المسؤولية الأوربية عن ضحايا الهجرة
فرع بنغازي


لا يزال طابع عدم الاستقرار يُخيِّم على شبه الجزيرة الكورية في ضوء غياب آفاق إحلال السلام في هذه المنطقة المشتعلة منذ عقود؛ الأمر الذي يثير قلق دول العالم من احتمالية نشوب صراع مباشر بين الكوريتَين، اللتين تشهدان حرباً باردةً مدعومةً من العديد من القوى الكبرى واستمراراً لانعدام حالة اليقين في المنطقة

 وقَّعت كلٌّ من روسيا وحليفتها كوريا الشمالية اتفاقاً دفاعياً مشتركاً، وصفه المحللون بأنه يمثل أقوى اتصال بين موسكو وبيونج يانج منذ نهاية الحرب الباردة، خاصةً أنه يأتي في وقت تُواجِه فيه روسيا عزلةً متزايدةً بسبب الحرب في أوكرانيا، مع تكثيف وتيرة اختبارات أسلحة الدمار الشامل التي يُجريها الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون من ناحية، والتدريبات العسكرية المشتركة التي تشمل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، رداً على استفزازات بيونج يانج من ناحية أخرى.

وتنص المعاهدة الجديدة على إلزام روسيا وكوريا الشمالية بأن تُقدِّم كلٌّ منهما للأخرى المساعدة العسكرية الفورية إذا تعرَّضت أيٌّ منهما لهجوم من جانب دولة ثالثة، وهو ما يثير احتمال تورط روسيا بشكل شبه تلقائي في أي حرب مستقبلية بين الكوريتَين، وهو الأمر الذي قد أثار المزيد من المخاوف الأمنية لدى سيول، بل قد يجبرها على اتخاذ إجراءات مضادة، بهدف الرد على التصعيد الروسي الكوري الشمالي.

القلق الكوري الجنوبي تجاه التقارب

أثار استعداد بوتين الصريح للتعاون عسكرياً مع بيونج يانج مخاوف عميقة لدى سيول وذلك من خلال عدة صور أبرزها:

1– إدانة المسؤولين الرسميين الكوريين للاتفاق بين روسيا وكوريا الشمالية: فور الإعلان عن الاتفاق الدفاعي الجديد 

2– اعتبار أن الاتفاق الأمني يهدد استقرار سيول: ينظر جميع المسؤولين الحكوميين في كوريا الجنوبية إلى الاتفاق باعتباره تهديداً مباشراً لأمن واستقرار البلاد؛ حيث جاءت تعليقاتهم بعد ساعات من نشر وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية تفاصيلَ الاتفاق، بأنه قد يمثل أقوى اتصال بين موسكو وبيونج يانج منذ نهاية الحرب الباردة، فضلاً عن كونه يزيد من حالة عدم الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

3– تعقد مسألة التخلص من البرامج العسكرية الكورية الشمالية: أوضح المبعوث النووي الكوري الجنوبي السابق لي يونج جون، في يونيو 2024، أن الرئيس كيم يونج أون، من خلال إحيائه اتفاقَ عام 1961 الذي وُقِّع بين كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي آنذاك، قد حصل على أقوى أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي من الرئيس بوتين، وخاصةً اقتراح التدخل للدفاع عن كوريا الشمالية إذا تعرَّضت لأي هجوم خارجي.

4– إثارة الشكوك حول المظلة الأمنية الأمريكية: عقب توقيع الاتفاق الأمني الروسي الكوري الشمالي أثيرت العديد من التساؤلات داخل كوريا الجنوبية حول فاعلية المظلة الأمنية الأمريكية، ولا سيما المظلة النووية 

5– تزايد الرغبة الشعبية في حيازة السلاح النووي: تصاعد الحديث مؤخراً عن توجه المواطنين الكوريين الجنوبيين بشكل متزايد نحو المطالبة بضرورة امتلاك سيول قدرة نووية مستقلة، على خلفية تنامي الروابط بين موسكو وبيونج يانج، وتزايد التساؤلات حول التزام واشنطن بأمن بلادهم

6– محاولات تهدئة المخاوف من الاتفاق الأمني الجديد: على نقيض الآراء السابقة المثيرة للقلق بشأن الاتفاق الأمني الجديد، هناك العديد من المحللين الكوريين الجنوبيين الذين يختلفون معها؛ إذ يتساءلون إذا ما كانت المعاهدة بين روسيا وكوريا الشمالية قد أسَّست تحالفاً حقيقياً أم لا، مشيرين في هذا الصدد إلى أن بوتين قد امتنع عن استخدام هذه العبارة في تعليقاته العامة بعد توقيع المعاهدة، مناشدين الرئيس يون تبني رد فعل أكثر حذراً تجاه المنطقة.

أوجه التعامل الرسمي المرتقب

إن العلاقات الأمنية المتوسعة بين روسيا وكوريا الشمالية تضع سيول أمام خيارات متعددة للرد على الاتفاق الأمني الأخير، ويمكن تناول أبرزها على النحو التالي:

1– التصعيد ضد موسكو عسكرياً في أوكرانيا: إن دخول روسيا في هذا النوع من التحالف مع كوريا الشمالية، قد يُلحِق ضرراً بالغاً بعلاقات روسيا مع كوريا الجنوبية؛ حيث إنه بالنسبة إلى سيول، تمثل الاتفاقية الأمنية الجديدة هزيمة دبلوماسية كبرى؛ نظراً إلى إفشالها جهوداً استمرت لعقود من الزمن لبناء علاقة خاصة مع موسكو، والتمييز بين كوريا الشمالية وروسيا في علاقاتها الخارجية. 

2– إعادة تقييم العلاقات الاقتصادية بين سيول وموسكو: قد لا تكتفي سيول بالتصعيد ضد موسكو عسكرياً فحسب، بل قد تلجأ إلى استخدام الأداة الاقتصادية في الرد على اتفاق روسيا مع كوريا الشمالية؛ نتيجةً لتشويه روسيا، عن غير قصد، أحد أحجار الزاوية الرئيسية للعلاقات الروسية مع كوريا الجنوبية، التي ترتكز على "اتفاقية التعاون في المجال العسكري والتقني وصناعة الدفاع والخدمات اللوجستية بين حكومة جمهورية كوريا وحكومة الاتحاد الروسي"، وهي اتفاقية تعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية بين البلدين 

3– تعزيز تحالفات كوريا الجنوبية الأمنية مع الغرب: قد تلجأ كوريا الجنوبية إلى استخدام القلق المثار من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بهدف ردع جارتها الشمالية

4– اللجوء المحتمل إلى حيازة السلاح النووي: أثناء كلمته في البرلمان الكوري الجنوبي، في 25 يونيو 2024، أشار هان دونج هون وهو سياسي من المتوقع أن يترشح لزعامة حزب قوة الشعب الحاكم في المستقبل إلى أن الوضع الدولي يمكن أن يتغير دائماً، 

5– مواصلة الاعتماد على الحرب النفسية في مواجهة كوريا الشمالية: أدت حملات توزيع المنشورات التي قام بها ناشطون مدنيون من كوريا الجنوبية في الأسابيع الأخيرة، إلى استئناف الحرب النفسية على غرار الحرب الباردة على طول الحدود بين الكوريتين؛ وذلك عن طريق إرسالهم نحو 20 بالوناً تحمل تقريباً 300 ألف منشور دعائي وحوالي 5 آلاف وحدة تخزين USB تحتوي على أغاني بوب كورية جنوبيةومسلسلات درامية تلفزيونية، و3 آلاف دولار أمريكي، من مدينة باجو الحدودية في كوريا الجنوبية 

وبدورها، أطلقت كوريا الشمالية أكثر من ألف بالون، أسقطت من خلالها أطناناً من القمامة في كوريا الجنوبية؛ ما أدى إلى تحطيم بلاط الأسقف والنوافذ، وتسبب في أضرار أخرى بالممتلكات.

6– الإبقاء على الوضع الراهن وتجنُّب التصعيد ضد موسكو: لا تزال السياسة الداخلية لكوريا الجنوبية تشكل حاجزاً محتملاً آخر أمام مشاركتها بشكل أكبر في حرب أوكرانيا؛ فوفقاً لاستطلاع رأي نُشِر في أبريل 2023، يعارض ما يقرب من 60% من الكوريين الجنوبيين تسليح أوكرانيا. 

أهم المواقف الدولية تجاه زيارة بوتين لكوريا الشمالية

- الصين

إن التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ عقلاني فالاستراتيجية طويلة الأمد للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لعزل وقمع البلدين تدفعهم تلقائيا إلى العمل معا لمواجهة التهديدات المشتركة التي تأتي من الولايات المتحدة

- الولايات المتحدة الأمريكية

تعرب واشنطن وحلفاؤها عن قلقهم بشأن التعاون العسكري المتزايد بين روسيا وكوريا الديمقرطية ويعتقد أن لدى الأخيرة مخزونات كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ التي يمكن أن تكون متوافقة مع الصواريخ السوفيتية والروسية

- كندا

تنص الاتفاقية الجديدة على أن الدولتين ستقدمان المساعدة لبعضهما البعض في حالة وقوع عمل عدواني ضد أي منها ومن المؤكد أن كلمات بوتين وكيم جونغ أون المنصوص عليها في الاتفاقية سيتم فهمها الآن بقلق من جانب الدول الغربية في سياق حقيقة ما يمكن أن تعنيه بالنسبة لأوكرانيا والمجتمع الدولي ككل

- فرنسا

لقد احتفى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفخامة كبيرة حيث يشهد الاستقبال المهيب على العلاقات الودية التي تربط البلدين

- إيطاليا

التعاون العسكري والوعد بالمساعدة الضمنية هما البندان الأساسيان في الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون 

- تركيا

لقد حظيت الزيارة بمتابعة عن كثب في الغرب الذي يشعر بالقلق من التقارب العسكري بين البلدين

- استراليا

يراقب الغرب بقلق توقيع فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون على اتفاقية دفاع جديدة



ختاماً

 تواصل التوترات في شبه الجزيرة الكورية صعودها إلى أعلى مستوياتها، خاصةً في ضوء إبرام الاتفاق الدفاعي الجديد بين روسيا وكوريا الشمالية، بل من المتوقع أيضاً أن تستمر حدة التوترات في شبه الجزيرة ما دام الصراع قائماً بين الجارتين الكوريتين، وسط تزايد الدعم الخارجي لكلٍّ منهما على حِدَة من ناحية أخرى، ستظل حرب أوكرانيا واحتمالية امتدادها إلى شبه الجزيرة الكورية تفرضان عبئاً ثقيلاً على العلاقات بين سيول وموسكو، نتيجةَ تمسك الجانبَين بمصالحهما الأساسية فيما يتصل بكوريا الشمالية وأوكرانيا فضلاً عن عدم امتلاكهما سوى مساحة ضئيلة للتحرك لتضييق هوة الخلافات بينهما، خاصةً أن العلاقات بين موسكو وبيونج يانج لا تشكل تهديداً أمنياً مباشراً لسيول فحسب، بل تقوض أيضاً منظومة العقوبات القائمة ضد كوريا الشمالية بشكل كبير.


المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

التاريخ : 10/7/2024

--------------------------------------------------------------

المصدر: موقع RT

التاريخ : 21/6/2024

المقالات الأخيرة