اختيار شكل الهيئة التشريعية
فرع بنغازي

واجهت الكثير من الدول عبر العالم في حقبة من أحقاب تاريخها مسألة بناء المؤسسات السياسية التي تستطيع خلق وضمان استمرار مجتمع ينعم بالشفافية والاستقرار والرخاء ويخضع لسلطة القانون. وتنعكس نتيجة هذا المخاض عادة في الدستور الذي يقوم المواطنون على أساسه بإقامة مؤسساتهم الحاكمة. وبخصوص المؤسسات التشريعية، تجد الدول نفسها أمام عدد من الاختيارات. كيف ينبغي اختيار المشرّعين؟ وما السلطات التي يتعين إعطاؤها للهيئة التشريعية؟ ليست هذه إلا بعض من القضايا التي يتعين حلها قبل دخول الهيئة التشريعية باب الممارسة. وهناك قرار أساسي إضافي يهم هيكلة أو تركيبة الهيئة التشريعية نفسها: هل تتبنى بلاد ما غرفة تشريعية واحدة أم غرفتين اثنتين؟

وعلى رغم صعوبة الإقرار في مسألة الاختيار بين هذا النظام وذاك، ساعدت مع ذلك تجربة الدول خلال القرن الأخير على كشف النقاب عن مكامن القوة والضعف لكل نظام. وإذا كان للعوامل التاريخية والثقافية وحتى السياسية الخاصة بكل بلد لها تأثير على هذا الاختيار، فإن تجربة البلدان الأخرى تشكل مع ذلك قاعدة مفيدة يمكن على أساسها تحديد أي من النظامين، نظام الغرفة الواحدة أو نظام الغرفتين، يلبي الحاجيات الآنية لذلك البلد ويستجيب لغاياته المستقبلية بصورة أفضل. ويقف هذا البحث عند الخصائص الأساسية للبرلمانات ذات الغرفة الواحدة والغرفتين، ويعرض الأسباب التي قد تدفع بالبلدان إلى تفضيل نظام على الآخر. ولمزيد من الإيضاح، يقوم البحث بعرض وافر لعدة أمثلة عن أنظمة تشريعية ذات الغرفة الواحدة وأخرى ذات الغرفتين.

أصناف الهيئات التشريعية: ذات الغرفتين أو النظام الثنائي

تتكون هذه الهيئة التشريعية من مجلسين عادة ما يشار إليهما بالغرفة السفلية والغرفة العليا. وتتشكل الغرفة السفلية عادة على أساس تمثيل السكان، إذ أن كل عضو من الغرفة يمثل نسبة مماثلة من المواطنين. وتطلق على هذه الغرفة أسماء مثل: مجلس النواب، مجلس العموم، الجمعية العامة أو الجمعية الفيدرالية. أما الغرفة العليا، فهي تكون أقل عددا بالمقارنة مع الغرفة السفلية. وتكون مدة انتداب الأعضاء في الغرفة العليا في معظم الأحيان أطول من مدة انتداب زملائهم في الغرفة السفلية، في حين تتمتع الغرفة العليا بسلطة أقل اتساعا من نظيرتها في غالبية الأحيان. وتعرف الغرفة العليا (وتسمى أحيانا بمجلس الشيوخ، مجلس اللوردات أو المجلس الفيدرالي) اختلافا كبيرا من حيث تركيبتها والطريقة التي يتم على أساسها اختيار أعضائها عن طريق الوراثة أو التعيين أو الانتخاب المباشر أو غير المباشر. وتعكس بعض الغرف العليا تقسيما جغرافيا على أساس الجهة أو الولاية، كما هو الشأن في ألمانيا أو الولايات المتحدة. ويضع المواطنون عادة ثقة أكبر في هذه الغرف العليا عندما يشاركون في اختيار أعضاء الغرفة عن طريق الانتخاب المباشر أو غير المباشر. ففي الانتخابات المباشرة، يعطي الناخبون أصواتهم مباشرة لفائدة مرشح معين أو لفائدة الحزب الذي يريدونه تقلد الحكم. وفي الانتخابات غير المباشرة، ينتخب المواطنون ممثليهم على المستويين المحلي أو الإقليمي والذين يختارون بدورهم أعضاء الغرفة العليا. وتكون الغرف المنتخبة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خلافا للغرف المشكلة على أساس التعيين أو الوراثة، أكثر تعرضا للمساءلة والمحاسبة من طرف المواطنين، ولهذا السبب فهي تعتبر أكثر ديمقراطية.

من بين مزايا الهيئات التشريعية ذات الغرفتين ما يأتي:

تمثل دوائر متنوعة (ولاية، جهة، عرق أو طبقة)، تساعد على ضمان مقاربة مبنية على روح التشاور في مجال التشريع، تحول دون تمرير تشريعات غير مسئولة أو تشوبها شائبة، تتيح فرصة إضافية لمتابعة أو مراقبة الجهاز التنفيذي.

وتختلف سلطة الغرفتين في النظام التشريعي الثنائي اختلافا واسعا من بلد إلى بلد. هكذا تطبق بعض البلدان مثل المملكة المتحدة نوعا «ضعيفا» من النظام التشريعي الثنائي، إذ تتمتع فيه إحدى الغرفتين بسلطات تشريعية أوسع. ويختلف مستوى السلطة بين الغرفتين من نظام إلى نظام. كما قد تتمتع بعض الغرف العليا بإمكان تأخير أو مراجعة مشروعات القوانين المصدّق عليها من لدن الغرف السفلية، في حين تبقى مهمات الغرف العليا في بعض الأنظمة التشريعية ذات طابع استشاري ليس إلا. أما الولايات المتحدة، فهي تمارس شكلا «قويا» من النظام الثنائي، إذ تتمتع كلتا الغرفتين بسلطات متساوية أو متوازنة، ويتعين عرض مشروعات القوانين على الغرفتين والتصديق عليها من طرف كليهما.

الهيئات التشريعية ذات الغرفة الواحدة أو النظام الأحادي

توجد الهيئات التشريعية ذات الغرفة الواحدة أو الأنظمة التشريعية الأحادية في البلدان التي تقوم على أساس نظام مركزي للسلطة. وخلافا للنظام الفيدرالي، إذ يتم توزيع السلطة فيما بين الحكومة المركزية والدوائر الإدارية التي تشكل مجموع التراب الوطني، يبقى الحكم ممركزا في يد السلطة المركزية. ويوجد النظام الأحادي عادة في البلدان ذات المساحة الجغرافية المحدودة والتي تتوافر على ساكنة متجانسة لا يتعدى عددها 10 ملايين نسمة.

من بين مزايا الهيئات التشريعية ذات الغرفة الواحدة ما يأتي:

لها القدرة على سن مشروعات القوانين بسرعة، نظرا إلى إمكان التصديق على مشروعات القوانين من طرف غرفة واحدة فقط، الشيء الذي يعفي من مهمة التوفيق بين مشروعات قوانين متضاربة، الغرفة معرضة لوحدها للمساءلة إذ لا يمكن لأعضاء الغرفة تقديم اللوم لغرفة أخرى إذا ما تعذر التصديق على القوانين أو إذا ووجهت مصالح المواطنين بالإهمال، يكون عدد المسئولين المنتخبين أقل في هذه الحال، ما يسهل عملية مراقبتهم ومتابعتهم من طرف المواطنين، وتقل الكلفة في هذا النظام بالنسبة إلى الدولة ودافعي الضرائب.

أنماط من هيكلة الهيئات التشريعية.

تتوافر الأنظمة الفيدرالية في معظم الحالات على هيئات تشريعية ذات غرفتين. ويتبين من نتائج التحقيق الذي تم إنجازه سنة 1986 أن الأنظمة الفيدرالية تستخدم النظام التشريعي الثنائي بنسبة أكثر من 94 في المئة. ويتعلق الأمر بالبلدان ذات الرقعة الجغرافية الشاسعة ونسبة عالية من السكان، على رغم وجود بعض الحالات الاستثنائية مثل سويسرا. وفي كثير من الأحيان تتصارع أوساط مختلفة من هذه البلدان بغرض الحصول على جزء من موارد الدولة المحدودة الحجم والظفر بتمثيلية داخل المؤسسات السياسية الوطنية. ويساعد وجود غرفة ثانية على إعادة التوازن بين الجماعات المتصارعة عن طريق إتاحة متنفس سياسي للقوى التي لم تحصل إلا على عدد قليل من المقاعد أو على تمثيلية محدودة في الغرفة السفلية. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تتمتع الولايات الشاسعة الأطراف والمتناثرة السكان بتمثيلية في مجلس الشيوخ متساوية مع نظيراتها الأكثر عمرانا. وفي هذه الظروف تستطيع الدوائر ذات الطابع القروي والزراعي أن تدافع عن برامجها التشريعية والعمل على انجازها على رغم وضعية الأقلية التي تحتلها داخل الغرفة السفلية، إذ يمثل كل عضو فيها نسبة محددة من السكان. وتبنت بعض البلدان مبدأ «الكوتا» أو الحصة النسبية المحددة لضمان عدد معين من المقاعد داخل الغرفة العليا لفائدة المجموعات المتضررة تاريخيا بهدف معالجة الأضرار الناجمة عن التمييز الذي كانت تعانه منه في الماضي. هكذا، وعلى سبيل المثال، يخوّل دستور 1990 لدولة نيبال 5 في المئة من المقاعد بمجلس الشيوخ للنساء، وفي اوغندا يمنح القانون ايضا مقعدا للنساء في كل واحدة من الدوائر الجهوية التسع والثلاثين (نسبة 14 في المئة من مجموع اعضاء البرلمان). ومقارنة مع البلدان ذات النظام السياسي الفيدرالي، تملك البلدان ذات النظام المركزي عادة مساحة جغرافية اقل اتساعا وكثافة سكانية اقل، وهو ما يعكس وجود مصالح سياسية أقل تصارعا. بالاضافة إلى ذلك، يقلل غياب التقسيم على اساس المناطق والاقاليم والولايات، كما هو الشأن في البلدان ذات الحجم الصغير، من الحاجة إلى إحداث غرفة ثانية.، فإن الغالبية الكبرى (82 في المئة) من البلدان التي لها نظام مركزي تبنت نمط الهيئة التشريعية الاحادية الغرفة.

وكما هو الحال في الانظمة ذات الغرفتين، قليلة ايضا هي الانظمة ذات الغرفة الواحدة التي تبنت مبدأ «الكوتا» في الغرفة الواحدة لضمان تمثيلية مناسبة لفائدة بعض المجموعات العرقية والمعوّقين واعيان القبائل والنساء والفئات الاجتماعية الاخرى التي كانت تمثيليتها ضئيلة تقليديا. وهكذا مثلا يضمن دستور سلوفينيا لسنة 1991 مقعدا واحدا بالجمعية الوطنية للأقلية الايطالية وآخر للأقلية المجرية. ومع ذلك، هناك بعض الدول ذات النظام السياسي المركزي التي اختارت نمط الغرفتين بهدف اقامة علاقات متوازنة في إطار العملية التشريعية وضمان تمثيلية أكثر تنوعا في البرلمان. وفي نهاية المطاف، لابد وان يكون للعوامل الديموغرافية والتاريخية وخصوصا السياسية تأثيرها القوي، سواء اختار بلد ما إقامة نظام الغرفة الواحدة أو نظام الغرفتين. وتضفي الامثلة الموالية الضوء على بعض الحالات موضحة كيف تختار البلدان بين هذا النمط أو ذاك ولماذا.

الهيئات التشريعية في الممارسة: المؤسسات التشريعية ذات الغرفتين

يعرض هذا القسم عددا من الامثلة عن هيئات تشريعية ذات غرفتين والاسباب الخاصة التي دعت كل واحدة منها إلى اختيار هذا النمط. هكذا، تعكس المؤسسة التشريعية الثنائية في المملكة المتحدة سبعة قرون من التطور. وفي المقابل، تبت المؤسسات التشريعية في كل من الولايات المتحدة والمانيا هيكلة تتماشى بالخصوص مع نظام فيدرالي. وفي كندا وسويسرا وبوتسوانا ورومانيا، نجد نظام الهيئة التشريعية ذات الغرفتين مع بعض التغيرات.

تتوافر المملكة المتحدة، التي تصل مساحتها الجغرافية تقريبا إلى 240,000 كلم مربع (93,000 ميل مربع)، على مؤسسة تشريعية عرفت تطورا محسوسا على رغم غياب دستور مكتوب. وكان مجلس العموم، الغرفة السفلية، يعمل في القرن الثالث عشر هيئة استشارية لمجلس اللوردات الذي كانت العضوية فيه مرتبطة بالتعيين الملكي والوراثة والاسبقية في الكنيسة الكاثوليكية. وفي الخمسينات من القرن السادس عشر، بدأ مجلس العموم ينتقد غياب اية رقابة على سلطة الغرفة العليا. وخلال العشرينات والثلاثينات من القرن الثامن عشر، أصبح غياب المحاسبة السياسية للبرلمان موضع نزاعات متنامية واثار استياء عاما ادى الى اعادة النظر في القوانين الانتخابية البريطانية. وهكذا، اعادت الاصلاحات التشريعية لسنة 1832 توزيع المقاعد على اساس صيغة ادت إلى اضعاف تأثير الارستقراطية والكنيسة في مجلس العموم. شيئا فشيئا، ومع ترسيخ ممارسة المحاسبة داخل مجلس العموم المنتخب من طرف الشعب من جهة، وانحصار الارستقراطية في مجلس اللوردات من جهة ثانية، دخلت اصلاحات تشريعية جديدة حيز التنفيذ في 1911 و1949.

ونتيجة لهذا التطور، أصبح مجلس العموم يلعب دور المشرع الاساسي، في حين اكتفى مجلس اللوردات بدور تشريعي ثانوي.

يتم انتخاب الاعضاء 651 في مجلس العموم البريطاني بواسطة الاقتراع العام من طرف المواطنين الراشدين لمدة اقصاها خمس سنوات. ويمثل كل نائب برلماني تقريبا 89,000 ناخب من أصل 58 مليون مواطن بريطاني. وكما هو الشأن في معظم الانظمة البرلمانية، تستمد الحكومة شرعيتها السياسية من المجلس المنتخب من طرف الشعب والذي يتمتع بسلطة حاسمة يستطيع بفضلها إقالة الحكومة بواسطة التصويت على ملتمس «نزع الثقة».

اما مجلس اللوردات فإن اعضاءه يحصلون على مقاعدهم اما عن طريق الورثة أو بتعيين ملكي لمدى الحياة. وعلى رغم ان السلطة التشريعية للمجلس اصبحت اليوم محدودة بنسبة عالية، مازال مع ذلك يحتفظ بهامش الصدقية يستطيع من خلاله تحسيس الرأي العام بشأن القضايا السياسية العامة اثناء النقاشات البرلمانية. وان كان مجلس اللوردات يتوافر على سلطة تأخير التصديق على مشروعات القوانين إلى غاية سنة واحدة، فإنه لم يسبق له الا نادرا ان مارس فعلا سلطته بغرض تأجيل التصديق على تشريعات ذات اهمية تذكر.

الولايات المتحدة الأميركية:

وتقدم الولايات المتحدة التي تصل مساحتها الجغرافية إلى أكثر من 9,4 ملايين كلم مربع (ما يعادل 3,6 ملايين ميل مربع) وعدد سكانها إلى ما يناهز 265 مليون نسمة، نموذجا قويا لهيئة تشريعية ذات غرفتين كلتاهما تتمتعان بسلطات واسعة. ومع انه يتعين التصديق على التشريعات من لدن الغرفتين، يبقى تقديم مشروعات القوانين القاضية بالصرف من صلاحيات مجلس النواب وحده، في حين يحتكر مجلس الشيوخ حق تأكيد التعيينات التي يقوم بها رئيس الجمهورية، ويسهر على الاجراءات المتعلقة بإمكان اقالة الرئيس من مهماته، كما يقوم بمهمة التصديق على الاتفاقات الدولية.

لقد تم صوغ نظام الحكم الفيدرالي للولايات المتحدة في المؤتمر الدستوري لسنة 1787، وكان المؤتمر عبارة عن اجتماع لأعضاء الهيئات التشريعية للولايات الذين كانوا يعارضون فكرة تمركز السلطة. وفي المقابل، شعر الكثير ايضا بالحاجة إلى نظام فيدرالي اقوى من ذلك الذي اقيم غداة الحرب من اجل الاستقلال. وأدت هذه الافكار المتصارعة في نهاية المطاف إلى تشكيل نظام فيدرالي للحكم على اساس مبدأ فصل السلطات بين الجهاز التنفيذي والتشريعي والقضائي. وساهم وجود مصالح مختلفة بين الولايات الاصلية الثلاث عشرة آنذاك في تعقيد مأمورية إقامة حكومة مركزية. ودافعت الولايات المتحدة الكبرى عن فكرة التمثيلية في الهيئة التشريعية الوطنية على اساس عدد السكان، ليصبح عامل الحجم الديموغرافي لولاية ما أو مستوى مساهمتها في الضرائب عاملا حاسما في توزيع السلطة فيما بين الولايات. وتخوفا من ان يكون مصيرها هو التهميش، طالبت الولايات الصغرى بتمثيلية متساوية.

 

وادت المفاوضات بين الطرفين إلى ما سمي بـ «تسوية كنيكتكوت» لسنة 1787، الذي نادى بإقامة هيئة تشريعية وطنية ذات غرفتين، تتمتع كل واحدة منهما بسلطات ولكنهما تختلفان من حيث نوعية الدوائر ومدة الانتداب.

وأدت هذه التسوية إلى انشاء مجلس النواب على اساس التمثيلة بارتباط مع عدد السكان من جهة، ومجلس الشيوخ الذي تتوافر فيه كل ولاية على تمثيلية متساوية بصرف النظر عن حجم سكانها، من جهة ثانية.

في سنة 1774، كان كل عضو من اعضاء الكونغرس يمثل 30,000 ناخب، في حين اصبحت كل دائرة من دوائر الكونغرس تضم أكثر من 6000,000 نسمة. وحصلت كل ولاية على مقعدين بمجلس الشيوخ بصرف النظر عن حجم سكانها. وقد كان اعضاء مجلس الشيوخ في البداية يتم تعيينهم من طرف الهيئات التشريعية للولايات. إلا انه في سنة 1913، تم التنصيص في التعديل الذي ادخل على الدستور الاميركي على الانتخابات المباشرة لأعضاء المجلس منذ ذلك الحين.

وتختلف مدة ولاية الاعضاء بين المجلسين. لقد كان الغرض من إنشاء النواب هو تقريب المنتخبين من المواطنين وجعلهم أكثر استجابة لإرادتهم. لذلك، يتعين على النواب ان يتقدموا امام المواطنين على رأس كل سنتين ليقول الناخبون كلمتهم في اهلية ممثليهم، وبذلك يكون النواب أكثر تعرضا للمحاسبة امام الناخبين مما هو الشأن بالنسبة إلى زملائهم بمجلس الشيوخ. اما مجلس الشيوخ، فكانت مهمته اصلا أكثر استشارية، الغرض منها الحد من طبيعة التشدد السياسي المعتادة عند مجلس النواب. وتدوم مدة ولاية اعضاء مجلس الشيوخ ست سنوات، وهي فترة تسمح لهم، نظريا، بالتأني في تناول مشروعات القوانين من دون ان يجدوا أنفسهم تحت ضغط استحقاقات انتخابية قريبة. ومن جهة اخرى، تتعين اعادة انتخاب اعضاء مجلس النواب بأكملهم وفي آن واحد، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير جدري في الخريطة السياسية والايديولوجية لمؤسسات الدولة في عملية انتخابية واحدة. وفي المقابل، يتم اعادة انتخاب الثلث فقط من اعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين، مما يحد من إمكان حدوث تقلبات سياسية مفاجئة في آن واحد، كما يضفي طابع الاستقرار على المجلس ويساعد على تراكم التجربة في احضانه.

 

ألمانيا

يمتد تراب المانيا على مساحة تناهز 350,000 كلم مربع (ما يعادل 138,000 ميل مربع). ويتوافر هذا البلد على نظام سياسي فيدرالي يمثل أكثر من 80 مليون نسمة. ويتكون البرلمان الالماني الفيدرالي من غرفتين: غرفة عليا وهي «البوندسرات» وغرفة سفلية وهي «البوندشطاك» ويعد البوندشطاك الهيئة التشريعية الاساسية للبلاد ويضم 662 عضوا يتم انتخابهم لمدة اربع سنوات. ومن بين صلاحيات هذه الغرفة انتخاب مستشار البلاد (رئيس الجهاز التنفيذي)، ومناقشة مشروعات القوانين والتصديق عليها. ويقوم الناخبون الالمان بالتصويت مرتين عند اختيار اعضاء البوندشطاك: التصويت الاول لاختيار مرشح عن دائرة انتخابية والتصويت الثاني لفائدة حزب. وتحصل الاحزاب على مقاعد على اساس نسبة الاصوات المحصل عليها من بين مجموع الاصوات. ويقتضي القانون الاساسي الالماني ان يحصل الحزب السياسي على نسبة 5 في المئة على الاقل من اصوات الناخبين لنيل مقعد في البوندشطاك. وكان الغرض من هذا المقتضى هو الحيلولة دون قيام برلمان مجزأ كما كان الحال عليه قبل الحرب العالمية الثانية في عهد جمهورية ويمار، إذ كانت الاحزاب الصغيرة الكثيرة تستحوذ على نصيب غير متجانس مع حجمها من الحكم.

اما البوندسرات الذي يمثل مصالح الولايات أو «لاندر»، فهو يتمتع بصلاحية المناقشة والتصويت على القضايا التي لها علاقة مباشرة بالولايات، بمعنى انه يتعين على البوندسرات ان يصدق على مشروعات القوانين التي قد تؤثر في الولايات لكي تصبح قوانين سارية المفعول. ويعين مجلس كل ولاية من ثلاثة إلى ستة ممثلين عنه في البوندسرات بحسب حجم ساكنيها. ويصوت ممثلو الولاية في البوندسرات بصوت موحد، ويعين وفد عن كل ولاية عضوا من بينهم لينوب عن الولاية أثناء عملية التصويت على مشروعات القوانين. ويدلي ذلك الممثل بكل الاصوات باسم الولاية التي ينوب عنها. وعندما أنشأ الحلفاء البرلمان الالماني الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، كان من المتوقع ان يراقب البوندسرات نسبة 10 في المئة فقط من التشريعات. الا ان دور هذه الغرفة تعاظم وأصبح يضم ايضا التشريعات الفيدرالية التي لها علاقة بالولايات. وبينما يمكن للبوندسرات ان يستخدم حق الفيتو ضد تشريعات البوندشطاك، يستطيع هذا الاخير ان يلغي رفض البوندسرات بعدد من الاصوات يساوي او يفوق الاصوات المؤيدة للفيتو في البوندسرات (مثلا، إذا حصل الفيتو في البوندسرات على نسبة 50 في المئة من الاصوات، يمكن رفضه بنسبة 50 في المئة من الاصوات في البوندشطاك).

 

 

 

المراجع:

 

زغدود جغلول ، 13.1.2015، مركز السلطة  التشريعية في النظام  الأساسي للحكم  ، موسوعة ِ ، ASJP

بلعيد غزالي، 2.1.2013، خصائص ودور السلطة التشريعية في ألمانيا، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية 

المقالات الأخيرة