البيروقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية وعن طريق العلاقات الشخصية، وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يومياً في الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس، يعود أصل كلمة البيروقراطية إلى بيرو (büro)، وهي كلمة ألمانية ومعناها مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة قراطيه وهي كلمة مشتقة من الأصل الإغريقي كراتُس ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب
"النظرية البيروقراطية "الدوراوينية
تعني الدواوينية نظام الحكم القائم في دولة ما يُشرف عليها ويوجهها ويديرها طبقة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية ؛ حتى يصبحوا جزءً منه ويصبح النظام جزءً منهم، ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات جاعلة البيروقراطية لب النظام الاقتصادي والسياسي لعقلانية المجتمع، فينتج عن ذلك " الروتين " ؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضاً للثورية، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية. والعدو الخطير للثورات هي البيروقراطية التي قد تكون نهاية معظم الثورات، كما أن المعنى الحرفي لكلمة بيروقراطية يعني حكم المكاتب وقد كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى
ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهوماً مثالياً للبيروقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثراً بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي
بما أن فيبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد -
الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية
تأثر فيبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطاً في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فاعتقد أن هذا الأسلوب يمكن -
أن يطبق في جميع المجالات الإدارية
لكون فيبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد -
أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية
لذا نجد أن فيبر أستقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقداً أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري، وقد حدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر فيبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيروقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
ولو تطرقنا إلى الأسس التي بنى عليها العالم (ماكس) نظريته لوجدنا أنه ركز على عناصر هامة وأساسية لكي تكون تلك النظرية ناجحة بكل المقاييس، وقابلة للتطبيق في أي تنظيم إداري
ومن تلك العناصر ما يلي
الخبرة والمهارة والتأهيل هي أساس اختيار القائد -
وجود إجراءات وخطوات محددة ومنسقة مسبقاً -
الاختيار الأمثل لمن ينفذ هذه الخطوات من المرؤوسين في أداء العمل -
مبدأ أن لا وقت في العمل إلا للعمل.
ومع ذلك نجد أن الأصوات تتعالى من هنا وهناك، فالبعض من الإداريين يرى أنها داء يجب محاربته والتخلص -
منه، ويراها البعض على أنها ضرورة لا يمكن أن تقوم للإدارة قائمة بدونها، ويرى آخرون أن المشكلة لا تكمن في الدواوينية الإدارية ولكن تكمن في من يقوم بمسؤولياتها، ويرى غيرهم أن الدواوينية باقية وليست كلها سيئة، وإنما يجب الحد منها.
وبالرغم من ذلك تجد أن الدولة تبنت بعضاً من الوسائل الإدارية الناجحة في أجهزتها الحكومية لأجل التقليل من مخاطر البيروقراطية
ومنها على سبيل المثال
زيادة فعاليات أجهزة الإصلاح الإداري التي تقدم الاستشارات الإدارية، وتقترح الحلول لبعض المشكلات الإدارية الناجمة عن بعض الممارسات -
البيروقراطية
استخدام التقنية الحديثة كوسيلة، وتسخيرها لمتطلبات العملية الإدارية وفعاليتها، مع المحافظة على أصالة المجتمع وقيمه -
المرونة في العمل بما لا يتعارض مع الهدف العام ويخل بمبدأ العدالة والمساواة في التعامل -
تأكيد مبدأ أن الموظف لخدمة المستفيد، وأن الإنسان هو الغاية، وأن الأنظمة واللوائح والإجراءات ما هي إلا وسائل لتحقيق ذلك -
التوسع في مجالات التدريب وتنوعه لمختلف المستويات الإدارية وفقاً للاحتياجات الفعلية للعاملين في الإدارة -
مراقبة السلوكيات الإدارية المنحرفة، وسرعة تقويمها بالطرق التعليمية والتدريبية أو التأديبية -
تخصيص أوقات محددة يلتقي فيها المسؤولون بالمرؤوسين وجهاً لوجه للاستماع إلى شكاواهم، والعمل على حلها" -
إذاً إن الدواوينية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول بأنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيروقراطية ليست مرضاً من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
وأخيراً إن طبيعة الإدارة وأهدافها، وبيناتها المختلفة تتطلب نوعاً من البيروقراطية.. ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، ولا غزو في ذلك لأن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده