللين والسياسيين.

فعلى سبيل المثال يرتبط بناء مفهوم القوة الناعمة وصعوده ارتباطاً مباشراً بتحدّييْن رئيسييْن لأميركا هما: تهديد الأفول، واتساع نطاق العداء للأميركيين. ومن المفترض ان يسهم مفهوم القوة الناعمة مباشرة في احتواء هذين التحدييْن وتجاوزهما

وبما أنّ ناي يعتبر أنّ القوة الناعمة هي سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية، بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال فهو «يرفض مقولة إنّ أفول الولايات المتحدة الأميركية أمر لا مفرّ منه، لأنّ جاذبية الولايات المتحدة الأميركية أصبحت أقوى من أيّ وقت مضى بسبب تكنولوجيا المعلومات» .

 لكن ناي لم يكن الوحيد الذي عرّف القوة الناعمة بل من الضروري أن نعرّج على تعريف ميشيل فوكو – Michel Foucault والذي يعتبرها «إجباراً وإلزاماً غير مباشرين وسجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام في داخل الدولة وخارجها».

من خلال مقابلة التعريفين يتضح لنا أنّ فوكو وناي متفقان على أنَّ القوة الناعمة هي التأثير بالرأي العام وبالدول الأخرى ولكن بوسائل غير عنيفة مباشرة، ذلك بهدف السيطرة والهيمنة على العقول. ولكن ناي يستبعد الوسائل الاقتصادية كجزء من القوة الناعمة في التأثير بينما يخالفه فوكو.

وللقوة الناعمة بحسب الباحثين أركان وموارد وأبعاد. فيستنتج الأستاذ علي محمد الحاج حسن، في كتابه الحرب الناعمة، الأسس النظرية والتطبيقية وبأنّ القوة الناعمة تقوم على خمسة أركان وقدرات هي:

1 – القدرة على تشكيل تصوّرات ومفاهيم الآخرين وتلوين ثقافتهم وتوجيه سلوكياتهم.

2 – القدرة على تشكيل جدول الأعمال السياسي للآخرين سواء الأعداء أو المنافسين.

3 – القدرة في جاذبية النموذج والقيم والسياسات وصدقيتها وشرعيتها بنظر الآخرين.

4 – القدرة على فرض استراتيجيات الاتصال على الآخرين «من يتصل أولاً وكيف».

5 – القدرة على تعميم رواية وسرد الوقائع» الفائز اليوم من تفوز روايته للأحداث».

بينما يميّز ناي بين مقاربتي القوة: القوة كموارد والقوة كعلاقة. ويعتبر أنّ القوة كعلاقة أو سلوك لها ثلاثة وجوه وغالباً ما تكون مختلطة:

ـ الوجه الاول هو «التغيير بالأمرة» أيّ بتوجيه أمر للآخر لتغيير سلوكه.

ـ الوجه الثاني السيطرة على الأجندات، بحيث يمكن من خلال المؤسسات الموالية تشكيل تفضيلات الآخرين، وبالتالي تحديد قواعد اللعبة عبر صناعة جدول الأعمال.

ـ الوجه الثالث وهو تشكيل التفضيلات من خلال القدرة على منع وقوع تضارب بين مصالحك وبين مصالح الآخرين، مما يدفعهم دوماً للامتثال لك.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ناي لاحظ لاحقاً أنّ الوجه الأول من القوة يتجاهل جانباً مهمّاً هو «القدرة على التأثير في تفضيلات الآخرين حتى يريدوا ما تريد دون الحاجة إلى اصدار أمر لتغييرها».

أما موارد القوة الناعمة فهي ثلاثة أيضاً:

ـ الثقافة التي تساهم بشكل أساس في عملية جذب الآخرين.

ـ القيم السياسية عندما يتصرّف الفاعل السياسي وفقاً لها في الداخل والخارج معاً.

ـ السياسات الخارجية بخاصة عندما ينظر إليها الآخرون على أنها شرعية وأخلاقية.

الفرق بين القوة الناعمة والقوة الذكية.

إذا كانت القوة الصلبة ترتكز على الأداة العسكرية كمحور لها، فإن القوة الناعمة تنصرف إلى أدوات أخري غير القوة العسكرية معتمدة على جاذبية النموذج وذكاء الفاعل، فالقيادة ليست مجرد قضية إصدار أوامر ونواهي، بل تنطوي أيضا على القدوة واجتذاب الآخرين لعمل ما تريد، وان من الصعب إدارة منظمة كبيرة بالأوامر وحدها، بل تحتاج كذلك إلى جعل الآخرين يعتنقون قيم المنظمة وأهدافها عن طريق سياسة الترغيب. ولذلك يعلم تماما القادة السياسيون في الدول الديمقراطية ان القوة التي تأتي من الجاذبية والإقناع لن تدفعني لاستخدم العنف لتنفيذ الهدف، بينما القادة في البلدان الديكتاتورية يلجؤون إلى أسلوب الإكراه والقمع لتنفيذ غايتهم. لذلك يعمل امتلاك القدرة على ترسيخ التفضيلات وربطها بالثقافة والمؤسسات والقيم السياسية و الشخصية الجذابة والسياسات التي يراها الآخرون مشروعة أو أخلاقية سيسهل عملية القيادة ويجعلها أقل كلفة.

فكلا من القوتين تعتمد على التأثير بالآخر، فالقوة الصلبة تعتمد على التأثير بالتهديد والضغط على الطرف الاخر ولكن القوة الناعمة تعتمد على أكثر من التأثير أو مجرد الإقناع أو القدرة على استمالة الناس بالحجة، بل تعتمد أيضا على القدرة على الجذب، والجذب كثيرا ينتج عنه الإذعان، ومن هنا ممكن نعرف القوة الناعمة من خلال السلوك بأنها تعني القوة الجذابة.

العلاقة بين القوتين الناعمة والصلبة

منذ زمن غير بعيد بدأ السياسيون يتداولون مصطلحين جديدين هما (القوة الناعمة والقوة الصلبة). وازداد استخدامهما خاصة بعد الحراك السياسي والتغيرات في المنطقة العربية، في ليبيا وتونس ومصر وبعض دول الخليج، وفي سورية وبلدان عربية أخرى، وبعد احتلال أفغانستان والعراق.

القوة الناعمة أو الليّنة، هي مصطلح سياسي حديث العهد، عرفه الفلاسفة والسياسيون القدماء بتعابير متعددة منها مثلاً (التأثير والإقناع والثقافة والنموذج).

ويرى ميشيل فوكو، أن القوة الناعمة تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين، تعتمد في ظهورها على القوة الخشنة أو الصلدة. وتقوم بأعمال تعجز القوة الصلدة عن القيام

بها. والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية، بل هي سجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام في داخل الدولة وخارجها.

وتعني القوة الناعمة من وجهة نظر (جوزيف ناي)، القدرة في الحصول على ما نريد من خلال الجذب بدلاً من القسر أو الدفع.. وهي أحد مصادر التأثير.. وهي أيضاً الإغراء

والجذب. ويشير (ناي) إلى أن القوة الصلبة، تعني القوة المشتركة السياسية والاقتصادية والعسكرية، أي القوة في صورتها الخشنة التي تعني الحرب، والتي تستخدم فيها الجيوش، وتعني هذه القوة الدخول في مزالق خطرة، ونتائجها تكون في منتهى الخطورة على الدولة ذاتها، كما حدث مثلاً في الحرب العالمية الثانية، بين اليابان وألمانيا

النازية.

 وبيَّنت الدراسات للباحثين الاستراتيجيين والمفكرين، أن القوة الناعمة مصطلح يستخدم في نطاق نظريات العلاقات الدولية. ويشير إلى توظيف ما أمكن من الطاقة

السياسية، بهدف السيطرة على سلوك واهتمامات القوى السياسية الأخرى المستهدفة بوسائل ثقافية وأيديولوجية.

مفهوم القوة الذكية وشروطها

ظهر مفهوم القوة الذكية ليصف إمكانيات استخدام مصادر القوة في سياق معين، وكيف يمكن التنسيق بين هذه المصادر لكي تحقق الأهداف.

إن الصين تمتلك الكثير من مصادر القوة مثل الجيش والأسلحة والاقتصاد والسكان.. لكن ما مدى قدرتها على بناء استراتيجية لاستخدام هذه المصادر في تحقيق أهدافها وللتأثير على سلوك الآخرين؟

إن القوة لا تحقق التأثير وحدها، لذلك لا بد من استخدام القوة الصلبة والناعمة بكفاءة لتحقيق الأهداف في سياقات مختلفة. في ضوء ذلك يمكن تقديم تعريف جديد للقوة هو دفع الناس للقيام بالعمل الذي تريده من دون استخدام العصى والجزرة.

تواجه القوة الذكية بعض التحديات التي تقف أمام تحقيقها

أولا -التحدي المؤسسي:

وهو يتمثل في الفجوة القائمة بين مؤسسات القوة الصلبة المتمثلة في المؤسسة التي تعتمد على استخدام الإكراه والإجبار وبين مؤسسات القوة الناعمة التي قد تدخل ضمن ميزانية الدولة في صورة لا تعطيها وزنها الحقيقي. ولا يمكن إنكار مدى ثبات وقوة حجم ميزانية مؤسسات القوة الصلبة في مقابل مؤسسات لقوة الناعمة، هذا الفارق بين القوتين ينتج عنه تعقيدات كثيرة يؤثر بالسلب على اداء المؤسسات وبالتالي أداء القوة الذكية. بتعبير أخر أن مؤسسات القوة الناعمة تكون خاضعة إلى حد ما لمؤسسات القوة الصلبة ورغبة القيادة السياسية للدولة التي قد تحدد ما يفعل أو ما لا يفعل على صعيد القوة الناعمة.

ثانيا-التحدي السياسي:

القوة الذكية تحتاج إلى قوة سياسية وإرادة من القيادة لتحقيقها. فالجانب المؤسسي يعتمد في إصلاحه بالأساس على قيادة تسعى لإحداث التوازن السياسي بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، فأنصار القوة الصلبة ومؤيديها أكثر قوة وحجمًا وتمثيلًا من أنصار القوة الناعمة وهذا لا يقتصر على النخبة السياسية للدولة بل يمتد للأفراد وتأييدهم لها.

فالناخبون السياسيون عندما يختارون ممثل لهم فهم يفضلون القوة الصلبة المرئية والملموسة رمزًا لقوة، أما أنصار القوة الناعمة يقتصر المؤيدين لهم علي فئات الأكاديميين والدبلوماسيين السابقين فلا يوجد قوة شعبية توازن تلك التي تمتلكها القوة الصلبة.

وتعتبر الحرب على العراق نموذجا عن تفاعل القوة بشكليها الصلب والناعم. فقد كانت معظم، إن لم تكن كل جوانب تلك الحرب، مبنية على الأثر الرادع للقوة الصلبة، ويقول رمسفيلد ينظر العالم إلى الولايات المتحدة على أنها نمر من ورق، وعملاق ضعيف عاجز عن تحقيق انتصارات عسكرية على مستوى العالم، لذا عمل على تغيير هذه الصورة السلبية عن الولايات المتحدة من خلال انتصار أميركا في حرب الخليج الأولى وانطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال مؤتمر مدريد بالإضافة إلى الحرب على افغانستان فإن لها تأثير كبير في تغيير هذه الصورة .

 كانت هذه دوافع استخدام القوة الصلبة للاحتلال الأمريكي للعراق، ولكن كانت هناك مجموعة أخرى من الدوافع لها علاقة بالقوة الناعمة. الا وهي ان القوة الأميركية يمكن استخدامها في تصدير الديمقراطية إلى العراق، وفي تحويل سياسة الشرق الأوسط فإذا نجحت الحرب فإن نجاحها نفسه سيجعلها مشروعة، وكما قال وليام كريستول ولورانس كابلان” ما هو وجه الخطأ في فرض السيطرة لخدمة أهداف سليمة و مثل عليا؟ “.

وعليه يمكن القول، أن الدول تحتاج في حالات معينة إلى كل من القوتين الصلبة والناعمة، فلا يمكن الاستغناء عن أي منهما، خاصة مع التطورات والمتغيرات الجديدة في العلاقات الدولية، فإن دور القوة الناعمة سوف يزداد ولا سيما في عصر المعلوماتية، لأنها ترتكز على المصداقية. فالدول ذات المكانة الجيدة في عصر المعلومات والعولمة، سوف يتحسن أداؤها ما دامت لديها موارد القوة الناعمة.

فالقوة الذكية تعني وضع استراتيجية متكاملة لموارد دولة من أجل تحقيق أهدافها، وهو النهج الذي يؤكد على ضرورة وجود قوة عسكرية واقتصادية، ولكن تهتم أيضا بالقيم والثقافة والشراكة والتعاون والشرعية والمؤسسات، ويشير النموذج التالي إلى أساسيات كل من القوة الناعمة والقوة الصلبة، فالقوة الناعمة تعتمد على الجاذبية والقدرة على التأثير باستخدام أساليب وأدوات ثقافية والتأثير على القيم والسياسات والمؤسسات الحكومية والخاصة، في حين تعتمد القوة الصلبة على الإكراه والإغراء من خلال المدفوعات والقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والرشاوى.

ختاما: يحظى المفهوم الواقعي للقوة بحضور بارز في أغلب الدراسات الدولية، فرغم تعدد المفاهيم، إلا أنه مازالت المحددات العسكرية والاقتصادية مهمة في تحديد قوة الدول بالنظام الدولي، بينما تعتبر القوة الناعمة والذكية والإلكترونية بمثابة أدوات من الممكن توظيفها من طرف الدول التي تمتلك مقومات القوة الصلبة في عالم متسم بالصراع والتنافس الدولي، وتفتح القوة الناعمة والذكية أفاقا أمام الدول الصغيرة الحجم أو التي لا تمتلك إمكانيات هائلة لمنافسة الدول الكبرى، في حين يجسد مفهوم القوة الحادة تلك النظرة المتوجسة في الخطابات الغربية للمنافسين في العالم، فشكل القوة الحاد قد ينجلي في القوة الصلبة كما في القوة الناعمة والذكية والإلكترونية، وليس فقط من خلال التأثير الصيني والروسي على السياسة الدولية، أي يمكن أن يقع بالشكل نفسه الذي تحدثه الصين وروسيا بالعالم.



المراجع

(ب ، ن ) ، 8.6.2018 ،ما هي معايير القوة في العلاقات الدولية المعاصرة؟ موقع الشرق الاوسط

شيماء عويس أبو عيد ،13.1.2019 ،القوة في العلاقات الدولية: دراسة تأصيلية، مجلة المعهد المصري

بثينة حسن الانصاري ، 13.10.2021 ، القوة الناعمة ودورها في رسم السياسات الخارجية ، موقع صحيفة الوطن 

المقالات الأخيرة