وقف تمويل الأونروا
فرع بنغازي

الأونروا هي وكالة تأسست عام 1949 لتقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين وأحفادهم في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. تضم الوكالة حوالي 5.7 مليون لاجئ مسجل، وتوظف حوالي 28000 موظف محلي، معظمهم من اللاجئين أنفسهم. تقدم الوكالة خدمات تعليمية وصحية واجتماعية وبنية تحتية وتحسين مخيمات اللاجئين، بالإضافة إلى المساعدات الطارئة في حالات النزاع والأزمات. بلغت ميزانية الوكالة في عام 2020 1.6 مليار دولار.

قامت الولايات المتحدة وما لا يقل عن 12من حلفائها بسحب التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في أعقاب مزاعم صهيونية بأن بعض موظفيها متورطون في عمليات الـ 7 من اكتوبر، ما يعنى قطع مساعداتها عن ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على الأونروا للحصول على لقمة عيشهم، وبالتالي سيتمكن الاحتلال من تهجيرهم قسريا بحثا عن غذاء ومأوى.

حيث انه منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة قامت الوكالة بتزويد سكان غزة بكل شيء بدءًا من الغذاء والرعاية الصحية وحتى التعليم والدعم النفسي على مدى عقود، وتتولى الأونروا، إلى جانب الهلال الأحمر الفلسطيني، توزيع جميع مساعدات الأمم المتحدة القادمة إلى الأراضي الفلسطينية تقريبًا. وتمتلك الوكالة 11 مركزًا لتوزيع المواد الغذائية على مليون شخص في غزة.

فيما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الحاجة إلى استمرار تقديم الدعم لوكالة الأمم المتحدة لدعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمواصلة دورها الإنساني، ودعا المانحين - خاصة أولئك الذين أوقفوا مساهماتهم – إلى ضمان استمرارية عمليات الأونروا، حيث عشرات الآلاف من الموظفين العاملين في جميع أنحاء المنطقة، وشدد على ضرورة تلبية الاحتياجات الماسة للسكان اليائسين في قطاع غزة.

وأشار "غوتيريش" إلى أنه بالإضافة إلى برامجها في قطاع غزة، تقدم الأونروا مساعدات إنسانية حيوية للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا وفي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. وفي قطاع غزة، تقدم الوكالة الأممية المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من مليوني مدني، وتدير ملاجئ تأوي أكثر من مليون شخص، وتوفر الغذاء والمياه وخدمات الرعاية الصحية.

وفى فلسطين اعتبر وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني أن وقف تمويل منظمة الأونروا يعد عقابا جماعيا ضمن خطة التهجير، وقال إن الهجمة على وكالة الأونروا ليست جديدة، وهناك تحريض على وقف التمويل لأن الوكالة الأممية تخدم الفلسطينيين واللاجئين، خاصة في غزة وأن الهجمات عليها أصبحت في الضفة الغربية وغزة.

وكان أخر اجتماع لمجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوربي قد اعترافا واسع النطاق أن الأونروا هي مقدم للمساعدات المنقذة للحياة للفلسطينيين لا يمكن الاستغناء عنه.

 وفي حين أن العواطف التي تدفع إلى تعليق التمويل أمر مفهوم، فإن المسؤولية السياسية يجب أن تنظر إلى ما هو أبعد من العواطف وأن تنظر في العواقب المترتبة على مثل هذه الخطوة. إن وقف تمويل الأونروا سيكون أمراً غير متناسب وخطير. لقد تم تكليف الأونروا بمهمة صعبة للغاية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك من قبل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كذلك من المتوقع أن تقدم الوكالة خدمات عامة عالية الجودة ومنخفضة التكلفة في بيئة عالية المخاطر، وذلك باستخدام موظفين محليين بشكل رئيسي. وفي غزة وحدها، يلعب 13000 موظف محلي، وهم أنفسهم ضحايا المأساة الإنسانية المستمرة، دورًا حاسمًا في توزيع الغذاء والماء والدواء على 1.1 مليون شخص يعانون من الجوع الكارثي وتفشي الأمراض. كما أنها توفر المأوى لحوالي مليون نازح في أكثر من 150ملجأ للطوارئ وحوالي 23000 استشارة طبية يوميًا.

لكن دور الأونروا يتجاوز بكثير المساعدة التي تقدمها مباشرة لغزة. فهو أمر أساسي بالنسبة لعملية تقديم المساعدات برمتها داخل غزة. ولا تستطيع أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي أو مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إدارة العمليات بدون البنية التحتية والخدمات اللوجستية والموظفين التابعين للأونروا. وكما أشارت منسقة الأمم المتحدة في غزة، سيغريد كاغ، فإنه "من المهم الاعتراف بالدور المركزي الذي تلعبه الأونروا في قطاع غزة. ولا يمكن لأي منظمة أن تحل محلها".

كما تبلغ قيمة الأموال المعلقة حاليًا أكثر من 440 مليون دولار أمريكي، أي ما يقرب من نصف الدخل المتوقع للوكالة في عام 2024، مما يعرض وجودها ذاته للخطر. وفي حالة قيام الأونروا بوقف خدماتها أو الحد منها، وهو ما قد يحدث في وقت مبكر من نهاية شهر فبراير، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الدراماتيكية المستمرة بشكل كبير. إن حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، معرضة للخطر.

سيكون من الصعب تصور مثل هذه الاستجابة غير المتناسبة في مكان آخر. وإذا كان بعض الأطباء في أحد المستشفيات الأوروبية متورطين في أنشطة إجرامية، فسيتم إجراء تحقيق شامل وسيتم اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة. ومع ذلك، لن تتوقف أي حكومة على الإطلاق عن تمويل الخدمات الصحية، لأن هذا سيؤدي في المقام الأول إلى معاقبة الأشخاص الذين يتلقون هذه الخدمات. ولا ينبغي أبداً أن تؤدي الأخطاء التي يرتكبها الأفراد إلى عقاب جماعي لشعب بأكمله.

حيث "إن زوال الأونروا سيكون أيضًا خطرًا جديًا على الاستقرار الإقليمي. ولا تقدم وكالة الأمم المتحدة الخدمات الأساسية في غزة التي مزقتها الحرب فحسب، بل توفر أيضا الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الحيوية لنحو 5.6 مليون لاجئ فلسطيني."

 وفي الشرق الأوسط بأكمله، يُنظر إلى الأونروا على أنها ضمانة لالتزام المجتمع الدولي بالتوصل إلى حل سياسي للفلسطينيين، حيث تلعب الوكالة دورًا حاسمًا في المساهمة في استقرار المنطقة على نطاق أوسع.

 إن أي تخفيض في خدمات الأونروا من شأنه أن يزيد الضغط على الضفة الغربية في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والوضع الأمني المتقلب بشكل متزايد.

إنه من المؤكد أن بعض الأعضاء البارزين في الحكومة الصهيونية الحالية يريدون رؤية الأونروا مغلقة، كما ذكر مرارا وتكرارا علنا. وقد جادلوا بأن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال منح وضع اللاجئ عبر الأجيال، على الرغم من أن هذا النهج يتوافق مع القانون الدولي. إن هذه الدعوات ليست جديدة بأي حال من الأحوال. وفي عام 2018، بلغت ذروتها بتعليق التمويل الأمريكي في عهد الرئيس ترامب، وهي الخطوة التي تركت الوكالة متوترة ماليًا منذ ذلك الحين. غير أن قمع الوكالة لن يؤدي إلى اختفاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، بل سيجعلها أسوأ.

وقد حذّر أعضاء المؤسسة الأمنية الصهيونية والمجتمع المدني من أنه في غياب الأونروا، سيتعين على الكيان الصهيوني التدخل ولعب دور أكثر مباشرة في المهمة الصعبة للغاية المتمثلة في توزيع الغذاء والدواء والخدمات الأساسية الأخرى. ويتحمل الكيان الصهيوني، باعتباره القوة المحتلة، المسؤولية عن رفاهية الشعب

 في يوم الجمعة في 26 يناير الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية إجراءاتها المؤقتة في مواجهة خطر الإبادة الجماعية في قطاع غزة؛ وفي اليوم نفسه صدرت "الاتهامات" الصهيونية ضد بعض موظفي وكالة الأونروا، والدعوات إلى وقف نشاطها في القطاع بعد الحرب، وإلى استقالة مفوضها العام؛ فهل هذا التزامن هو مجرد صدفة؟

 

في رأي جوهان صوفي، المدير السابق للمكتب القضائي التابع للأونروا في قطاع غزة، أن "حقيقة أن محكمة العدل الدولية، في قرارها، استخدمت هذا القدر المكثف من تصريحات الوكالة [الأونروا] ومفوضها العام قد يكون حاسماً في هذا الأمر"، مقدّراً أن "هذه الحملة يجب أن تُفهم أيضاً على أنها شكل من أشكال العقاب الجماعي للوكالة ومحاولة لردعها"، وأن ما جرى هو "جزء من مشروع سياسي أوسع، وهو تهجير أكبر قدر ممكن من سكان قطاع غزة، أو حتى ترحيلهم كلهم؛ وكما قال العديد من المسؤولين الصهاينة ، فإن هذا المشروع ينطوي بالضرورة على تحييد أو اختفاء الأونروا"، مضيفاً أن هذا جزء من استراتيجية ترمي إلى "تشويه سمعة مؤسسة كانت حتى الآن المصدر الرئيسي للمعلومات لوسائل الإعلام الدولية، ذلك إنه لا توجد وكالة أنباء مصرح لها بالعودة إلى غزة ولا محققون دوليون مصرح لهم بالعمل فيها".

وفي "أشاره إلى ذلك " حمل عنوان معبّراً هو: "الأونروا، شاهد غير مرغوب فيه"، لاحظت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية في 2 فبراير الجاري أن هذا التزامن "ملفت للنظر، كي لا نقول إنه مثير للقلق"، ذلك إنه "في 26 يناير ، عندما أشارت محكمة العدل الدولية إلى وجود خطر معقول بوقوع إبادة جماعية في غزة، وأمرت الكيان الصهيوني  بخمسة إجراءات احترازية، أعلنت الولايات المتحدة تعليق مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتبعها على الفور حوالي خمسة عشر مساهماً آخر"، وذلك تساوقاً مع "الاتهامات الخطيرة التي وردت في وثيقة أعدّتها المخابرات الصهيونية  ضد اثني عشر موظفاً في الأونروا، يشتبه في مشاركتهم في هجوم حماس على الكيان الصهيوني  في 7 أكتوبر 2023"، علماً بأنه "حتى قبل صدور تسريبات عن تقرير تل أبيب في الصحافة الأميركية، كانت الأونروا قد استبقت الأمر من خلال الكشف علناً عن ادعاءات تدين موظفيها، وتعلن عن تسريحهم وفتح تحقيق، لكن تلك المحاولة لم تكن كافية لنزع فتيل الأزمة". وخلصت الصحيفة إلى أن الكيان الصهيوني “لم يتوقف أبداً عن انتقاد الأونروا، التي تعتبرها منظمة تعمل على إدامة وضع اللاجئين إلى الأبد؛ لكن الانتقادات الجديدة التي توجهها لها تتسم بضراوة غير مسبوقة"

وختاماً، وبغية إخراج الأونروا من عين العاصفة، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، في الخامس من فبراير 2023 ، عن تشكيل "لجنة مستقلة" مكلفة بتقويم "حيادية" الأونروا وكيفية تشغيلها، برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، ومساعدة ثلاثة مراكز أبحاث في السويد والنرويج والدانمارك، على أن تقدم للأمين العام تقريراً أولياً في أواخر  مارس القادم، وتقريراً نهائياً في أواخر أبريل القادم، يمكن أن يتضمن توصيات "لتحسين وتعزيز" آليات عمل الأونروا، وتبيان حقيقة الاتهامات الموجهة إليها والتي تأتي، كما لاحظ أنطونيو غوتيرش "في حين أن الأونروا، وهي أهم منظمة للأمم المتحدة في المنطقة، تعمل في شروط صعبة جداً لمساعدة مليوني شخص في قطاع غزة، مرتهنين لها للبقاء على قيد الحياة في واحدة من أسوأ وأعقد الأزمات الإنسانية في العالم .

 

 المراجع

_ جوزيب بوريل، 5.2.2024، وقف تمويل الأونروا سيكون أمراً غير متناسب وخطير، موقع رسمي للاتحاد الأوروبي.

_ عمرو وجدي، 9.2.2024، وقف تمويل الأونروا، موقع شروق.

المقالات الأخيرة