في
السنوات الأخيرة، شهدنا تحولًا ملحوظًا في العلاقات الدولية، حيث بدأت الدول
الأفريقية بتوجيه أنظارها نحو روسيا باعتبارها شريكًا اقتصاديًا بديلًا للغرب.
تأتي هذه الخطوة في ظل البحث عن شراكات جديدة تعود بالنفع الاقتصادي وتساهم في
تحقيق تطور وتنمية اقتصادية للقارة. الأسباب وراء هذا التوجه متعددة وتشمل البحث
عن مصادر جديدة للتمويل والتقنية والدعم في التنمية الصناعية والزراعية.
البحث
عن شريك اقتصادي بديل يأتي في ظل رغبة الدول الأفريقية في تعزيز سيادتها وتقليل
اعتمادها الاقتصادي على الغرب، وروسيا،
بما تقدمه من فرص في مجال الطاقة، ودعمها للمشاريع الزراعية، وتقنياتها المتقدمة،
قدمت نفسها كخيار جذاب. تُظهر روسيا استعدادًا للتعاون في مشاريع مشتركة تسعى
لإفادة الطرفين، وهو ما يعد تحولًا عن النموذج الذي طالما عرضته دول الغرب.
حيث
انه بعد ما رفضت جميع الدول الإفريقية بالإجماع «توصيات» الاتحاد الأوروبي
للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا. ووفقاً لقادتهم، فإنّ الانضمام إلى العقوبات ضد
الاتحاد الروسي يعني أن إفريقيا تحتفظ بدور ملحق بالمواد الخام للقوى الاستعمارية
السابقة، بينما يسهم التعاون مع روسيا في تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز سيادة كافة
الدول الإفريقية.
وقال
رئيس غينيا الاستوائية: «هناك دول لا تريد لإفريقيا أن تتطور: إنّهم الذين يريدون
الاستمرار في استخدام مواردنا. لكن الأفارقة يستيقظون، وليس هناك ما يمكننا الحصول
عليه من مثل هذه البلدان لتعزيز اقتصادنا. بينما التعاون مع روسيا وبيلاروسيا يسمح
لنا بالتخلّص من الاستعمار الجديد الذي فرضته علينا القوى الاستعمارية السابقة».
تقديرات
العلاقات الاقتصادية بين روسيا وافريقيا
تؤكد
هذه التقديرات أيضاً العلاقات الاقتصادية النشطة على نحو متزايد بين روسيا
وإفريقيا. فقد ارتفعت التجارة الروسية الإفريقية في عامي2022 - 2023 بوتيرة قياسية، بأكثر من الثلث علاوة على
ذلك:
_
ارتفعت الصادرات الصناعية الروسية إلى إفريقيا بنحو النصف.
_
هناك أكثر من 60 نوعاً من المنتجات: معدات،
شاحنات، عربات، أسمدة كيماوية، آلات زراعية، منتجات دفاعية، إلخ.
_
تزوّد إفريقيا روسيا بأنواع عديدة من المواد الخام الزراعية «بما في ذلك القهوة
وحبوب الكاكاو والفواكه الاستوائية التي تحظى بشعبية خاصة بين الروس».
_
بالإضافة إلى المواد الخام النسيجية والكيميائية وخامات المعادن غير الحديدية
والأخشاب الاستوائية والصناعات الخفيفة.
وفي
عام 2024، ستزداد التجارة الروسية الإفريقية بمقدار
الثلث على الأقل مقارنة بعام 2023. علاوة على ذلك، تم استخدام الروبل الروسي
والعملات الإفريقية بشكل متزايد في العقود التجارية منذ بدء العام. يرجع هذا
المعدّل المرتفع إلى عدد من العوامل. ما يصل إلى 80٪ من جميع اتفاقيات
التجارة الإفريقية مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من الستينيات
إلى السبعينيات تنصّ على أنّه يجب على الأفارقة شراء المعدات والسلع المصنّعة
الأخرى فقط من هذه البلدان، لهذا فإن الغرب يواصل جهوده الرامية إلى إبقاء إفريقيا
في دور ملحق له ليس فقط بالمواد الخام، بل وأيضاً كمحمية سياسية.
على
النقيض من هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، فإن الجانب الروسي لا يطالب الدول
الإفريقية بتنازلات في السياسة الخارجية عند إبرام اتفاقيات تجارية. ولا يتمّ
إجبار الشركاء على استيراد أي منتجات فقط من روسيا، أو تصدير المنتجات الإفريقية
إلى روسيا فقط. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ سياسة التسعير المرنة التي يتبعها المصدرون
الروس، والجودة العالية المستمرة للمنتجات المورّدة من روسيا، تعود بالنفع على
البلدان الإفريقية.
حجم
التبادل التجاري الروسي مع افريقيا
ارتفع
حجم التبادل التجاري للاتحاد الروسي مع إفريقيا بنحو 20٪ بحلول نهاية
عام 2023. فضلاً عن ذلك فإن غرب إفريقيا أصبحت مهتمة على
نحو متزايد ليس فقط بتنمية التجارة المتبادلة مع روسيا، بل وأيضاً بالاستثمار طويل
الأجل والتعاون التكنولوجي معها. على سبيل المثال، قال سفير سيراليون لدى الاتحاد
الروسي، محمد يونغاو، في رسالة مباشرة: إنّ «من المستحيل تطوير إنتاج النفط في
بلدنا وفي أي مكان آخر، مع تجاهل وجود وقدرات لوك- أويل وروزنفت. ونحن نرحب
بمشاركتهما في تطوير النفط في سيراليون». ستشارك ALROSA في استخراج وتقطيع الماس السيراليوني أيضاً. أشار السفير أيضاً
إلى أن شركة ألروسا عملت في سيراليون في منتصف التسعينيات، وأوائل العقد الأول من
القرن الحادي والعشرين «توقف العمل بسبب الحرب الأهلية في هذا البلد». وقد أوضحت
شركة ALROSA مؤخرًا أنها تنوي العودة. ووفقاً للسفير، فإنهم واثقون من أنهم
سيكونون قادرين على مواصلة بناء علاقات متبادلة المنفعة معها.
العملات
الوطنية خطوة المستقبل
في
المقابل، بدأت غانا والاتحاد الروسي مفاوضات منذ أكتوبر بشأن التحول إلى العملات
الوطنية في العلاقات الاقتصادية، وبشأن إدخال بطاقات الدفع مير في غانا، اعتباراً
من عام 2024. صرّح بذلك رئيس مجلس الأعمال الغاني
الروسي، موضحاً، أنّ البنك المركزي الغاني يتعاون مع البنك المركزي للاتحاد
الروسي، وأنهم يخططون لإجراء تسويات تجارية متبادلة معنا بالعملات الوطنية، من
خلال بنك في الصين كخطوة أولى. من المقرر أيضاً أن يتم الإنتاج المشترك لمكونات
وقطع غيار السيارات الروسية المستخدمة في هذا البلد في أربع مدن في غانا اعتباراً
من 2024.
ولا
تقلّ جارتا غانا وسيراليون نشاطاً في تطوير العلاقات الاقتصادية مع روسيا. وهكذا،
ستزيد غامبيا واردات الحبوب والأسمدة الكيماوية من الاتحاد الروسي بمقدار النصف
على الأقل. ومن المخطط زيادة هذه الإمدادات الروسية مع السنغال وغينيا ونيجيريا
والنيجر. وفي المياه الإقليمية لغينيا، من المقرر إجراء رحلة استكشافية روسية-
غينية لدراسة احتياطيات الموارد الحيوية البحرية لغرض التنمية المشتركة. وكذلك
تعميق الشراكة في مجالات، مثل: إعادة إنتاج الموارد السمكية وتطوير أسطول الصيد
والبنية التحتية الساحلية.
واعتباراً
من عام 2024، ستشتري غامبيا أيضاً معدات فنية مختلفة
لخفر السواحل في الاتحاد الروسي، على رأسها المركبة الجوية بدون طيار مورينا،
المستخدمة في المجال البحري «المطلوبة لمراقبة المياه». تعدّ تقنيات معالجة المياه
بتقنية النانو التي تم تطويرها في RM Nanotech
أيضاً من بين عوامل التعاون مع غامبيا وكامل غرب إفريقيا. تشارك جميع دول غرب
إفريقيا البالغ عددها 11 دولة في الاتحاد الجمركي والاقتصادي التابع
للإيكواس، والتي ستسمح لمنتجي تقنية المياه «بدخول السوق الإقليمية الواسعة»، فعلى
الرغم من وفرة الموارد المائية الطبيعية في إفريقيا، فإنّ الوضع فيما يتعلق بتنقية
المياه، وخاصة لأغراض الشرب، لا يزال إشكالياً.
بدورها،
اتفقت روسيا مع الوفد الحكومي لساحل العاج مؤخراً على زيادة إمدادات حبوب الكاكاو
والمطاط الطبيعي والفواكه الاستوائية من هذا البلد. ومن المخطط إنشاء مشاريع
مشتركة في مجال بناء السفن التجارية وصيد الأسماك، وبناء المرافق الصناعية
والمدنية، والاستخدام الرشيد لموارد الطاقة والمياه. ووفقاً لأولغا غوسيفا، رئيسة
إدارة الاقتصاد الخارجي للحكومة الإقليمية في نيغني نوفغورد الروسيّة، فإنّ
العلاقات الاقتصادية مع ساحل العاج تتطور بنشاط منذ عام 2019. تستخدم المنطقة الروسيّة على سبيل المثال: المطاط الإيفواري
لصناعة الحلويات، وحبوب الكاكاو من ساحل العاج في إنتاج الشوكولاتة. واحتمالات
التعاون متبادل المنفعة مع ساحل العاج هائلة بكل معنى الكلمة.
ويتعزز
موقف روسيا في غرب إفريقيا أيضاً من خلال حقيقة أن الحكومة الروسية وافقت على
مسودّة اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا والسنغال، والتي أعدتها وزارة الدفاع
الروسية. وبحسب الوثيقة، فإنّ التعاون العسكري مع السنغال ينصّ على تبادل
المعلومات العسكرية والسياسية والاستخبارية العسكرية والتقنية، وتحفيز توريد
المنتجات الدفاعية. وكذلك التعاون في تنفيذ برامج الدفاع الوطني، وتدريب العسكريين
ومكافحة الإرهاب. ومن المقرر أن يتمّ التوقيع على الاتفاقية في المستقبل القريب.
إجمالاً، يمكن القول إن المساعدات السوفيتية السابقة لإفريقيا يُنظر إليها على أنها مصدر قوة لروسيا في تفاعلها الراهن مع دول القارة السمراء، لكن من المستحيل بناء العلاقات الراهنة على أساس الماضي فقط، فهذا قد يكون ضماناً للصداقة والثقة، وإنما في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى خطوات حقيقية لتطوير العلاقات الثنائية، حيث إن قضايا العدالة الاجتماعية والشراكات الاستراتيجية مهمة لإفريقيا في الوقت الحالي. وبالتالي يتعين على موسكو اكتشاف صيغة جديدة للتعاون تُحقق المنفعة المتبادلة مع إفريقيا.
المراجع
_
أليكسي تشيتكين، 24/10/2023، إفريقيا تختار
روسيا لا الغرب كشريكٍ اقتصادي، حزب الإرادة الشعبية.
_
احمد دياب، 4/8/2023، تحديات تطوير
علاقات روسيا وإفريقيا بعد قمة سان بطرسبرغ، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات
المتقدمة.