الأيـديـولـوجـيـا


مفهوم الأيديولوجيا

 هي النسق الكلي لـلأفكار و المعتقدات و الاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه فضلًا عن أن الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء كانت على المستوى المحلي أو العالمي


 ويُعد دي تراسي أول من وضع هذا المصطلح في عصر التنوير الفرنسي، في كتابه "عناصر الأيديولوجية" ويعني تراسي بالأيديولوجية علم الأفكار، أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس هذه الأفكار التي تُبنى منها النظريات و الفرضيات، التي تتلاءم مع العمليات العقلية لأعضاء المجتمع وقد انتشر استعمال هذا الاصطلاح بحيث أصبح لا يعني علم الأفكار فحسب، بل النظام الفكري والعاطفي الشامل الذي يُعبّر عن مواقف الأفراد من العالم و المجتمع و الإنسان وقد طُبق هذا الاصطلاح بصورة خاصة على المواقف السياسية، التي هي أساس العمل السياسي وأساس تنفيذه وشرعيته والأيديولوجية السياسية هي الأيديولوجيا التي يلتزم ويتقيد بها رجال السياسة والمفكرون إلى درجة كبيرة، بحيث تؤثر على حديثهم وسلوكهم السياسي، وتحدد إطار علاقاتهم السياسية بالفئات الاجتماعية المختلفة


 الأيديولوجيات السياسية التي تؤمن بها الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، قد تتضارب مع بعضها، أو تتسم بالأسلوب الإصلاحي أو الثوري، الذي يهدف إلى تغيير واقع المجتمع وظروفه، ولكن جميع الأيديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد، وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير ومن ثَم، تعبّر الأيديولوجيا، بصورة عامة، عن أفكار يعجز العلم الموضوعي عن برهان حقيقتها وشرعيتها، لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وأسلوبها المحرك للجماهير، والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي يمكن القيام به أما المفهوم الماركسي للأيديولوجيا، فيُعبّر عن شكل وطبيعة الأفكار التي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة، التي تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة، خصوصًا في المجتمع الرأسمالي


والأيديولوجيا هي علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديدا ومفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، فمثلا يعرفه قاموس علم الاجتماع بمفهوم محايد باعتباره نسقا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) تسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات السياسية أو الاجتماعية للأفراد والجماعات وهي من منظار آخر نظام الأفكار المتداخلة كالمعتقدات و الأساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية و السياسية و الاقتصادية وتبررها في نفس الوقت


 وفي ضوء ذلك عرّفت الأيديولوجيا بوصفها مجموعة قيم أساسية ونماذج للمعرفة والإدراك، ترتبط ببعضها وتنشأ صلات بينها وبين القوى الاجتماعية والاقتصادية، فإذا أخذنا بتصور (كارل مانهايم ) لهذا المفهوم الأيديولوجيا، نستطيع أن نميز في أي مجتمع طبقي بين أيديولوجيتين

أيديولوجيا الجماعات الحاكمة التي تريد فرض تصوراتها وأفكارها على بقية أفراد المجتمع، وتبرير الأوضاع الراهنة والدفاع عنها -

 أيديولوجيا الجماعات الخاضعة، التي تحاول تغيير هذه الأوضاع لصالحها وإحداث تغيرات في بناء القوة القائم، بما في ذلك تحقيق العدالة -

 الاجتماعية وتوزيع الدخول توزيعاً عادلاً


 وتتميز الأيديولوجيا بأنها غير ثابتة ثباتاً مطلقاً، وإنما تتمتع بخاصية الدينامية، لأنها تشهد عمليات نمو وتحول وربما اختفاء وظهور جديدة، ويحدث ذلك في ضوء الأوضاع والمواقف الاجتماعية المختلفة والمتغيرة، فكثيراً ما تتعرض المجتمعات لقلاقل داخلية أو خارجية، تظهر في شكل انحرافات معينة عن الأيديولوجيا السائدة، أو في شكل تغيرات مهمة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، أو في شكل صراع بين القيم الخاصة والعامة والآراء والاتجاهات، كما قد تظهر هذه القلاقل نتيجة لكوارث طبيعية، أو ثورات، أو غزوات، أو غير ذلك، في مثل هذه الحالات، قد تدخل عناصر جديدة إلى النسق الأيديولوجي أو تلغي بعض عناصره، أو يتم تعديل بعضها لتوائم مع الواقع الاجتماعي الجديد. ويجعلنا هذا نؤمن بأن النسق الأيديولوجي ليس فكراً جامداً، ولكنه دينامي متطور فعلى سبيل المثال، كان العَالم ينقسم إلى معسكرين، هما الشرقي والغربي، ونتيجة لعمليات وسياسات الاستقطاب والحرب الباردة وتأثيراتها ظهرت أيديولوجيا "الحياد الإيجابي" و"عدم الانحياز" وكذلك نتيجة للصراع الدائم بين الأيديولوجيا الاشتراكية والرأسمالية، انهارت الأيديولوجيا الاشتراكية وتفردت الرأسمالية


وقد أوضح كارل مانهايم هذه الفكرة (أي أن الأيديولوجيا قابلة للتغيير والتعديل وفق ما يطرأ على المجتمع من أوضاع ومواقف تتطلب هذا التغيير) فيقول كيف يستطيع الإنسان أن يحيى ويستمر في حياته وتفكيره، في وقت أصبحت فيه الأيديولوجيا و اليوتوبيا تفرض نفسها على مسارات حياته، فقد اعتقد الإنسان منذ وقت طويل أن تفكيره هو جزء من وجوده الروحي، وأنه ليس حقيقة واقعية حسية، ولكن هذا الاعتقاد قد تغير حتى من داخل الإنسان نفسه، وقد كان التغير الأيديولوجي يعني لدى الإنسان إعادة توجيه للقيم التي يشتق منها السلوك، ولكن في العصر الحديث تعاظم الاعتقاد بأننا لا يمكن أن نعيش على وتيرة واحدة، أو على مبدأ فكري واحد


 الخصائص الأساسية للأيديولوجيا

 حسب ويلارد مولنز فإن الخصائص الأساسية الواجب وجودها في الإيديولوجيا هي

يجب أن تكون لها سلطة على الإدراك -

يجب أن تكون قادرة على توجيه عمليات التقييم لدى المرء -

يجب أن توفر التوجيه تجاه العمل -

 يجب أن تكون متماسكة منطقيا -


 المراجع

كارل مانهايم كتاب الأيديولوجيا واليوتيوبيا

 موسوعة مقاتل من الصحراء - مفهوم الأيديولوجيا




المقالات الأخيرة