الذكاء البشري والاصطناعي منافسة متجددة 2024
فرع القاهرة

.استقبل العالم عام 2024 وسط تطورات تلاحقنا قد تُغير مسيرة العالم كاملا، تجلى ذلك فى ظهور الذكاء الاصطناعى الذى أخذ على عاتقه مسئوليات ومهام كان يقوم بها الإنسان، فأصبح منافسا له.

لذلك يتوقع أن يشهد العالم تطورات ملحوظة فى مجموعة متنوعة من المجالات التكنولوجية والاجتماعية، حيث سيكون للذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية تأثير كبير فى حياة الأفراد وسلوك المستهلكين.

مثل العام الماضى عام 2023 بداية رحلة الذكاء الاصطناعى الانتقالية من تأسيس قواعد ومواقع والمعرفة به، واحتلت تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى مركز الصدارة فى المحادثات العامة والتجارية عالميا، واستخدامه فى تزييف الحقائق بشكل ما، ولكن هناك تطورات مخيفة للذكاء الاصطناعى تنتظرنا على أعتاب عام 2024 من أبرزها التزييف العميق الأكثر واقعية، واستخدامه فى الحروب.

هناك قضايا كثيرة، أبرزها الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية وتأثيرهما فى حياة الأفراد وسلوك المستهلكين، إضافة إلى قفزة فى دور المسيّرات فى ميادين الحروب بما غيّر خصائص القتال وشكل ساحاته.

- تأثير الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية

يتوقع أن يستمر التطور فى مجال الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية عام 2024، ما يؤدى إلى تغييرات جذرية فى حياة الأفراد، وستزداد استخدامات الذكاء الاصطناعى فى مختلف المجالات مثل: الطب، والصناعة، والخدمات المصرفية، ما يؤثر فى سلوك المستهلكين وطرق التسوق والتفاعل مع التقنيات.

وسيشهد عام 2024 تطورا كبيرا فى دور المسيّرات فى مجال الحروب، ومن المتوقع أن تشهد هذه التقنية تطورات هائلة فى قدراتها وفعاليتها، ما يغير خصائص القتال وشكل ساحات المعارك. قد تظهر استخدامات جديدة للمسيرات فى مختلف الصراعات والحروب، مما يثير تحديات أخلاقية وسياسية جديدة.

على الصعيد نفسه سيتجه مستقبل تطبيقات الذكاء الاصطناعى إلى ثلاثة اتجاهات، أولها: الاتجاهات الضخمة، عبر إحداث طفرة ونقلة كبيرة فى الواقع الدولى بشكل سريع وتنافسى. الثانى : الاتجاهات الفرعية، يمكن أن تتطور أو تنبثق من الاتجاهات الضخمة عبر إحداث تطور نوعى أو فرعى فى تأثيرات تطبيقات الذكاء الاصطناعى. الثالث والأخير: الاتجاهات المحتملة، لتطبيقات الذكاء الاصطناعى من خلال القدرة على توليد الأنشطة أو التطبيقات أو المشروعات التى يمكن أن ترتبط بها وتتصاعد فى المستقبل من ثم فإنها تكون لها القدرة على تشكيل الاتجاهات السائدة فى المستقبل

- الذكاء الاصطناعى آكل قوت البشر

أشار بعض العلماء إلى قدرة الذكاء الاصطناعى على القيام بمهام البشر هذا العام، وقد يؤدى وظائف معينة بشكل أفضل من معظم البشر. وأضافت تطبيقات الذكاء الاصطناعى دورا جديدا لها يزاحم هذه المهن وتلك الوظائف، منها صناعة المحتوى والصورة والحديث وتكوين شخصيات رقمية بشكل بشري.

جاء ذلك مع التطور الضخم فى البنية التحتية الرقمية مثل: الألياف البصرية، والهواتف الذكية، وتطور شبكات الجيلين الخامس والسادس.

يؤدى ذلك الأمر إلى تقاعد الكثير من الناس فى منازلهم، ويصبح مصارعا لهم فى مهنهم، وقاطعا لأرزاقهم، ويمكن أيضا تسليحه واستخدامه، على سبيل المثال، لإنشاء مسببات الأمراض، أو شن هجمات إلكترونية ضخمة.

على صعيد آخر، وعلى الرغم  من اعتقاد عدد من الباحثين بأنه يمكن الوصول على الأقل إلى نصف قدرة العقل البشرى بحلول عام 2024، فإن الإنسان سيظل هو من يحركه ويسيطر عليه. تكشف التجربة الدولية السابقة عن أن الذكاء الاصطناعى لا يمكن أن يكون نقيضًا للذكاء البشرى، بل إنه عامل مساعد له، وما صنعه الإنسان من الآلات امتلكت ذكاء صناعيا، من ثم لم تصبح "الآلات" مفكرة، بل إنها كانت خاضعة بالفعل إلى برمجيات للتحكم والسيطرة من قبل الإنسان، ولكن تكمن الخطورة فى توظيف ذلك التقدم لأهداف عسكرية أو غير إنسانية.تمثل هذه الاحتمالات  السيناريوهات المخيفة من تقدم الذكاء الاصطناعى.

إن الخوف مما يسمى سيطرة الذكاء الاصطناعى على العقل البشرى ليس له مبرر؛ لأن المشكلة الأساسية تكمن فيما يكمن وراء تحريك تلك التطبيقات من البشر أنفسهم، وأن أى أخطاء أو تجاوز لتلك الصلاحيات الممنوحة تكمن فى خلل فى الخوارزميات التى تم وضعها، وأن القدرات الخارقة أو غير المعتادة التى سيصل إليها الذكاء الاصطناعى فى المستقبل سيتوقف الخوف منها على مدى سعى الإنسان لعسكرة تلك التطبيقات لإدارة صراع عن بعد مع قوى دولية أخرى.

لن يشهد العالم صراعا بين الذكاء البشرى والذكاء الاصطناعى بل سيكون عبر تحالفهما معا لتحقيق أهداف بشرية فى النهاية فى معركة الاستحواذ على قوة الحاضر والمستقبل.

هناك بعض التوقعات للذكاء الاصطناعى أشاد بها تقرير على موقع Live Science ، منها أن عام 2024 ربما سيكون عام الاختراق بالنسبة للذكاء الاصطناعى، كما تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى معالجة كل من اللغات وتفسيرها وترجمتها بسرعة فائقة، واستخدام الروبوتات فى المجالات الطبية، والزراعية، والصناعية، وغيرها.

يتوقع أن يفعل ثلاثة أمور مخيفة خلال الأشهر المقبلة من أبرزها الحرب، والتزييف الواقعى العميق، وتزوير الانتخابات، والروبوتات القاتلة.

- التزييف الواقعى العميق وتزوير الانتخابات

أثبتت الكثير من الدراسات خلال سؤال تطبيقات الذكاء الاصطناعى عن أسوأ الاحتمالات التى يحدثها الذكاء الاصطناعى فى المستقبل بداية من عام 2024.

 وبطرح السؤال على 4 تطبيقات شهيرة للذكاء الاصطناع، منها "شات جى بى تى" (ChatGPT)، "جى بى تى-4" (GPT-4)، "ساغ" (Sage)، "كلود+" (Claude+) حذرتنا، وقدمت لنا تصوراتها عن أسوأ سيناريوهات الذكاء الاصطناعى، وأكد أحدها أنه "من المهم ملاحظة أن هذه السيناريوهات ليست تنبؤات، بل هى مخاطر محتملة يجب أن نكون على دراية بها ونعمل على التخفيف منها".

 أول هذه المخاوف التزييف الواقعى والعميق من خلال إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعى لتوليد صور،أو مقاطع فيديو، أو صوت، أو نصوص مزيفة (التزييف العميق) باستخدام أدوات التعلم الآلى المتقدمة، ما يؤدى إلى انتشار المعلومات المضللة على نطاقات ضخمة عبر الإنترنت، وهذا يمكن أن يقوض سلامة المعلومات ويقوض الثقة بمصادر الأخبار وبنزاهة المؤسسات الديمقراطية.

فى سيناريو مرعب، قد يدفع ظهور التزييف العميق صناع القرار فى مجال الأمن القومى فى يوم من الأيام إلى اتخاذ إجراءات فعلية بناء على معلومات خاطئة، ما قد يؤدى إلى أزمة كبيرة، أو أسوأ من ذلك: الحرب، فى سياق متصل، ومع قدرة الذكاء الاصطناعى على إنشاء صور مزيفة عميقة - أى بث فيديو مباشر. فإن إمكاناته أصبحت غير متوقعة؛ حيث أصبح الآن جيدا جدا فى إنشاء وجوه بشرية لدرجة أن الأشخاص لم يعد بإمكانهم التمييز بين ما هو حقيقى وما هو مزيف.

نشرت مجلة العلوم النفسية فى 13 نوفمبر الماضى، عن ظاهرة "الواقعية المفرطة"؛ حيث من المرجح أن ينظر إلى المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعى على أنه "حقيقى".

من ثم، فأحد الاحتمالات المخيفة للذكاء الاصطناعى هو أن يتمكن البشر من نشر التزييف العميق له لمحاولة التأثير فى الانتخابات.

للذكاء الاصطناعى دور كبيير أيضا فى التزييف العميق فى الانتخابات من خلال تغيير نتيجة التصويت، وأكدت صحيفة فايننشال تايمز، على سبيل المثال، أن بنجلاديش تستعد للانتخابات فى يناير الجاري، فيما تستعد الولايات المتحدة لإجراء الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر 2024، وهناك احتمال أن يؤدى الذكاء الاصطناعى والتزييف العميق إلى تغيير نتيجة هذا التصويت الحاسم.

على الصعيد نفسه، تقوم جامعة كاليفورنيا فى بيركلى بمراقبة استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحملات الانتخابية، وأشارت شبكة إن بى سى نيوز أيضا إلى أن العديد من الولايات تفتقر إلى القوانين أو الأدوات اللازمة للتعامل مع أى زيادة فى المعلومات المضللة الناتجة عن الذكاء الاصطناعى.

- الذكاء الاصطناعى أداة للحروب المقبلة

يعد استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحروب من أحدث التطورات التكنولوجية التى تؤثر فى المجال العسكرى. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحروب فى عدة مجالات مثل التخطيط والتحليل واتخاذ القرارات والتشخيص والتنبؤ بالأحداث، ويمكن أن يسهم استخدام الذكاء الاصطناعى فى تحسين كفاءة العمليات العسكرية وتقليل التكاليف وزيادة دقة اتخاذ القرارات

تحسين التخطيط والتحليل: يمكن للذكاء الاصطناعى مساعدة قادة الجيش على تحليل المعلومات وتقديم توجيهات دقيقة للتخطيط والتنفيذ، وزيادة دقة اتخاذ القرارات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، يمكن تحسين دقة اتخاذ القرارات فى ساحة المعركة، مما يمكن أفضل استغلال الموارد وتحقيق نتائج أفضل.

كما أن تقليل التكاليف يمكن من الاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعى أن يؤدى إلى تقليل التكاليف من خلال زيادة كفاءة العمل وتوجيه الموارد بشكل أفضل.

فى هذا السياق تعمل الحكومات فى جميع أنحاء العالم على دمج الذكاء الاصطناعى بشكل متزايد فى أدوات الحرب، ونتيجة لذلك أعلنت الحكومة الأمريكية فى 22 نوفمبر الماضى أن 47 ولاية أيدت إعلانا بشأن الاستخدام المسئول للذكاء الاصطناعى فى الجيش، والذى أطلق لأول مرة فى لاهاى فى فبراير 2023.

تجلت قدرة الذكاء الاصطناعى على استخدامه كسلاح للحرب به فى الطائرات الذى كانت بدون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعى تطارد جنودا فى ليبيا دون تدخل بشرى.

ففى عام 2024 لم يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعى على أنظمة الأسلحة فحسب، بل أيضا فى الأنظمة اللوجستية وأنظمة دعم القرار، فضلا عن البحث والتطوير.

- الذكاء الاصطناعى ربوت قاتل

للذكاء الاصطناعى تطبيقات عدة فى المجالين الأمنى والعسكرى. على الميدان، هو يُسهّل المناورات، ويُمكّن من إنقاذ الأرواح فى حال حدوث خسائر، كما يعزز أداء الجيوش بتوفير روبوتات حليفة للجنود.

بحسب بعض الخبراء، فإن الأسلحة الفتاكة الأوتوماتيكية هى بصدد خلق الثورة الثالثة للحروب، بعد البارود والسلاح النووى. وكيف لا ينتابنا القلق لحلول يوم يصبح فيه تشغيل جيوش الروبوتات واقعا، بما لها من قدرة على تنفيذ العمليات العدائية بكل استقلالية؟

 بفضل تطور التكنولوجيات الإعلامية ستُصبح نُظم القتال مُستقبلا أكثر استقلالية من النظم الحالية.

ستسمح هذه الاستقلالية دون أدنى شك بتوفير مساعدة قيمة للمقاتلين من ناحية أخرى سوف تأتى بالمزيد من التحديات والمجازفات : من ذلك سباق التسلح بين الدول، وغياب القواعد والقوانين فى مناطق الصراع، وانعدام المسئولية فى اتخاذ القرارات. فى الوقت الحاضر، فى حين يحاول العديد من المقاولين وأصحاب القرار والعلماء منع استخدام نُظم القتال المستقلة، يؤكد العسكريون أن القرار الأخير بخصوص القتل من عدمه، أثناء المعركة، سوف يبقى بيد الإنسان.

وقد حذر العديد من العلماء والتقنيين البارزين من الروبوتات القاتلة ومنهم ستيفن هوكينج فى عام 2015 وإيلون ماسك فى عام 2017، لكن التكنولوجيا لم تتحقق بعد على نطاق واسع تعد الربوتات القاتلة(LAWS)   أحد أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة التى ثثير الرعب وكثرة المخاوف من ابتكارها.

 

و فى نهاية المطاف، ليس بين أيدينا إلا التسليم للتطورات التكنولوجيا فيما تقدمه لنا، وما تحدثه فينا، وما يجب أن نفعله تجاه هذه الضجة من التطورات التكنولوجيا المثيرة للقلق والرعب، هو تعلم كيفية التعامل معها والتطور بشكل دائم، وأن نسارع الزمن، ولا نقف مكتوفى الأيدى متسمرين فى أماكننا بمنزلة مشاهدين ومراقبين فقط، ولكن لا بد من تعلم كيفية التعامل مع هذه المعضلة التى تبدأ بالحديث عن انطلاقة للروبوتات القاتلة، التى طبقت على أرض الواقع.

على سبيل المثال فى أوكرانيا زُعم أن روسيا نشرت طائرة Zala KYB-UAV   بدون طيار يمكنها التعرف إلى الأهداف ومهاجمتها دون تدخل بشرى، وفقا لتقرير صادر عن نشرة علماء الذرة.

وقد طورت أستراليا أيضاGhost Shark  وهو نظام غواصة مستقلة من المقرر أن تنتج "على نطاق واسع" وفقا لما ذكرته مجلة   Australia Financial Review

سيعتمد مستقبل المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي وكيفية استجابة البشر له.

ومع ذلك، فمن المرجح أن تشتد حدة هذه المنافسة في عام 2024 مع استمرار الذكاء الاصطناعي في تطوير وتوسيع نطاق تطبيقاته.

وهناك عدة سيناريوهات محتملة للمنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي في عام 2024، يحددها بانافع فيما يلي:

السيناريو الأول : يستمر الذكاء الاصطناعي في التفوق على البشر في مجموعة متنوعة من المجالات، مما يؤدي إلى إزاحة بعض الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى البطالة والاضطرابات الاجتماعية.

السيناريو الثاني : البشر قادرون على إيجاد طرق للتكيف مع الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتحقيق النمو الاقتصادي.

السيناريو الثالث : تطوير البشر لذكاء اصطناعي يفوق ذكائهم، مما يؤدي إلى ظهور ما يسمى "عصر الذكاء الاصطناعي".

ومن الصعب التنبؤ بالسيناريو الأكثر ترجيحًا في عام 2024 ومع ذلك من المهم أن نكون على دراية بالتحديات والفرص التي تمثلها المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي

تعد المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي ظاهرة معقدة ولها آثار بعيدة المدى.

من المهم أن تكون على دراية بهذه المنافسة وأن تتخذ الخطوات اللازمة للتكيف معها.

بالإضافة إلى المجالات المذكورة أعلاه، من المتوقع أيضًا أن يتنافس الذكاء الاصطناعي مع البشر في مجالات أخرى، مثل التعليم والإبداع وخدمة العملاء

 

 

المصدر : مجلة السياسة الدولية

الكاتب : نادية العناني

التاريخ : 15/1/2024

--------------------------------

المصدر : سكاي نيوز عربية

التاريخ : 26/12/2023

المقالات الأخيرة