اتـفاقيـة سايكـس بيكـو (1916)

المقدمة:

منذ الحروب الصليبية وفكرة تقسيم البلاد العربية موجودة لدى قادة دول أوروبا وما زالت باقية في أذهانهم وفي مخططاتهم السياسية في المنطقة العربية حتى اليوم. حيث تزامنت نهاية الحروب الصليبية سنة 1291م مع قيام الإمارة العثمانية في شمال غربي الأناضول سنة 1300م.

وتوسعت هذه الإمارة التركية في البلقان، وتمكنت من فتح القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، والقضاء على الأخيرة سنة 1453م. واستولت في فتوحاتها على أغلب دول أوروبا حيث استولت على بلغاريا، وصربيا، ومقدونيا، واليونان، والبوسنة، والهرسك، والجبل الأسود، وكرواتيا، وسلوفينيا، ورومانيا، وهنغاريا، وأجزاء من أوكرانيا وبولندا. وحاصر العثمانيون فينا،  عاصمة   الإمبراطورية  النمساوية مرتين. ونشرت هذه الفتوحات الرعب في أوروبا طوال أربعة قرون من الزمن.

وخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها في ظل حكم سليمان القانوني، وكانت الإمبراطورية العثمانية متعددة الجنسيات، ومتعددة اللغات، وسيطرت على جزءٍ كبير من جنوب شرق أوروبا، وأجزاء من وسط أوروبا وغرب آسيا والقوقاز وشمال أفريقيا والقرن الإفريقي. ومع ذلك، بدأت في القرن التاسع عشر تنهار تلك القوة التي كان يخشاها الجميع، وهناك ثلاثة أحداث منفصلة أدت إلى انهيارها في نهاية المطاف.

بدء انهيار الإمبراطورية العثمانية

أولها كان الحكم الذاتي المصري في عهد محمد علي وهو زعيمٌ قوي تمتع بقوةٍ عسكرية مكنته من تهديد عرش السلطان العثماني. ففي عام 1840، نصّب السلطان محمد علي حاكماً على مصر مدى الحياة، مقابل بقاء مصر ضمن الإمبراطورية العثمانية.

أما الحدث الثاني فكان نضال صربيا من أجل الاستقلال, و استمر هذا النضال لمدة قرنٍ تقريباً، بدءاً من الانتفاضة الأولى عام 1804، تبعها الانتفاضة الثانية عام 1814، وأخيراً الحرب مع تركيا من عام 1876 إلى عام 1878. تخطى الصراع حدود صربيا الوطنية وأسفر عن استقلالٍ كامل، والذي أُقِرّ في مؤتمر برلين في عام 1878.

في حين تمثل الحدث الثالث في حركة الاستقلال اليونانية، التي بدأت عام 1821 بعد محاولة عائلة يبسيلانتي  وهي جزء من الطبقة الأرستقراطية اليونانية التي دعت لحركة تمرد فاشلة في محاولة لهزيمة الأتراك بالقرب من بوخارست. ولكن رغم فشل هذه الحركة إلا أنها أدت إلى اندلاع انتفاضات مفاجئة في جميع أنحاء اليونان حوالي 25 مارس- (الذي أصبح فيما بعد يوم الاستقلال). ومع ذلك، تحالفت الجيوش العثمانية مع القوات المصرية التابعة لمحمد علي، التي قمعت التمرد بوحشية. وجذب هذا القمع الجيل الأول من الدول الأوروبية الديمقراطية. وفي 6 يوليو- 1827، وقعت بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا معاهدة لندن، والتي سمحت لهم بالتدخل معاً نيابة عن اليونانيين.

وفي بدايات الحرب العالمية الأولى، انحازت الإمبراطورية العثمانية ضد دول الحلفاء، حيث شنت هجوماً مباغتاً على ساحل البحر الأسود الروسي وعلى الموانئ في 29 أكتوبر- 1914. ردت روسيا وفرنسا وبريطانيا العظمى بإعلان الحرب على الإمبراطورية العثمانية في الأول من نوفمبر- الثاني 1914.

وبما أنّ انهيار الإمبراطورية أصبح أمراً وشيكاً على نحوٍ متزايد، نشأ تضاربٌ في المصالح بين بريطانيا العظمى وفرنسا. وبما أنّ البريطانيين كانوا على استعدادٍ للاعتراف باهتمام فرنسا ببلاد الشام، كانوا أيضاً قلقين من منح فرنسا السيطرة على مساحة شاسعة، الأمر الذي قد يهدد سيطرة بريطانيا على كلٍ من قناة السويس والهند البريطانية (طرق التجارة)، نظراً لأن حدود المنطقة لم يتم ترسيمها بعد.

وحينها قامت الحكومة الفرنسية بتعيين قنصلها جورج بيكو- Georges-Picot في عام 1915 في بيروت ليكون مندوبا ساميا متابعاً شؤون الشرق الأدنى، وليقوم بمفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، ولم يلبث أن سافر إلى القاهرة واجتمع بالمندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى مارك سايكس Mark Sykes- تحت إشراف مندوب روسيا، وأسفرت هذه الاجتماعات والمراسلات عن اتفاقية عرفت باسم "اتفاقية القاهرة السرية"، ثم انتقلوا إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية سميت فيما بعد باتفاقية "سايكس بيكو".

وقد تم تقسيم الخريطة طبقا للنظام القادم بالتوازي مع كتابة بنود الاتفاقية.

 

تم تقسيم ما كان يطلق عليه الدولة العثمانية كالتالي:

 

- المنطقة الزرقاء: وهي سوريا الساحلية وتخضع مباشرة تحت الحكم الفرنسي.

- المنطقة الحمراء: وهي منطقة البصرة وتخضع مباشرة تحت الحكم البريطاني.

- المنطقة (أ): وهي الجزء الداخلي من سوريا حتى البصرة وتخضع للحماية الفرنسية.

- المنطقة (ب): وهي الجزء الداخلي من العراق حتى القدس وتخضع للحماية البريطانية.

- المنطقة البنية: وهي منطقة دولية سيتم تحديد موضعها بعد التواصل مع روسيا وأمير مكة.

- المنطقة الخضراء: تقع تحت الحكم الروسي وهي تتضمن جزء كبير من تركيا حاليا.

بنود اتفاقية سايكس بيكو

- المادة الأولى:

إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا دولة عربية تحت حكم رئيس عربي في المنطقتين (أ،ب). ويكون لفرنسا في منطقة (أ) و لبريطانيا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وإنجلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية.

- المادة الثانية:

يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا الساحلية) و لبريطانيا في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو أن تقومان بالمراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.

 

 

- المادة الثالثة:

تنشأ إدارة دولية في المنطقة البنية (فلسطين) يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.

- المادة الرابعة:

تنال بريطانيا مينائي حيفا وعكا. بما يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة (أ) للمنطقة (ب)، وتتعهد حكومة جلالة الملك من جهتها بألا تتخلى في أي مفاوضات ما مع دولة أخرى للتنازل عن جزيرة قبرص إلا بعد موافقة الحكومة الفرنسية مقدما.

- المادة الخامسة:

يكون إسكندريون ميناء حرا لتجارة الإمبراطورية البريطانية، ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا تفرض تسهيلات خاصة للملاحة والبضائع البريطانية، وتباح حرية النقل للبضائع الإنجليزية عن طريق إسكندريون وسكة الحديد في المنطقة الزرقاء، سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء أو إلى المنطقتين (أ) و(ب) أو صادرة عنهما.

ولا تنشأ معاملات مختلفة مباشرة أو غير مباشرة على أي من سكك الحديد أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمس البضائع والبواخر البريطانية.

وتكون حيفا ميناء حرا لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها، ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسية، ويكون نقل البضائع حرا بطريق حيفا وعلى سكة الحديد الإنجليزية في المنطقة البنية (فلسطين) سواء كانت البضائع صادرة عن المنطقة الزرقاء أو الحمراء أو من المنطقتين (أ) و(ب) أو واردة إليهما.

ولا يجري أدنى اختلاف في المعاملة بطريق مباشر أو غير مباشر يمس البضائع أو البواخر الفرنسية في أي سكة من سكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ المذكورة.

- المادة السادسة:

لا تمد سكة حديد بغداد في المنطقة (أ) إلى ما بعد الموصل جنوبا، ولا إلى المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالا إلى أن يتم إنشاء خط حديدي يصل بغداد بحلب مارا في وادي الفرات، ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين.

 

- المادة السابعة:

يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة الوحيدة لخط حديدي يصل حيفا بالمنطقة “ب”، ويكون لها ما عدا ذلك حق دائم بنقل الجنود في أي وقت كان على طول هذا الخط.

ويجب أن يكون معلوما لدى الحكومتين أن هذا الخط يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة البنية مصاعب فنية أو نفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذرا فإن الحكومة الفرنسية ستسمح بمروره في طريق (بربورة، أم قيس، ملقا، إيدار، غسطا، مغاير) حتى يصل إلى المنطقة (ب).

- المادة الثامنة:

تبقى تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة في جميع جهات المنطقتين الزرقاء والحمراء في المنطقتين (أ) و(ب)، فلا تضاف أي علاوة على الرسوم، ولا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين إلا أن يكون باتفاق بين الحكومتين، ولا تنشأ جمارك داخلية بين أي منطقة وأخرى في المناطق المذكورة أعلاه، وما يفرض من رسوم جمركية على البضائع المرسلة يدفع في الميناء ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.

- المادة التاسعة:

من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسية لا تجري مفاوضة في أي وقت للتنازل عن حقوقها، ولا تعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزرقاء لدولة أخرى سوى للدولة أو لحلف الدول العربية، من دون أن توافق على ذلك مقدما حكومة جلالة الملك التي تتعهد بمثل ذلك للحكومة الفرنسية في المنطقة الحمراء.

- المادة العاشرة:

تتفق الحكومتان الإنجليزية والفرنسية -بصفتهما حاميتين للدولة العربية- على ألا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطارا في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن هذا لا يمنع تصحيحا في حدود عدن قد يصبح ضروريا بسبب عداء الترك الأخير

- المادة الحادية عشرة:

تستمر المفاوضات مع العرب بنفس الطريقة السابقة من قبل الحكومتين لتحديد حدود الدولة أو حلف الدول العربية.

- المادة الثانية عشرة:

من المتفق عليه ما عدا ذكره أن تنظر الحكومتان في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى الدول العربية.

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى لم يبق من اتفاق سايكس بيكو عمليا سوى الترسيم المبدئي لحدود لبنان والعراق والأردن وفلسطين. وبقي الاحتلال الفرنسي البريطاني حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 قائماً متسلحا بسلطة الانتداب الممنوحة له من قبل عصبة الأمم في مؤتمر لندن عام 1922 مع استثناءات في اليمن والسعودية والأردن، أما بالنسبة لمصر والعراق فقد قاموا بعهد بعض المعاهدات مع بريطانيا التي حدت عمليا من استقلالهما إلى حين الإطاحة بالأنظمة الملكية فيهما تباعا عامي 1952 و1958.

ومع تعاظم دور الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عالميا، وتراجع دور الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية انتقلت بريطانيا في الستينيات والسبعينيات إلى تصفية وجودها في شبه الجزيرة العربية فانسحبت من الكويت عام 1965 ومن عدن عام 1967، وتلتها ترتيبات مماثلة في مسقط وعمان (1970) وقطر والإمارات والبحرين (1971).

ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد دول المشرق العربي تغييرا يذكر في حدودها إلا بعد توحيد شطري اليمن عام 1990، كما أن اتفاق أوسلو عام 1993 بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين لم يؤد عمليا إلا إلى سلطة حكم ذاتي محدودة السيادة في الضفة وغزة، وغير متواصلة جغرافيا.

وختاما" ان اتفاقية سايكس بيكو  إرث عمره نحو 108 أعوام ما يزال يثير موجات من الغضب والرفض والانتقاد، ولا يزال العرب يحصدون نتائجه حتى اليوم مآبين خلافات حدودية ونزاعات عرقية وصراعات على السلطة. العملية برمتهارغم ان الاتفاقية  كانت عبارة عن خط على الرمال رسمته القوى الاستعمارية، لكنه خط بقي ماثلا للعيان حتى اليوم، رغم أن تلك القوى لا تسيطر فعليا على المناطق الجغرافية التي قسمت آنذاك، لكنه انتهى في إحدى جوانبه الأكثر ظلما وظلاما في إقامة "الدولة اليهودية".




 

المراجع:

_ (ب، ن ,16-5-2019,اتفاقية سايكس بيكو في ذكرى إبرامها، اليوم السابع).

_ (علي سعادة,17-5-2021,خط الرمال أضاع فلسطين موقع عربي).

                      

المقالات الأخيرة