إيكواس: تداعيات وآفاق التدخل العسكري في النيجر

كان الهدف الرئيسي من تأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عام 1975، والتي أصبحت تُعرف بمنظمة "إيكواس"، هو تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

ولكن تماشيا مع المادة رقم 52 من ميثاق الأمم المتحدة التي تُلزم المنظمات الإقليمية بالتعامل مع القضايا المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، عالجت هذه المجموعة الأمر في أول بروتوكول لها أطلقت عليه اسم "عدم الاعتداء"، ليؤسس المرحلة الأولى من إنشاء الإطار الأمني للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

أحدث الانقلاب العسكري في النيجر مجموعة من التطورات المتسارعة سواء على مستوى الأوضاع الداخلية أو موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وما أبدته من احتمالية استخدام القوة والتدخل العسكري. ومع تباين مواقف دول الجوار حيال ذلك، في ظل تصاعد الضغوط مع انتهاء مهلة السبعة أيام (7 أغسطس 2023) للعودة إلى الحكم المدني أو مواجهة التدخل العسكري، في ظل عدم تحديد موعد نشر قوة التدخل العسكري، ضمن هذا السياق سيتم توضيح خلفية عملية التدخل العسكري، وحجم قوات الجيوش في غرب أفريقيا، وتداعيات التدخل العسكري على المنطقة ككل.

هل تعتبر تجربة إيكواس تدخلا أم تسويات؟

كانت إيكواس حاضرة في القضايا والتحديات التي واجهت المنطقة الأفريقية، وبذلت جهودا مقدرة في تطوير آليات العمل المنوطة بحل النزاعات الداخلية أو البينية لدول المجموعة، ففي تجاربها جملة تدخلات ووساطات دبلوماسية، مقابل تدخلات عسكرية محدودة. ومنها:

- تدخلت إيكواس لتسوية الصراعات الداخلية في كل من: سيراليون وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي. حيث سعت لحل الصراع الذي نشب بين غينيا وسيراليون بسبب المعارضة التي تستضيفها الدولتان ضد بعضهما.

- بناء على طلب السلطات الغينية، توسطت إيكواس لحل الأزمة عام 2007 وانتهت باختيار الرئيس لانسانا مونتا رئيسا للدولة وللحكومة، في وساطة قادها الرئيس النيجيري السابق بابنجيدا ورئيس إيكواس محمد شمباس.

- عام 2005، تدخّلت إيكواس في توغو عندما توفي الرئيس غنا سينغبي، وأخذ السلطة ابنه بطريقة غير دستورية. ومارست المجموعة ضغوطا كبيرة على الابن وأجبرته على الاستقالة، وبدأت عملية انتخابات رئاسية في غضون 60 يوما بما يتوافق مع دستور البلاد.

لذا، كانت أغلب مقاربات إيكواس عبارة عن تسوية نزاعات وليس تدخلا كاملا كالذي تهدد به النيجر اليوم.

لماذا تبدو حالة النيجر عصيّة؟

يُعتبر انقلاب النيجر الثامن من نوعه في أفريقيا خلال 3 سنوات، نصفها وقع في دول إيكواس، بنسبة بلغت 26.7% من أعضاء المجموعة، وكادت أن تبلغ أكثر من 30% إذا ما قدر لمحاولة الانقلاب في سيراليون أن تنجح.

وتقرع هذه التهديدات الأجراس لدول المجموعة التي تعاني مشكلات مركبة، وتخشى إيكواس من تساقط الأحجار، وتبذل ما في وسعها لإيقاف حالة الانقلابات التي تهددها.

وفي حالة النيجر، يقف التماسك الداخلي للجيش والأجهزة الأخرى حائلا يقلل من احتمالات تدخل دول المجموعة وفرصه، فضلا عن وقوف أصحاب المشاريع الانقلابية الناجحة في كل من مالي وبوركينا فاسو ضد التدخل، بل والاستعداد للقتال إلى جانب النيجريين. وهذا يضع حجر عثرة أمام أية مقاربة غير محسوبة للتدخل العسكري.

ما الجهد المبذول من قبل إيكواس غير التهديد بالتدخل العسكري؟

-  بدأت أول الجهود الدبلوماسية بزيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، وهو الوحيد الذي سُمح له بمقابلة الرئيس المحتجز محمد بازوم، تبعها زيارة وفد من وزراء دفاع المجموعة، ولكنه لم يتوصل إلى نتيجة مع الانقلابيين.

- وابتعثت إيكواس وفدا رفيع المستوى برئاسة رئيس نيجيريا السابق عبد السلام أبو بكر، لإقناع جنرالات النيجر ولكنه عاد كسابقيه دون إنجاز.

- كما بعثت إيكواس وفدين إلى ليبيا والجزائر برئاسة السفير بابا غانا كيبينغي، لمناقشة الخيارات الممكنة إذا رفض الجنرالات الحلول المطروحة.

- والثلاثاء 8/8/ 2023م ، رفض المجلس العسكري في النيجر دخول وفد مشترك من الدول الأفريقية والأمم المتحدة، في مقاومة واضحة لأي جهد للحلول التفاوضية، وزاد من حالة عدم اليقين والقلق بشأن الوضع في هذا البلد.

هل بمقدور إيكواس التدخل عسكريا؟

يقول الحقوقي المتخصص بالقانون الدولي، فيمي فالانا، إن سلوك الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا -كترتيب إقليمي- يخضع لأحكام القانون الدولي مما يجعل المجموعة مطالبة بالحصول على إذن من مجلس الأمن إذا قررت شن الهجوم على دولة ذات سيادة وفقا للمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي، فإن أي هجوم دون موافقة المجلس سيكون غير قانوني إلا إذا تعلق الأمر بحالة الدفاع عن النفس.

ما الذي يمكن أن يحدث لو تدخلت إيكواس عسكريا؟

على الرغم من التهديدات التي أطلقتها إيكواس، إلا أن كثيرا من التقارير تشير إلى انعدام التوافق على التدخل العسكري لجهة ما ينطوي عليه من مخاطر ليست في حسابات قادة المجموعة.

وبحساب أن 4 دول تعتبر معارضة له، فإن التدخل يصبح أمرا مستبعدا، وهو الاحتمال الذي تميل إليه التحليلات خاصة وأن الولايات المتحدة ما تزال تمسك بخيط أمل في الحل السياسي. وفي حال تبنّت إيكواس الحل العسكري، يبرز في الأفق عدد من المخاوف:

-  خروج الحرب عن السيطرة وتطورها إلى مواجهة إقليمية واسعة، خاصة إذا دخلت مالي وبوركينا فاسو على خط المواجهة إلى جانب الانقلابيين، وهو ما لمح إليه الكثيرون، في زيارة أحد أعضاء المجلس العسكري بالنيجر لهذه الدول.

- تعرض المجموعة لانقسامات وانشقاقات، وهذا يعرض المنطقة، بل يهدد السلم والأمن الأفريقيين. وبالأمس هددت بوركينا فاسو والنيجر بأن التدخل العسكري ستكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها، وسيؤدي إلى تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

- تعاظم نشاط المجموعات المسلحة والتنظيمات الإسلامية المسلحة، وتمدّدها إلى مساحات أوسع، وتوالد أخرى في حال توافر السيولة ومافيا الحروب.

- التدخل الدولي في المنطقة بشكل أعمق، وهو أحد أسباب الانقلاب في النيجر، وهذا يزيد مخاطر اندلاع حروب طويلة أشبه بحروب التحرير.

هل سنشهد حلولا دبلوماسية أم عسكرية؟

لم يحدث أن قاد أعضاء مجموعة إيكواس هجوما في دولة عضو إلا بموافقة منها، وكل الذي قامت به سابقا لا يخرج عن كونه حلا لنزاع بين أطراف، مما وضع إيكواس في حالة النيجر أمام أسئلة صعبة، خاصة أن آلياتها ما تزال بحاجة إلى تعزيز، وأن المعضلة المالية ستقف حجر عثرة أمام تنفيذ أية مهمة للتدخل العسكري.

ولعل المتاح هو أن تعالج الأزمة بنفس الوصفة القديمة، وهي أن تتوافق مع المجلس العسكري بالنيجر على فترة زمنية لإعادة البلاد إلى وضعها الدستوري، بدلا من خوض مغامرة غير محسوبة العواقب ولا تقدر على أعبائها وتداعياتها.

 

تداعيات التدخل العسكري:

يظل احتمال التدخل العسكري قائمًا من قبل مجموعة إيكواس، كمحاولة لإثبات قدرتها على ردع ظاهرة “العدوى الانقلابية” التي اجتاحت دول المنطقة منذ عام 2020، في ظل فشل المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة، والإخفاقات المتكررة في التوصل إلى جداول زمنية محددة لإجراء الانتخابات في دول مثل مالي وبوركينافاسو وتشاد وغينيا كونكاري، مع رغبة الرئيس النيجيري الجديد “بولا تينوبو” في استعادة قيادة نيجيريا لدول الإقليم. لكن قواتها قاتلت المتمردين بناءً على دعوة من الحكومات المعنية.

وتعتبر أحدث سابقة لتدخل إيكواس عسكريًا في جامبيا عام 2017، مع رفض الرئيس “يحيى جامع” نتيجة الانتخابات، لكن يختلف التدخل العسكري في النيجر هذه المرة، حيث يبلغ عدد سكان النيجر 25 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة في غرب أفريقيا من حيث المساحة، وتمتد على أكثر من 1.26 مليون كيلومتر، أي مائة مرة من دولة جامبيا. كما أن رد فعل المجموعة لم يكن بالإجماع، وهذه المرة الأولى التي تواجه فيها انقسامًا بين الدول الأعضاء، وتشكل تحديًا خطيرًا لقوتها الإقليمية، في ظل اختلاف السياقات الإقليمية وتغير شكل التحالفات الدولية في دول المنطقة.

يأتي ذلك، مع تباين مواقف الدول بشأن التدخل العسكري؛ إذ أعلنت كل من مالي وبوركينافاسو دعم المجلس العسكري في النيجر، واعتبار التدخل بمثابة إعلان حرب ضد البلدين، وجاء موقف غينيا متوافقًا مع ذلك. في حين حذرت الجزائر من تداعيات التدخل، وأكدت تشاد على عدم رغبتها في التدخل. بينما أعلنت نيجيريا والسنغال وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وبنين، الاستعداد للتدخل العسكري في النيجر، لكن رفض مجلس الشيوخ النيجيري هذه الخطوة باعتبارها غير محسوبة، مع تأكيده على الخيار السلمي وإعادة النظر في خطة التدخل. علاوة على ذلك، نفت فرنسا أية محاولة للتدخل، وحذرت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من مخاطر التدخل العسكري.

كما سيتيح التدخل العسكري الفرص لتفاقم التوترات الإثنية العابرة للحدود، حيث تشترك سبع ولايات (سوكوتو وكيبي وكاتسينا وزامفارا وجيجاوا ويوبي وبورنو) في شمال نيجيريا في الحدود مع جنوب النيجر، وتتمتع بروابط اجتماعية وتجارية من خلال العديد من العادات الثقافية والدينية واللغوية، واستخدام لغة الهوسا في كلا المنطقتين كأحد القواسم المشتركة بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، ستزداد المخاطر الأمنية الإقليمية إذا أصبحت النيجر منطقة غير مستقرة كما حدث في مالي وبوركينافاسو وليبيا، بسبب الدور الاستراتيجي للنيجر في محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، في ظل تحديات منطقة غرب أفريقيا من العنف المرتبط بالجماعات الإرهابية الذي يشمل تنظيم داعش – ولاية غرب أفريقيا، وتنظيم بوكو حرام، وتنظيم داعش الصحراء الكبرى – ولاية الساحل، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة. علاوة على المشكلات الداخلية في دول المنطقة. كما سيؤدي زعزعة الاستقرار الإقليمي إلى زيادة تهديدات البنى التحتية الاستراتيجية الخاصة بمشروعات الطاقة وإمدادات الغاز في النيجر والدول المجاورة، وتزايد تدفقات موجات الهجرة جراء تداعيات الانقلاب إلى الحدود الجنوبية للدول الأوروبية.

حاصل ما تقدم، يمكن القول إن التدخل العسكري ستكون له ارتدادات خطرة على دول المنطقة ككل، مع تفاقم مخاطر السيولة الأمنية، وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، وتصاعد أنشطة العصابات الإجرامية، واحتمالية تحوّل المنطقة لمسرح حرب إقليمية واسعة النطاق، تزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، وتُفاقم حدة الأزمات الإنسانية والاقتصادية.

 

 

 

المراجع

محمد صالح عمر، 10/8/2023، إيكواس في منعطف أزمة النيجر.. هل تكون نهايتها أم بداية جديدة؟،موقع الجزيرة نت.

نسرين الصباحى، 07/08/2023، “إيكواس”: تداعيات وآفاق التدخل العسكري في النيجر، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

المقالات الأخيرة