إصلاح الاتحاد الإفريقي

خرجت إفريقيا عبر القمة الاستثنائية لرؤساء وحكومات 55 دولة عضو باتحادها الإفريقي، ولأول مرة، بإصلاح مؤسساتي هيكلي ومالي للمنظمة القارية والحكومية بعد مراحل من العمل والاجتماعات التنفيذية والقمم من كيغالي سنة 2016 مرورا بقمّة نواكشوط في يوليو 2018، وأخيرا أديس أبابا في نوفمبر المنصرم.

ينبغي التأكيد منذ البداية على أن هذه الإصلاحات التي ارتبطت باسم الرئيس كاغامي ليست المحاولة الأولى من جانب المنظمة القارية الأفريقية لإعادة تنظيم الاتحاد الأفريقي. فقد كانت المبادرة الأولى هي المراجعات الهيكلية التي تم إجراؤها بناء على طلب مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في إعلان أكرا في يوليو 2007. أما المبادرة الثانية فكانت اقتراح الرئيس النيجيري أولوسينجو أوباسانجو في عام 2013، بهدف توفير الأموال والموارد المالية للاتحاد الأفريقي. كما جرت محاولة أخرى لاعتماد أجندة أفريقيا 2063 في عام 2015، وتم الحصول على فرصة إعادة هيكلة الاتحاد الأفريقي لأول مرة بهذه المبادرة. ويمكن اعتبار هذا الإصلاح الأخير أساس التحول الاقتصادي والاجتماعي والتكاملي الطويل الأجل للقارة الأفريقية. وتتولى مفوضية الاتحاد الأفريقي إعداد خطة التنفيذ للسنوات العشر الأولى من برنامج أجندة أفريقيا 2063. ومع ذلك، يمكن القول إن مقترحات مفوضية الاتحاد الأفريقي حتى الآن لا تختلف كثيراً عن تلك المقترحة في جهود الإصلاح الحالية.

ويمكن الاعتماد على الوثائق الخاصة بالاتحاد الأفريقي في تحديد خمسة جوانب محفوفة بالمخاطر للإصلاح المؤسسي الحالي للاتحاد الأفريقي.

الجانب الأول، من الإصلاح هو إعادة تركيز عمل المنظمة. والهدف هو ضمان عدم تشتيت جهود الاتحاد وتركيزها على الأولويات التي من شأنها أن تحدث فرقاً بالنسبة للمواطنين الأفارقة. والغرض الآخر هو ضمان تقسيم العمل بين الاتحاد والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء. في الوقت الحاضر، تشكل مؤسسات الاتحاد الأفريقي التي تضم المفوضية وأجهزتها ووكالاتها ولجانها شبكة متعددة الأوجه من الهياكل التنظيمية، والتي تتسم بالغموض ويصعب فهمها في بعض الأحيان، وهي في الواقع قد تبدو جزراً منعزلة أحياناً. وقد أظهر التقدم الحالي في الإصلاح أن هناك حالياً ثماني مديريات للمفوضية، و31 إدارة ومكتباً إلى جانب 11 جهازاً للاتحاد الأفريقي، و31 وكالة فنية متخصصة و20 لجنة رفيعة المستوى. إن هذا التعدد المؤسسي أدى إلى مضاعفة الجهود وهدر الموارد وتقييد الاستغلال الأمثل لقدرات الموظفين، في منظمة يغيب عنها دوماً الموظفون الأكفاء. وعليه، تسعى عملية الإصلاح إلى مراجعة الجمود المؤسسي وأوجه القصور وكذلك إعادة تقييم حجم وقدرات هياكل المفوضية العامة. علاوة على ذلك، فإن أجهزة الاتحاد الأفريقي ووكالاته مثل الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء، والبرلمان الأفريقي، ومجلس السلام والأمن، والمؤسسات القضائية ينبغي مراجعتها واصلاحها.

الجانب الثاني، للإصلاح هو تركيز الاتحاد الأفريقي على الأولويات الرئيسية على النطاق القاري: وعلى هذا، فإن برنامج الإصلاح المؤسسي يقترح أن على الاتحاد الأفريقي التركيز على أربع أولويات استراتيجية رئيسية، وهي على وجه التحديد الشئون السياسية، والسلام والأمن، والتكامل الاقتصادي، وتمثيل أفريقيا وإعلاء صوتها على مستوى العالم.

ويسعى الاتحاد الأفريقي، في الوقت الراهن، إلى الالتزام بالمبادئ الأساسية للأهداف السبعة الطموحة المحددة في أجندة 2063، وهي: 1-أفريقيا تنعم بالازدهار القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة؛ 2- قارة متكاملة وموحدة سياسياً ومبنية على مُثُل الوحدة الأفريقية الشاملة؛ 3-قارة أفريقية يسودها الحكم الرشيد، والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون؛ 4- أفريقيا قارة مسالمة وآمنة؛ 5-قارة أفريقية ذات هوية ثقافية وقيم أخلاقية قوية؛ 6-أفريقيا تكون التنمية فيها قائمة على الشعوب، وتعتمد بشكل خاص على إمكانات النساء والشباب؛ 7- أفريقيا كعنصر فاعل وشريك مؤثر على الساحة العالمية.

وعلى الرغم من أن هذه الأهداف الطموحة مهمة بالنسبة للقارة؛ بيد أنه لا يمكن للاتحاد الأفريقي أن يحقق هذه التطلعات بمفرده. وعلى سبيل المثال، حاولت المنظمة القارية جاهدة الاستجابة لحالات الطوارئ الإنسانية، أو فرض إعادة الإعمار والتنمية على المدى الطويل بعد انتهاء الصراع، أو في عمليات تعزيز الاقتصاد الأزرق من خلال تطوير وتنفيذ الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا. على أن المجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء والمؤسسات البحثية والمجتمع المدني والمؤسسات القارية الأخرى تعد أكثر أهمية لإعادة ترتيب أولويات الاتحاد الأفريقي بما يتماشى مع مبدأ التبعية والميزة النسبية. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تمتلك منظومة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والشراكات الثنائية إمكانات أساسية لا غنى عنها.

الجانب الثالث، لخطة الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي يتمثل في ضرورة ربط الاتحاد الأفريقي بالقواعد الشعبية. ومن المتوقع أن يتحقق ذلك من خلال النهوض بحصص النساء والشباب في عمليات التوظيف والعمليات الانتخابية والتعيين عبر نظام الاتحاد الأفريقي. كما يتضمن أيضاً مشاركة ملهمة للقطاع الخاص لدعم الاتحاد الأفريقي بقوة. وقد تم طرح خطة مستنيرة أخرى، تهدف إلى دعم السلع والخدمات العامة على مستوى القارة مثل طرح جواز السفر الأفريقي للمواطنين، فضلاً عن تحقيق حرية تنقل الأشخاص بالإضافة إلى إنشاء منطقة تجارة حرة عبر أفريقيا.

أما الجانب الرابع، فيتعلق بالحاجة إلى إدارة أعمال الاتحاد الأفريقي بكفاءة على المستويين السياسي والعملياتي. ومن الناحية السياسية، هناك تركيز متزايد من جانب مؤتمر الاتحاد الأفريقي على تطوير أساليب عمله بما في ذلك تعديل جدول أعماله ومن خلال الاعتراف بالتزامن الأفضل مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية. علاوة على ذلك، فإن هناك اتفاقاً سياسياً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي على أن أدوار الشركاء يجب أن تكون منسقة بشكل أفضل ومحدودة وأكثر توافقاً مع احتياجات الاتحاد الأفريقي. وعلى المستوى الوظيفي، تحتاج هياكل الإدارة الداخلية لمفوضية الاتحاد الأفريقي إلى إعادة التفكير.

ولعل الجانب الخامس، والذي يمثل تحدياً كبيراً يتمثل في ضرورة تحقيق الاستقلال المالي لمفوضية الاتحاد الأفريقي. وكان الطموح في الحصول على تمويل مناسب للاتحاد الأفريقي من الدول الأعضاء فيه محركاً محفوفاً بالمخاطر لأجندة الإصلاح الشامل. وفي عام 2016، تم تعيين الدكتور دونالد كابيروكا من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي كممثل سامٍ للاتحاد الأفريقي في صندوق السلام، وهو هيكل داعم لهيكل السلام والأمن الأفريقي ولكن تم تمويله لفترة طويلة من قبل شركاء خارجيين. وقد كشف سعي كابيروكا إلى التشغيل الكامل لصندوق السلام عن مشكلة أكثر منهجية: فبدون ثقة حقيقية من جانب الدول الأعضاء في إدارة شؤون الاتحاد، لن يكون هناك أي حافز لها لزيادة أو سداد مدفوعاتها المالية القانونية في الوقت المناسب. ولا يمكن إنكار أن الاعتماد المالي المفرط للاتحاد الأفريقي على المانحين الخارجيين يمثل نهجاً مستمراً. إن تنوع التحديات التي تواجهها أفريقيا يعني ضمناً أن الاتحاد الأفريقي وحده قد لا يمتلك باستمرار الموارد المالية اللازمة للتصدي لهذه التحديات بشكل حصري. في عام 2016 قررت الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي فرض ضريبة بنسبة 0.2% على جميع السلع المستوردة القادمة إلى القارة.

ثانياً: دوافع الإصلاح المؤسسي

يمكن الإشارة إلى عدد من الأسباب التي تجعل مستوى أداء المنظمة يتطلب تنفيذ هذه الإصلاحات، وفي هذا السياق، تتطلب إصلاحاً مؤسسياً فعالاً.

1- المعوقات البيروقراطية

 يمكن القول إن الاتحاد الأفريقي لم يتمكن من التعامل بشكل حاسم وفعال مع التركة الثقيلة التي خلفتها منظمة الوحدة الأفريقية.  لقد كان أحد التحديات المعترف بها على نطاق واسع التي تواجه الاتحاد الأفريقي هو الافتقار إلى التنسيق بين مفوضية الاتحاد والدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية. ويؤثر هذا الوضع تأثيراً عميقاً على تطوير وتنفيذ السياسة القارية. ونتيجة لذلك، فإن التقرير الذي أعده بول كاغامي وفريقه يشير إلى أن الاتحاد الأفريقي غير قادر على القيام بواجبه على النحو الصحيح. ويشير التقرير كذلك إلى أن هناك توتراً بين الذراع السياسية للمنظمة (القادة الذين يجتمعون في مؤتمرات القمة التي تعقد كل سنتين ويصوتون على القرارات المتخذة) والذراع الفنية (مفوضية الاتحاد الأفريقي) والهيئات المختلفة التي تعمل فيها المنظمة، مثل مجلس السلم والأمن الأفريقي والبرلمان الأفريقي.

2- ضعف أو غياب الإرادة السياسية

 يشكل ضعف الإرادة السياسية أحد أكبر العوائق أمام المنظمة، ومن الصعب تحديد سبب واحد لهذه الظاهرة التي تصاحب ظهور الاتحاد الأفريقي في كل مرحلة. وفي واقع الأمر، فقد ورد هذا الموضوع في تقرير بول كاغامي، على النحو التالي: "في غياب الإرادة السياسية، فإن العديد من المشاريع والعديد من التقارير حول الإصلاحات قد ماتت فعلياً". وبشكل أساسي، تختلف أيضاً الآراء حول أسباب ضعف الإرادة السياسية في البلدان الأفريقية. ومع ذلك، في التحليل النهائي، فإن وجهات النظر السائدة للزعماء الأفارقة ترجع هذه المشكلة إلى ضعف مستوى تمثيل شعوب القارة. ولعل هذا ما يفسر إدراج بند "الاتصال المباشر مع الأفارقة" ضمن البنود الرئيسية للإصلاح المؤسسي للاتحاد لتعزيز دور الشباب والنساء وتحديد حصص للشباب والنساء في كافة مؤسسات الاتحاد. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحديد الطرق والوسائل المناسبة لضمان مشاركة القطاع الخاص.

3- الاستقلال المالي

 يمكن القول إن الاتحاد الأفريقي يحتاج إلى مانحين أجانب لتأمين ميزانيته التي تعتمد على الدعم المالي الخارجي. إلا أن الاعتماد على المانحين الخارجيين والثقة المفرطة بهم أصبح عائقاً أمام قيام المؤسسة بمسئولياتها تجاه الدول الأعضاء فيها. كما أن هذا الوضع يعني أيضاً أن المنظمة تتجه نحو مصالح مختلفة تتعارض مع أهدافها التأسيسية وأهداف الدول الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، يشير هذا الوضع إلى أن الاتحاد الأفريقي ليس مؤسسة منفتحة وشفافة وخاضعة للمساءلة بما فيه الكفاية. وهذا الوضع يجعل المنظمة تواجه صعوبات في تمويل تكاليف عمليات السلام في القارة. ولذلك قرر القادة في مؤتمر الرؤساء 2015 تمويل حوالي 25% فقط من تكاليف عمليات السلام، ولتحقيق ذلك، تم تقديم منح لصندوق السلام القاري على دفعات بقيمة 400 مليون دولار حتى عام 2021. وهذه الفجوات الإدارية والسياسية والمالية كافية لإظهار أن الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الأفريقي أمر ضروري، كما كشفت التقارير الخاصة المتكررة والمتتالية عن الاتحاد الأفريقي.

ثالثاً: تحديات عملية الإصلاح

في كافة تجارب الإصلاح في الاتحاد الأفريقي، ظهرت تحديات مماثلة تمنع تحقيق الأهداف التي يقصدها زعماء القارة. والسبب الرئيسي وراء عدم نجاح الإصلاحات التي بدأها القادة هو أنها تركز على القضايا الصغيرة بدلاً من التحديات الكبرى التي لم يتم القضاء عليها بعد والتي تعيق تحقيق الأهداف. ويمكن الإشارة إلى عدد من التحديات التي تواجه اصلاح الاتحاد الأفريقي على النحو التالي.

1- الثغرات القانونية

إن إنشاء الاتحاد الأفريقي هو، بطريقة ما، محاولة لمحاكاة تجربة الاتحاد الأوروبي. إذ تقدم أوروبا مؤسسة قانونية وسياسية فعالة ونموذجًا متقدماً للاستفادة من السلطة القانونية فوق الوطنية. وهذا الهيكل المؤسسي مستقل أيضاً عن الدول الأعضاء. ويخدم هذا الهيكل المجتمعات الأوروبية لتحقيق أهدافها وفقاً للتوجيهات الواردة في المعاهدات. ولتمكين المؤسسة من أداء وظائفها وتحقيق أهدافها، قامت الدول الأعضاء بالتنازل طوعاً وبشكل دائم عن بعض سيادتها. ومع ذلك، فإن المعاهدة التأسيسية للاتحاد الأفريقي ليس بها نص واضح له سمات فوق وطنية ويجعله قابل للتطبيق على الدول، بقدر ما يمكن أن نطلق عليه المبادئ الدستورية الأفريقية. وقد أعاق هذا الوضع الالتزام بمبدأ الحماية المطلقة لسيادة الدولة وتسبب في شلل مؤسسات الاتحاد الأفريقي. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إنه إذا أراد الاتحاد الأفريقي تجاوز وضعه التقليدي، فمن الضروري أن يسير على خطى الاتحاد الأوروبي ويستفيد من تجربته. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج إلى منح المزيد من الصلاحيات لمؤسساته وجعل قانون الاتحاد الأفريقي يسمو على قوانين الدول الأعضاء.

2- ضعف الإرادة السياسية

تشكل الإرادة السياسية الأحادية للدول المؤسسة دافعاً كما بيّنا وفي نفس الوقت تحدياً كبيراً في ضمان النجاح الحقيقي لمشاريع الإصلاح. على سبيل المثال، في سياق هذه الإصلاحات الأخيرة فيما يتعلق بالإصلاح المالي، أعربت الدول المساهمة مالياً ذات النفوذ مثل مصر وجنوب أفريقيا رسمياً عن معارضتها لتنفيذ قرار كيجالي في صيغته الحالية. ومن ناحية أخرى، لا تقتصر صلاحيات الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي على انتخاب رئيس المفوضية فحسب، بل تنتخب أيضاً نائب الرئيس والمفوضين بشكل مباشر، مما أدى إلى إضعاف سلطة رئيس المفوضية الذي لم يكن له صلاحية تعيين المفوضين أو إقالتهم. تم تحديد هذه المشكلة على أنها مشكلة في تقرير وقعه النيجيري أديبايو أديجي في عام 2007. ومع ذلك، لم يتم حل هذه المشكلة. وفي القمة الاستثنائية التي عقدت في يونيو 2018، تم طرح القضية على جدول الأعمال مرة أخرى في مقترح الإصلاح، لكن غالبية الدول عارضت فكرة أن يكون لرئيس المفوضية سلطة تعيين وإقالة المفوضين بصلاحيات واسعة.

3- تحديات التمويل

يواجه الاتحاد الأفريقي تحديات تمويلية كبيرة على الرغم من مسئولياته المتزايدة في مجال الإدارة. لقد شهدت ميزانية الاتحاد الأفريقي نمواً كبيراً، حتى تجاوزت قدرته على تمويل التزاماته من خلال الاشتراكات المقررة وحدها. واستجابة لذلك، اعتمد الاتحاد الأفريقي قرار كيغالي في عام 2016، الذي يقترح آلية تمويل حيث يساهم أعضاء الاتحاد الأفريقي بنسبة 0.2 في المائة من رسوم الاستيراد كمساهمات مقررة. ومع ذلك، كان التنفيذ بطيئاً، حيث التزمت 17 دولة فقط بتطبيق القرار على المستوى الوطني. ولعل أبرز التحديات هنا تتمثل في الافتقار إلى آليات التنفيذ لتحصيل الرسوم، مما يترك العديد من البلدان غير مسئولة عن المتأخرات المستحقة للاتحاد الأفريقي. فضلاً عن ذلك، فإن قرار كيجالي يتعارض مع التزامات بعض البلدان بمبدأ الدولة الأكثر رعاية في منظمة التجارة العالمية وغير ذلك من الالتزامات الجمركية، الأمر الذي يؤدي إلى خلق المزيد من العقبات أمام التنفيذ. وفي حين أن القرار يمكن أن يمنح الاستقلال المالي للاتحاد الأفريقي، فإنه يسلط الضوء أيضاً على التفاوتات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.

وللتخفيف من هذه التحديات، يدخل الاتحاد الأفريقي في شراكات رسمية مع كيانات خارجية، مثل الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، وغيرها. وتعمل هذه الشراكات بمثابة سبل للمساعدة المالية والتعاون، ولكنها أيضاً تربط استقلالية الاتحاد الأفريقي بمصادر التمويل الخارجية. على سبيل المثال، كان منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) فعالاً في تسهيل الاستثمارات والتجارة بين الصين وأفريقيا، ولكنه يسلط الضوء أيضاً على خطر التبعية والاختلالات المحتملة في الشراكات. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الشراكات الخارجية يمكن أن يؤدي إلى التسوق في المنتديات، حيث يعطي الاتحاد الأفريقي الأولوية للشراكات التي توفر أفضل فرصة لتحقيق أهدافه، مما قد يؤدي إلى إهمال أو تقليص العلاقات في مجالات أخرى. ومن الممكن أن تخلق هذه الديناميكية تحديات في الوفاء بالالتزامات والحفاظ على التوازن في الشراكات، كما رأينا في الخلل التجاري المتزايد بين الصين وأفريقيا. باختصار، في حين توفر الشراكات الخارجية طريقاً للتحايل على قيود التمويل، فإنها تفرض أيضاً تحديات كبيرة على استقلالية الاتحاد الأفريقي واستدامته في الوفاء بالتزاماته.

4- قضايا النفوذ

ربما يشبه الاتحاد الأفريقي "البطة العرجاء" ويكرر نفس خبرة منظمة الوحدة الأفريقية التي كانت بمثابة منتدى للكبار. يواجه الاتحاد تحديات مع الدول الأعضاء داخله ومع المؤسسات الدولية الأخرى والمجموعات الاقتصادية الإقليمية.  إن التوترات بين نيجيريا وجنوب أفريقيا داخل الاتحاد الأفريقي موثقة جيداً - بدءاً من الخلافات المبكرة حول الاتجاه الذي يجب أن تسلكه المنظمة، إلى انتهاك القاعدة التي تقضي بأن لا يرأس أي من البلدين مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى الخلافات الدبلوماسية التي أدت إلى ترحيل المواطنين من كل دولة، إلى كيفية مواصلة التكامل بين أكبر اقتصادين في القارة وفقاً لشروطهما. كما أدت القضايا السياسية في أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية إلى حرب إقليمية في منطقة البحيرات العظمى. ناهيك عن الخلاقات بين المغرب والجزائر أو بين دول حوض النيل. إن هذه الخلافات الدبلوماسية الداخلية التي ساد فيها "قانون الأقوياء" لا تُخلِّف آثاراً اقتصادية وسياسية واجتماعية فحسب، بل إنها أدت أيضاً إلى تعطيل العمل بشأن المسائل العاجلة.

وإلى جانب هذه النزاعات الدبلوماسية رفيعة المستوى، يتعامل الاتحاد الأفريقي أيضاً مع خلافات داخلية، مثل تلك التي تضع ذراعه السياسي بشكل مباشر، المؤتمر، في مواجهة ذراعه الفنية/التشغيلية، مفوضية الاتحاد الأفريقي. وفي حين أن مفوضية الاتحاد الأفريقي تتمتع بسلطة تفعيل تفويض الاتحاد الأفريقي وبرامجه كجهة فاعلة منفذة فإن المؤتمر بصفته منبراً لرؤساء الدول والحكومات هو هيئة صنع القرار. وعليه فإن السياسة الواقعية للزعماء الأفارقة بالغة الأهمية من حيث دفع المناقشات وتطبيق القرارات المتعلقة بالقضايا القارية. ومع ذلك يمكن للقادة استخدام نفوذهم السياسي لتحدي القواعد والأعراف الراسخة. أحد الأمثلة على ذلك هو رئيس غامبيا السابق، يحيى جامع، في يناير 2017، الذي وافق في البداية على التنحي عندما خسر أمام المرشح آنذاك أداما بارو. بيد أنه عدل عن موقفه بعد ذلك ورفض التنحي، على الرغم من دعوات الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للقيام بذلك. أدى رفضه إلى إعلان مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أنه لن يعترف بجامع كرئيس بعد 19 يناير 2017، كما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بنشر قوات جوية وبحرية حول غامبيا لتسهيل نقل السلطة. وبالمثل، قاومت جمهورية الكونغو الديمقراطية دعوة مفوضية الاتحاد الأفريقي لإعادة فرز الأصوات في الانتخابات التي أجريت في ديسمبر 2018 حيث كان من الواضح أن زعيم المعارضة فيليكس تشيكيدي فاز بأغلبية الأصوات. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك رفض الصومال اقتراح مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في عام 2021 بتحويل قوة حفظ السلام التابعة له، بعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال (أميصوم)، في مقديشو إلى مهمة مختلطة. إذ أعلنت وزارة الشئون الخارجية والتعاون الدولي الصومالية علناً معارضتها، بحجة أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لم يأخذ في الاعتبار آراء الحكومة الصومالية. وبعد مزيد من المناقشات، في 8 مارس 2022، تم تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2628 لتحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال اعتباراً من 1 أبريل 2022. وتتضمن خطة هذه المهمة تسليم العمليات الأمنية إلى قوات الأمن الصومالية ومؤسسات الدولة بحلول ديسمبر 2024. كما تعكس الانقلابات التي شهدتها منطقة الساحل خلال الفترة من 2020-2023 تراجعاً في هيبة ونفوذ الاتحاد الأفريقي.

وفي المقابل، يوضح الموقف الأفريقي المشترك بشأن المحكمة الجنائية الدولية والأزمة الروسية الأوكرانية كيف تختار الدول الأعضاء استخدام ثقلها الدبلوماسي لعزل نفسها عن سيطرة المؤسسات الدولية الأخرى، وهو اعتراف من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي ومفوضية الاتحاد الأفريقي بنفوذها. وقد برز ذلك واضحاً في عضوية الاتحاد الأفريقي في لجنة العشرين أواخر عام 2023. وينبع افتقار الاتحاد الأفريقي إلى النفوذ من تحديات مختلفة في التنسيق بين أجهزته ومع المجموعات الاقتصادية الإقليمية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمعالجة هذه القضايا من خلال البروتوكولات واجتماعات التنسيق، لا تزال التحديات قائمة. ويهدف بروتوكول عام 2008 بشأن العلاقات بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية إلى تحسين التعاون، ولكنه لم يحل المشكلات بشكل كامل. على سبيل المثال، سلط تقرير الإصلاح لعام 2017 الضوء على الحاجة إلى تعديل البروتوكول لمعالجة تحديات التنسيق بشكل فعال.

وتسعى التعديلات المقترحة إلى توسيع نطاق العلاقات وإنشاء أجهزة جديدة للتنسيق، مثل الاجتماع التنسيقي نصف السنوي، ولجنة التنسيق، وأمانة التنسيق. وفي حين تظهر هذه التغييرات الرغبة في تعزيز التعاون، فإنها تركز في المقام الأول على الجوانب الوظيفية والفنية بدلاً من سد الفجوة الإدارية بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ورؤساء دول المؤتمر. وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن قضايا النفوذ لا تزال قائمة، وخاصة فيما يتعلق بنفوذ الدول الأعضاء المهيمنة. ويتطلب تحسين التعاون بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية النظر في أدوات الإدارة الحالية على مستوى المجموعات الاقتصادية الإقليمية وتصور الدعم والاستقلالية التي سيقدمها الاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، فإن الديناميكيات غير الرسمية على المستوى السياسي والحاجة إلى إصلاحات داخل الأجهزة الفنية لتمكين الممارسين في المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي تعد ضرورية للتغلب على التحديات المتعلقة بالنفوذ السياسي والاقتصادي. في جوهرها، رغم أن الإصلاحات الوظيفية تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن معالجة ديناميكيات الحكم وتمكين الأجهزة الفنية تشكل أهمية بالغة لتعزيز فعالية الاتحاد الأفريقي ونفوذه.

5- الحوكمة والاستقلال المؤسسي

يمتد ملف حوكمة الاتحاد الأفريقي ليشمل عشرات من مجالات السياسة المختلفة، مثل الصحة والسلام والأمن والتنمية والتمويل وإشراك الشباب والمساواة بين الجنسين، وغيرها الكثير. إن اتساع مجالات القضايا يحد من عمق التغطية في كل مجال. إن الاتحاد الأفريقي، باعتباره منظمة دولية ذات نطاق عام، يواجه مشكلة تتعلق بالإفراط في الالتزام والاتساق في كيفية تحديد أولويات التزاماته. وفي حين أن الاتحاد الأفريقي قد يحاول أن يفعل الكثير، إلا أن هناك طرقاً يعمل بها الاتحاد الأفريقي على تخفيف هذه المخاوف من خلال ارتباطات شركائه. هناك قضيتان تحددان مشكلة التزام الاتحاد الأفريقي: تحديات التمويل والاختلافات في الاستقلال المؤسسي. ونظراً للافتقار إلى التمويل المستدام الذي يمكن التنبؤ به، يصبح الاتحاد الأفريقي يعتمد على مشاركة الشركاء للحصول على الدعم المؤسسي. نتيجة الاعتماد على ارتباطات الشركاء هي القدرة المحدودة أو المتنوعة على بناء الاستقلالية من خلال العلاقة الشريكة. أما القضية الثانية فهي التباين في الاستقلال المؤسسي بين أجهزة الاتحاد الأفريقي.

 

ومن جهة أخرى، تتجسد الاختلافات في الاستقلال المؤسسي داخل الاتحاد الأفريقي في الاختلافات بين مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي والمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض. ويعمل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي كهيئة رئيسية لاتخاذ القرار والقيام بتفسير انتهاكات قواعد الاتحاد الأفريقي، ومعالجة الصراعات الداخلية والخارجية، وتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالديمقراطية والحكم الرشيد. ومع ذلك، فإن تفويضها مرتبط برؤساء دول مؤتمر الاتحاد الأفريقي، مما يخلق إطاراً مؤسسياً معقداً حيث يجب أن تتماشى القرارات مع البروتوكولات الحالية ومصالح الدول الأعضاء. على الرغم من دوره الحاسم، يواجه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي تحديات في العمل بشكل مستقل بسبب العديد من العوامل التي يجب أن يأخذها في الاعتبار خارج نطاق ولاياته الفنية.

 

في المقابل، برز مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا كمؤسسة تابعة للاتحاد الأفريقي تتمتع باستقلالية كبيرة، خاصة خلال جائحة كوفيد-19. وبتفويض من جمعية الاتحاد الأفريقي، لعب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا دوراً استباقياً في الاستجابة للوباء، والتعاون مع شركاء عالميين مثل منظمة الصحة العالمية، وتسهيل تجارب اللقاحات في أفريقيا. ومنح الاتحاد الأفريقي مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا استقلالية للبحث عن شراكات وتنفيذ الاستجابات دون عقبات بيروقراطية، ورفعه إلى مكانة وكالة الصحة العامة القارية.

وتسلط الاختلافات في المسارات المؤسسية بين مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا الضوء على الدرجات المتفاوتة من الحيز المؤسسي والاستقلالية الممنوحة لكل جهاز. وفي حين يتعين على مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي التعامل مع الاعتبارات السياسية والتنسيق مع العديد من أصحاب المصلحة، فإن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا يعمل بمزيد من الحرية وخفة الحركة، مما يسمح له بمعالجة التحديات المرتبطة بالوباء بشكل أكثر فعالية. وتؤكد هذه الاختلافات أهمية التصميم المؤسسي والاستقلالية في تشكيل قدرة الاتحاد الأفريقي على الوفاء بالتزاماته والاستجابة للتحديات الناشئة.

6- الافتقار الي المصداقية

يتجلى الافتقار إلى مصداقية الاتحاد الأفريقي بوضوح في تطبيقه غير المتسق للمعايير والأساليب، وخاصة فيما يتعلق بالتغيير غير الدستوري للسلطة، الأمر الذي يقوض سلطته باعتباره جهة دبلوماسية فاعلة. وعلى الرغم من التعبير عن رفضه لمثل هذه التحولات وتعليق عضوية دول مثل بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان في أعقاب الانقلابات، إلا أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لم يتخذ إجراءاً مماثلاً بالنسبة لتشاد في عام 2021. وقد أثار هذا التناقض مخاوف بشأن مصداقية المنظمة، لا سيما وأن الرئيس الحالي لمفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، هو مواطن تشادي. إن عدم القدرة على تطبيق القواعد بشكل مستمر يؤدي إلى تآكل الثقة في الاتحاد الأفريقي وينتقص من إنجازاته منذ إنشائه في عام 2001. علاوة على ذلك، فإن قضايا التبعية والأبوية داخل الاتحاد الأفريقي تزيد من تحدي مصداقيته. لدى المنظمة أدوات مختلفة تهدف إلى تعزيز المصداقية، مثل لجنة الحكماء والآلية الأفريقية لمراجعة النظراء. وتضم لجنة الحكماء شخصيات أفريقية تحظى باحترام كبير لتعزيز مصداقية وموضوعية عملية صنع القرار، مع دمج المجموعات الاقتصادية الإقليمية في هيكلها. وعلى نحو مماثل، تعتمد الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء على الدول الأعضاء التي توفر معلومات حول التقدم الذي تحرزه نحو الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية. ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات تفتقر إلى المصداقية لأنها تتطلب موافقة الجهات الفاعلة الأفريقية الرئيسية ووجود صلة أكثر مباشرة بين نتائجها وتأثيرها على حياة المواطنين في الدول الأعضاء. ومع ذلك، تظل مصداقية الاتحاد الأفريقي معرضة للخطر بسبب تطبيقه غير المتسق للمعايير، وقضايا التبعية، والافتقار الملحوظ إلى التأثير على حياة المواطنين. ويشكل تعزيز مصداقية هذه المؤسسات وضمان توافقها مع أهداف الاتحاد الأفريقي خطوات حاسمة نحو تعزيز سلطة المنظمة وفعاليتها باعتبارها جهة فاعلة دبلوماسية في أفريقيا.

 

الخاتمة:

بعد نحو عقدين أو يزيد من إنشائه، قد يبدو الاتحاد الأفريقي في أعين كثير من الأفارقة مؤسسة غير فعالة يمكن الاستغناء عنها أو العيش بدونها. فعلى الرغم من الحروب المشتغلة في السودان والكونغو والتوتر بين دول حوض النيل والحرب على الإرهاب، يبدو الاتحاد وكأنه لا يحرك ساكناً. وتظل التنمية الاقتصادية هي أضعف القضايا المرتبطة بأداء الاتحاد الأفريقي. لقد كان من المفترض أن تعمل الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا على تطوير إطار سياسي محلي للتنمية الاقتصادية المستدامة. وتشمل أهدافها القضاء على الفقر وتعزيز النمو ودمج أفريقيا في الاقتصاد العالمي. ولا يزال عجز الاتحاد الأفريقي عن تنفيذ إطار التنمية الاقتصادية الخاص به يشكل عقبة أمام تحقيق أهدافه. ولا يمكن المبالغة في أهمية التكامل الإقليمي نظراً لانخفاض نسبة التجارة البينية الأفريقية مقارنة بالمناطق الأخرى. إذ يبلغ حجم التجارة بين دول القارة حوالي 15% من إجمالي التجارة، بينما تبلغ المعدلات في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية 68% و37% و20% على التوالي.

 

 

 

المراجع:

حمدي عبد الرحمن حسن، 2024-5-16، معضلة اصلاح الاتحاد الافريقي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

ب، ن، 16.1.2024، ماهي أولويات عملية إصلاح آليات عمل الاتحاد الإفريقي؟، ميدا نيوز.

 

 

المقالات الأخيرة