دور وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمات السياسية والحروب
فرع بنغازي

لطالما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام ونشر المعلومات خلال الأزمات السياسية والحروب. ومع تزايد استخدام هذه المنصات على نطاق واسع، أصبحت أداة فعّالة للتأثير على الناس وتعبئتهم، حيث تحمل هذه المنصات قوة هائلة في التأثير على الأفراد والمجتمعات، من خلال إتاحة الفرصة لتبادل الأخبار والمعلومات بسرعة فائقة.

أوضحت الدراسات الحديثة في العلاقات الدولية أهمية دور وسائل التواصل الاجتماعي “The role of social media”، فلم تعد الدولة هي الكيان الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية، بل ظهر عدد آخر من الفاعلين الدوليين الذين يقومون بدور أساسي على الساحة الدولية، فلم يعد دورها  يقتصر على النظام الداخلي في دولة ما، وإنما يمتد إلى مجال العلاقات الدولية، وقيامها  بدور إستراتيجي  في التفاعلات السياسية الدولية، ولهذا يمكن اعتبارها أحد الفاعلين من غير الدول التي تمتلك القدرة على التأثير في تطورات الأحداث الإقليمية والعالمية، ومن أبرز الأمثلة علي ذلك: صورة الصراع بين (أستونيا، وروسيا) في 2007، والحرب بين (روسيا، وجورجيا) في عام 2008، وبين (كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية) في عام 2009، والتي شهدت هجمات إلكترونية كورية على شبكات البيت الأبيض، وجاء الهجوم الإلكتروني بفيروس “ستاكسنت” على برنامج إيران النووي عام 2010؛ ليمثل نقلة مهمة في تطور واستخدام الأسلحة الإلكترونية، ثم الدور السياسي الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في إدارة الفوضى في عدد من الدول العربية خلال ثورات الربيع العربي.

ومن ثم  شكلت وسائل التواصل الاجتماعي نقلة نوعية في عالم الإعلام الرقمي فقد جعلت من العالم قرية متواصلة، ولهذا يصفها البعض بأنها تشكل “إعلام العولمة” الذي لا يلتزم بالحدود الوطنية للدول، وإنما يطرح حدودًا افتراضية غير مرئية، ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس (سياسية، واقتصادية، وثقافية، وفكرية)؛ لتقديم عالم من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن، حيث أصبحت  تشكل أهم أدوات التأثير في صناعة الرأي العام وتشكيله وتنشئة الشباب وتثقيفه سياسيًّا، بل وينظر إليها البعض على أنها يمكن أن تقود حركة التغيير في العالم العربي، وفي الجانب الآخر باتت منصة مثالية للجماعات المتطرفة والإرهابية لنشر أفكارها الهدامة وتجنيد النشء والشباب.

ولهذا اتخذ مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب عدة مبادرات في مجال التكنولوجيات الجديدة، حيث يهدف برنامج أمن الفضاء الإلكتروني والتكنولوجيات الجديدة تعزيز قدرات الدول الأعضاء والمنظمات الخاصة؛ وذلك لمنع إساءة استعمال الإرهابيين والمتطرفين التطورات التكنولوجية، ويشمل ذلك التصدي لخطر الهجمات الإلكترونية التي تشنها الجهات الفاعلة الإرهابية على البنى التحتية الحيوية، علاوة على تطوير استخدام وسائط التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات من مصادر مفتوحة والأدلة الرقمية؛ لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على الإنترنت، في ظل احترام حقوق الإنسان، وهذا يتضح فيما يلي:

المحور الأول: الإطار المفاهيمي والتنظيري :

تقدم وسائل التواصل الاجتماعي دورًا خاصًا في توفير المعلومات وتوعية الناس بالوضع في حالات الأزمات، حيث يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تهدئ الجماهير وتشجعهم على القيام بأعمال إيجابية، ومن الجانب الآخر تستطيع إرهاب الجماهير وإشاعة الفوضى والصراعات.

أولاً، مفهوم وسائل التواصل الاجتماعي:

إن مفهوم وسائل التواصل الاجتماعي مثير للجدل؛ نظرًا لتداخل الآراء والاتجاهات في دراسته بعد أن عكس هذا المفهوم التطور التقني الذي طرأ على استخدام التكنولوجيا، وأُطلقت هذه التسمية على كل ما يمكن استخدامه من قبل الأفراد والجماعات على الشبكة العنكبوتية العملاقة.

حيث إنها تعرف بأنها “تركيبة اجتماعية إلكترونية تتم صناعتها من أفراد وجماعات أو مؤسسات، وقد تصل هذه العلاقات لدرجات أكثر عمقًا كطبيعة الوضع الاجتماعي أو المعتقدات أو الطبقة التي ينتمي إليها الشخص”، وتُعرَّف أيضًا “على أنها شبكات اجتماعية تفاعلية تتيح التواصل لمستخدميها في أي وقت يشاؤون وفي أي مكان من العالم واكتسبت اسمها الاجتماعي لتصبح وسيلة تعبيرية واحتجاجية وأبرز شبكات التواصل الاجتماعي هي الفيس بوك/ التويتر واليوتيوب”.

كما تعرف وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا بأنها: “وسائل اجتماعية تفاعلية تتيح التواصل لمستخدميها في أي وقت يشاؤون وأي مكان في العالم، وقد اكتسبت اسمها الاجتماعي من كونها تعزز العلاقات بين البشر”.

ومن أشهر شبكات التواصل الاجتماعي:

 الفيس بوك: هي الشبكة الرائدة في عالم الشبكات الاجتماعية، والتي بدأت عام 2004م، كما أن مستخدميه تخطى عددهم 2,8 مليار مستخدم، أي 36 % من إجمالي عدد سكان العالم المقدر تعداده بحوالي 7.8 مليار شخص.

 اليوتيوب : أحد أشهر وأهم المواقع الإلكترونية المرتبطة بالفيديوهات على الإنترنت وقد بدأ عام 2005م.

  التويتر : ظهر عام 2006م بحيث يتم من خلاله التدوين المصغر الذي يسمح بالكتابة لـ280 حرفًا للتغريدة الواحدة بدلًا من 140 حرفًا.

ثانيًا أهمية وسائل التواصل الاجتماعي:

أشارت العديد من التقارير والاحصاءات والدراسات الحديثة إلى تنامي أعداد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وظهور تأثير واضح في المجتمع حال تم استثمار تلك المواقع بصورة إيجابية، وذلك باعتبار أن مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع الافتراضي هو إعلام المستقبل، كما إنه أكثر جدوى في الوصول إلي الجماهير من وسائل الإعلام التقليدية، كما إنه ثورة في مجال التفاعل مع الجمهور من خلال مواقع الفيس بوك والمدونات واليوتيوب وتعليقات القرَّاء في المواقع الإخبارية.

وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الإنترنت في تشكيل فضاء جديد وهو الفضاء الرمزي، الذي يعد إطارًا جديدًا لعلاقات اجتماعية عابرة للقوميات والأماكن المتعارف عليها في المجتمع وسادت لغة الأصابع والشفرات بين الشباب، وظهور أفكار ومعتقدات جديدة لم تكن مألوفة لدى الشباب، أكثر من تلك القيم والروابط التقليدية الأولية التي كانت موجودة في الماضي بين الناس في المجتمع.

كما ترتبط الوسائط الإلكترونية بالرأي العام؛ كلما ازداد الاهتمام باستعمالها في قضايا هامة تخص الطبقة الشعبية العريضة في المجتمع، ازدادت فعاليتها لتكون العامل الحاسم في صناعة الرأي العام. والرأي العام ما هو إلّا تعبير الجماعة أو المجتمع عن رأيه ومشاعره، وأفكاره ومعتقداته واتجاهاته في وقت معين بالنسبة لموضوع يخصه أو قضية ما تهمه أو مشكلة تؤرقه، وهو القوة الحقيقية في المجتمع والحكم الذي تصدره الجماهير على عمل أو حادثة أو نشاط في المجال الداخلي أو الخارجي المحلي أو العالمي، وكذلك التعبير عن وجهة نظر الجماعة ،فصناعة الرأي العام تمر عبر مراحل: بدايةً من مرحلتي الإحساس والإدراك، والنقاش والحوار، إلي الصراع بين الأفراد فكل منهم يريد تقديم رأي بمجموعة من المعلومات والحجج، إلى مرحلة تحول الآراء إلى رأي عام بعد النقاش والإقناع الحقيقَين، وقد لا يقتنع البعض قناعة تامة لكن يجدها الأقرب إلى المنطق والضرورة، ونجد البعض الآخر يوافق وينضم إلى نفس الرأي؛ لأنه يريد تحقيق صفة الانتماء للآخرين، إن العملية تخضع لمجموعة عوامل متعلقة بشخصية الفرد والظروف المحيطة به.

وهذا ما نجده في مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي ينتمون إلى اتجاهات مختلفة، ولهم اهتمامات واحتياجات مختلفة، وبعضهم يرى أن هذه الاهتمامات والاحتياجات لا تجد من وسائل الإعلام والاتصال الاهتمام اللائق لتلبيتها بصورة كافية، فضلًا عن عدم تغطية هذه الوسائل لجميع الأنشطة التي يقومون بها، مما دفع هؤلاء الأفراد لتقديم محتوى يخصهم وحدهم، وبما يمكنهم من نقله لغيرهم، معبرين من خلاله عن اهتماماتهم وآرائهم ومواقفهم المتفاوتة، وعلى نحو يفي بكافة احتياجاتهم الاتصالية، ويشبع رغباتهم بوجه عام.

المحور الثاني: الأزمات والحروب في ظل تنامي أثر وسائل التواصل الاجتماعي:

على عكس الوسائط التقليدية، تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على التواصل التفاعلي بين الأشخاص دون قيود مكانية أو قيود زمنية وتوفر الفرصة لنقل محتوى أي رسائل تحت أي شكل (صوتي، مرئي، مكتوب) إلى أي شخص على هذا الكوكب. وبالتالي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مضخِّمًا للأفكار، وصانعًا للمعنى ومولِّدًا للصراعات أيضًا، وهذا يتضح فيما يلي :

أولًا :دور الشبكات الاجتماعية في الأزمات والحروب:

إن المتابع للمشهد السياسي العالمي يُلاحظ تغييرات سريعة وجذرية بدأت في العقد الثاني من هذا القرن. في الديمقراطيات الأوروبية، تحولت أعداد كبيرة من الناخبين إلى دعم السياسيين الشعبويين، وبعضهم لديه ميول استبدادية، وقد حددت الأدبيات الأكاديمية التي تدرس هذه الاتجاهات عددًا من العوامل التي تفسر صعود الشعبوية من خلال المظالم الاقتصادية والثقافية مدفوعة بظواهر مثل: (الأتمتة، والعولمة، والتقشف، وأزمات اللاجئين، وتغير المناخ). كما شهدت الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم موجات من الحركات الاحتجاجية والثورات؛ فالربيع العربي الذي انتشر عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط في أوائل عام 2010 هو المثال الأبرز، ولكن اندلعت احتجاجات مهمة أخرى في أجزاء مختلفة من العالم، مثل: (تشيلي، وهونغ كونغ، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وصربيا، وأوكرانيا، وفنزويلا).

فقد أدى الدور الواضح لوسائل التواصل الاجتماعي في تنسيق الاحتجاجات وإعطاء صوت للمعارضة في الأنظمة الاستبدادية إلى خلق آمال كبيرة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها “تقنية تحرير”. ومع ذلك، لاحظ المراقبون أيضًا كيف تستخدم الأنظمة الاستبدادية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للمراقبة والدعاية ولصرف انتباه الناخبين عن السياسة؟ في الآونة الأخيرة، بدأ المراقبون في إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي في الديمقراطيات؛ بسبب صعود الشعبوية، وانتشار الأفكار المعادية والأخبار المزيفة.

ومن أهم سمتين مميزتين لوسائل التواصل الاجتماعي، هي الحواجز المنخفضة للدخول والاعتماد على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون، فحواجز الدخول المنخفضة تجعل حراسة انتشار المعلومات السياسية أقل فعالية بكثير، مما يسمح للوافدين الجدد- الذين سبق تهميشهم من قبل المؤسسة السياسية- من خلال توفير منفذ للمعارضة والمبلغين، تجعل وسائل التواصل الاجتماعي من الصعب على الفاعلين السياسيين ورجال الأعمال إخفاء المعلومات التي قد تكون ضارة.

وتشير الأدبيات النظرية الحالية إلى أن هذا يمكن أن يجعل الأنظمة السياسية أكثر عرضة للخطر وأكثر مساءلة، كما يمكن أن يكون لحواجز الدخول المنخفضة أيضًا تكاليف اجتماعية؛ حيث توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصة لجميع الفئات المهمشة سابقًا، وليس فقط للمعارضة الشرعية في الأنظمة الاستبدادية، على سبيل المثال: يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأفكار المتطرفة وزيادة انتشارها واحتمالية تأثيرها. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الحواجز المنخفضة التي تحول دون الدخول إلى جانب قدرة مستخدمي الوسائط على الإنترنت على إعادة نشر المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الآخرين، وإعادة مشاركته ونسخه إلى تقويض آليات السمعة التي تعمل على حماية جودة المعلومات الخاصة بمنافذ الوسائط التقليدية.

ثانيًا: دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحروب:

تستخدم الكيانات الإرهابية Facebook وTwitter وYouTube والمدونات ومجموعة أخرى من تطبيقات الوسائط الاجتماعية؛ لتحديد المحاربين الجدد وتجنيدهم، توفير أدوات التدريب والموارد للمتطرفين، جمع المال والإعلان عن نجاح العمليات الإرهابية، وتشكيل التصور العام بشأن الأعمال العدائية الجارية. فعلى سبيل المثال: إن للقاعدة جهازًا إعلاميًّا ينشر منتجات الفيديو والرسوم على الإنترنت من خلال المنتديات والمدونات الجهادية والمواقع الإلكترونية المخصصة لاستضافة الملفات. كما استخدم تنظيم الدولة (ISIS) وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور واسع. في يناير 2015، قامت مجموعة تدعي أنها متعاطفة مع تنظيم الدولة الإسلامية تسمَّى Cyber Caliphate باختراق حساب Twitter الخاص بالقيادة المركزية الأمريكية، على الرغم من أن المجموعة كانت تنشر موادًا كانت متاحة بالفعل للجمهور، إلا أن القرصنة أوجدت تصورًا بأن حسابات الجيش الأمريكي كانت عرضة للخطر.

بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح معرفي، هناك مخاوف بشأن حصول الجماعات الإرهابية أو الدول القومية المعادية على القدرة على استخدام الإنترنت لشن هجوم على هدف مادي، فقد أثار الانتشار الناجح لفيروس Stuxnet worm- وهو برنامج خبيث مجهول المصدر تم استخدامه لمهاجمة أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الإيرانية

– تساؤلات حول ما إذا كانت جماعة إرهابية قد تكون قادرة على تطوير سلاح إلكتروني مماثل، حيث يمكن للإرهابيين استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لدراسة كود Stuxnet، وتكييفه لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر، التي تتحكم في البنية التحتية الحيوية والتجارة. يمكن للحكومات أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالة دبلوماسية عامة ولمساعدة الحركات المؤيدة للديمقراطية (أو الاستبدادية) في الخارج.

ويوضح الصراع المستمر بين (أوكرانيا، وروسيا) دور وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق أهداف متعددة، حيث كانت شبكات الحكومة الأوكرانية أهدافًا للهجمات الإلكترونية التي ربما تم تنسيقها من قبل “قراصنة وطنيين” باستخدام أدوات وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم أنفسهم وتدريبهم وتجهيزهم. وقد تم اكتشاف برامج تجسس على أنظمة الحكومة الأوكرانية التي يُعتقد أنها تم تطويرها في روسيا، لكن استخدمت الحكومة الروسية عالم المدونات للسيطرة على رواية الصراع، على ما يُزعم من خلال تعبئة مجموعات المتسللين وتشجيعهم على الاحتفاظ بعدة حسابات والنشر والتعليق على العديد من وسائل التواصل الاجتماعي يوميًّا.

وعليه، حاول كلا الجانبين ممارسة السيطرة على بيئة المعلومات؛ فقد تم تقديم تشريع حديث في أوكرانيا كان من شأنه أن يجرم الانتقاد العلني للحكومة، في حين اقترح مشروع قانون آخر تعديلات على قانون المعلومات التي من شأنها أن تفرض لوائح على المدونين، بما في ذلك وضع القواعد والواجبات، بينما يُلزم قانون روسي تمت الموافقة عليه في أغسطس 2012 المدونين الذين لديهم أكثر من 3000 متابع بتسجيل نشاطهم لدى الحكومة، وبالتالي يمكن أن تكون مجموعة القوانين التي تحكم هذا الفضاء الجديد نسبيًّا غامضة، مما دفع البعض إلى تصنيفها على أنها “الغرب المتوحش” غير الخاضع للحكم.

ثالثًا: وسائل التواصل الاجتماعي كمحرك للصراعات والحروب:

تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي لقمع المعارضة الداخلية، والتدخل في انتخابات ديمقراطية، والتحريض على العنف المسلح، وتجنيد أعضاء المنظمات الإرهابية، أو المساهمة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما في حالة اضطهاد الروهينجا في ميانمار في عام 2020، كان هناك دليل على تلاعب وسائل التواصل الاجتماعي في 81 دولة وشركات تقدم حملات “دعاية حاسوبية” للفاعلين السياسيين في 48 دولة، وذلك  على الرغم من أن الدعاية ليست جديدة، إلا أن منتدى “ستوكهولم” 2021 سلط الضوء على بعض الأسباب التي تجعل الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي تمثل تحديات متميزة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، أو تدفع إلي الصراع والحروب أو تؤثر على جهود بناء السلام، وذلك على النحو التالي:

التلاعب بالناخبين والعنف خارج الإنترنت: لا يؤدي تصنيف المعلومات إلى تشكيل وجهات نظر الناس للعالم فحسب، بل أيضًا في سلوكهم. كان الدافع جزئيًّا للاقتحام العنيف لمبنى الكابيتول بالولايات المتحدة في يناير 2021 هو الادعاء الكاذب واسع الانتشار بأن انتخابات 2020 تم تزويرها.

التدخل في ديناميات الصراع: حيث يتضح بشكل متزايد أنه حتى حملات وسائل التواصل الاجتماعي العالمية حسنة النية يمكن أن تتدخل في ديناميكيات الصراع، فعلى سبيل المثال: أعاقت الحملة الدولية #BringBackOurGirls على وسائل التواصل الاجتماعي لتحرير فتيات المدارس الثانوية المختطفات من قبل “بوكو حرام” في شيبوك في عام 2014 محاولات الإنقاذ، وربما شجعت اعتماد المجموعة المتزايد على العنف الجنسي والاختطاف من أجل الاهتمام الدولي والفدية.

المخاطر التي يتعرض لها صُنَّاع السلام والجهود الإنسانية: يمثل الخطر الذي تشكله ردود الفعل السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي على بناة السلام أو الجهود الإنسانية_ محركًا للصراعات والحروب. على سبيل المثال: قام الأفراد الذين يعملون في مشاريع مع زملائهم من دول تعتبر خصومة (أرمينيا / تركيا/ أرمينيا / أذربيجان) بإلغاء مشاركتهم في هذا التعاون بعد تعرضهم لهجمات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الأمثلة الأخرى: الحملات المنهجية عبر الإنترنت للتشهير بالمنظمات الإنسانية، فبين عامي (2013 و2017)، قُتل المئات من متطوعي الخوذ البيضاء الإنسانية في سوريا بعد مزاعم مصطنعة على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم إرهابيون على صلة بالقاعدة وتنظيم الدولة.

رابعًا :حرب المعلومات الجديدة: دور وسائل التواصل الاجتماعي في الصراع:

قبل عقود من الزمن قبل استخدام الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تنبأ الفيلسوف “مارشال ماكلوهان”، الذي عمل في نظرية الإعلام، بحرب عالمية مستقبلية باستخدام المعلومات. بينما كانت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية تُشن باستخدام الجيوش والاقتصادات المعبأة، قال ماكلوهان: “الحرب العالمية الثالثة ستكون حرب معلومات حرب العصابات مع عدم وجود تقسيم بين المشاركة العسكرية والمدنية”، وهي نبوءة وردت في كتابه عن التأملات عام 1970، “الثقافة هي عملنا”.

قد يكون توقُّع ماكلوهان غريبًا في عصره، لكنه يبدو قريبًا جدًا من واقعنا الحالي. منذ عقود، كانت الحواجز أمام دخول البث والنشر عالية جدًا لدرجة أن المؤسسات القائمة فقط هي التي يمكن أن تشارك بشكلٍ هادف في نشر الأخبار، ولكن على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، تم تمكين الأفراد العاديين بشكلٍ جذري بالقدرة على تسجيل ونشر وبث المعلومات إلى الملايين حول العالم، وبأقل تكلفة.

ربما كانت حرب 2014 بين الكيان الصهيوني والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة هي الحرب الأولى التي تم فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنجاح كقوة تسوية راديكالية من قبل الطرف الأضعف. في الحروب السابقة بين (الكيان الصهيوني والفلسطينيين)، سمحت قدرة الكيان الصهيوني على إدارة الوصول إلى ساحة المعركة لها بالمساعدة في تشكيل رواية الحرب، وتصويرها – بالطريقة التي تفضلها- على أنها حرب ضد الإرهاب. ولكن مع انتشار الهواتف الذكية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي في غزة على مدى السنوات العديدة الماضية، انتهى المطاف بهذا الصراع إلى أن يُنظر إليه بشكلٍ مختلف تمامًا من قبل مجموعة متنوعة من المراقبين .فمع تساقط الصواريخ على أحياء غزة، اندفع الفلسطينيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة روايتهم الخاصة عن الحرب؛ حيث شارك شُبَّان وشابات يعيشون في القطاع صورًا لفظائع واضحة ارتُكبت ضد المدنيين، إلى جانب تحديثات عاطفية في كثير من الأحيان حول تجاربهم الخاصة في محاولة النجاة من الهجوم العسكري الصهيوني . في النزاعات السابقة، لم يكن من الممكن سماع معظم هذه الأصوات، وتدمير أراضي طرف واحد فقط، فليس من الواضح ما إذا كان الصهاينة قد انتصروا في الصراع. في المعركة على رواية الحرب – ذات الأهمية الحيوية في صراع تتأثر ديناميكيات قوتها بشدة من قبل الجهات الخارجية – تمكن الفلسطينيون من كسب زخم كبير لقضيتهم.

خلال حرب غزة، حاولت قوات الدفاع الصهيونية دحض هجوم صحافة المواطنين الفلسطينيين بحربهم الإعلامية الخاصة، ونشر الرسوم البيانية ومقاطع الفيديو التي تهدف إلى إظهار الجانب الصهيوني من القصة. في النهاية، كان الصهاينة في وضع غير مواتٍ. وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “فورين بوليسي” بعد الحرب تقريرًا بعنوان “حول هزيمة الكيان الصهيوني في غزة”، تحدث الباحث في العلاقات الدولية “ديفيد روثكوف” عن التأثير العالمي لمشاهد الفوضى التي أعقبت الحرب في غزة، بما في ذلك صور أطفال صغار يُقتلون على الشاطئ من قبل القوات العسكرية الصهيونية، وقد كتب روثكوف: “لا توجد قبة حديدية” – نظام دفاع صاروخي صهيوني متطور ومكلف – “يمكنها إلغاء صور المعاناة والدمار المحترقة في ذاكرتنا أو تبرير الضرر الذي يلحق بشرعية الكيان الصهيوني من مثل هذه المذبحة الوحشية”.

الخاتمة:

استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تكون أداة لحرب المعلومات – سلاح الكلمات الذي يؤثر على قلوب وعقول الجمهور المستهدف-، وسلاحًا للاضطراب الجماعي يمكن أن يكون له تأثيرات على أهداف في العالم المادي.

وبرغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بدور رئيسٍ في صناعة الرأي العام وتشكيله، إلا أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى منصات للتضليل الإعلامي، وتوجيه الرأي العام في بعض الدول بشكلٍ معين يخدم مصالح دول أو جماعات بعينها، بعيدًا عن الحقيقة.

ومن ثم يُقترح على صانعي السياسات وقف حملات التضليل الضارة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء رقابة فعالة وإرشادات صارمة لإدارة البيانات، ويجب على شركات التكنولوجيا إعادة تصميم أدوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها لمنع توظيفها لغايات سياسية ضارة وتفضيل الصراع على الإجماع من جانب، ومن جانب آخر لابد من زيادة الوعي السياسي لدى  المواطنين لتحسين قدرتهم على الصمود أمام المعلومات المضللة، وفي نفس الوقت المطالبة بنظرة ثاقبة على المعلومات التي تم جمعها عنهم من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي.







المراجع:

د. سمر إبراهيم ،14.9.2022، دور وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمات السياسية والحروب، مجلة الشؤون العربية.

(ب، ن ) ، (ب ، ت ) ، دور وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمات السياسية والحروب ، موقع النجاح . 

المقالات الأخيرة