عملة مجموعة البريكس الجديدة
فرع بنغازي

تسعى مجموعة "بريكس" إلى طرح عملة موحدة جديدة، من أجل استخدامها في التبادلات التجارية بين دولها بدلاً من الدولار. وتروم هذه الخطوة القضاء على هيمنة العملة الأمريكية على التجارة العالمية، خصوصاً في وقت أصبح فيه أداة عقاب اقتصادي ضد بعض دول المجموعة.

عاد الحديث عن عملة موحدة جديدة تعتزم دول مجموعة "بريكس" إطلاقها، من أجل اعتمادها في المبادلات التجارية بين تلك الدول، وبينها وبين العالم، في سبيل منافسة الدولار الأمريكي الذي يهيمن كعملة مرجعية على معظم التجارة العالمية، من أجل القضاء على تلك الهيمنة.

ولا يعد الحديث عن عملة موحدة لـ" بريكس" قضية جديدة، بل أُثيرَت منذ سنوات، غير أنها تكتسب إلحاحاً كبيراً مؤخراً، بخاصة بعد الحرب في أوكرانيا، إذ أصبح الدولار أداة عقابية ضد الاقتصاد الروسي، ما دفعه إلى البحث عن بدائل جديدة لتجارته الخارجية، على رأسها النفط والحبوب

عملة "بريكس" الجديدة

وحسب تقرير لوكالة "سبوتنيك" الروسية، فإن دول "بريكس" (روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل) بصدد إنشاء وسيلة جديدة لمدفوعات تجارتها البينية والخارجية في شكل عملة موحدة. وهو ما أكده، وفق الوكالة، نائب رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر بابا كوف، خلال حديثه على هامش منتدى الأعمال الهندي-الروسي في نيودلهي مطلع أبريل الجاري.

وقال بابا كوف إن هذه العملة الجديدة ستُنشأ على أساس استراتيجي، وليست قائمة على الدولار أو اليورو، وإن تأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والسلع الأخرى مثل المعادن النادرة. مؤكداً أن خطة إطلاق هذه العملة ستُعرَض في قمة قادة "بريكس" هذا العام.

تأتي هذه الخطوة بعد تصريحات سابقة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في يناير الماضي، قال فيها إن مبادرة إنشاء عملة موحدة بين الدول الأعضاء ستُناقَش خلال القمة المقرَّر عقدها في جنوب إفريقيا، في أغسطس المقبل.

وأوضح لافروف أن "هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه المبادرات، التي ظهرت... قبل أيام فقط، بخصوص الحاجة إلى التفكير في إنشاء عملات خاصة داخل مجموعة دول بريكس، وداخل مجتمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي". مضيفاً أنه "سيكون هذا بالتأكيد على أجندة قمة بريكس، التي ستُعقَد في جمهورية جنوب إفريقيا في نهاية أغسطس، حيث دُعيَت مجموعة من الدول الإفريقية".

وتسعى مجموعة بريكس من خلال هذه الإجراءات للقضاء على هينة الدولار على المبادلات التجارية العالمية. وفي هذا الصدد، بنهاية شهر مارس المنصرم وقّع كل من البرازيل والصين اتفاقاً للتخلي عن الدولار الأمريكي في معاملاتهما الثنائية، وهو ما يُتوقع أن يقلّل تكاليف الاستثمار ويؤدّي إلى تَطوُّر العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

كيف تسعى "بريكس" للإطاحة بالدولار؟

أصبحت الدعوات إلى التخلِّي عن الدولار داخل مجموعة "بريكس" أكثر إلحاحاً عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ أصبحت العملة الأمريكية إحدى الأدوات العقابية الغربية ضدّ الاقتصاد الروسي.

كما دفع هذا الواقع دول المجموعة الاقتصادية إلى تكثيف التعاون بينها، وهو ما يؤكده مندوب جنوب إفريقيا لدى "بريكس" أنيل سوكلال بقوله: "لم تفرض الأمم المتحدة عقوبات على روسيا، بل فقط عقوبات (غربية) أحادية الجانب، لذلك فعلاقتنا مع روسيا أقوى من أي وقت مضى".

يمثّل تكتل "بريكس" قوة اقتصادية عالمية، تسعى لتكون القطب الأساسي الثاني في الاقتصاد العالمي، لتعدادها السكاني الكبير وغناها من حيث الموارد الطبيعية وقوتها الصناعية.

ويبلغ تعداد سكان "بريكس" أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، أي ما يقرب من 42% من إجمالي سكان العالم. فيما بلغ الناتج المحلي الاسميّ لهذه الدول عام 2018 نحو 19.6 تريليون دولار، أي نحو 23.3% من إجمالي الناتج العالمي. وفي عام 2020، على الرغم من الأزمة الصحية، عادل ناتجها الخام 18.6 تريليون دولار خلال، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

وحسب منظمة التجارة العالمية، صدّرت دول "بريكس" عام 2020 ما قيمته 3.3 ترليون دولار من السلع، 2.6 ترليون دولار منها صدّرَتها الصين وحدها. وتصدّر المجموعة ما يعادل 16% من مجمل الصادرات العالمية، كما تستورد 17% من مجمل الواردات في العالم.

ومنذ تأسيسها تشهد اقتصادات بريكس نموّاً مطّرداً، ويتنبأ محللون ببلوغها نسبة نمو 40% بحلول 2025.

ووفقاً لهذه الأرقام، يرى محللون أن مجموعة "بريكس" تملك المؤهلات الاقتصادية والديموغرافية والطبيعية لإزاحة هيمنة الدولار عن عرش التجارة الدولية، الذي تَربَّع عليه عقب الحرب العالمية الثانية.

عملة بريكس: داخل وخارج الدول الأعضاء في المجموعة

بطبيعة الحال، يعمل الإعلام الغربي - والعديد من منصات السوشال ميديا التي تدور في الفلك ذاته - ليل نهار للحديث عن «درجة المخاطر والهشاشة واستحالة تنفيذ مشروع R5». وتعامى بشكل مقصود عن تسليط الضوء على الفوائد التي ستعود ليس فقط على اقتصادات بريكس بل والأسواق الناشئة بشكل عام، وكذلك عن توضيح الطرائق الفعلية التي سيتم بموجبها إطلاق العملة الاحتياطية لمجموعة البريكس.

وتم تقديم الكثير من الحجج والادعاءات المتعلقة بعملة R5 مثل إن بريكس لا تشكل منطقة عملة مثالية وإن كثافة التجارة البينية بين دول البريكس يجب أن تكون أعلى بكثير من أجل السماح بإنشاء عملة مشتركة.

لكن هذه الحجج كلها تتلاشى أمام الأرقام الحقيقية، حيث تشير الاتجاهات التي لوحظت في السنوات الأخيرة إلى انتعاش ملحوظ في التجارة البينية بين دول البريكس، مع انتعاش التجارة الثنائية بين الصين والبرازيل (تجاوز 135 مليار دولار أمريكي في عام 2021 وأكثر من 150 مليار دولار أمريكي في عام 2022، مسجلاً خمس سنوات من الأرقام القياسية المتتالية). البرازيل والهند (وصل إلى 11.5 مليار دولار أمريكي في عام 2021 (نمو أكثر من 60%) ويقترب من الهدف المحدد لعام 2022 البالغ 15 مليار دولار أمريكي). روسيا والهند (تجاوز 31 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بزيادة تقارب 3 أضعاف مقارنة بعام 2021). الصين وروسيا (ما يقارب 190 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ147 مليار دولار أمريكي في عام 2021). حيث سجلت جميعها ارتفاعات قياسية في عام 2022 مع زيادات كبيرة على أساس سنوي. ومن المرجح أن تزداد حصة التجارة فيما بين بلدان الجنوب (وداخل دول بريكس+) مع استفادة الاقتصادات النامية من الإمكانات الكبيرة في التجارة المتبادلة عبر الابتعاد عن الدولار.

 

 

 

المراجع:

(ب ، ن ) ، 6.3.2023 ، R5 عملة مجموعة بريكس الجديدة.. ونهاية إمبراطورية الدولار الأمريكي ، حزب الارادة الشعبية .

(ب ، ن ) ، 23.8.2023 ، ما عملة «بريكس»؟ وهل بالإمكان اعتمادها؟ ، صحيفة الشرق الأوسط .

 

         

المقالات الأخيرة